تواجه المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) تحديات وجودية لأول مرة منذ انشائها عام 1975بعد تلقيها إشعار الانسحاب الذي قدمته ثلاثة دول من أعضائها – مالي وبوركينا فاسو والنيجر – بالإضافة إلى الأزمة السياسية في السنغال. ففي تطور دراماتيكي قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات الرئاسية، التي كان من المقرر إجراؤها في السنغال في 25 فبراير2024، أعلن الرئيس ماكي سال تأجيل الانتخابات دون تحديد موعد جديد على الفور أو أي أسباب معقولة. وبعد موجة من الاحتجاجات، وافق البرلمان السنغالي على إعلان يوم 15 ديسمبر كموعد جديد محتمل.
والمتابع للمشهد السنغالي يلاحظ أن التأجيل ليس هو مصدر قلق زعماء الإيكواس ، حيث تم تأجيل الانتخابات الرئاسية مرتين في السنوات العشر الماضية حتى عشية التصويت؛ وإنما هي محاولات ماكي سال الاستمرار في السلطة – فقد حاول في البداية دون جدوى الحصول على فترة ولاية ثالثة ، أعقبها حملة القمع التي تشنها حكومته على مرشحي المعارضة. ويحاول هذا المقال استعراض أزمة الإيكواس ومعوقات التكامل الاقتصادي ،فضلا عن مستقبل النزعة الإقليمية في أفريقيا
الإقليمية وحلم الوحدة الأفريقية:
ظلت الدول الأفريقية منذ استقلالها تناضل من أجل تحقيق حلم الرواد الأوائل للوحدة الأفريقية من جهة وتعزيز تكاملها الإقليمي حيث كان ينظر إليها على أنها استراتيجية فعالة لتعزيز وتحسين الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية للأفارقة من جهة اخرى. وفي الواقع، تم إطلاق العديد من المنظمات الإقليمية طوال القرن العشرين لتحقيق هذا الهدف. لكن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع بسبب بعض العوائق، فضلا عن مكانة أفريقيا الهامشية في الاقتصاد العالمي، وأيضا من حيث تحليل وضعها مقارنة بدول المركز في الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، لم يتم التخلي قط عن الطموح إلى إنشاء أفريقيا موحدة. في الواقع هناك منظمات مختلفة تخلق الفرص التي تبعث الأمل في تحقيق حلم التوحيد. وفي هذا الصدد، سيسلط الجزء الأول من هذا المقال الضوء على تجمع الإيكواس ودوره في تحقيق النزعة الإقليمية. أما الجزء الثاني فيؤكد على معوقات الإقليمية الجديدة في افريقيا.
تأسست الإيكواس في عام 1975 من أجل تحقيق جملة أمور منها[1]:
- التعاون من أجل تعزيز التجارة والتحرير الاقتصادي،
- قدر أكبر من حرية الحركة،
- تحسين وسائل النقل،
- تنسيق الاتصالات السلكية واللاسلكية،
- النمو الصناعي والزراعي،
- رفع مستوى المعيشة،
- زيادة الاستقرار الاقتصادي والحفاظ عليه.
ومن الناحية الهيكلية، تحتل الايكواس المرتبة الثالثة في عدد الأجهزة المشتركة مقارنة بالمجموعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية الأخرى. وكما هو الحال في التنظيم الهرمي للدول ومعظم المنظمات الحكومية الدولية، فإن لديها ثلاثة مستويات من الإدارة متمثلة في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية[2]. عند تشكيلها، كان الجهاز الإداري للإيكواس يتمثل في : الأمانة التنفيذية، والتي تحولت إلى مفوضية الإيكواس. ويتمثل أعلى جهاز لصنع القرار في هيئة رؤساء الدول والحكومات، التي يرأسها رئيس يتم تعيينه من قبل الهيئة لمدة عام واحد، عند انعقاد القمة الدورية السنوية. أما وزير شؤون الإيكواس في الدولة التي ينتخب منها الرئيس فإنه يصبح بشكل تلقائي رئيس مجلس وزراء الجماعة. كما يتم تعيين رئيس مفوضية الإيكواس لمدة أربع سنوات غير قابلة للتجديد ويساعده نائب الرئيس و13 مفوضاً.
يضم برلمان الإيكواس، الذي يرأسه رئيس البرلمان، 115 عضوًا مقسمين حسب عدد السكان ( تستأثر نيجيريا وحدها بنصيب 30%). ومن المثير للاهتمام أن أنشطة البرلمان يديرها الأمين العام للبرلمان. كما يتم اختيار البرلمانيين من قبل البرلمانات الوطنية. بيد أن الايكواس تعتزم إجراء انتخابات مباشرة كما هو الحال بالنسبة للبرلمان الأوروبي. أما الذراع القضائي للإيكواس فيتمثل في محكمة العدل التي تتكون من 7 قضاة، بحيث لا يتم اختيار قاضيين من نفس البلد، ويرأسها رئيس. بالإضافة إلى تفسير وتطبيق قوانين الجماعة وبروتوكولاتها واتفاقياتها، تتمتع المحكمة بالولاية القضائية على انتهاكات حقوق الإنسان. أضف إلى ذلك لدى الإيكواس كتلتان أخريان، هما : الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، الذي يضم الدول الإفريقية الثمانية الناطقة بالفرنسية، والمنطقة النقدية لغرب إفريقيا، المكونة من ستة دول ناطقة باللغة الإنجليزية. وكما هو واضح في المناقشات حول منطقة نقدية متكاملة تستخدم العملة الموحدة (إيكو)، فإن الانقسامات لا تزال قائمة في دول الإيكواس.
وتشمل الأجهزة والإدارات البارزة الأخرى التابعة للإيكواس بنك الإيكواس للاستثمار والتنمية، ومنظمة الصحة لغرب إفريقيا، والتي اعتبرت غير فعالة في مكافحة تفشي فيروس إيبولا بسبب النقص الملحوظ في الموارد والشفافية والمساءلة والرشوة والفساد. كما أن لديها مجموعة عمل حكومية دولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في غرب أفريقيا، والوكالة النقدية لغرب أفريقيا، والمعهد النقدي لغرب أفريقيا. وعلى الجبهة الاجتماعية والثقافية، يوجد مركز تنمية الشباب والرياضة ومركز التنمية الجنسانية. كما يوجد لدى الايكواس وكالات أخرى موجهة نحو توليد الطاقة ونقلها وهيئة تنظيم الطاقة والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والزراعة والغذاء وتطوير البنية التحتية. يتم تنفيذ أنشطة هذه الهيئات من خلال أربعة عشر قسمًا من أقسام المفوضية، والتي تبدو وكأنها قائمة وزارية، ولكنها أيضًا تهتم بالقضايا الخاصة التي يجب على المنطقة التعامل معها.
ولعل من أبرز مجالات أنشطة الايكواس تأسيس مجموعة المراقبة ، والتي أعيدت تسميتها إلى القوة الاحتياطية التابعة للإيكواس في عام 2014. وترتكز هذه القوة على بروتوكول معاهدة الايكواس بشأن الدفاع المشترك والذي أدى إلى إنشاء قوة مسلحة متحالفة. وقد نشر فريق المراقبين العسكريين التابع للايكواس قواته في ثلاث حالات: ليبيريا،( 1990- 1998)، وسيراليون (1997-2000)، وغينيا بيساو (1999). وكانت هناك حالات أخرى شارك فيها فريق المراقبين العسكريين التابع للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ليس بالضرورة في عمليات حفظ السلام، ولكن في كثير من الأحيان كمراقبين. وتشمل البعثات الأخرى بعثات متعددة الجنسيات مثل بعثة كوت ديفوار في 2003-2004 وبعثة غينيا بيساو بشكل متكرر، وبعثة الدعم الدولية بقيادة أفريقية إلى مالي في عام 2013، بينما في عام 2017، ساعدت الايكواس في إعادة الديمقراطية إلى غامبيا من خلال التهديد بالتدخل العسكري بعد رفض الرئيس المنتهية ولايته يحيى جامع الاعتراف بالهزيمة الانتخابية[3].
معوقات الإقليمية الاقتصادية:
تمثل المواريث الاستعمارية المتباينة بين الدول الناطقة بالفرنسة والدول الناطقة بالإنجليزية أحد أكبر معوقات التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة. ولعل المثال الأبرز تطرحه خطة طرح عملة مشتركة واحدة، “الإيكو” والتي تعود إلى عام 2003. وعلى الرغم من أن الفكرة كانت تهدف إلى تعزيز التجارة والتنمية الاقتصادية عبر الحدود، إلا أنها شكلت تحديًا لجماعة الإيكواس حيث تعرضت الجهود المبذولة لتحقيق هذا الحلم إلى واقع لانتكاسة بجميع أشكالها مع تعرض العديد من الدول الأعضاء في الكتلة لضغوط اقتصادية حيث تكافح من أجل سداد ديونها الوطنية، فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي، كما هو الحال في مالي وغيرها من دول الساحل وغرب أفريقيا. وفي أوائل عام 2019، وافقت “الجماعة” على البدء في إطلاق عملة “إيكو” في يناير 2020، إلا أن الخطة فشلت بسبب التحديات التي فرضها جائحة فيروس كورونا. وقد أعلن رئيس مفوضية الإيكواس، أن عام 2027 سيكون الموعد الجديد لإطلاق عملتها الموحدة، “الإيكو”[4].
ومن جهة أخرى فإن عدم الاستقرار السياسي والصراعات السائدة في المنطقة تعوق قدرة الإيكواس على تعزيز التكامل الاقتصادي والاستقرار السياسي الذي تشكلت من أجله. وعلى هذا فإن مسائل الاضطرابات المدنية، والتمرد، والانقلابات، واللصوصية، ومجموعة من المسائل الأخرى، هي تساؤلات مهمة عند التفكير في أسباب عدم قدرة ايكواس على تحقيق الإنجازات. ولا شك أن هذا له آثار كبيرة على تحقيق التكامل الاقتصادي، حيث أن البيئة المناسبة لمثل هذه السوق المشتركة غير آمنة. والفرضية التي تمثل نقطة الانطلاق هنا هي أن التحديات الأمنية التي تواجهها مختلف الدول الأعضاء تؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي وتصبح عبئا على عاتق الإيكواس نتيجة لعدم قدرتها على التصدي لها. وبطبيعة الحال، فإن الدول الأعضاء مثقلة بالفعل بهذه التحديات ولا تساهم كما هو متوقع في تحقيق الأهداف.
تبعات الانسحاب الثلاثي:
إن المشاكل في مالي وبوركينا فاسو والنيجر ــ وهي ثلاثة دول أعضاء متخلفة عن السداد والتي اتهمت المجموعة بالتواطؤ والإهمال في التزاماتها وأشارت إلى اعتزامها الانسحاب ــ تهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها. وهذا التهديد وحده لن يعرض التجارة داخل الجماعة الاقتصادية، والتي تقدر قيمتها بنحو 208.1 مليار دولار، للخطر فحسب (باستثناء التجارة غير الرسمية بين المواطنين والتي تشكل حوالي 30٪ من المعاملات)؛ ولكنه يهدد كذلك بتعقيد الوضع الأمني في هذه المنطقة دون الإقليمية التي تواجه بالفعل مشاكل خطيرة ناجمة عن التطرف العنيف واللصوصية. ولعل أكبر الخاسرين بالإضافة إلى هذه الدول المنسحبة نيجيريا باعتبارها دولة إقليمية محورية.
1– التداعيات على الدول الحبيسة: تشترك نيجيريا في حدودها مع النيجر وتشاد وإن كانت لا تشترك بشكل مباشر في الحدود مع بوركينا فاسو فإنها تشترك في الحدود مع دولتين مشتركتين – النيجر وبنين. ويلاحظ أن جميع البلدان الثلاثة المنسحبة غير ساحلية. ولا يوجد لأي منها خطوط ساحلية على طول المحيط أو أي مسطحات مائية رئيسية، مما يجعلها تعتمد على بلدان أخرى في التجارة العابرة للقارات. ولعل ذلك يشير بشكل واضح إلى المخاطر التي تتعرض لها هذه الدول في حالة الانسحاب.
2– التداعيات على أمن الحدود: تقوم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بتنسيق أمن الحدود الإقليمية ومكافحة التهديدات عبر الحدود مثل الإرهاب ومهام حفظ السلام والتهريب. وتعد منطقة الساحل، التي تضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، نقطة ساخنة للأنشطة الإرهابية. وسيؤدي خروج هذه الدول إلى نهج مجزأ لمكافحة الإرهاب، مما يزيد من صعوبة قيام نيجيريا بتأمين حدودها بشكل فعال وتنسيق ومكافحة التهديدات الأمنية في المنطقة. وسوف يؤدي ذلك إلى تقليص عدد المساهمين المحتملين في بعثات حفظ السلام، مما يفرض عبئاً ثقيلاً على نيجيريا من حيث الموارد والجهود السياسية والدبلوماسية لمعالجة هذه الصراعات الإقليمية.
3- التداعيات الاقتصادية: تعمل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بنشاط على تعزيز تطوير البنية التحتية، بما في ذلك بناء الطرق والسكك الحديدية، والتي تشكل أهمية بالغة لتسهيل التجارة عبر الحدود والربط الإقليمي. وتشير التقارير إلى أن التجارة تتباطأ في أفريقيا، وأن نيجيريا تستثمر بكثافة في المنطقة لتحسينها. وخروج هذه الدول سيسبب خسائر لنيجيريا حيث أن تمويل هذه الاستثمارات يأتي من القروض. لقد أصبح مشروع خط أنابيب الغاز من واري عبر النيجر إلى حاسي الرمل في الجزائر، والذي تبلغ تكلفته 13 مليار دولار، موضع شك بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر أواخر عام 2023. ومن المتوقع أن ينقل خط الأنابيب 30 مليار متر مكعب من الغاز يوميا، لكن هذا الخروج سيعرض الفوائد المحتملة لنيجيريا وغرب أفريقيا وأوروبا للخطر. ويعد مشروع السكك الحديدية كانو-مارادي مبادرة مهمة أخرى من شأنها أن تؤثر على خروج النيجر المحتمل، بينما تجعل من الصعب على نيجيريا سداد القرض البالغ ملياري دولار بإيرادات محدودة محتملة.
باعتبارها فاعلا اقتصاديًا رئيسيًا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، تصدر نيجيريا مجموعة من السلع إلى هذه البلدان، بما في ذلك المنتجات الزراعية والآلات والسلع الاستهلاكية. على سبيل المثال، تعد نيجيريا ثالث أكبر مصدر للنيجر، حيث تبيع لها نحو 16% من صادراتها. وقد ارتفعت الصادرات من نيجيريا إلى النيجر من 39 مليون دولار في عام 1995 إلى 193 مليون دولار في عام 2022. وتشمل الصادرات النيجيرية سلعًا مثل الأسمنت والمواد الزراعية الخام والنفط والأغذية المصنعة. هناك أيضًا سوق محتملة لتصدير منتجات شركة دانجوت النفطية المكررة إلى هذه البلدان. ومن جهة أخرى سيكون لدى المصدرين النيجيريين قدرة محدودة على الوصول إلى الأسواق في بوركينا فاسو والنيجر ومالي، مما سيؤثر على أحجام صادراتهم. وسيكون أكبر الخاسرين في نيجيريا هم تجار الشمال على حدود النيجر وتشاد، وهو ما يمثل ضربة كبيرة لأنشطتهم الاقتصادية المتعثرة.
تبعات الأزمة الانتخابية في السنغال:
إن عدم الاستقرار السياسي في السنغال له آثار كبيرة على الإيكواس حيث يقوض الجهود التي تبذلها المجموعة لتعزيز السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة. ولعل أحد المبادئ الأساسية التي توجه المجموعة هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. ومع ذلك، فإن الوضع في السنغال، إذا ترك دون معالجة، قد يؤدي إلى أزمة سياسية قد تتطلب تدخل الإيكواس أو الدول الأعضاء فيها. وتشكل هذه المعضلة تحدياً لالتزام الايكواس بالتمسك بمبدأ عدم التدخل مع الحفاظ في الوقت نفسه على الاستقرار الإقليمي.
علاوة على ذلك، من الممكن أن تعزى عودة الحكم العسكري في بعض البلدان الأفريقية، مثل مالي وبوركينا فاسو، جزئيا إلى إهمال مبادئ الدستورية، وسيادة القانون، والعمليات الانتقالية المعيبة. وتنعكس هذه التحديات بشكل سيئ على فعالية المنظمات الإقليمية مثل الإيكواس في تعزيز الحكم الديمقراطي ومنع التغييرات غير الدستورية للحكومة.
إن حالة الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي أسهم في البداية في تعزيز الانتقال الديموقراطي، ولكنه لجأ في وقت لاحق إلى تكتيكات غير ديمقراطية لإطالة أمد حكمه، تخدم كمثال تحذيري للإيكواس وغيرها من الهيئات الإقليمية. إن تلاعب ماكي سال بالدستور واضطهاد شخصيات المعارضة يظهر تآكل المعايير الديمقراطية وترسيخ النزعات الاستبدادية، وهو ما يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة بأكملها.
وفي ضوء هذه التطورات، يجب على الإيكواس أن تظل يقظة واستباقية في معالجة الأزمات السياسية ودعم المبادئ الديمقراطية في دولها الأعضاء. وقد يتطلب ذلك بذل جهود دبلوماسية للتوسط في النزاعات، والضغط على الحكومات لاحترام المعايير الديمقراطية، ودعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز الحكم الرشيد وحقوق الإنسان. وفي نهاية المطاف، يشكل استقرار السنغال وغيرها من بلدان غرب أفريقيا ضرورة أساسية لازدهار وأمن المنطقة برمتها. ولذلك يجب على الإيكواس أن تقوم بدور استباقي في التصدي للتحديات السياسية وتعزيز الحكم الديمقراطي لضمان مستقبل سلمي ومزدهر لغرب أفريقيا.
وفي الختام:
تواجه المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تحديات وجودية تثير تساؤلات حول مدى فعالية التكتلات الإقليمية في أفريقيا. وتؤكد إخطارات الانسحاب الأخيرة من ثلاث من الدول الأعضاء في المجموعة، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، إلى جانب الأزمة السياسية في السنغال، على العقبات الهائلة التي تواجه الإيكواس. لقد أثار قرار الرئيس ماكي سال تأجيل الانتخابات الرئاسية في السنغال، دون تحديد موعد جديد أو تقديم أسباب قاهرة، احتجاجات وأثار مخاوف بشأن الحكم الديمقراطي في البلاد. ورغم أن تأخير الانتخابات أمر شائع في أفريقيا، مع تأجيل الانتخابات مرتين في العقد الماضي، فإن الوضع الحالي يعكس الجهود الواضحة التي يبذلها الرئيس سال للتشبث بالسلطة من خلال وسائل غير ديمقراطية.
وتسلط هذه التطورات الضوء على التوازن الدقيق بين الاستقرار الإقليمي والحكم الديمقراطي في غرب أفريقيا. ويتعين على الإيكواس، باعتبارها منظمة إقليمية، أن تتعامل مع هذه التحديات ببراعة وتصميم. ويتعين عليها أن تتمسك بمبادئها المتمثلة في تعزيز الديمقراطية والسلام والاستقرار مع احترام سيادة الدول الأعضاء فيها. إن الأزمة في السنغال هي بمثابة دعوة للاستيقاظ للإيكواس لتعزيز آلياتها لمنع الصراعات، والوساطة، وحلها. وتؤكد أهمية وجود مؤسسات ديمقراطية قوية واحترام سيادة القانون في ضمان الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة في المنطقة.
وفي مواجهة هذه التحديات، يتعين على الإيكواس أن تؤكد من جديد التزامها بمبادئ الحكم الرشيد، وحقوق الإنسان، والمساءلة الديمقراطية. ويتعين عليها أن تعمل بشكل وثيق مع الدول الأعضاء، ومنظمات المجتمع المدني، والشركاء الدوليين لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار السياسي وتعزيز الحكم الديموقراطي في غرب أفريقيا.
وفي نهاية المطاف، يعتمد مستقبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والتكامل الإقليمي في أفريقيا على قدرتها على الاستجابة بفعالية للأزمات، ودعم المعايير الديمقراطية، وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء. ولن يتسنى للإيكواس التغلب على المعضلات الحالية والوفاء بتفويضها المتمثل في تعزيز السلام والرخاء والتقدم في غرب أفريقيا إلا من خلال العمل الجماعي والالتزام الثابت بقيم الشفافية والحكم الصالح.
…………………………………..
[1] Economic Community of West African States (ECOWAS). (n.d.). Revised treaty. Retrieved from https://wits.worldbank.org/gptad/pdf/archive/ecowas.pdf
[2] Ezenwe, Uka. ECOWAS and the Economic Integration of West Africa. New York, NY: St. Martin’s Press, 1983.
[3] Hartmann, Christof. “ECOWAS and the Restoration of Democracy in the Gambia.” Africa Spectrum 52, no. 1 (2017): 85–99. https://doi.org/10.1177/000203971705200104.
[4] Ajisola, S. I. (2023). The Challenges of Ecowas in the 21st Century: An Alternative. Mazedan State Policies and Legal Review, 3(2), 16-19.