شوقي صلاح أحمد إسماعيل (*)
التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد للقارة الإفريقية خطوة كبيرة نحو الأمام؛ فالفشل في التخطيط يعتبر تخطيطًا للفشل، والعديد من الجهود في القارة بحاجة إلى شحذ وصقل في بوتقة واحدة من أجل رؤية متكاملة للقارة البكر مهد الإنسانية، وهذا التطور في التخطيط مؤشر بارز للوعي المتنامي للجيل الشابّ في هذه القارة، فالملاحظ أن التدرج من الأهداف المئوية للتنمية مرورًا بأهداف التنمية المستدامة انتهاء بالرؤية الاستراتيجية لأجندة إفريقيا 2063م يسهم بفاعلية في توضيح المآل المستقبلي للقارة، ويحدد الرؤى المستقبلية للعاملين في حقل التنمية من أجل الاهتداء إلى أهداف معلومة ومحددة، وتثقيف الجموع الإفريقية من أجل توحيد الجهود وإصابة الهدف، وهذه الورقة تحاول تحقيق هذا المرام.
إفريقيا 2063م الرؤية والرسالة:
“إفريقيا متكاملة ومزدهرة وسلمية، يقودها مواطنوها، وتمثل قوة متحركة في الساحة الدولية”، هذه هي الرؤية التي تُجَيَّش الجهود من أجل إنفاذها في الخمسة عقود القادمة بالنسبة للقارة الإفريقية، ولبناء هذا المستقبل تحتاج القارة إلى قيادات شبابية واعية فاهمة لقدر التحدي القادم، وقيادة مشروع متكامل للتنمية باستخدام وسائل فعالة في نشر الفكر التنموي على أوسع نطاق ممكن، وذلك باستخدام الفرص المتاحة التي توفرها مستحدثات العصر الحالي من أجل توجيه الجهود وتوحيد الرؤي لعدد 1.2 مليار نسمة هم سكان إفريقيا (1) نحو مستقبل واعد.
الخطوات الرئيسية للعشرية القادمة:
أهم محدِّدات العشرية الأولى هي التخطيط الموحد من حيث دمج خطط التنفيذ في الخطط الوطنية من أجل توحيد الاتجاهات التنموية للدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي.
ومن ثم تعبئة الموارد لتمويل البرامج والخطط الموحدة حتى لا يكون هناك هدر للموارد المحدودة مع تحديد الأولويات للدعم.
المحدد الثالث يتمثل في تقييم القدرات لأعضاء الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية من أجل رسم خارطة طريق للوضع الحالي، وتحديد سرعة السير المستقبلية لتنفيذ البرامج والأولويات التنموية.
المحدد الاخير هو استراتيجية الاتصال والتنسيق المستمر من أجل بناء شراكات تعين على تشكيل إفريقيا التي نريد، إفريقيا مزدهرة ترتكز على النمو الشامل والتنمية المستدامة، إفريقيا المتكاملة، متَّحدة سياسيًّا تستند على الهوية الإفريقية ونهضة إفريقيا، إفريقيا يسودها الحكم الرشيد والديموقراطية، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، إفريقيا يسودها السلام والأمان، إفريقيا لها هويتها الثقافية القوية الراسخة وتراثها المشترك وقيمها وأخلاقياتها المشتركة، إفريقيا يتولى مواطنوها قيادة دفَّة تنميتها، وتعتمد على طاقات الشعوب الإفريقية؛ لا سيما النساء والشباب، وترعى الأطفال، إفريقيا قوية ومتحدة التي تُعدُّ لاعبًا وشريكًا عالميًّا مَرِنًا ومؤثرًا.
أولويات المشاريع التنموية للعام 2063م:
مفهوم التنمية المستدامة في إفريقيا نعني به: التنمية التي تلبي الاحتياجات الحالية من غير أن تؤثر على قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم (2) ، وذلك بالتركيز على المجالات الثلاثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وعلى هذا الأساس صُمِّمَت هذه المشاريع لتلبية هذه الاحتياجات.
• مشروع الشبكة المتكاملة للقطار الفائق السرعة لربط جميع عواصم إفريقيا، والمراكز التجارية لتسهيل حركة السلع والخدمات والأشخاص، وخفض تكلفة النقل، والتخفيف من الازدحام في النظم الحالية والمستقبلية.
• جامعة إفريقيا الافتراضية الإلكترونية، زيادة حجم الوصول إلى التعليم الجامعي المستمر في إفريقيا من خلال الوصول إلى عدد كبير من الطلبة والمهنيين.
• صياغة استراتيجية للسلع، تُمكِّن البلدان الإفريقية من الحصول على القيمة المضافة، وجني عائد أكبر لسلعها، والاندماج في سلاسل القيمة العالمية.
• إنشاء منتدى إفريقي سنوي، يصمّم بحيث يجمع معًا بصفة سنوية، القيادات السياسية الإفريقية وممثلي القطاع الخاص والأكاديميات والمجتمع المدني لمناقشة التطورات والقيود، وكذلك التدابير التي ينبغي اتخاذها لتحقيق طموحات وأهداف أجندة 2063م.
• إنشاء منطقة تجارية حرة قارية بحلول عام 2017م، الهدف منها تسريع وتيرة نمو التجارة الإفريقية البينية، واستخدام التجارة بفاعلية أكبر باعتبارها محركًا للنمو التنمية المستدامة.
• جواز السفر الإفريقي الموحد وحركة تنقل الأشخاص.
• مشروع تنفيذ سد انجا العظيم وتوليد الكهرباء بمقدار 43200 ميجاوات “برنامج تطوير البنية التحتية في إفريقيا” لدعم محطات الكهرباء الإقليمية الموجودة حاليًا، وما يرتبط بها من خدمات؛ بغية الانتقال بإفريقيا من المصادر التقليدية إلى المصادر الحديثة للطاقة، مع ضمان وصول جميع الأفارقة إلى الكهرباء النظيفة بأسعار معقولة.
• الشبكة الإلكترونية الإفريقية، وهي تشمل نطاق عريضًا من أصحاب المصلحة، وتتوخى وضع سياسات واستراتيجيات تقود إلى التطبيقات والخدمات الإلكترونية في إفريقيا، لا سيما النطاق الواسع للبنية التحتية الأرضية الإفريقية البينية وأمن الإنترنت.
• إسكات صوت المدافع بحلول عام 2020م وإنهاء جميع الحروب والنزاعات الأهلية، وممارسات العنف القائم على النوع والجنس والنزاعات العنيفة، ومنع جرائم الإبادة الجماعية، ورصد التقدم المحرز من خلال إنشاء وتفعيل المؤشر الإفريقي للأمن البشري.
• الاستراتيجية الإفريقية للفضاء الخارجي، وتعزيز استخدام إفريقيا للفضاء الخارجي من أجل تقوية ودعم التنمية في مجالات الزراعة وإدارة الكوارث، والاستشعار عن بُعد، الخدمات المصرفية والمالية، التنبؤات المناخية والدفاع والأمن.
• إنشاء السوق الإفريقية الموحدة للنقل الجوي، توفير سوق إفريقية للنقل الجوي لتسهيل عمليات النقل الجوي.
• إنشاء المؤسسات المالية الإفريقية لتسريع وتيرة التكامل والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للقارة عندما يتعلق الأمر بتعبئة الموارد وإدارة القطاع المالي.
تُعدُّ هذه الأنشطة الواعدة كفيلة بتغيير مسار التنمية في إفريقيا، من أجل بناء مستقبل واعد منذ الآن بالنسبة للأجيال المستقبل. للمزيد من التفاصيل حول هذه الرؤية يمكن زيارة موقع الاتحاد الإفريقي (3) ، وهنالك الكثير من الجهود تُبْذَل لتحويل هذه اللوحة إلى واقع تعيشه الأجيال الحالية.
المنجزات الجارية لرؤية إفريقيا المستقبلية:
الصحيح أن العالم الآن اتجه إلى ما بعد الأهداف المئوية التي ينتهي أمدها في العام 2015م، وما تلاها من الأهداف المئوية للتنمية حتى عام 2030م، لكن واقع الحال في إفريقيا يجبرنا على وضع خطط كلية لهذه الأهداف حتى تتحقق كلها أو جلّها، وهذا لا يتم حتى تحدد المحددات النهائية لهذه الخطط، وهو ما تم تحديده بدقة في أجندة التنمية لإفريقيا 2063م، والآن في ظل استلام مصر لرئاسة الاتحاد الإفريقي، نتوقع تطورًا متقدمًا إذا استخدمت مصر كل خبراتها وثقلها الثقافي والتاريخي في إفريقيا، من أجل المضي قدمًا في تنفيذ هذه الاستراتيجية التنموية لتحريك القوى الفاعلة في المجتمع الإفريقي، وهنالك جهود بُذِلَتْ لا يمكن حصرها في هذه المساحة، لكن يمكن إيراد أمثلة، ويأتي في مقدمتها:
1- التعليم الجامعي خطوات نحو الجامعة الإفريقية الافتراضية:
إن Pan African University هي تتويج للمبادرات القارية للجنة الاتحاد الإفريقي لتنشيط التعليم العالي والبحث في إفريقيا. وهو مشروع من شأنه أن يجسِّد التميز، ويعزِّز الجاذبية والقدرة التنافسية العالمية للتعليم العالي والبحث في إفريقيا، وينشئ الجامعة الإفريقية في صميم تنمية إفريقيا (4) ، وتعتبر هذه المنحة الممولة بالكامل مرحلة من مراحل توفير التعليم من أجل الوصول إلى عدد كبير من الطلبة والمهنيين، ومن شروط المنحة العمل لإفريقيا لفترة من الزمن، وكذلك توفر كوادر على درجة عالية من الكفاءة والصقل لرفد الجهود المبذولة نحو الاستراتيجية الإفريقية للعام 2063م.
2- المنطقة التجارية الحرة الإفريقية:
منطقة التجارة الحرة القارية عبارة عن منطقة تجارة حرة تضم في عضويتها كافة دول الاتحاد الإفريقي (55 دولة)، بهدف إزالة القيود غير الجمركية أمام حركة التجارة البينية الإفريقية، وبالتالي خلق سوق قاري لكافة السلع والخدمات داخل القارة الإفريقية يضم أكثر من مليار نسمة، ويفوق حجم الناتج المحلي الإجمالي له عن 3 تريليونات دولار، مما يؤدي إلى إنشاء الاتحاد الجمركي الإفريقي، وتطبيق التعريفة الجمركية الموحدة تجاه واردات القارة الإفريقية من الخارج (5).
وهذه المنطقة تعتبر تمهيدًا لإنشاء منطقة تجارية حرة بمواصفات عالمية، مع إيجاد سياسات واضحة لكل الدول من أجل استيراد الاحتياجات الأساسية من داخل القارة، وتوريد السلع وسريان موارد في عصب الدول الإفريقية من أجل تنمية مستدامة ومتوازنة.
3- الجواز الإفريقي الموحد:
والذي سيكون معروفًا رسميًّا باسم “جواز سفر الاتحاد الإفريقي الإلكتروني”؛ يمنح هذا المستند الإلكتروني لحامليه دخول أي دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بدون تأشيرات. ولهذا الجواز الإلكتروني أهمية رمزية أيضًا؛ حيث يُنظَر إلى إصداره على أنه خطوة أساسية نحو رؤية الاتحاد الإفريقي لـ”قارة ذات حدود سلسة وموحّدة”. ويأمل مؤيدو هذا الجواز أن يعزِّز ويحسِّن السفر بين الدول الإفريقية ويدعم التجارة والتنمية (6) ، فهالك العديد من المزايا لهذه الخطوة من حيث إزالة الحدود وتأشيرات الدخول بين دول الاتحاد الإفريقي، على الرغم من ذلك ينظر إليه البعض على أنه مهدِّد أمني في حال وقوعه في الأيدي الخاطئة، لكنَّ الجميع يتفق على أنه خطوة قوية نحو الأمام لتحقيق رؤية إفريقيا للعام 2063م.
الخلاصة:
من خلال النقاط التي طرحتها الورقة يتضح لنا الأهمية القصوى للتعريف بالأجندة التنموية للرؤية الاستراتيجية للقارة الإفريقية 2063م من أجل عمل مشروع أمميّ لتوجيه الجهود لعمل تنمية مستدامة للقارة الإفريقية من خلال التوصيات التالية:
التوصية الأولى:
التأكيد على تطبيق النداء الأممي لتحقيق مبادئ الأهداف المئوية للتنمية من أجل إلحاق دول القارة بقطار التنمية والتطور الذي ينتظم العالم وإخراج دول القارة من حيز التبعية؛ حيث تُعتبر معظم أقطار القارة حدائق خلفية للقوى العظمى من فرنسا وبريطانيا وأمريكا والدول الصاعدة في القرن الجديد.
التوصية الثانية:
تطبيق الإصلاحات العميقة والفعَّالة التي تشمل إيقاف الصراعات، إزالة الديون المتراكمة على دول القارة، تأسيس بِنَى تحتية قوية لبدء التنمية، تحديث الزراعة وإزالة خطر المجاعات التي تضرب القارة بين الفينة والأخرى، تمكين الشباب من أجل تكوين قيادة مستقبلية واعية للقارة الإفريقية.
التوصية الثالثة:
السعي من أجل عمل مؤشر لدول القارة يخص مستويات مختلفة من التنمية، وكذلك مستويات مختلفة من الفقر، من أجل تحديد ثلاثة مستويات لدول القارة الإفريقية حسب هذا المؤشر يضم الدول المتقدمة في التنمية والدول المتوسطة والدول الضعيفة؛ من أجل ضمان توزيع عادل للمشاريع التنموية لتحقيق رؤية متوازنة لجميع دول القارة؛ حتى لا تُظلَم الدول الضعيفة ذات الاقتصادات الهشَّة من تطبيق الرؤية المتكاملة للقارة 2063م حتى تستفيد جميع دول القارة.
الاحالات والهوامش:
(*) باحث سوداني .
(1) حسب تقديرات عام 2016م انظر، الموسوعة الحرة الويكيبيديا : www. Wikipedia. Org (إفريقيا).
(2) World Commission on Environment and Development (WCED).1987.
Our Common Future. Oxford: Oxford University Press.
(3)إفريقيا التي نريد، على الرابط https://au.int/sites/default/files/documents/33126-doc-11_an_overview_of_agenda_arabic.pdf ، تاريخ الوصول 2-1-2019م.
(4) منحة جامعة Pan African University للماجستير ودكتوراه (ممولة بالكامل)، على الموقع https://www.marj3.com، تاريخ الوصول 2-1-2019م .
(5) معلومات عن منطقة التجارة الحرة القارية بعد توقيع 49 دولة، على الموقع https://www.youm7.com/story/2018/12/14f ، تاريخ الوصول 3-1-2019م.
(6) كل ما تحتاج معرفته عن جواز السفر الإفريقي الموحد الصادر من الاتحاد الإفريقي، عبد الحكيم نجم الدين، على الموقع sudaneen.com، تاريخ الوصول 3-1-2019م.