استيقظ النيجيريون على خبرٍ مفاده أنَّ لجنة الانتخابات المستقلة الوطنية (INEC) قد أجَّلتْ الانتخابات العامة أسبوعًا؛ بدعوى أنّ هناك صعوبات في نقل المواد الانتخابية إلى بعض المناطق، وأن مكاتبها تعرَّضت لهجمات في بعض الولايات، وذلك قبل أربع ساعات فقط من بدء عملية التصويت.
وقد أصدر وكلاء الأحزاب السياسية في البلاد بياناتهم التي يعبِّرُون فيها عن مخاوفهم وقلقهم، وأبدى عامة الناس أيضًا في الشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي إحباطاتهم، وخصوصًا فيما يتعلق بضرورة تغيير خططهم الحياتية، ومواصلة إغلاق أبواب أعمالهم لمدة أسبوع آخر دون سابق إنذار.
أما رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات “محمود ياكوبو”، فقد أكّد أمام الصحفيين في الساعات الأولى من صباح السبت على أن التأجيل ضروري لإجراء انتخابات حُرَّة ونزيهة.
“بعد مراجعة دقيقة لتنفيذ الخطط اللوجستية والخطط التشغيلية، والتصميم على إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية، توصلت اللجنة إلى استنتاج مفاده أن إجراء الانتخابات في موعدها لم يَعُدْ مجديًا”؛ هكذا قال “محمود ياكوبو”.
وبحسب البيان الرسمي للجنة؛ فإن المواعيد الجديدة هي: 23 فبراير للانتخابات الرئاسية وانتخابات الجمعية الوطنية، و9 مارس لانتخابات حُكّام الولايات ومجالس النواب التابعة للولايات.
نزاهة عملية الانتخابات:
ليست هذه هي المرة الأولى التي تُؤجَّل فيها الانتخابات العامة بنيجيريا؛ إذ حدث هذا في عامي 2011 و2015م على التوالي، ولكن ما جعل هذه الأخيرة بمثابة ضربة كبيرة للبلاد أن هناك تلهفًا واضحًا منذ شهور للذهاب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب قادة سيقودون مسار البلاد للأعوام الأربعة القادمة، كما أن المشهد السياسي في البلاد يشهد تنافسًا شرسًا بين الحزبين الرئيسيين في البلاد –حزب “مؤتمر كل التقدميين” الحاكم (APC) و”حزب الشعب الديمقراطي” المعارض (PDP)- للسيطرة على الجمعية الوطنية ومفاصل السلطة في بعض الولايات.
وتَكْمُن تداعيات هذه الحادثة من الناحية السياسية في مدى تأثيرها السلبي على سمعة اللجنة الانتخابية وسلامة عملية الاقتراع؛ إذ أُثير لعدة أشهر مختلف المخاوف حول قدرة اللجنة على إجراء انتخابات حُرَّة وذات مصداقية دون التدخل من جانب حكومة الرئيس “محمد بخاري” وحزبه الحاكم، خصوصًا وأن من ضمن ادّعاءات حزب (PDP) المعارض أن الحزب الحاكم يحاول التلاعب بالانتخابات كي تكون النتائج لصالحه.
وقد ناشد المجتمع الدولي اللجنة الانتخابية عدَّة مرَّات بإجراء انتخابات ليست حرة وعادلة وموثوقة فحسب، بل يجب أن تبدو كذلك للجميع. وبالتالي قد يؤدي توقيت إعلان تأجيل الموعد الانتخابي إلى أن تتعالى المخاوف فتضرُّ بمصداقية اللجنة.
وهذا ما ردَّده بالفعل زعماء حزب (PDP) وأحزاب سياسية أخرى؛ حيث قال رئيس (PDP) الوطني، “أوشي سيكوندوس”: إن إعلان اللجنة الانتخابية دليل إضافي على خطط حزب (APC) الحاكم للتزوير.
“بعد الفشل في كل خياراتهم الشريرة لتمكينهم من التمسك بالسلطة، جاء حزب مؤتمر كل التقدميين (APC) ولجنة الانتخابات المستقلة الوطنية (INEC) بفكرة تأجيل الانتخابات، وهو عمل خطير على ديمقراطيتنا، وبالتالي فهو غير مقبول”؛ هكذا قال “سيكوندوس”.
وفي الحقيقة؛ فإن كلّ هذا التصريح وغيره من تصريحات السياسيين ووكلاء الأحزاب الآخرين مؤشراتٌ لا تُبَشِّر بخيرٍ حول ما إذا كانت جميع الأطراف السياسية ستقبل بنتائج الانتخابات بعد التصويت في الأسبوع القادم أم لا.
إحباط وخيبة للأمل:
لقد أُعلن عن تأجيل الانتخابات قبل ساعات فقط من موعد فتح صناديق الاقتراع؛ فالآلاف -بمن فيهم الرئيس المنتهية ولايته “محمد بخاري” نفسه ونائبه “ييمي أوسيبانجو” – قد سافروا لمسافات طويلة إلى ولاياتهم لكي يُدْلُوا بأصواتهم في وحدات الاقتراع الخاصة بهم.
وصرّح الرئيس “بخاري” في بيان من مسقط رأسه في “دَوْرَا” بأنه “يشعر بخيبة أمل عميقة”؛ لأن “اللجنة الانتخابية الوطنية نفسها قدَّمت ضمانات كثيرة يومًا بعد يوم وساعة بعد ساعة أنها في حالة استعداد تامّ لإجراء الانتخابات”.
وفي حين أخذ الكثير من النيجيريين إجازات من العمل، ودفعوا أجورًا باهظة للسفر إلى مناطقهم؛ حتى يتمكنوا من ممارسة حقوقهم المدنية على النحو المنصوص عليه في قوانين البلاد، فقد شهد المشهد أيضًا عودة المغتربين من الخارج إلى نيجيريا؛ كالذين رجعوا من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا، وغيرها للتصويت مع حجز تذاكر العودة في أيام قليلة.
ويُضَاف إلى ما سبق أنّ هناك من المواطنين من حجزوا قاعات الزفاف في يوم 23 فبراير (الموعد الجديد للانتخابات)، ولا يمكنهم استرداد المبالغ المدفوعة لإقامة حفلاتهم.
“من الذي سيتحمل كل هذه التكلفة؟ اللجنة الانتخابية المستقلة الوطنية، أو النيجيريون الوطنيون”؛ هكذا يتساءل أحد المعنيِّين في موقع “تويتر”.
وأشارت وسائل الإعلام المحلية إلى أن عددًا من الناخبين المسجَّلين قد انطلقوا سيرًا على الأقدام إلى مراكز الاقتراع صباح أمس السبت لبطء وصول أنباء تأجيل الانتخابات إليهم، وأن هناك من ناموا من الليل في أماكن ومواقع الاقتراع للتغلُّب على الحشود.
وإذ أُغلقت بعض المدارس لمدة أسبوع لأسباب أمنية قبل الانتخابات، وفرض حظر التجول لتقييد الحركة في يوم الانتخابات، فقد شهدت “لاغوس” العاصمة الاقتصادية للبلاد حركة مرور كثيفة مساء يوم الجمعة؛ حيث قام العديد من السكان بتخزين المواد الغذائية قبل بدء حظر التجوال على حركة المركبات، الأمر الذي أدَّى إلى نفاد معظم المواد الغذائية والإمدادات الأساسية الأخرى في المراكز التجارية الرئيسية.
ومن جانب آخر، يتحمَّل الآلاف من الشباب أعضاء “فيلق الخدمة الوطنية للشباب” -وهو برنامج إلزامي مدته عام واحد لخريجي الجامعات في نيجيريا- الذين يعملون كموظفين مؤقتين في اللجنة الانتخابية تَعب ووطأة تأجيل الانتخابات؛ لأنهم وصلوا وحدات الاقتراع من يوم الجمعة، ولأنهم مَن يقدِّمُون الخدمات الأساسية في مراكز الاقتراع خلال عملية التصويت.
خسائر اقتصادية وإهدار للموارد:
لقد تعافت نيجيريا في الأسبوع الماضي من أسوأ ركود اقتصادي شهدته البلاد؛ إذ سجَّل ناتجها المحلي الإجمالي نموًّا ملحوظًا بنسبة 1.93٪ في عام 2018م، وذلك بفضل أنشطة وإنفاق المؤسَّسات الخاصة.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الآثار الاقتصادية لتأجيل الانتخابات؛ حيث يتعيَّن على الملايين من النيجيريين أن يعدِّلوا حياتهم ومواردهم المالية حول الجدول الزمني الجديد؛ إذا كانوا سيقومون بأدوارهم في العملية الانتخابية التي يأمل الكثيرون أن تُعزِّز تطوُّر وسلامة العمليَّة السياسة في نيجيريا، مع الإشارة إلى أن 84 مليون شخص قد سجلوا للتصويت في هذه الانتخابات.
وتبلغ ميزانية لجنة الانتخابات المستقلة الوطنية لهذا العام حوالي 189 مليار نايرا، ويعني قرار التأجيل أن جزءًا كبيرًا من تلك الميزانية التي تم إنفاقها على الخدمات اللوجستية استعدادًا للانتخابات في موعدها السابق (16 فبراير) قد أُهْدِرَ، ولن يتم تعويضه أبدًا.
ويضع قرار التأجيل الصحفيين الدوليين ومراقبي الانتخابات الأجانب في مكان صعب؛ لأنهم سيبقون داخل نيجيريا لمدة أسبوع آخر، بينما زاد الإنفاق الفردي ورسوم بعض الخدمات داخل البلاد خلال يومين الماضيين.
ومن ملاحظة بعض الاقتصاديين أن المستثمرين في الوقت الحالي سيتراجعون عن السوق النيجيرية بسبب الخوف وعدم اليقين بشأن الاتجاه الاقتصادي والسياسي للبلاد. وهذا من شأنه أن يُحْدِث تأثيرًا سلبيًّا على سوق الأوراق المالية في البلاد.
أما عن المبالغ المالية التي ستخسرها نيجيريا بسبب تأجيل الانتخابات العامة؛ فقد أشار رئيس الجمعية الوطنية للمتداولين النيجيريين (NANTs) “كين أوكاوها” للصحف المحلية إلى أنها مليارات نايرا (عملة نيجيريا)، وأنّ الاقتصاد سيتأثّر أيضًا من حيث المال الذي أنفقته الحكومة والأحزاب السياسية والنيجيريون العاديون على الخدمات اللوجستية، وغير ذلك.
وعلى حدّ قوله: “إن الخسارة هائلة إذا نظرتَ إلى العواقب الاقتصادية، بشكل أساسي إذا نظرت إلى التداول؛ تعتمد نيجيريا كثيرًا على التحويل اليومي للأموال من خلال توزيع وإعادة توزيع السلع والبضائع.
“أنا أقول لك: إنه مع هذا الحساب الذي قُمتُ به للتو هنا، سنخسر على الأقل 140 مليار نايرا؛ لأننا جميعًا حصلنا على هذه المعلومات (عن تأجيل الانتخابات) في وقت متأخر جدًّا”؛ هكذا أضاف “أوكاوها”.
وعلى كل ما سبق، لا يسع المواطن العادي إلا الإذعان لقرار تأجيل الانتخابات لأسبوع آخر، والتحمُّل حتى تعالج اللجنة الانتخابية كل التحديات التي احتجَّت بها، والأمل في ألا يعيد القرار كل النجاحات القليلة التي أحرزتها البلاد في رحلاتها السياسية إلى الوراء.