بسمة سعد
باحثة في برنامج الأمن وقضايا الدفاع – المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية
على الرغم من أنه من المعتاد تنفيذ حركة الشباب الصومالية سلسلة من الهجمات تستهدف قواعد صومالية تضم قوات دولية؛ إلا أن وقوع هجوم إرهابي في قاعدة غوردون التي تُديرها الإمارات في العاصمة الصومالية مقديشيو، والذي أسفر عنه مقتل ضُبّاط إماراتيين وضابط بحريني، إلى جانب مقتل وإصابة عدد من القوات الصومالية، مع إعلان حركة الشباب الصومالية تبنّيها تنفيذ الهجوم؛ يحمل في طياته العديد من الدلالات التي تقف وراء تنفيذ هذا الهجوم، وفي هذا التوقيت في خضمّ ما تشهده الساحة الصومالية من اضطراب أمني على وقع الإستراتيجية الصومالية لمكافحة الإرهاب، وعزم الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود على طرد حركة الشباب من معاقلها في وسط وجنوب الصومال، إلى جانب تزامن هذا الهجوم مع توقيع إقليم أرض الصومال مذكرة تفاهم مع إثيوبيا، أثارت العديد من الانتقادات الإقليمية، وهو ما يدفع للتساؤل بشأن: دوافع ودلالات تنفيذ حركة الشباب الصومالية هجومها على قاعدة غوردون الإماراتية؟
انطلاقًا مما سبق، تهدف المقالة لتناول ملابسات الهجوم الإرهابي في قاعدة غوردون الإماراتية، ثم الانتقال لمناقشة دوافع ودلالات تنفيذ الهجوم في هذا التوقيت، وتبنّي حركة الشباب الصومالية تنفيذها، وذلك على النحو التالي:
أولاً: مستوى جديد من التصعيد… تفاصيل حول هجوم قاعدة غوردون الإماراتية
أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية في بيان أصدرته مساء يوم 10 فبراير الجاري عن مقتل 4 من جنودها، وضابط بحريني وإصابة آخر، إثر ما وصفته بـ”العمل الإرهابي” في قاعدة غوردون التي تُديرها الإمارات في الصومال، وذلك أثناء أدائهم مهام عملهم في تدريب وتأهيل القوات المسلحة الصومالية، والتي تندرج ضمن الاتفاقية الثنائية بين الإمارات الصومال في إطار التعاون العسكري بين البلدين، كما أكدت وزارة الدفاع أن أبو ظبي تُواصل التنسيق والتعاون مع الحكومة الصومالية في التحقيق بشأن العمل الإرهابي الآثم([1])، في حين لم تعترف البحرين، بالهجوم على الفور([2]). وقد أكَّد مصدر عسكري صومالي أن الهجوم جاء نتيجة قيام جندي بفتح النار داخل قاعدة غوردون العسكرية الواقعة في العاصمة مقديشيو.
علاوةً على ذلك، أوضح مصدر أمني صومالي أن القاتل هو جندي صومالي تم تدريبه حديثًا عقب انشقاقه عن حركة الشباب قبل تجنيده من الصومال والإمارات، وأثناء الهجوم قام بفتح النار على المدرّبين الإماراتيين ومسؤولين عسكريين صوماليين عندما بدأوا الصلاة، مما أسفر عن إصابة أربعة ضباط إماراتيين، بينما قتل أربعة جنود صوماليين، وتم قتله على الفور في القاعدة([3]).
بينما أفاد اثنان من طاقم التمريض وطبيب في مستشفى رجب طيب أردوغان في مقديشو التي نُقل إليها المصابون وقتلى الهجوم، أن ضابطًا كبيرًا من الإمارات لقي حتفه، في حين أُصيب أربعة آخرون بجروح خطيرة، بالإضافة إلى إصابة 10 جنود صوماليين، وهو الهجوم الذي أدانه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بشدة خلال زيارته للمصابين في مستشفى أردوغان.
على الجانب الآخر، أعلنت حركة الشباب الصومالية -فرع تنظيم القاعدة في الصومال- عن تبنّيها للهجوم الإرهابي عبر بيان بثّته “إذاعة الأندلس” التابعة لها، جاء فيه أن الهجوم: “أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص المشاركين في الجهد العسكري الإماراتي”، ووصف البيان دولة الإمارات بأنها “عدوّ للشريعة الإسلامية لدعمها الحكومة الصومالية في جهودها لمحاربة الحركة”، كما أضافت الحركة بأن مقاتليها قتلوا 17 جنديًّا.
ثانيًا: دوافع ودلالات استهداف الشباب قاعدة غوردون الإماراتية في الصومال
تتعدد الدوافع التي تقف وراء تنفيذ حركة الشباب الصومالية لهجومها على قاعدة غوردون الإماراتية، وهو ما يُمكن مناقشته كالتالي:
1- استعادة المكانة… وتنامي النفوذ الإماراتي في الصومال في عهد الرئيس شيخ محمود
مع وصول الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى السلطة في 15 مايو 2022م، بدأت إرهاصات استعادة الإمارات مكانتها ونفوذها في الصومال مرة أُخرى استكمالاً لسنوات ماضية من الانخراط، وذلك عقب تدهور العلاقات الإماراتية الصومالية في عهد الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو خلال الفترة (2017- 2022م)، بدعم قطري سخي عبر ذراعها في الصومال: الإعلامي السابق في قناة الجزيرة ورئيس وكالة الاستخبارات والأمن الوطني السابق المُثير للجدل فهد ياسين، المعروف بـ”مالك القرار الصومالي”([4]).
وتتعدد المؤشرات الكاشفة لاستعادة العلاقات الإماراتية الصومالية قوتها بعودة الرئيس الصومالي شيخ محمود إلى السلطة، أبرزها؛ إفراج الصومال عن مبلغ 9.6 مليون دولار كانت قد صادرتها إدارة الرئيس الصومالي السابق فرماجو([5])، تبعها مصادقة مقديشيو في فبراير 2023م على اتفاق رسمي للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب مكونة من 13 مادة، تمنح أبو ظبي الحق في التحقيق وجمع المعلومات واستخدام المرافق الإقليمية، واستيراد المعدات العسكرية، إلى جانب إنشاء مراكز تدريب للعسكريين، وتوفير وتمويل قوات مكافحة الإرهاب، ناهيك عن منح الاتفاقية لأبو ظبي الحق في ملاحقة الأفراد المتورطين في الإرهاب، بل والتحقيق معهم دون الرجوع إلى السلطات الصومالية، وهو ما يعني مَنْح الإمارات اليد العليا في الصومال، والحق في احتجاز المعارضين للنفوذ الإماراتي في مقديشيو بتهمة الإرهاب([6])، ناهيك عن تنفيذ أبو ظبي هجمات جوية وميدانية دون إذن الصومال، كما يَحقّ لها استخدام الأراضي الصومالية لمهاجمة التنظيمات التي تُهدّد أمن الإمارات.
وعقب شهر من تصديق البرلمان الصومالي على الاتفاقية، استقبلت منطقة جوبالاند المركبات العسكرية الإماراتية للشروع في بناء قاعدة جديدة ستمتلكها وتديرها أبو ظبي([7]).
ومن الجدير بالذكر أن رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام، يتمتّع بعلاقة قوية مع أبو ظبي، وسبق أن تلقَّى مساعدات عسكرية إماراتية، بالإضافة إلى ما تُقدّمه أبو ظبي من تمويل لتطوير الجيش الوطني الصومالي، وتنفيذ عدد من العمليات البعيدة عن الأنظار كتلك التي تُنفِّذها ضد مهربي الأسلحة الإيرانية في إقليم بونتلاند([8])، ناهيك عن موافقة الإمارات على تدريب 10 آلاف جندي صومالي([9])، وهو ما يكشف في مُجْمله عن أمرين؛ أولهما هو أن العلاقات الصومالية الإماراتية تتجاوز الحكومة الفيدرالية، وتشمل ولايات الصومال، أما ثاني الأمور فتكشف عن مدى الاختراق والنفوذ الإماراتي للمنظومتين السياسية والأمنية في البلاد.
ومما يكشف عن عمق التعاون الأمني الثنائي بين الإمارات والصومال، ويُفسر استهداف حركة الشباب لقاعدة غوردون الإماراتية؛ أن أبو ظبي نفّذت لأول مرة في 16 يونيو 2023م، أول غارة جوية مُعلَن عنها في الصومال، استهدفت قرية تُسيطر عليها الجماعات الإرهابية في منطقة جلجدود عبر طائرة تركية الصنع من طراز “بيرقدار تي بي 2”) Bayraktar TB2[10])، وهو ما يأتي بالتوازي مع الدعم الدبلوماسي الإماراتي للجهود الصومالية لمكافحة لحركة الشباب، المنعكسة –على سبيل المثال- في دعوة الإمارات في يونيو من نفس العام المجتمع الدولي خلال جلستين منفصلتين لمجلس الأمن بشأن الصومال والأمن البحري، إلى دعم جهود مقديشيو في التصدي لحركة الشباب([11])، وهو ما يعكس في مُجمله حجم الانخراط الإماراتي المتنامي منذ أكثر من عام في الصومال، والذي يكشف كذلك عن استعداد الإمارات لرفع مستوى مشاركتها في الحرب الصومالية ضد حركة “الشباب”.
خريطة (1): أقاليم جمهورية الصومال
المصدر: بموازنة لا تتجاوز المليار الدولار: كيف يدبّر الصوماليون حياتهم؟ بموازنة لا تتجاوز المليار الدولار: كيف يدبّر الصوماليون حياتهم؟، رصيف 22، 25 مايو2023م: https://2u.pw/lt3hKEP
ولم يقتصر التعاون الصومالي الإماراتي على الملف الأمني، بل تنوعت أبعاد التعاون لتشمل ضخ استثمارات لتطوير ميناء بوصاصو في بونتلاند، عقب إبرام شركة الخدمات اللوجستية متعددة الجنسيات الإماراتية “دبي بورت وورلد” (DP World) اتفاقية مع الولاية في ديسمبر 2022م، لتوسيع وتطوير الميناء، بالإضافة إلى ضخّ استثمارات بقيمة 442 مليون دولار أمريكي لتطوير مرافق وميناء بربرة وتحديث وتطوير الميناء([12])، وهو ما يأتي تنفيذًا للإستراتيجية الإماراتية لتعزيز تمركزاتها على جانبي البحر الأحمر، وتحديدًا في منطقة القرن الإفريقي باعتبارها نقطة التقاء خليج عدن وبحر العرب بالبحر الأحمر.
ولكون الساحل الصومالي أطول السواحل الإفريقية، وتمتلك بمفردها نحو 5 موانئ رئيسية، بما في ذلك ميناء بربرة، فضلاً عن ميناء مقديشو -أكبر موانئ البلاد- وبوصاصو وكسمايو، وآخرهم ميناء “جرعد” بولاية بونتلاند الذي افتتحه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أكتوبر 2022م([13])، هذه الموانئ أضافت لمقديشيو أهمية جيوإستراتيجية من وجهة نظر أبو ظبي، لا سيما عقب القضاء على نشاط القرصنة قرب الساحل الصومالي منذ العام 2018م([14])، تأتي متسقة للإستراتيجية الإماراتية لبناء شبكة إستراتيجية من الموانئ التجارية الممتدة على جانبي خليج عدن والبحر الأحمر، لتكون مراكز حيوية لتجارتها، ومنفذًا لها على البحر الأحمر الذي يمر من خلاله نحو أكثر من 6 ملايين برميل من النفط يوميًّا، أي ما يقرب من 40% من النفط العالمي([15])، ناهيك عن ضمّها لقواعد عسكرية لحماية مصالحها في المنطقة، وهو ما يُفسِّر اتجاه المعارضين في الداخل الصومالي إلى وصف النفوذ الإماراتي المتنامي في مقديشيو بأنه يسعى لتحويل الصومال إلى محمية إماراتية([16]).
2- اتفاقية أرض الصومال وإثيوبيا وازدواجية الموقف الإماراتي بشأن سيادة الصومال
اتخذت إثيوبيا خطوة أثارت حالة من الجدل وانتقادات إقليمية واسعة بإعلانها المفاجئ عن توقيع مذكرة تفاهم مع جمهورية أرض الصومال في الأول من يناير 2024م، لاستئجار 20 كيلو مترًا من ميناء بربرة المطل على خليج عدن لمدة 50 عامًا؛ لأغراض تجارية وعسكرية؛ حيث يمنحها الاتفاق فرصة لبناء قاعدة بحرية في ميناء بربرة، وذلك نظير اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة، وهو ما أثار انتقاد حكومة الصومال، التي وصفت مذكرة التفاهم بأنها انتهاك لسيادتها. بل يُنظَر إلى مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال على أنها نقطة تحول لإعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة، في خضمّ سعي أديس أبابا للحصول على منفذ بحري يُعزّز من مكانتها الإقليمية.
فمن اللافت، أن حركة الشباب الصومالية أعلنت عن رَفْضها لهذه الخطوة، واصفة الاتفاق بأنه غير قانوني وينتهك السيادة الصومالية، وأنه مدعوم من “المرتدين والخونة”، مثلما جاء على لسان المتحدث الرسمي باسم الحركة علي محمود راجي، داعيًا جميع الصوماليين إلى الوقوف دفاعًا عن بلدهم، والقتال ضد من يصفهم بالغزاة، على غرار الغزو اليهودي لفلسطين. كما وصفت الحركة تصريحات آبي أحمد بشأن حق إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري بأنها مسعى لـ “توسع صليبي إثيوبي”، متوعدة بالرد على أيّ تحركات إثيوبية داخل الأراضي الصومالية([17]).
ومِن ثَم، منح الاتفاق الإثيوبي فرصة ذهبية لحركة الشباب من أجل تقديم نفسها كقوة فاعلة مُنافِسة للحكومة الصومالية يُمكن الاستناد إليها لحماية حقوق الشعب الصومالي، وسيادته على كامل أراضيه، وبالتالي كسب قاعدة شعبية واسعة لها في الصومال، مستغلة في ذلك مشاعر الغضب المتنامية في الصومال ضد مذكرة التفاهم، وبالتالي توظيف الحركة الاتفاق من أجل تجنيد مزيد من العناصر، وهو ما أكّد عليه المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي، مايك هامر في تصريحاته في قمة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) في 18 يناير، قائلاً: إن “مذكرة التفاهم تهدّد بتعطيل القتال الذي يشنّه الصوماليون، إلى جانب الأفارقة والشركاء الإقليميين والدوليين -بما في ذلك الولايات المتحدة- ضد حركة الشباب، مع الإشارة إلى تقارير عن استخدام حركة الشباب لمذكرة التفاهم لتجنيد المجندين([18]).
يُضاف إلى ذلك، أن مذكرة التفاهم لعبت دورًا في تقويض التعاون الإثيوبي الصومالي في مكافحة الإرهاب؛ حيث سبق وأن خططت الحكومة الصومالية لاستقدام ما لا يقل عن 1000 جندي من كل دولة مجاورة كجزء من الهجوم في جنوب الصومال في عام 2023م للتعويض عن نقص الدعم المحلي في بعض المناطق. وعلى الرغم من عدم تنفيذ هذا المخطط، إلا أن توقيع مذكرة التفاهم الإثيوبي مع أرض الصومال قطع الطريق أمام إجراء أيّ مناقشات صومالية مع المسؤولين الإثيوبيين بشأن ملف مكافحة الإرهاب، حتى تنسحب إثيوبيا من صفقة الميناء، لتبقى القوات الإثيوبية في معظم مواقعها في الصومال، لكن مع ضعف التنسيق العسكري([19]).
كما حملت تصريحات الحركة وعيدًا ضمنيًّا للقوى الإقليمية الداعمة للحراك الإثيوبي في القرن الإفريقي بشكل عام، وفي إقليم أرض الصومال بشكل خاص، والتي يأتي على رأسها الإمارات؛ فعلى الرغم من خروج أبو ظبي ببيان في 18 يناير أكدت فيه دعمها لوحدة الصومال واستقلاله، ودعم حكومة الصومال الفيدرالية في ممارسة كامل سيادتها على أراضيها([20])؛ إلا أن السياسة الإماراتية في منطقة القرن الإفريقي تكشف عن عمق الشراكة بين أبو ظبي وأديس أبابا، كما تكشف عن ازدواجية الموقف الإماراتي تجاه سيادة الصومال، بينما تحرص أبو ظبي على بناء شبكة علاقات قوية وممتدة مع حكومات الولايات الصومالية، وليس فقط مع الحكومة الصومالية مستغلة في ذلك حالة الاستقطاب السياسي بين حكومة مقديشيو وعدد من الولايات الصومالية، ومساوئ نظامها الفيدرالي.
فعقب الإعلان عن مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال، أعلن سلطان أحمد بن سليم، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة موانئ دبي، عن سعادته بالتزامهم المشترك بتعزيز ميناء بربرة في أرض الصومال، واصفًا الشراكة بأنها إستراتيجية وتهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية وتحقيق النمو المستدام، في حين أعلنت أديس أبابا عن ترحيبها برغبة موانئ دبي العالمية الإماراتية في المشاركة في تطوير ميناء بربرة في منطقة أرض الصومال([21]). ناهيك عن ازدواجية السياسة الإماراتية تجاه الصوماليين، ففي ظل الحديث الإماراتي عن دعمه للشعب الصومالي، يواجه الصوماليون صعوبات بالغة للحصول على تأشيرات دخول إلى أبو ظبي(.([22]
ومِن ثَم، تتعدد الأسباب التي تجعل من الإمارات محل استهداف مِن قِبَل حركة الشباب؛ أبرزها: علاقة الشراكة الإستراتيجية بين أديس أبابا والإمارات وتعدد ملفات التعاون؛ حيث إن الأولى محل انتقاد واستهداف من قبل حركة الشباب، وعادةً ما تستهدف الأخيرة القوات الإثيوبية داخل الصومال، وبالتالي فإن دعم أبو ظبي لأديس أبابا يجعل الأخيرة محل انتقاد واستهداف من حركة الشباب، وهو ما يُعيد للأذهان هجوم حركة الشباب في العام 2019م، الذي أسفر عن مقتل رجل يعمل في موانئ P&O في دبي.([23])
كما أن إعلان أديس أبابا عن ترحيبها بشراكة موانئ دبي في تطوير ميناء بربرة ودعم مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، خلَق دافعًا قويًّا مِن قِبَل عناصر حركة الشباب لاستهداف المصالح الإماراتية باعتبار أبو ظبي أحد المرتدين والخونة الداعمين لمذكرة التفاهم، وهو ما يُنذر بتكرار الهجمات الإرهابية المُنفَّذة مِن قِبَل حركة الشباب ضد المصالح الإماراتية في الصومال، وقد تمتدّ الهجمات لتشمل المصالح الإماراتية في شرق إفريقيا.
يُضاف إلى ذلك، تُحاول الحركة توظيف القوى المعارضة للنفوذ الإماراتي في الصومال، وتحول المنظور الصومالي لأبو ظبي لدولة معادية، من أجل كسب قاعدة شعبية في الصومال، مع طرح نفسها كقوة داعمة ومناصرة للمواطن الصومالي، بينما تتجه الصومال لتعزيز شراكاتها مع الإمارات، متجاوزة المنظور الشعبي لأبو ظبي([24]).
3- تقويض الإستراتيجية الصومالية لمكافحة الإرهاب
مع تولي الرئيس حسن شيخ محمود رئاسة الصومال في مايو 2022م، أعلن اعتماد إستراتيجية لقتال حركة الشباب وطردها من معاقلها في وسط الصومال في أغسطس 2022م، بدعم دولي وغربي، حقّقت على إثره مقديشيو نجاحات أولية في تحرير مساحات كبيرة من الأراضي والقرى وعواصم المقاطعات في عام 2022م، لكن سرعان ما تمكّنت حركة الشباب من هزيمة القوات الصومالية وإصابتها بسلسلة من الانتكاسات منذ يناير 2023م، أدَّت إلى تراجع عمليات التطهير بشكل واسع. وفي يناير 2024م، صرّح مسؤولون صوماليون بأن القوات الصومالية تعتزم تطهير حركة الشباب من معاقلها المتبقية في وسط الصومال بحلول فبراير 2024م، وتجري الآن الاستعدادات النهائية لبدء هجوم شامل في الجنوب، تنفيذًا لأهداف الرئيس الصومالي المتمثل في القضاء على كافة معاقل الحركة تزامنًا مع استكمال قوات الاتحاد الإفريقي انسحابها الكامل المقرر في نهاية العام 2024م([25]).
خريطة (2): الاشتباكات بين القوات الصومالية وحركة الشباب في وسط الصومال
Source: Liam Karr, Salafi-Jihadi Movement Weekly Update, February 1, 2024: Somalia Aims to Expand Stop-Start Offensive Against al Shabaab, Critical Threats, 1 February 2024. https://www.criticalthreats.org/analysis/salafi-jihadi-movement-weekly-update-february-1-2024
ومن ثم، يأتي هجوم حركة الشباب على قاعدة غوردون الإماراتية؛ ليبعث برسالة إلى الحكومة الصومالية بأنها لن تنجح في تحقيق الهدف الممثل في القضاء على الحركة وعلى معاقلها في وسط وجنوب البلاد، وأنه على الرغم من تكثيفها الجهود وما تتلقاه من دعم دولي لإستراتيجيتها لمكافحة الإرهاب، وما حقّقته من نجاحات أولية؛ إلا أن الحركة باقية وتتمتع بمرونة بالغة في التكيف مع معطيات الحرب وتكتيكات القتال، وأنها قادرة على استعادة معاقلها مرة أخرى؛ حيث تعتمد الحركة على تكتيك الانسحاب من المدن الرئيسية لتجنُّب الاشتباكات مع القوات الصومالية، ثم شنّ هجمات كبيرة باستخدام السيارات المفخخة على القواعد الصومالية المؤقتة، بما يُمكنها من السيطرة على المدن، مثلما حدث في عدة مناطق في يناير وأبريل وأغسطس من العام 2023م([26]).
ناهيك عن أن تنفيذ الحركة مثل هذه الهجمات الإرهابية، على أيدى أحد المنشقين عن الحركة، والذي عملت القوات الصومالية والإمارات على تجنيده، يهدف إلى التقليل من جدوى إستراتيجية الحكومة لمكافحة الإرهاب وعدم فعاليتها، بما في الاستقطاب الفكري لعناصر الحركة لدفعهم على الانشقاق عنها، وتجنيدهم من الحكومة الصومالية، بل ودفع الحكومة إلى التشكيك فيها وفي كافة العناصر المنشقين عنها، والذين تم إعادة تجنيدهم في صفوف القوات الصومالية، وما لذلك من انعكاسات على تقويض رغبة السكان المحليين من التعاون مع القوات الصومالية في المستقبل ضد حركة الشباب.
ناهيك عن طرح الحركة نفسها كخيار بديل قوي لحماية أمن الصومال وسيادته، بدلاً من القوات الصومالية، مستغلة انشغال الرئيس الصومالي في ملف صفقة الموانئ بين إثيوبيا وأرض الصومال، وتراجع ما يبذله من جهود لحشد الدعم المحلي للهجوم ضد حركة الشباب عبر حزمة من الزيارات المحلية المكوكية؛ حيث أمضى الرئيس حسن شيخ محمود يومًا واحدًا فقط في وسط الصومال لحشد الدعم المحلي لهجومه الوشيك، ولم يعلن عن أيّ خطط لزيارة جنوب الصومال قبل الهجوم المقرر في جنوب الصومال([27]).
نهاية القول: يُعد استهداف حركة الشباب الصومالية لقاعدة غوردن الإماراتية في العاصمة مقديشيو بمثابة تصعيد مِن قِبَل الحركة، ليس الهدف منه القوات الصومالية فقط، وإنما الهدف الرئيسي منه هو البعث برسالة تهديد للقوى الدولية والغربية والإقليمية الداعمة لإستراتيجية الصومال لمكافحة الإرهاب، والتي يأتي على رأسها الإمارات التي تمكّنت منذ نحو عام تزامنًا مع عودة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى السلطة في العام 2022م، من استعادة نفوذها في الصومال، ونَسج شبكة من العلاقات مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، وكذلك مع حكومات الولايات، وكذلك مع حكومة إقليم أرض الصومال وما لذلك من انعكاسات على توتر العلاقات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات وحكومة إقليم أرض الصومال، مما أثار انتقاد حركة الشباب، خاصة في ظل ظروف إقليمية وبيئة مضطربة تتعلق بملف صفقة الموانئ بين إثيوبيا وأرض الصومال، وعزم حكومة الصومال على تنفيذ هجوم ضد معاقل حركة الشباب في جنوب البلاد.
………………………………………….
[1] – مقتل 3 جنود إماراتيين وضابط بحريني بهجوم مسلح في الصومال، عربي 21، 10 فبراير 2024م.
[2]– Al-Shabab claims attack on UAE military in Somalia, Aljazeera, 11 February 2024.
[3] – مقتل 3 جنود إماراتيين وبحريني في مقديشو.. ماذا حصل في قاعدة غوردن؟، العربي، 11 فبراير 2024م: https://2u.pw/kTxMcKs
[4] – أبوظبي تُحكم السيطرة على “أمن مقديشو”… ما أهداف الإمارات في الصومال؟، شؤون إماراتية.
https://emiratiaffairs.com/news/view/9375
[5] – عيدو ليفي، زيادة الانخراط العسكري الإماراتي في الصومال قد تساعد في كبح حركة “الشباب”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 27 يونيو 2023م: https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/zyadt-alankhrat-alskry-alamaraty-fy-alswmal-qd-tsad-fy-kbh-hrkt-alshbab
[6] – أبوظبي تُحكم السيطرة على “أمن مقديشو”… ما هي أهداف الإمارات في الصومال؟، مرجع سبق ذكره.
[7] عيدو ليفي، مرجع سبق ذكره.
[8] – المرجع السابق.
[9] -Ann Garrison, Is the UAE in Control in Somalia?, black agenda report , 07 Jun 2023.
https://www.blackagendareport.com/uae-control-somalia
[10] – عيدو ليفي، مرجع سبق ذكره.
[11] – الإمارات تدعو إلى دعم الصومال في التصدي لـ«الشباب» الإرهابية، الخليج، 23 يونيو 2023م: https://2u.pw/tJtP8uF
[12]– Ann Garrison, OP.Cit.
https://www.blackagendareport.com/uae-control-somalia
[13] – نور جيدي، الصومال يدشن المرحلة الأولى للميناء الخامس في البلاد، وكالة الأناضول، 22 أكتوبر 2022م.
[14] -Ann Garrison, OP.Cit.
[15] -Idem
[16] -Idem.
[17] -Shabaab says it rejects Red Sea access deal between Ethiopia and Somaliland, The Foundation for Defense of Democracies, 2 January 2024
https://www.fdd.org/analysis/2024/01/02/shabaab-says-it-rejects-red-sea-access-deal-between-ethiopia-and-
[18] -February 2024 Monthly Forecast, security council, 31 January 2024. https://www.securitycouncilreport.org/monthly-forecast/2024-02/somalia-34.php
[19] -Liam Karr, Salafi-Jihadi Movement Weekly Update, February 1, 2024: Somalia Aims to Expand Stop-Start Offensive Against al Shabaab, Critical Threats, 1 February 2024. https://www.criticalthreats.org/analysis/salafi-jihadi-movement-weekly-update-february-1-2024
[20] – الإمارات: دعم سيادة الصومال ووحدة أراضيه، الاتحاد، 18 يناير 2024م.
[21]– المرجع السابق.
[22]– أبوظبي تُحكم السيطرة على “أمن مقديشو”… ما هي أهداف الإمارات في الصومال؟، مرجع سبق ذكره.
[23] -Al-Shabab claims attack on UAE military in Somalia, OP.CIT.
[24] – أبوظبي تُحكم السيطرة على “أمن مقديشو”… ما هي أهداف الإمارات في الصومال؟، مرجع سبق ذكره.
[25] -Liam Karr, OP.CIT
[26] -Idem
[27] -Liam Karr, OP.CIT.