إعداد/ أسماء رفاعي
باحثة في الشأن الإفريقي
منذ اللحظات الأولى لقرع طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تفاقمت مخاوف الدول الإفريقية بشأن الانعكاسات المحتملة لتلك الأزمة على الأمن الغذائي للقارة، وذلك في ضوء اعتماد نحو ثلث الدول الإفريقية على روسيا وأوكرانيا في واردات الحبوب، خاصةً القمح؛ حيث تستورد حوالي 20 دولة إفريقية 90% من احتياجاتها من القمح من كلا البلدين، هذا فضلًا عن حساسية توقيت اندلاع الأزمة للقارة السمراء التي لم تتعافَ بعدُ من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا، والتي أدَّت إلى انخفاض الانتاجية الزراعية بنسبة 18%، وزيادة معدلات الجوع بنسبة 20%، بالإضافة إلى الظواهر المناخية المتطرفة التي عصفت بالعديد من دول القارة في الآونة الأخيرة، وفي مقدّمتها شُحّ الأمطار، وموجات الجفاف الحاد في شرق إفريقيا، وانتشار أسراب الجراد الصحراوي، بما يُعرّض المنطقة لأسوأ طاعون للجراد منذ 70 عامًا.([1])
وفي ضوء تشابك العوامل سالفة الذكر؛ فإن القارة الإفريقية تعاني أزمة غذاء حادة؛ حيث تشير تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن نحو 346 مليون شخص في القارة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بما يؤكد أن قرابة ربع سكان القارة لا يستطيعون تلبية حاجتهم الأساسية من الطعام.([2])
ورغم الجهود الدولية والأممية الحثيثة لمحاولة التخفيف من وطأة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على البلدان النامية، وفي صدارتها الدول الإفريقية، عبر توقيع “مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب” في 22 يوليو 2022م؛ لسد فجوة إمدادات الغذاء العالمية، بما ساهم في خفض الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية التي وصلت إلى مستويات قياسية قبيل توقيع الاتفاقية([3])، غير أن تعليق روسيا مشاركتها في الاتفاقية قبيل أيام من الذكرى السنوية الأولى لتوقيعها، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ودخولها للعام الثالث على التوالي دون نهاية تلوح في الأفق؛ كل ذلك يثير المخاوف بشأن آفاق الأمن الغذائي الإفريقي؛ خاصةً مع تصاعد تحذيرات المراقبين من نضوب الاحتياطات الغذائية الإستراتيجية خلال الفترة المقبلة، مع عجز المزارعين عن تحمُّل تكلفة الأسمدة.([4])
وفي هذا الإطار، يُسلِّط هذا المقال الضوء على آفاق الأمن الغذائي الإفريقي في الذكرى الثالثة لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك عبر التطرُّق لتأثير الأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائي لدول القارة في المقام الأول، ومدى مساهمة “مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب” في درء مخاطر الأزمة، وتداعيات انسحاب موسكو من الاتفاقية على الأمن الغذائي للقارة، مع محاولة استشراف آفاق الأمن الغذائي للقارة السمراء في العام الثالث للأزمة الأوكرانية.
الأزمة الأوكرانية.. الأمن الغذائي الإفريقي على المحك:
تلعب أوكرانيا دورًا محوريًّا في سوق الغذاء العالمي؛ باعتبارها سلة خبز العالم؛ حيث تزوّد كييف دول العالم بنحو 45 مليون طن من الحبوب سنويًّا، فضلًا عن كونها من بين أكبر خمس دول مُصدِّرة للشعير والذرة والقمح على مستوى العالم، وأكبر مُصدّر لزيت دوّار الشمس بنسبة 46% من الصادرات العالمية، وغالبًا ما يتم شحن 90% من صادرات الحبوب الأوكرانية في الظروف الطبيعية عبر الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود.
وفي هذا الإطار، ألقت الأزمة الأوكرانية بظلالها السلبية على الأمن الغذائي العالمي منذ الأيام الأولى لاندلاعها في 24 فبراير 2022م؛ حيث فرضت موسكو حصارًا على الموانئ الأوكرانية، وخاصة ميناء أوديسا، وحالت دون مغادرة سفن الحبوب لتلك الموانئ، بما فاقم المخاوف المحدقة بالأمن الغذائي العالمي، وذلك في ضوء تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، بأن الأزمة الأوكرانية ستدفع نحو 47 مليون شخص حول العالم إلى “انعدام الأمن الغذائي الحاد”.([5])
هذا، وقد انعكست الأزمة الأوكرانية بصورة فورية على أسواق الغذاء العالمية؛ حيث ارتفع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الأغذية بنسبة 12.6% في الفترة من فبراير إلى مارس 2022م؛ ليسجل أعلى رقم له منذ تدشين المؤشر في تسعينيات القرن المنصرم، هذا فضلًا عن تحذيرات برنامج الأغذية العالمي من ارتفاع معدلات الجوع العالمية بنسبة 17% جراء الأزمة، لا سيَّما في دول شرق وغرب وجنوب إفريقيا؛ حيث أشارت التوقعات إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد في هذه الدول بنسبة 20.8%، بما يؤثر على نحو 174 مليون شخص.([6])
وفي هذا السياق، برزت أزمة انعدام الأمن الغذائي بصورة حادة في الدول الإفريقية، التي كانت في طليعة دول العالم التي تأثرت سلبًا بالحرب الروسية الأوكرانية، لا سيَّما وأنها كانت تعاني وضعًا مأزومًا قبيل اندلاع الحرب جراء التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا، خاصةً ما يتعلق بتعثر جهود الإنتاج وسلاسل التوريد العالمية، فضلًا عن الظروف المناخية المتطرفة التي تشهدها تلك الدول مثل الفيضانات، وشحّ الأمطار، وموجات الجفاف، والتي دفعت نحو 16 مليون شخص في القرن الإفريقي إلى حافة المجاعة.([7])
ورغم امتلاك الدول الإفريقية نحو 65% من الأراضي غير المزروعة في العالم، فإنها تُعدّ مستوردًا صافيًا للغذاء، لا سيَّما من روسيا وأوكرانيا اللتين توفران نحو 40% من إمدادات القمح للقارة الإفريقية، كما تشير تقديرات بنك التنمية الإفريقي (AfDB) إلى أن دول القارة تنفق ما يتجاوز 75 مليار دولار سنويًّا لاستيراد نحو 100 مليون طن متري من الحبوب سنويًّا.([8])
وفي هذا السياق، تُعدّ نيجيريا رابع أكبر مستورد للقمح في العالم، وتتلقى نحو ربع وارداتها من روسيا وأوكرانيا، كما يعتمد كل من السودان، والكاميرون، وتنزانيا، وأوغندا، على كلا البلدين في 40% من واردات القمح، هذا فضلًا عن اعتماد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة على أوكرانيا في حوالي نصف واردات القمح التي يوزعها حول العالم، والتي يذهب جزء كبير منها إلى الدول الإفريقية([9]) .
وتجدر الإشارة إلى أن الأزمة الأوكرانية فاقمت انعدام الأمن الغذائي للقارة السمراء؛ حيث أشار بنك التنمية الإفريقي إلى أن الأزمة تسبَّبت في نقص الحبوب في القارة بنحو 30 مليون طن، فضلًا عن الزيادة الحادة في تكلفة السلع الغذائية، علاوةً على ذلك، أكَّدت بيانات صندوق النقد الدولي ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية في إفريقيا بمتوسط 23.9% بين عامي 2020م و2022م، لتسجل أعلى معدل لها منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008م.([10])
وفي السياق ذاته، أفادت حكومة الكاميرون في 21 مارس 2022م، بأن الأزمة الأوكرانية ونقص إمدادات القمح أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز بنسبة 40%، بما حال دون وصول ما يقرب من نصف مواطنيها البالغ عددهم 26 مليون شخص إلى إمدادات الخبز بصورة منتظمة، كما بلغ معدل تضخم أسعار المواد الغذائية في كينيا 17.2% على أساس سنوي في مارس 2022م، ويُعزَى ذلك بصورة رئيسة إلى ارتفاع أسعار الحبوب.
علاوةً على ذلك ارتفعت أسعار القمح في كينيا -التي تستورد 90% من إجمالي القمح الذي تستهلكه من روسيا وأوكرانيا- بنسبة 17.68% في مارس 2022م، فضلًا عن ارتفاع أسعار الأسمدة بنسبة 70% مقارنة بعام 2021م، لا سيَّما وأن روسيا تستحوذ على 17% من واردات الأسمدة إلى البلاد، وفي هذا الإطار، حذَّرت منظمة “أوكسفام” من انخفاض إنتاج المحاصيل في كينيا بنسبة 70%، مشيرة إلى كارثة تلوح في الأفق مع معاناة نحو 3.1 ملايين شخص من الجوع الحاد، فضلًا عن أن ما يقرب من نصف الأُسَر في كينيا يقترضون الطعام أو يشترونه عن طريق الاقتراض.([11])
وفي ضوء تقديرات صندوق النقد الدولي التي تشير إلى أن الأُسَر الإفريقية تنفق نحو 50% من إجمالي دخلها على الغذاء والطاقة، عجزت العديد من الأُسَر عن استيعاب معدلات الارتفاع في أسعار السلع الغذائية جراء الأزمة الأوكرانية، وحاول بعضها التكيف عبر شراء سلع غذائية ذات جودة منخفضة، أو تناول كميات أقل من الغذاء، وتقليل النفقات المخصَّصة للصحة أو التعليم، وتتفاقم معاناة هذه الأُسَر في ظل غياب أنظمة الحماية الاجتماعية الفعّالة في العديد من الدول الإفريقية؛ إذ تشير بيانات منظمة العمل الدولية لعام 2020م، إلى أن 8 من كل 10 أفارقة غير مشمولين بأيّ شكل من أشكال الحماية الاجتماعية.([12])
“مبادرة البحر الأسود”.. محاولة لدرء مخاطر الأزمة:
في إطار الجهود الدولية والأممية الحثيثة لدرء المخاطر التي واجهت الأمن الغذائي العالمي جراء الأزمة الأوكرانية، تمّ إطلاق “مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب” في اجتماع ضمّ ممثلي الأمم المتحدة، وتركيا، وأوكرانيا، وروسيا في إسطنبول في 22 يوليو 2022م؛ لضمان استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود إلى بقية دول العالم؛ حيث تم إنشاء مركز تنسيق مشترك بموجب الاتفاقية؛ لتفتيش السفن قبالة إسطنبول، ومرروها عبر ممر بحري إنساني آمن يشمل ثلاثة موانئ أوكرانية رئيسية، هي: تشورنومورسك، أوديسا، ويوجني/ بيفديني، كما يتم تفتيش السفن في رحلة العودة.([13])
وتجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا في الظروف الطبيعية تُصدِّر نحو 5 ملايين طن متري من الحبوب والبذور، والبذور الزيتية شهريًّا عبر موانئها على البحر الأسود، وانخفضت هذه الأرقام إلى الصفر فور اندلاع الحرب وحصار الموانئ الأوكرانية، ثم عادت وارتفعت مجددًا بموجب المبادرة لتسجل 4.2 مليون طن متري في أكتوبر 2022م.([14])
وفي هذا السياق، أكَّدت الأمم المتحدة في 10 يوليو 2023م، أن الاستئناف الجزئي لصادرات الحبوب الأوكرانية بموجب الاتفاقية ساهم في عكس الارتفاع الحاد لأسعار السلع الغذائية؛ حيث انخفض مؤشر الفاو لأسعار الحبوب بأكثر من 23% مقارنة بمعدلاته التي بلغت ذروتها في مارس 2022م، هذا فضلًا عن نجاح المبادرة في تصدير ما يتجاوز 32 مليون طن من السلع الغذائية إلى نحو 45 دولة حول العالم.
واستحوذت البلدان النامية على نصيب الأسد من هذه الحبوب بموجب تبرعات برنامج الأغذية العالمي؛ إذ تشير التقديرات الأممية إلى أن برنامج الأغذية العالمي تمكّن من شراء 80% من مخزونه العالمي من القمح من كييف بفضل المبادرة، والتي مكّنت البرنامج من تقديم نحو 725 ألف طن من القمح للدول التي تعاني وطأة انعدام الأمن الغذائي جراء الأزمة، وفي مقدمتها إثيوبيا، وكينيا، والصومال، والسودان([15]) .
وتشير التقديرات الأممية إلى أن خفض أسعار المواد الغذائية الأساسية بموجب المبادرة قد حال دون وقوع نحو 100 مليون شخص حول العالم في براثن الفقر المدقع.([16])
هذا، وقد أعلنت موسكو في 17 يوليو 2023م، تعليق مشاركتها في مبادرة “البحر الأسود لنقل الحبوب” لأجل غير مسمى، بدعوى أن الأمم المتحدة والدول الغربية فشلت في الوفاء بتعهداتها لاستمرار الاتفاقية، لا سيَّما تلبية مطالب موسكو ذات الصلة برفع العقوبات وإعادة البنك الزراعي الروسي إلى نظام “سويفت” (SWIFT) العالمي للتعاملات بين المصارف. فرغم أن العقوبات الغربية تنص على إعفاءات للمواد الغذائية والأسمدة، غير أن الكرملين يؤكد أن العقوبات التي تستهدف بعض الأفراد الروس، والبنك الزراعي الروسي؛ تُعيق الصادرات الروسية. جدير بالذكر أن الأمم المتحدة وبروكسل قدمتا حلًّا وسطًا للالتفاف على هذا الأمر عبر إنشاء وحدة جديدة داخل البنك يمكن من خلالها إجراء معاملات تتعلق بتجارة الحبوب، غير أن موسكو رفضت هذا العرض.([17])
وفيما يخص احتمالية عودة روسيا إلى الصفقة، أكَّدت الأمم المتحدة وأنقرة أنهما ستعملان على إعادة الممثلين الروس إلى طاولة المفاوضات مجددًا، فيما أشارت موسكو إلى أنها لن تعود إلى الانضمام إلى المبادرة إلا إذا تمّ تخفيف القيود التي تَحُول دون وصول صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة (التي تخضع لعقوبات غربية) إلى الأسواق العالمية.([18])
ورغم تعهُّد الأطراف الأخرى في المبادرة بالاستمرار في مواصلة عمليات التفتيش بدون روسيا، غير أن الأخيرة حذَّرت من استمرار الصفقة بدونها، مؤكدةً استحالة استمرار المبادرة بدون ضمان موسكو لسلامة الملاحة.([19])
ورغم انخفاض عدد الشحنات التي يتم تصديرها في إطار المبادرة إلى 1.3 مليون طن متري فقط من الحبوب في مايو 2023م، وعدم تسجيل أيّ سفن جديدة منذ نهاية شهر يونيو 2023م، وتأكيد الجانب الروسي أن 3% فقط من الصادرات الأوكرانية في إطار المبادرة تذهب إلى دول نامية، غير أن تعليق موسكو لمشاركتها في المبادرة ينعكس سلبًا على الأمن الغذائي؛ حيث أكَّد برنامج الأغذية العالمي أن تعليق صفقة الحبوب يقطع الشريان الرئيسي للصادرات الغذائية العالمية، كما حذر صندوق النقد الدولي من أن انسحاب موسكو يُنذر بتفاقم المخاطر المحدقة بالأمن الغذائي العالمي، لا سيَّما في الدول النامية.([20])
وتجدر الإشارة إلى أن قضية الأمن الغذائي احتلت صدارة الأولويات المدرجة على أجندة القمة الروسية- الإفريقية التي عُقدت بعد 10 أيام من قرار موسكو بتعليق مشاركتها في “مبادرة حبوب البحر الأسود”، ورغم تعهدات الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على هامش القمة بتزويد 6 دول إفريقية، هي: بوركينا فاسو، وزيمبابوي، ومالي، والصومال، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وإريتريا، بما يتراوح بين 25 إلى 50 ألف طن من الحبوب على مدار أربعة أشهر، غير أن هذا الرقم ضئيل جدًّا مقارنةً بحجم الحبوب التي قدّمها برنامج الأغذية العالمي لدول القارة في إطار المبادرة، والتي بلغت 725 ألف طن. وفي هذا الإطار طالب القادة الأفارقة المشاركون في القمة باستئناف مبادرة البحر الأسود، كما شدَّد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “موسى فقي محمد” على أهمية انتهاء الحرب التي انطوت على تداعيات كارثية على إمدادات الغذاء والطاقة.([21])
استمرار الأزمة الأوكرانية.. ناقوس خطر للدول الإفريقية:
يدق استمرار الأزمة الأوكرانية ودخولها للعام الثالث على التوالي ناقوس الخطر للدول الإفريقية؛ حيث أكَّدت بيانات وزارة الزراعة الأوكرانية في 30 أكتوبر 2023م، انخفاض صادرات الحبوب في أكتوبر إلى النصف تقريبًا على أساس سنوي إلى 2.15 مليون طن، من 4.22 مليون طن، مشيرة إلى انخفاض الصادرات الأوكرانية من الحبوب إلى 8.9 مليون طن في موسم 2023-2024م، بدلًا من 12.9 مليون طن في موسم 2022 – 2023م، وذلك على خلفية إغلاق الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، والهجمات الروسية المستمرة على الموانئ المُطلة على نهر الدانوب.([22])
وتعد الدول الإفريقية في صدارة الدول التي تتأثر سلبًا باستمرار الحرب ورفض استئناف مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب، وذلك في ضوء التقديرات الأممية لعام 2023م، التي تؤكد أن القارة الإفريقية سجَّلت أعلى معدل لانعدام الأمن الغذائي في العالم خلال عام 2020م؛ حيث تؤكد بيانات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، أن إفريقيا لديها 26% من حالات انعدام الأمن الغذائي الحاد، و60% من حالات انعدام الأمن الغذائي المعتدل/ الشديد على مستوى العالم، كما أفاد بنك التنمية الإفريقي في يناير 2023م، بارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي بصورة حادة خلال عام 2022م، حيث يعاني نحو 300 مليون إفريقي انعدام الأمن الغذائي.([23])
وفي هذا الإطار، تبرز منطقة شرق إفريقيا باعتبارها الأكثر تضررًا في القارة؛ حيث تستورد دول هذه المنطقة نحو 80% من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، ويقطنها نحو 50 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، وفي ضوء ذلك، عمد برنامج الأغذية العالمي إلى تقديم نصف الحبوب التي حصل عليها في إطار المبادرة إلى دول شرق إفريقيا، وخاصة إثيوبيا، وكينيا، والصومال، ومِن ثَمَّ فإن استمرار الأزمة الأوكرانية سينطوي على عواقب وخيمة لهذه الدول.([24])
وتتزايد وطأة معاناة هذه الدول في ضوء الظواهر المناخية المتطرفة التي عصفت بها في الآونة الأخيرة؛ لا سيَّما في الصومال الذي شهد مؤخرًا أسوأ موجة جفاف على مدار العقود الأربعة المنصرمة، والتي أدت إلى تراجع الإنتاجية الزراعية وزيادة معدلات انعدام الأمن الغذائي في البلاد؛ حيث يعاني 40% من السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ورغم تراجع أسعار القمح التي تضاعفت في أعقاب الأزمة الأوكرانية بمقدار الربع بموجب مبادرة الحبوب؛ فإن انسحاب روسيا من المبادرة واستمرار الحرب ينذر بدفع ملايين الأشخاص إلى حافة المجاعة، بما يفاقم حالة عدم الاستقرار التي يشهدها الصومال.
ولا تقتصر هذه المخاطر على الصومال فحسب، وإنما من المرجَّح أن تُواجه كينيا التي تتعرض لأسوأ موجة جفاف يشهدها القرن الإفريقي منذ عقود إلى ضغوط مماثلة، لا سيَّما وأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية سيدفع وكالات الإغاثة والإنقاذ الدولية لزيادة التحويلات النقدية التي تقدمها للأشخاص لشراء مستلزماتهم من الطعام، بما يجبرها على تقليل عدد المستفيدين من المعونات التي تقدمها.([25])
وعلى صعيد دول غرب ووسط إفريقيا، تحذّر التقديرات الأممية من وصول معدلات الأمن الغذائي الحاد في هذه الدول إلى أعلى مستوياتها منذ 10 سنوات، لا سيَّما في دول منطقة الساحل الإفريقي التي تعاني صراعات محتدمة، بما يدفع نحو 45 ألف شخص إلى حافة المجاعة، بينهم 42 ألف شخص في بوركينا فاسو ونحو 2500 شخص في مالي.([26])
ولا تقتصر المخاطر التي يتعرض لها الأمن الغذائي الإفريقي على واردات الحبوب أو أسعار السلع الغذائية، وإنما يُعدّ توافر الأسمدة وأسعارها محددًا رئيسًا في هذا الصدد، لا سيَّما وأن الأمن الغذائي الإفريقي يُواجه جملة من العقبات ذات الصلة بانخفاض استخدام الأسمدة؛ إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن متوسط استخدام الأسمدة في إفريقيا يبلغ 22 كيلو جرامًا للهكتار مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يزيد عن هذا المعدل بمقدار سبع مرات، ليبلغ 146 كيلو جرامًا للهكتار، فضلًا عن ارتفاع أسعار الأسمدة العالمية بنسبة 199% منذ مايو 2020م، وزيادة أسعار الأسمدة بأكثر من الضعف في كينيا وأوغندا وتنزانيا في عام 2022م، بحسب بيانات برنامج الأغذية العالمي.([27])
وفي ضوء اعتماد الدول الإفريقية على واردات الأسمدة من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا، أفضت الأزمة الأوكرانية إلى اضطراب سلاسل التوريد للأسمدة وتهديد الأمن الغذائي لإفريقيا، ورغم نجاح “مبادرة البحر الأسود” في تحقيق انفراجة عبر السماح بنقل صادرات الأسمدة من أوكرانيا إلى دول العالم، فإن تعليق المبادرة واستمرار الحرب دون وجود نهاية تلوح في الأفق قد يقفان كحجر عثرة أمام جهود القارة الإفريقية لمواجهة انعدام الأمن الغذائي خلال الموسم الزراعي لعام 2023-2024م، علاوةً على ذلك، تشير بعض التقديرات إلى أن انخفاض ورادات الأسمدة ينذر بانخفاض إنتاج الغذاء عبر القارة بمقدار الثلث.([28])
وفي سياق آخر، يؤكد العديد من المراقبين أن قرار روسيا بتعليق المبادرة واستمرار الحرب للعام الثالث على التوالي من شأنه أن يدفع ملايين الأشخاص إلى براثن الفقر المدقع؛ حيث إن أوكرانيا ستضطر إلى اللجوء لتصدير منتجاتها الزراعية عبر البر أو السكك الحديدية أو الموانئ الأصغر على نهر الدانوب، بما سيحد من حجم الصادرات، وسيؤدي إلى ارتفاع تكلفتها، وفي هذا الإطار، حذَّرت وزارة الخارجية الألمانية أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمقدار 1% من شأنه الدفع بمليون شخص إلى الفقر المدقع.([29])
علاوةً على ذلك، أكَّد تقرير جديد أصدرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الإفريقي، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، وبرنامج الأغذية العالمي، جاء تحت عنوان “نظرة عامة إقليمية على الأمن الغذائي والتغذية في إفريقيا – الإحصاءات والاتجاهات 2023م” أن القارة الإفريقية تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، مشيرًا إلى أن القارة السمراء ليست على المسار الصحيح لتحقيق أهداف الأمن الغذائي والتغذية الواردة في الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة 2030م، وأهداف مالابو المتمثلة في القضاء على الجوع وجميع أشكال سوء التغذية بحلول عام 2025م.([30])
الأمن الغذائي والأمن القومي.. وجهان لعملة واحدة:
في ضوء العلاقات الوثيقة بين الأمن الغذائي والأمن القومي، تتشابك العوامل سالفة الذكر مجتمعة لتؤثر على الأمن القومي الإفريقي بمختلف جوانبه، وخاصة الاستقرار السياسي والاقتصادي، والأمني، والتماسك المجتمعي، فضلًا عن تقويض الإستراتيجيات والأهداف التنموية للقارة.
هذا، وينذر انعدام الأمن الغذائي بتفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة بارتفاع معدلات الفقر وعلاقته الطردية بمعدلات الجريمة، لا سيَّما وأن تقديرات “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” (الأونكتاد) لعام 2021م، تشير إلى أن هناك 490 مليون إفريقي يعيشون تحت خط الفقر (القوة الشرائية للفرد تبلغ 1.90 دولار)، فضلًا عن بعض التقديرات التي تشير إلى أن ثلثي سكان العالم الذين يعانون الفقر المدقع يعيشون في دول إفريقيا جنوب الصحراء.
علاوةً على ذلك، فإن ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم يؤثر سلبًا على الاستقرار الاقتصادي للعديد من الدول الإفريقية وزيادة الاضطرابات الاجتماعية، فضلًا عن تقويض الاستقرار الأمني؛ حيث يحول انعدام الأمن الغذائي دون تقديم الدعم الإنساني المطلوب للمناطق المتضررة من النزاعات، أو إيلاء الاهتمام المطلوب لجهود بناء وحفظ السلام في الدول التي تشهد صراعات محتدمة.
وفي هذا الإطار، يحذر بعض المراقبين من أن ارتفاع الأسعار يدفع المواطنين إلى اللجوء إلى سلع أرخص ومنخفضة الجودة الغذائية، بما يُنذر بانتشار الأمراض ذات الصلة بسوء التغذية، ويفاقم الضغوط على الأنظمة الصحية المتهالكة في العديد من دول القارة، فضلًا عن الحيلولة دون مساهمة المواطنين في جهود التنمية الوطنية، لا سيَّما في مجالات الصحة والتعليم وتطوير البنية التحتية، بما يَحُدّ من قدرة القارة الإفريقية على تحقيق أهدافها الإنمائية في نهاية المطاف.([31])
وفي ضوء ما سبق، تبرز القارة الإفريقية، لا سيَّما دول إفريقيا جنوب الصحراء، والساحل الإفريقي باعتبارها بيئة خصبة لنمو الجماعات الإرهابية، التي تستغل التشرذم المجتمعي وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي لاجتذاب المزيد من الأشخاص إلى صفوف مقاتليها، فضلًا عن أن تضافر العوامل سالفة الذكر يُفضِي إلى خلق مناخ ملائم للجماعات الإرهابية لترسيخ نفوذها في إفريقيا وحشد المزيد من الأموال والمقاتلين، وتعزيز سيطرتها على رقعة واسعة من الأراضي.
وفي ظل التوقعات التي تشير إلى زيادة معدلات استيراد الغذاء في إفريقيا بحلول عام 2029م، وما يرتبط بذلك من ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي، فمن المرجَّح أن يواجه الأمن القومي الإفريقي العديد من التهديدات في المستقبل.([32])
الخاتمة:
يمكن القول: إن استمرار الأزمة الأوكرانية، وما تمخَّض عنها من تداعيات ذات صلة بالأمن الغذائي والأمن القومي الإفريقي تُعدّ بمثابة جرس إنذار للدول الإفريقية لإيلاء المزيد من الاهتمام لبناء نظام غذائي مَرِن، لديه القدرة على تحمُّل تقلبات الأسواق العالمية التي عادةً ما تكون رهينة بالأوضاع السياسية والاقتصادية العالمية، كما أنها تحتّم على القارة الإفريقية تعزيز الزراعة المحلية لتقليل الاعتماد على الواردات الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى تنويع مصادر واردات الغذاء لدرء مخاطر الاعتماد على عدد قليل من البلدان، فضلًا عن ذلك، فمن الأهمية بمكان تعزيز ممارسات الزراعة المستدامة والحفاظ على الأراضي الخصبة؛ لتعزيز إنتاج الغذاء والحفاظ على الأمن الغذائي على المدى الطويل، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار في تطوير البنية التحتية لتخزين ونقل وتوزيع المواد الغذائية؛ لتحسين مرونة سلاسل الإمداد الغذائي في القارة، علاوةً على تنفيذ بعض البرامج الرامية للتخفيف من وطأة المعاناة المتفاقمة لانعدام الأمن الغذائي في المناطق التي تشهد صراعات مسلحة، بما يسهم في نهاية المطاف في كبح جماح التداعيات المتشابكة لانعدام الأمن الغذائي في القارة الإفريقية، والذي ينذر بتقويض كافة أوجه الأمن القومي الأخرى.([33])
…………………………………………………………………………..
[1] “How the Ukraine Invasion Impacts Food Security in Africa”, Agrilinks ORG, July 27, 2022, Available on the following link: https://shorturl.at/dSW57, last accessed at February 15, 2024.
[2] “انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا: ربع سكان القارّة ليس لديه ما يكفي من الطعام”، 12 يوليو 2022م، الأمم المتحدة، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/gjkrK، تاريخ الدخول 15 فبراير 2024م.
[3] “الأمين العام يشيد “باتفاق للعالم” أبرم اليوم في إسطنبول لسد فجوة الإمدادات الغذائية العالمية”، الأمم المتحدة، 22 يوليو 2022م، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/lntOR، تاريخ الدخول 15 فبراير 2024م.
[4] “How the Ukraine Invasion Impacts Food Security in Africa”, op.cit.
[5] Ivana Kottasová, “What does Russia’s withdrawal from a grain deal with Ukraine mean for global hunger?”, CNN, November 1, 2022, available on the following link: https://shorturl.at/aknV3, last accessed at February 15, 2024.
[6] “Ukraine/Russia: As War Continues, Africa Food Crisis Looms”, Human Rights Watch, April 28, 2022, available on the following link: https://shorturl.at/cqLZ2, last accessed at February 15, 2024.
[7] Edward A. Burrier, ” In Africa, Putin’s War on Ukraine Drives Food, Fuel and Finance Crises”, United States Institute of Peace, June 30, 2022, available on the following link: https://shorturl.at/tuxyU, last accessed at February 15, 2024.
[8] -Ibid.
– Bitsat Yohannes-Kassahun, “One Year Later: The impact of the Russian conflict with Ukraine on Africa”, Africa Renewal, February 13, 2023, available on the following link: https://shorturl.at/krtvI, last accessed at February 16, 2024.
[9] “Ukraine/Russia: As War Continues, Africa Food Crisis Looms”, Op.cit.
[10] Bitsat Yohannes-Kassahun, op.cit.
[11] “Ukraine/Russia: As War Continues, Africa Food Crisis Looms”, Op.cit.
[12] -Ibid.
– Bitsat Yohannes-Kassahun, op.cit.
[13] “مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب: ما هي؟ ولماذا تعد مهمة بالنسبة للعالم؟”، الأمم المتحدة، 20 سبتمبر 2022م، متاح على الرابط التالي: https://rb.gy/o1e5j، تاريخ الدخول 16 فبراير 2024م.
[14] SUSANNAH SAVAGE, “Russia killed off the Black Sea grain deal. What happens now?”, POLITICO, JULY 17, 2023, Available on the following link: https://shorturl.at/cnuEO, accessed at February 16, 2024.
[15] “مرور عام على ميلاد مبادرة البحر الأسود: حقائق وأرقام”، الأمم المتحدة، 10 يوليو 2023م، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/dENT8، تاريخ الدخول 17 فبراير 2024.
[16] Ivana Kottasová, Op.cit.
[17] SUSANNAH SAVAGE, Op.cit.
[18] Nik Marti, “How will the end of the Ukraine grain deal hurt Africa?”, DW, July 19, 2023, available on the following link: https://shorturl.at/moJR2, last accessed at February 17, 2024.
[19] Ivana Kottasová, Op.cit.
[20] -SUSANNAH SAVAGE, Op.cit.
– Nik Marti, Op.cit.
[21] – Pjotr Sauer, “Putin promises free grain to six African nations after collapse of Black Sea deal”, The Guardian, July 27, 2023, available on the following link: https://shorturl.at/bjqxQ, , last accessed at February 18, 2024.
– CARA ANNA, “African leaders leave Russia summit without grain deal or a path to end the war in Ukraine”, associated press, July 30, 2023, available on the following link: https://shorturl.at/itJSW, last accessed at February 18, 2024.
[22] “تراجع صادرات الحبوب الأوكرانية في أكتوبر إلى النصف”، الشرق الأوسط، 30 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: http://tinyurl.com/5yc3835j، تاريخ الدخول 19 فبراير 2024.
[23] Bitsat Yohannes-Kassahun, op.cit.
[24] – NASIRU ENEJI ABDULRASHEED, “Russia’s Withdrawal from Harurka Agreement Raises Food Security Concerns in Somalia and East Africa”, Breaking News Network, JULY 18, 2023, available on the following link: https://shorturl.at/uDLOT, last accessed at February 17, 2024.
-Elian Peltier, “Grain Deal’s End Could Have a Potential ‘Catastrophic Impact’ in Africa”, The New York Times, July 21, 2023, available on the following link: https://shorturl.at/cftxG, last accessed at February 17, 2024.
[25] – Abdi Sheikh and Aaron Ross, “End of Black Sea grains deal promises pain for Africa’s neediest”, Reuters, July 17, 2023, available on the following link: https://shorturl.at/abpzK, last accessed at February 17, 2024.
– Sophie Neiman, “Concern mounts in East Africa over halted Black Sea grain deal”, Aljazeera, July 21, 2023, available on the following link: https://shorturl.at/ajpQ2, last accessed at February 17, 2024.
[26] ” انعدام الأمن الغذائي في غرب ووسط إفريقيا يبلغ أعلى مستوياته منذ 10 سنوات”، الأمم المتحدة، 18 أبريل 2023م، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/qszSV، تاريخ الدخول 17 فبراير 2024م.
[27] Bitsat Yohannes-Kassahun, OP.cit.
[28] -Ibid.
– Seleman Yusuph Kitenge, “Linking Food and National Security in Africa: Lessons from Russia-Ukraine Conflict”, policy center for the new south, February 28, 2023, available on the following link: https://shorturl.at/delov, last accessed at February 18, 2024.
[29]– Max Seddon& Henry Foy& Adam Samson, “Russia pulls out of Black Sea grain deal”, Financial Times, JULY 17, 2023, available on the following link: https://shorturl.at/yCIQY, , last accessed at February 18, 2024.
-Nik Martin, Op.cit.
[30] “REGIONAL OVERVIEW OF FOOD SECURITY AND NUTRITION”, FAO, December 2023, available on the following link: http://tinyurl.com/ycyehpnx, last accessed a1 February 19, 2024.
[31] Seleman Yusuph Kiteng, Op.cit.
[32] Ibid.
[33] Seleman Yusuph Kiteng, Op.cit.