بقلم: إيزيدور كوونو
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
أعلنت النيجر ومالي وبوركينا فاسو -وهي ثلاث دول في غرب إفريقيا تحت مرحلة انتقالية بقيادة عسكريين وصلوا إلى السلطة بعد انقلابات- خلال الشهر الجاري انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول الغرب الإفريقي (إيكواس).
يأتي هذا القرار في أعقاب العلاقات المتضاربة بين هذه الدول الثلاث والمنظّمة شبه الإقليمية منذ حدوث الانقلاب في هذه الدول.
وكان هذا الانسحاب متوقعًا، وفقًا للعديد من المحلِّلين والمراقبين للأزمة؛ نظرًا للتوترات التي نشأت بين منظمة إيكواس والدول الثلاث؛ خاصةً بعد ما فرضت إيكواس عقوبات اقتصادية على الدول الثلاث؛ احتجاجًا على الانقلابات العسكرية فيها.
من جانبه أشار الدكتور كريستيان سبايكر الباحث التوغولي إلى أن القضية “ليست قفزة نحو المجهول، وإنما هي حالة كانت متوقعة”؛ على حد تعبيره.
تدهور العلاقات بين الدول الثلاث والإيكواس:
السبب الرئيسي لهذه التوترات بين الدول الثلاث والمنظمة يرجع إلى تداعيات ما بعد الانقلابات التي حدثت في هذه الدول، والعقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بدعم من فرنسا والولايات المتحدة. وأصدرت المنظمة أوامر باستعادة النظام الدستوري في هذه البلدان مع كل انقلاب، الأمر الذي رفض العسكريون في السلطة الانصياع له.
وفي مواجهة مالي، قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، في أغسطس 2020م، إغلاق حدودها الجوية والبرية، وفرضت حظرًا على التبادلات المالية والتجارية، باستثناء الضروريات الأساسية. وتم تعليق عضوية بوركينا فاسو في هيئات المنظمة.
وبالإضافة إلى حظر السفر المفروض على العسكريين الذين قاموا بالانقلاب؛ أدت العقوبات الاقتصادية إلى عزل النيجر عن العديد من شركائها التجاريين التقليديين، مما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في البلاد.
وكانت المؤسسة شبه الإقليمية قد نظّمت عدة مؤتمرات قمة استثنائية تم خلالها اتخاذ قرارات مهمة لحثّ السلطات العسكرية الجديدة على رأس هذه البلدان إلى إرساء النظام الدستوري.
وتم إرسال بعثات إلى هذه البلدان للتفاوض مع الانقلابيين. وقد طالَب العسكريون المعنيون المنظمة مرارًا وتكرارًا برفع “العقوبات غير القانونية وغير المشروعة” المفروضة عليهم. ولكنّ تلك المطالب لم تحظَ بقبول من إيكواس رغم قيام المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، عند نقطة ما، بتخفيف العقوبات، وخاصة ضد مالي.
دواعي انسحاب الدول الثلاث من المنظمة:
أدّت العلاقات المتوترة بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والدول الثلاث إلى قيام الأخيرة بإنشاء تحالف دول الساحل (AES) الذي يخطّط لإنشاء عملته الخاصة.
وذهبت السلطات العسكرية على رأس هذه الدول إلى أبعد من ذلك على خلفية الإعلان المشترك عن انسحابهم الجماعي من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مع الأثر الفوري.
وتعتقد النيجر ومالي وبوركينا فاسو أن الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لم تَعد تُلبّي تطلعات شعوبها. وجاء في البيان الصحفي أنه “بعد 49 عامًا من نشأة المنظمة، تلاحظ شعوب بوركينا فاسو ومالي والنيجر الباسلة بأسفٍ شديدٍ ومرارة وخيبة أمل كبيرة أن منظمتهم ابتعدت عن مُثُل آبائها المؤسسين والوحدة الإفريقية”.
ويتهمون المنظمة بأنها “تحت تأثير القوى الأجنبية”، وبأنها “تمثل تهديدًا لدولها الأعضاء وسكانها الذين من المفترض أن تضمن سعادتهم”.
وأضافوا في الوثيقة أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لم تقدم لهم أيّ دعم في حربهم ضد الإرهاب. وبدلًا من ذلك، فرضت عليهم “عقوبات غير قانونية وغير مشروعة وغير إنسانية وغير مسؤولة، في انتهاك لنصوصها الخاصة” تضرّ بشعوبها. ولهذا السبب قرروا “أن يأخذوا مصيرهم بأيديهم”.
تداعيات الانسحاب:
تعاني الدول الثلاث بالفعل من الاختناق الاقتصادي في ظل العقوبات التي قررتها منظمة الإيكواس ضدها. وقد يكون انسحابهم من المنظمة معادلة صعبة عليهم حلها؛ بحسب بعض الخبراء.
فعلى الصعيد الاقتصادي أفرز إغلاق الحدود، بعد الانقلابات، تداعيات خطيرة على اقتصادات بوركينا فاسو ومالي والنيجر. وكان الأمر أسوأ بالنسبة لمالي التي عانت من العقوبات النقدية نتيجة إغلاق فروع البنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO)، كما هو الحال بالنسبة للنيجر التي لا تزال تعاني من هذه العقوبات، والتي لم تنص عليها نصوص المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. يقول ناثانيال أوليمبيو، رئيس دائرة الدراسات الإستراتيجية في غرب إفريقيا: “يبدو أن هذا التداخل بين الاقتصادات يؤثر على جميع البلدان في المنطقة الجغرافية”.
وأضاف أن هذه العقوبات “تعاقب حرية حركة الأشخاص والبضائع، مما يعيق التكامل، وبالتالي أساسيات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”، وهذا سيخلق عائقًا أمام الاستثمار، ويؤدي إلى خسارة الجميع”.
والملاحظة ذاتها أدلى بها الدكتور كريستيان سبايكر الذي يرى أن “العقبة الوحيدة لهذه الدول الثلاث هي حرية حركة الأشخاص والبضائع في دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”. وحتى لو كان البعض يعتقد أن هذا لم يتم احترامه أبدًا؛ نظرًا للمضايقات على الحدود داخل المجتمع، فإن حرية الحركة هذه تظل مع ذلك عاملًا حاسمًا في العلاقات، وخاصة في التبادلات بين الدول والشعوب.
ومع ذلك، فإنه يضع الأمور في نصابها الصحيح من خلال الإشارة إلى أنه “يمكن لمالي والنيجر وبوركينا فاسو توقيع اتفاقيات ثنائية مع بعض دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي تربطهم بها علاقات اقتصادية وودية قوية للغاية مثل توغو بسبب مينائها.
ويشير على سبيل المثال إلى أنه “بفضل هذه الاتفاقيات، سيتمكن التوغوليون ببضائعهم من التحرك بحرية في هذه الدول الثلاث، كما سيتمكن مواطنو هذه الدول من التحرك بحرية في توغو دون صعوبة”.
وهو الموقف يؤيده ناثانيال أوليمبيو بقوله: “وبخلاف الاستثمارات الخاصة، ستكون الدول نفسها أكثر ترددًا في الاستثمار في المشاريع المشتركة”.
ويعتقد الدكتور سبايكر أن الدول الثلاث ستكون قادرة على الفوز في تحدي التنمية إذا نجحت أيضًا في مغادرة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، من خلال الحصول على عملتها الخاصة.
وفقًا له، يجب أن “تكون هذه الدول قادرة أيضًا على الخروج من هذه المجموعة النقدية بسرعة كبيرة. إذ إنها فرصة كبيرة لتنميتهم الاقتصادية”. ولتحقيق هذا الهدف، يجب عليهم أيضًا مغادرة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا بسرعة كبيرة للحصول على عملتهم المشتركة. وهما يسيران معًا جنبًا إلى جنب. ويشير إلى أنهم في حال “تمكنوا من مغادرة هذه المجموعة النقدية بسرعة كبيرة، والتخلي عن فرنك الاتحاد النقدي الإفريقي، فسوف يتسببون في إخلال التوازن مع دول الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا أيضًا”.
ومنذ بداية هذه الانقلابات، بدأت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تفقد نفوذها في المنطقة دون الإقليمية, وقد فقدتها من قبل، عندما لم تكن قادرة على الدفاع عن الشعب ضد من يقومون بالانقلابات الدستورية، مع عدة ولايات رئاسية على رأس الدول، على الرغم من البروتوكول الإضافي الذي ينص على أنه لا يجب على الرئيس سوى أن يخدم ولايتين ثم يتخلى عن السلطة.
وهذا بلا شك زلزال بالنسبة للمنظمة، وقد يؤدي إلى انهيارها من الداخل، إذا لم نكن حذرين. لقد اتخذت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) مواقف متطرفة، حتى إنها هددت النيجر علنًا بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه بعد الانقلاب على السلطة. وبالفعل، فإن عدم تنفيذ الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لتهديدها يعني إضعاف نفسها من خلال فقدان مصداقيتها. وبصرف النظر عن خروج موريتانيا قبل أربعة وعشرين عامًا، فإن هذا يُعتبر الأول من نوعه، كما يحلل السيد أوليمبيو.
وأصبحت مالي والنيجر وبوركينا فاسو بمثابة غصة في حلق المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي بدأت تفقد نفوذها عليها.
وتساءل الخبير “لماذا لم تتمكن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من التدخل عسكريًّا في النيجر لإعادة بازوم إلى السلطة مرة أخرى؟ وذلك لأن مالي وبوركينا فاسو أعلنتا أنهما ستتدخلان إلى جانب النيجر في حالة العدوان. لذا، قام دعاة الحرب بوزن إيجابيات وسلبيات ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك في المنطقة دون الإقليمية في حالة تدخلهم العسكري في النيجر؛ ما أدى إلى تجنب التدخل عسكريًّا في النيجر.
وأضاف الدكتور سبايكر أن موقف هذه الدول الثلاث هو قبل كل شيء هو الذي دفع المنظمة شبه الإقليمية إلى التراجع.
وبما أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لم تدعم قط هذه البلدان في الحرب ضد الإرهاب؛ فإن الانسحاب لا يمكن أن يكون له أيّ تأثير على هذا الصراع. كما عرفوا كيفية البحث عن حلفاء، وخاصة روسيا، للتعامل مع الوضع.
ويدفع هذا الوضع بين دول الساحل والإيكواس الكثير من الدول إلى التفكير في الآفاق المتاحة للمنظمتين AES وECOWAS.
الآفاق والتطلعات:
في الوقت الحالي، وفقًا للخبراء، ليس لدى تحالف دول الساحل في الوقت الراهن الوزن الكافي للمطالبة باستبدال المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ويرى ناثانيال أوليمبيو أن “من السابق لأوانه الجزم بقول ذلك”، لكن مع فقدان الأخير نفوذه ونزوع الدول الإفريقية الراغبة في تحرير نفسها، فإن هناك ثمة مخاوف أن يصبح هذا التحالف أقوى من المنظمة ذاتها.
“لكن إنشاء تحالف دول الساحل (AES) ينبع من العقوبات، والمخاوف الأمنية الخاصة بالبلدان الثلاثة، والتهديد بالتدخل العسكري مِن قِبَل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في النيجر. ثم قرروا المضي قدمًا من خلال التحول رسميًّا إلى اتحاد كونفدرالي. وبالتالي فإن هدف AES يذهب إلى ما هو أبعد من التكامل الاقتصادي الذي تسعى إليه الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. لقد طرح قادة الدول الثلاث بمهارة الدفاع عن سيادة بلادهم، وإنهاء التدخل المؤكد للقوى الخارجية في شؤونهم الداخلية.
هل يمكن إقامة اتحاد فيدرالي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر؟
بالطبع فإن مشروعهم يمكن أن يجذب دولًا أخرى التي لن تتردد في اتخاذ الخطوة تجاههم “بالطبع، إذا ظلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مجمّدة، فلا يمكن استبعاد أن تنجذب الدول الأخرى في المنظمة إلى مشروع AES. علاوةً على ذلك، فإن قرب توغو من هذه البلدان الثلاثة، والدعوة التي وجهتها منظمة AES إلى تشاد، تثير تساؤلات.
“بالنسبة لدول الساحل الثلاث، هذه فرصة عظيمة للانطلاق على الطريق الصحيح نحو السيادة الكاملة دون أي تأثير من الخارج. ويؤكد الدكتور سبايكر أنهم سوف يحررون أنفسهم من أيّ تأثير خارجي.
وفي ظل الوضع الراهن، يؤكد رئيس دائرة الدراسات الإستراتيجية لغرب إفريقيا أنه سيكون من الصعب على الدول الثلاث أن تفكّر في العودة إلى المنظمة”، يبدو التراجع أمرًا صعبًا على المدى المتوسط في وجهة نظري. وقبل كل شيء، يتعين على الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أن تجري تغييرات عميقة”، مضيفًا: “أتمنى أن تصبح حقًّا إيكواس للشعب، وليس اتحادًا لرؤساء الدول الذين يتماسكون معًا، بينما يتجاهلون توقعات المواطنين بشكل كلي”.
المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مستعدة لإيجاد حل للمأزق:
قالت المنظمة، في رد فعل عبر بيان صحفي: إنها لا تعلم رسميًّا برحيل الدول الثلاث الموجودة فيها. ومع ذلك، فإنها لا تزال تشعر بالقلق إزاء هذا الإعلان، وهي على استعداد لإيجاد حلول عن طريق التفاوض.
وجاء في البيان الصحفي الصادر عن مفوضية الإيكواس أن “بوركينا فاسو والنيجر ومالي تظل أعضاء مهمين في المجموعة، وتظل السلطة مصممة على إيجاد حل تفاوضي للمأزق السياسي الذي تعيشه الإيكواس”.
وجدير بالذكر أن الانسحاب من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ينظّمه المادة 91 من الميثاق الذي يحكم هذه المؤسسة. وتنص هذه المادة على ما يلي: “يجب على أي دولة عضو ترغب في الانسحاب من الجماعة أن تخطر كتابيًّا، خلال عام واحد(1)، بقرارها إلى الأمين التنفيذي الذي يقوم بإبلاغ الدول الأعضاء. وفي نهاية هذه الفترة، إذا لم يتم سحب إخطارها، تتوقف هذه الدولة عن كونها عضوًا في الجماعة. وتضيف الفقرة 2 “خلال فترة السنة (1) المشار إليها في الفقرة السابقة، تواصل هذه الدولة العضو الامتثال لأحكام هذه المعاهدة، وتظل مُطالَبة بالوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقها بموجب هذه المعاهدة”.
ولكن من الواضح أن الدول الثلاث لا تسير على هذا النمط إذا قمنا بتحليل دقيق للهجة إعلانها. علاوة على ذلك، أرادت مالي، في بيان صحفي، توضيح الوضع في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
و”يشكل هذا البلاغ إخطارًا رسميًّا بهذا القرار إلى مفوضية الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وسلطة الإيداع، ولعلم الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وجميع المنظمات ذات الصلة”، بحسب البيان الصحفي الصادر عن وزارة الخارجية المالية والتعاون الدولي.
وعلى أي حال، يبدو أن رد فعل مفوضية الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا يشير إلى أن هذه المؤسسة تبتعد عن المواجهة التي دخلت فيها مع هذه الدول الثلاث. ولذلك تتجه الأنظار إليها، التي وعدت بالإدلاء بتصريحات جديدة في الأيام المقبلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:https://www.bbc.com/afrique/articles/cx7l85qg5jpo