شيماء علي سلامة
مقدمة:
تعتبر العلاقات العسكرية هي المحدد الرئيسي للعلاقات بين الجانبين الروسي والأفريقي كون أفريقيا سوقاً استهلاكية للسلاح بسبب الحرب على الإرهاب والنزاعات الداخلية.
كما أن روسيا تسعي لأن تكون المُصدر الأساسي للسلاح في القارة، ومن ناحية أخري فإنها من خلال تعزيز علاقاتها بالقارة تسعي إلى تقويض النفوذ الغربي في القارة والقضاء على نظام الأحادية القطبية في النظام الدولي.
ومن الملاحظ انه تسعي لإقامة علاقات قوية مع الدول التي لا توجد لها علاقات مع دول غربية أو تقوم بإنشاء علاقات كانت لها علاقات مع دول غربية ولكنها انسحبت منها مؤخرا مثل أفريقيا الوسطي والتي انسحبت منها فرنسا تدريجياً مؤخراً، حيث اتجهت روسيا لإقامة وتقوية علاقاتها بها، وهو ما يوحي بانتهاجها لسياسة خارجية تقوم على عدم الصدام المباشر مع القوي الغربية ومحاولة ضمان واستعادة مكانتها الدولية كقوي عظمي بأقل مجهود وأقل خسائر ممكنة.
وتستخدم روسيا عدد من الأدوات التي تستفيد منها في تعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية مع أفريقيا والتي تتمثل في: اتفاقيات التعاون العسكري، وحجم تجارة الأسلحة، والمشاركة في عمليات حفظ السلام، وكذلك الاستفادة من وجود شركة فاجنر في أفريقيا وهي شركة عسكرية روسية خاصة تربط قائدها “يفجيني بريزنهوف” بالرئيس الروسي بوتين علاقات قوية قديمة وتعد هذه الشركة أداه هامة تستخدمها روسيا لتحقيق أهدافها في تحدي النفوذ الغربي في هذه المناطق وتعطيله بتكلفة منخفضة نسبيا، فضلاً عن كونها تعد أداه حاسمة تستخدمها لتعزيز السياسة الخارجية الروسية في كل من أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، حيث أن الهدف الرئيسي لروسيا في هذه الفترة هو تجميع التأييد الدبلوماسي في ظل فرض عقوبات عليها من جانب الأمم المتحدة.
خريطة (1)
التعاون العسكري الروسي في قارة أفريقيا
Source: https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/BRIE/2019/642283/EPRS_BRI(2019)642283_EN.pdf
أولاً: اتفاقيات التعاون العسكري بين روسيا وأفريقيا:
اتفاقيات التعاون العسكري والتقني بين أي جانبين هي اتفاقيات تهدف إلى تعزيز التعاون بينهم في المجالين العسكري والدفاعي (مع إمكانية التزويد بالأسلحة)، وتهدف روسيا من هذه الاتفاقيات إلى توسيع وتوطيد علاقاتها بمختلف دول القارة، وكذلك تسهيل وصولها إلى الموارد الطبيعية وبالطبع حماية استثماراتها في تلك البلاد.
وتعد مصر واحدة من أقدم الدول التي ارتبط باتفاقيات من هذا النوع مع روسيا حيث وقعت اتفاقية في عام 1955 مع أول شحنات أسلحة ومعدات عسكرية سوفيتية إلى مصر، وفي مارس 2015 تم توقيع 3 اتفاقيات في هذا الشأن[1].
وتتعدد الدول التي وقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع روسيا ففي عام 2014 وقعت اتفاقيات تعاون أمني مشترك مع (19) دولة أفريقية يأتي على رأسها نيجيريا، بوتسوانا وبوركينا فاسو وبوروندي والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والنيجر وإستونيا وإثيوبيا وجامبيا وغينيا وموزمبيق، تنزانيا ورواندا وزامبيا وزيمبابوي وسيراليون وغانا[2]. وفي عام 2018 مع جمهورية أفريقيا الوسطي يركز بالأساس على تدريب القوات المسلحة في البلاد واتفاقية أخري مع بوركينا فاسو[3].
كما عقدت اتفاقية مماثلة مع إريتريا، وبدأت في توسيع علاقاتها الدبلوماسية حيث أعلمت في أغسطس 2018 عن خطط ونوايا لإنشاء مركز لوجيستي وهو الذي سيؤدي إلى تنشيط التجارة بين الدولتين[4].
وقد اتجهت روسيا للاستغناء عن إنشاء قواعد عسكرية في الدول الأفريقية واستبدلت ذلك بتوسيع دور بعض الشركات الأمنية الخاصة التي تقوم بمهام أمنية مختلفة في مقدمتها تقديم الدعم الفني والتدريب للجيوش وأجهزة الأمن القومي لتكون مؤهلة لمواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة المتطرفة في مختلف الدول الأفريقية[5].
ثانياً: حجم تجارة الأسلحة:
تُعد روسيا ثاني أكبر الدول المصدرة للسلاح عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وتتعد أسواق السلاح الروسي حول العالم ووفقاً لإحصائيات خلال الفترة من 2013-2017 فإن المراتب الثلاث الأولي لمبيعات السلاح الروسي من نصيب الهند والتي تستورد 35% ثم الصين 12% وفيتنام 10%[6].
خلال الفترة 2015-2019، استوردت إفريقيا 49 ٪ من معداتها العسكرية من روسيا، وهو ما يقرب من ضعف حجم تلك التي تم شراؤها من الولايات المتحدة بنسبة 14 ٪ والصين بنسبة 13%[7].
ويخضع نظام تصدير السلاح في روسيا إلى قواعد وشروط محددة رغبة من الحكومة في السيطرة عليه سياسياً، وتوجد في روسيا حوالي 20 شركة تعمل في مجال تصدير الأسلحة، وفي نوفمبر1994 انشأت الحكومة شركة Rosvooruzhenie بهدف احتكار تصدير واستيراد الأسلحة، وأن تكون الشركة خاضعة لسيطرة رئيس الدولة، ولكن لم تكن الحكومة قوية بما فيه الكفاية لتأسيس هذا النظام الاحتكاري في مواجهة بقية الشركات، وبحلول ديسمبر 1997 تم تعزيز السيطرة السياسية على عمليات تصدير الأسلحة من خلال إقرار نظام قائمتين الأولي يُدرج بها أنواع المواد العسكرية المسموح بتصديرها، والثانية يُدرج بها جميع البلدان التي ترغب الشركات الروسية في التصدير إليها، وكان اتخاذ جميع القرارات التي تتعلق بكيفية الجمع بين القائمتين وتقرير الموافقة على السماح لأي دولة بشراء أسلحة من روسيا في يد الرئيس والذي يقوم أيضاً بمراجعة سنوية لهذه للقوائم[8].
ووفقاً لإحصائيات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام فإن غالبية الأسلحة الروسية التي تم بيعها إلى إفريقيا خلال عقد 1990 وأوائل عام 2000 كانت صواريخ مضادة للدبابات ومدفعية ومدافع ذاتية الدفع ومدفعية مضادة للطائرات وأنظمة أرض-جو وطائرات هليكوبتر وعدد صغير من الطائرات والذخائر المرتبطة بها[9].
ويمكن القول ان روسيا لا تهتم كثيرا بالنزاعات الداخلية في الدول التي تتعاقد معها لشراء الأسلحة؛ وهو ما يجعلها الأكثر قرباً للدول في التعاقد على صفقات الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية، بل ان الأمر يصل إلى حذر روسيا مثل الصين من الالتزام والتوقيع على أي معاهدة للحد من الأسلحة لتشمل قواعد ملزمة بشأن حقوق الإنسان الدولية، والقانون الإنساني الدولي، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية[10].
في عام 2000 أصبحت شركة Roso oboron Export محل شركة Rosvooruzhenie لتصبح هي المُصدر الرئيسي للأسلحة الروسية، وأعلن بوتين أن صادرات الأسلحة هي الدخل الرئيسي لصناعة السلاح الروسي[11].
وفي ديسمبر 2006 وضع “بوتين” الملامح النهائية لاحتكار تصدير شركة Roso oboron
Export جميع منتجات الأسلحة النهائية وتم السماح للشركات المستقلة (وهي حوالي 17 شركة) بالدخول في عمليات تصدير قطع الغيار ومجال صيانة الأسلحة فقط[12].
وكل هذه التدابير من جانب الحكومة الروسية توضح مدي أهمية تصدير الأسلحة لروسيا حيث تعتمد عليها اعتماداً كبيراً في حل الأزمة الاقتصادية كونها توفر عملة صعبة للدولة. وليس من السهل بمكان قياس حجم تجارة السلاح لدولة ما عالمياً حيث أن الدول لا تبلغ عن كامل عمليات نقل الأسلحة الخاصة بها ولكن من خلال البيانات المتاحة يمكن تقديرها من خلال قياس القيمة المالية لعمليات بيع الأسلحة[13].
وتبدي روسيا اهتماما كبيرا بتجارة الأسلحة مع دول القارة الأفريقية ككل؛ وتعد دول شمال أفريقيا وبعض دول أفريقيا جنوب الصحراء هم المستورد الأساسي للأسلحة الروسية تاريخياً، وقد وصلت مبيعات الأسلحة الروسية للقارة عام 1990 حوالي 16 مليار دولار، وانخفضت لتصل إلى 1.72 مليار عام 1994 نظراً لتورط روسيا في صفقات أسلحة وصفت بأنها غير قانونية، ثم عادت للارتفاع مرة أخري في 2011 لتصل إلى حوالي 13 مليار دولار، وكان حوالي 10% من هذا الرقم يتعلق بالتصدير لشمال أفريقيا واستحوذت الجزائر على الجزء الأكبر منها، وحوالي 7% لدول أفريقيا جنوب الصحراء[14].
وبلغت إجمالي مبيعات الأسلحة الروسية للقارة خلال الفترة من 1999-2006 حوالي 1.4مليار دولار وبالطبع تستحوذ الجزائر على النسبة الأكبر من هذا الرقم، وقد أعلنت الجزائر أثناء زيارة بوتين لها عام 2006 أنها تعتزم إبرام صفقة أسلحة مع روسيا تُقدر بحوالي 7.5 مليار دولار[15]، وهي تعد أولي الصفقات الكبيرة التي ترتبط بها روسيا مع دولة أفريقية أو في منطقة الشرق الوسط وشمال أفريقيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، والتي عززت من موقع روسيا في سوق السلاح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا[16].
وإلى جانب الجزائر من دول شمال أفريقيا تعتبر مصر من أهم شركاء روسيا في القارة فعلي الرغم من ارتباطها باتفاقات أو صفقات أسلحة عديدة مع أمريكا كجزء من اتفاقية كامب ديفيد، إلا أنها في عام 2013 عقدت مع روسيا اتفاق بتوريد أسلحة نارية وذخائر من طراز Tor_M2E(SA-15) بقيمة تتجاوز 3 مليار دولار، وفي عام 2015 تم عقد اتفاق بحوالي 2 مليار دولار، كما تعتبر أول دولة تطلب طائرات هليكوبتر هجومية من طراز Ka_52 وتم تنفيذ أول عمليات التسليم في يونيو2017 [17].
وتوجد أيضاً أنجولا والتي تعتبر أحد أهم الأسواق الأساسية لاستيراد الأسلحة الروسية ولتصنيعها وتوزيعها، ففي عام 2019، عقدت صفقة لشراء 12 مقاتلة من طراز سو -30 كي من خلال شركة روسوبورون إكسبورت الروسية، بقيمة تقديرية تصل إلى 1 مليار دولار، كما تسعى أنجولا إلى أن تصبح دولة تصنع وتجمع الأسلحة الروسية على أراضيها، وهو ما كشف عنه الرئيس الأنجولي “جواو لورانس” في زيارته الرسمية لموسكو في أبريل 2018[18].
كما تسعى الكاميرون للحصول على نظام دفاع جوي روسي من طراز بانتسير-إس(Pantsir-s1) مصمم لحماية الأهداف العسكرية والصناعية ووحدات القوات البرية، ويشمل هذا النظام مركبات قتالية وصواريخ أرض-جو ورصاص 30 ملم ومركبة محملة بمركبتين قتاليتين[19].
كما وقعت روسيا اتفاقية في عام 2005 مع بوركينا فاسو اتفقا خلالها على تزويدها ببعض المروحيات القتالية، وفى مارس2018 وقع الجانبان اتفاقية لتزويدها بطائرتي هليكوبتر من طراز (Mi-171Sh)[20].
وقد وصلت إجمالي صادرات الأسلحة الروسية للقارة في 2011 حوالي 4.8 مليار دولار[21].
ثالثاً: دور روسيا في عمليات حفظ السلام في القارة:
تُعرف الأمم المتحدة عمليات حفظ السلام بأنها “عمليات تساعد البلدان علي تخطي الطريق الصعب من الصراع إلى السلام”، وهي في عملها هذا تمتلك نقاط قوة تتمثل في الشرعية، مشاركة العبء، القدرة علي نشر القوات والشرطة من جميع أنحاء العالم ودمجها مع قوات حفظ السلام المدنية لمعالجة مجموعة من المسائل التي حددها مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة[22].
وبما أن روسيا عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي فإنها تتحمل مسئوليتها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وتشارك روسيا في عمليات حفظ السلام كما ترسل مراقبين عسكريين إلى بعثات حفظ السلام كما تمتلك قوات حفظ السلام خاصة بها[23].
وتلعب روسيا دورا نشطا في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ليس فقط في إفريقيا ولكن في العالم، حيث تحتل روسيا المرتبة الأولى بين الدول من حيث المراقبين العسكريين العاملين في بعثات الأمم المتحدة[24]، حيث بلغ عدد المراقبين بحلول عام 2020 حوالي 78 مراقب[25].
وتشارك روسيا في عمليات حفظ السلام من قبل تفكك الاتحاد السوفيتي ولكن كانت مشاركات ضئيلة وأولها كان عام 1973 حينما شارك بنشر مراقبين عسكريين لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة بين مصر وإسرائيل والأردن ولبنان وسوريا والمسماة (UNSTO)[26].
وفي عام 2007 ذكر تقرير صادر عن وزارة الخارجية الروسية أن روسيا شاركت بــ 230 جندي في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية، الصحراء الغربية، ساحل العاج، ليبريا والسودان، كما دربت 78 من قوات الأمن لــ 17 دولة أفريقية على حفظ السلام في وزارة الداخلية الروسية[27].
وبحلول عام 2010 يمكن القول ان روسيا شاركت في كل عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا، ودربت حوالي 400 جندي من الجنود الأفارقة المشاركين في عمليات حفظ السلام[28]، ويأتي هذا في إطار رغبة روسيا في الحفاظ على السلام والاستقرار لتأمين الوصول الموارد وتأمين استثماراتها[29].
وفي عام 2011 شاركت في بعثة حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية (DRC) والسودان وساحل العاج وليبريا، كما دربت 180 ضابط شرطة من 18 دولة أفريقية على عمليات حفظ السلام[30].
ولكن بشكل عام تعتبر مشاركات روسيا ضئيلة من حيث عدد القوات، حيث أنه بحلول عام 2012 كانت قد شاركت في عمليات حفظ السلام الــ 15 بأقل من 100 جندي وخبير[31].
واعتباراً من عام 2020 بلغ عدد المراقبين العسكريين الروس المشاركين في بعثات الأمم المتحدة 78 مراقباٌ، منهم (26 في جمهورية الكونغو الديموقراطية)، (10 في ساحل العاج)، (5 في جنوب السودان)، (4 في ليبريا)، (2 في شمال السودان)[32]، ومن الملاحظ أن روسيا تولي اهتماما خاصاٌ لجمهورية أفريقيا الوسطي حيث أنها في بداية عام 2018 أرسلت 5 ضباط وعسكريين و170 مدرباٌ إلى “بانجي” وسلمت أسلحة جديدة للجيش الوطني بعد انتهاء الحظر الذي كانت فرضته عليها الأمم المتحدة[33].
ومن جانب آخر تشارك روسيا في تمويل عمليات حفظ السلام التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي، ففي 21 ديسمبر2012 وقع (فلاديمير أوتكين) سفير روسيا لدى إثيوبيا وممثل روسيا لدي الاتحاد الأفريقي اتفاقاً مع مفوض الاتحاد للسلم والأمن (راماثان لامامارا) لتحويل تمويل يقدر بــ 2 مليون دولار[34].
رابعاً: وجود فاجنر في أفريقيا:
فاجنر هي شركة عسكرية روسية خاصة، لها أنشطة متعددة في عدة دول مختلفة، وكانت قد ظهرت لأول مرة في شرق أوكرانيا عام 2014 حيث ساعدت الانفصاليين المدعومين من قبل روسيا في السيطرة على الأراضي الأوكرانية وإنشاء جمهوريتين منفصلتين في منطقتي دونيتسك ولوهانسك[35].
ويرجح ان تعود بداية تواجدها في أفريقيا لعام 2016، وتحديداً في ليبيا للقيام بعمليات لدعم القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، وجدير بالذكر أن فاجنر تعد أداه تستخدمها روسيا لتحقيق أهدافها في تحدي النفوذ الغربي في هذه المناطق وتعطيله بتكلفة منخفضة نسبيا[36]، فضلاً عن كونها تعد أداه حاسمة تستخدمها لتعزيز السياسة الخارجية الروسية في كل من أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، حيث أن الهدف الرئيسي لروسيا في هذه الفترة هو تجميع التأييد الدبلوماسي في ظل فرض عقوبات عليها من جانب الأمم المتحدة[37].
والتواجد الأقوى لفاجنر في أفريقيا حاليا في كل من (ليبيا، السودان، مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى)، كما ان لها تواجد في دول أفريقية اخري مثل موزمبيق وبوركينا فاسو وتشاد، وإن كانت أقل وضوحاً.
وسوف نرصد فيما يلي تواجد فاجنر الأقوى في أفريقيا:
السودان: ظهرت فاغنر في السودان في أعقاب زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لموسكو في نهاية عام 2017 بناء على طلب من الرئيس السوداني للحماية من بوتين، وقد صلت اول مجموعة فاغنر إلى السودان بعد شهر من اللقاء، للمساعدة في قمع الاحتجاجات التي كانت قائمة آنذاك في البلاد بهدف منع تغيير النظام في البلاد وضمان بقاؤه في السلطة، وقد تضمنت استراتيجية فاجنر تقديم الدعم المسلح وتقديم دعم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بهدف بث أخبار مضللة للمواطنين السودانيين، وفي المقابل حصلت شركة M-Invest علي امتيازات لمنجم ذهب في السودان[38].
ليبيا: ظهرت فاجنر في ليبيا عام 2016، للقيام بعمليات لدعم القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، منافس للحكومة الليبية المعترف بها دوليا في طرابلس، وقد كانت فاجنر جزء من حملة الجيش الوطني الليبي 2019-2020 للاستيلاء على طرابلس والتي انتهت بالفشل[39].
مالي: كان قد تعاقد المجلس العسكري في مالي مع فاجنر في آواخر عام 2021 لدعم العمليات القتالية ضد المتمردين، وكان قد أدى دخول فاجنر إلى تفاقم الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا، ووصل الأمر لانسحاب فرنسا العسكري بعد عقد من عمليات مكافحة الإرهاب المدعومة من الولايات المتحدة، ومن أهم الأحداث التي تلت دخول فاجنر إلى مالي كان فرضها قيودا متزايدة على مهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي، مما أعاق قدرتها على الإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان التي قد تحدث، ومما لا شك فيه ان وجود فاجنر ودعمها للجيش قد يؤدي إلى تأجيج التوترات في عملية سلام طويلة الأمد مع الجماعات الانفصالية الشمالية[40].
جمهورية أفريقيا الوسطي: يعود تواجد فاجنر في جمهورية أفريقيا الوسطي إلى عام 2017 بعد أن حصلت روسيا على إعفاء من حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة لتوفير الأسلحة للجيش في الدولة، وكانت روسيا قد أرسلت مدربين منهم أفراد تابعين لفاجنر بهدف تدريب الجنودالمحليين، وقد لعبت فاجنر دورا بارزا في العمليات العسكرية ضد الجماعات المتمردة منذ عام2021، فضلاً عن توفيرها للحماية الشخصية للرئيس فوستين-أرشانج تواديرا والعمل كمستشارينله[41]، وقد كان هذا الدعم مقابل تنازلات رئيسية لحقوق وأرباح تعدين الماس[42].
وكما ذكرنا سابقاً يتضح من خلال دراسة خريطة تواجد فاجنر في أفريقيا انها تخدم المصالح الروسية في القارة بالدرجة الأولي، حيث تتواجد في دول المستعمرات الغربية السابقة هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الحقوق التي تحصل عليها مقابل القيام بعمليات في هذه الدول نجد أن المستفيد منها شركات روسية موالية للنظام الحاكم في روسيا، وهو ما يخدم مصالح السياسة الخارجية الروسية في كسب الدعم والتأييد الدبلوماسي في هذه الفترة في مواجهة العقوبات الدولية التي تواجهها، وتكمن أهمية فاجنر لدي روسيا بالإضافة إلى ذلك في كونها تعد اداه تدخل عسكري لها في القارة ولكنها منخفضة التكاليف المالية نسبياً بالإضافة إلى استخدامها للبنية التحتية العسكرية الروسية.
تأثير التوترات الحالية بين روسيا وفاجنر على أفريقيا:
تعود التوترات الحالية بين القوات الروسية ومجموعة فاجنر إلى ما وصف بأنه تمرد عسكري قامت به فاجنر بعد الادعاء بأن الجيش الروسي قد قصف مواقع المجموعة العسكرية في شرق أوكرانيا وقتل مجموعة من عناصرها والتي تلعب دوراً هاماً في الحرب الأوكرانية-الروسية، بل ووجه اتهامات للنظام الحاكم نفسه، في الــــ 23 من يونيو 2023، وهو ما دفع قائدهم للتوعد بالانتقام من وزارة الدفاع الروسية[43].
وبالفعل فإنه في اليوم التالي بدأت قوات وعناصر من فاجنر بالتوجه نحو العاصمة الروسية حيث دخلت مدينة “روستوف أون” وسيطرت على المقر العام للقيادة الجنوبية للجيش الروسي والتي يتم فيها التنسيق للعمليات العسكرية في أوكرانيا[44].
وقد تدخل رئيس بيلاروسيا “الكساندر لوكاشينكو” لعقد اتفاق وساطة بين الجانبين وهو ما تم بالفعل حيث تم الاتفاق على إنهاء التمرد وانسحاب قوات فاجنر من المدن الروسية التي دخلتها مقابل مجموعة من الضمانات تشمل إسقاط تهمة التمرد عنهم والسماح لقائدهم “يفجيني بريجوزين” باللجوء إلى بيلاروسيا.
مستقبل وجود فاجنر في أفريقيا:
على الرغم من إنهاء محاولة التمرد الذي قامت به فاجنر على روسيا وفشل محاولاتها في تأجيج حرب أهلية في الداخل الروسي وانسحابها من المدن الروسية التي دخلتها بالفعل إلا ان ذلك لا يمنع من محاولة التنبؤ بمستقبل وجود فاجنر في أفريقيا والقول بانه يخضع إلى عدد من السيناريوهات المحتملة:
السيناريو الأول:
إذا أسفر انهاء التمرد عن تقويض روسيا لنشاط فاجنر في الداخل الروسي وإضعاف تواجدها في الداخل الروسي وتقليل الاعتماد عليها كأحد الأدوات الفاعلة في حربها معلي أوكرانيا، أو كأحد أدوات السياسة الخارجية الفاعلة في أفريقيا فقد يؤدي ذلك إلى محاولاتها تعزيز التواجد الخارجي ولا سيما في الدل الأفريقية والتي تعد من أهم دوائر التواجد الخارجي لروسيا ذاتها.
السيناريو الثاني:
على الرغم من التوصل لاتفاق تسوية بين الجانبين إلا ان المر مازال غير مستقر ونتوقع الرد بشكل او بآخر من الجانب الروسي، والذي قد يتخذ رداً عنيفاً من الجانب الروسي قد يتمثل في
إلقاء القبض على أعضاء المجموعة وتجميد أنشطتها وممتلكاتها خاصة انها مصنفة على انها مجموعة إرهابية من قبل عدة جهات خارجية فإذا حث ذلك فمن المتوقع ان تتخلي المجموعة عن أنشطتها الخارجية ولا سيما في الدول الأفريقية.
……………………………
المراجع
أولاً: مراجع باللغة العربية:
- مصادر الأنترنت:
- https://arabic.rt.com/press/965353/الدفاع-الروسية-في-وسط-أفريقيا-
- https://m.youm7.com/story/2015/3/4/2091782/بالصور-وزارة-الدفاع-الروسية-تعلن-توقيع-3-اتفاقيات-تعاون-عسكرى
- https://www.sasapost.com/how-russia-moved-to-africa-for-more-international-power
ثانياً: مراجع باللغة الإنجليزية:
- Articles:
- Alexandra Arkhangelskaya, Vladimir Shubin, “Russia’s Africa policy” in SAIIA (South Africa: Saiia, Occasional Paper, No.(157), global powers and Africa Programme, september2013).
- Keir Giles, “Russian Interests in Sub-Saharan Africa”, in The Letort Papers (Carlisle: The Letort Papers, 12July2013).
- Royce De Melo, “The Implication of The Wagner Group In Africa and The Middle East” in The Journal of Intelligence, Conflict, and Warfare (Canada: The Canadian Association for Security and Intelligence Studies, Vol. 6, Issue 1).
- Timofey Borisov, ”Russian arms exports to Middle East” in Nicu Popescu, Stanislav Secriery (eds.), Russia’s Return to the Middle East Building Sand Castle?, (European Union: Institute for Security Studies, Chaillot Papers, No.(146), July2018).
- Papers:
- Elor Nkereuwem, Non Traditional Actors China and Russia in African Peace Operations (Washington: Stinson Center, Policy Brief, March2017).
- Hakan Fidan, Bülent Aras, The Return of Russia-Africa Relations (Turkey: Ahmet Yesevi University Board of Trustees, N0.(52), Winter2010).
- Richard Connolly, Cecilie Sendstad, Russia’s Role as an Arms Exporter The Strategic and Economic Importance of Arms Exports for Russia (London: Gatham House, Russia And Eurasia Programme, march2017).
- Tor Bukkvoli, Russian Arms Export to The Developing World (Kjeller: Norwegian Defense Research Establishment(FFI), 15December2011).
- Internet Resources:
- http://ar.mil.ru/mission/peacekeaping-opeations.htm
- https://ar.mil.ru/ar/mission/peacekeeping_operations.htm
- https://en.wikipedia.org/wiki/Wagner_Group_rebellion
- https://peacekeaping.un.org
- https://peacekeeping.un.org/en/troop-and-police-contributors )
- https://pure.diis.dk/ws/files/5096587/DIIS_PB_AFRICA_WEB.pdf
- https://sgp.fas.org/crs/row/IF12389.pdf
- https://www.cfr.org/in-brief/what-Russias-wagner-group-doing-africa
- https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/BRIE/2019/642283/EPRS_BRI(2019)642283_EN.pdf
- https://www.sdgsforall.net/index.php/goal-16/979-angola-plans-manufacturing-russian-military-equipment
- acrseg.org/40964
- africanaerospace.aero/more-helicopters-for-burkina-faso.html
- amnesty.org/en/news/big-sixarms-exporters-2012-06-11
- armyrecognition.com/october_2019_global_defense_security_army_news_industry/cameroon_to_buy_russian_panstir-s1_air_defense_system.html
- cmi.no/publications/file/6637- russian-use-of-private-military-and-security.pdf
- defenseworld.net/news/26576/Russian_Arms_Sales_Growing_in_Africa#.XpoBuVUzbIU
- sipri.org/databases/armstransfers
[1] https://m.youm7.com/story/2015/3/4/2091782/بالصور-وزارة-الدفاع-الروسية-تعلن-توقيع-3-اتفاقيات-تعاون-عسكرى
[2] https://arabic.rt.com/press/965353/الدفاع-الروسية-في-وسط-أفريقيا-
[3] Idem. .
[4] https://www.sasapost.com/how-russia-moved-to-africa-for-more-international-power
[5]Russian use of private military and security companies, CHR. Michelsens Isntitutt, Ffi Rapport 18/01300, available at: www.cmi.no/publications/file/6637- russian-use-of-private-military-and-security.pdf (accessed 20 April 2020).
[6] Tor Bukkvoli, Russian Arms Export to The Developing World (Kjeller: Norwegian Defense Research Establishment(FFI), 15December2011) Pp.8,9.
[7] “Russian arms sales growing in Africa”, available at: www.defenseworld.net/news/26576/Russian_Arms_Sales_Growing_in_Africa#.XpoBuVUzbIU ,(accessed 17 April 2020).
[8] Idem.
[9] SIPRI Arms Transfers Database, www.sipri.org/databases/armstransfers
[10] The ‘Big Six’ Arms Exporters,” Amnesty International, June 11, 2012, available from www.amnesty.org/en/news/big-sixarms-exporters-2012-06-11
[11] Ibid. ,P.9.
[12] Idem.
[13] Richard Connolly, Cecilie Sendstad, Russia’s Role as an Arms Exporter The Strategic and Economic Importance of Arms Exports for Russia (London: Gatham House, Russia And Eurasia Programme, march2017) P.5.
[14] Alexandra Arkhangelskaya, Vladimir Shubin, “Russia’s Africa policy” in SAIIA (South Africa: Saiia, Occasional Paper, No.(157), global powers and Africa Programme, september2013), P.16.
[15] Hakan Fidan, Bülent Aras, The Return of Russia-Africa Relations (Turkey: Ahmet Yesevi University Board of Trustees, N0.(52), Winter2010) P.58.
[16] Timofey Borisov, ”Russian arms exports to Middle East” in Nicu Popescu, Stanislav Secriery (eds.), Russia’s Return to the Middle East Building Sand Castle?, (European Union: Institute for Security Studies, Chaillot Papers, No.(146), July2018) P,38.
[17] Ibid. ,P.40.
[18] Angola plans manufacturing Russian military equipment”, available at: https://www.sdgsforall.net/index.php/goal-16/979-angola-plans-manufacturing-russian-military-equipment (accessed 17 April 2020).
[19] “Cameroon to buy Russian Panstir-S1 air defense system”, available at: www.armyrecognition.com/october_2019_global_defense_security_army_news_industry/cameroon_to_buy_russian_panstir-s1_air_defense_system.html (accessed 20/5/2020).
[20] , “More helicopters for Burkina Faso”, www.africanaerospace.aero/more-helicopters-for-burkina-faso.html (accessed 20/5/2020).
[21] Keir Giles, “Russian Interests in Sub-Saharan Africa”, in The Letort Papers (Carlisle: The Letort Papers, 12July2013) P.30.
[22] https://peacekeaping.un.org
[23] http://ar.mil.ru/mission/peacekeaping-opeations.htm
[24] Russian Federation’s participation in the peacekeeping forces, available at: https://ar.mil.ru/ar/mission/peacekeeping_operations.htm (accessed 21/5/2020).
[25] United nations peace keeping, available at: https://peacekeeping.un.org/en/troop-and-police-contributors ) accessed 11 April 2020).
[26] Elor Nkereuwem, Non Traditional Actors China and Russia in African Peace Operations (Washington: Stinson Center, Policy Brief, March2017) P.16.
[27] Hakan Fidan, Op.Cit., P.53.
[28] Keir Giles, Op.Cit. ,P.24.
[29] Idem.
[30] Alexandra Arkhangelskaya, Russia’s Africa Policy, Op.Cit. , P.15.
[31] Keir Giles, Op.Cit. ,P.24.
[32] Arms versus resources: the Russian presence in Central Africa, Arab Center for Studies and Research, available at: www.acrseg.org/40964 (accessed 12/11/2022).
[33] The growing Russian presence in the Central African Republic”, available at: (accessed 12/11/ 2022).
[34] Alexandra Arkhangelskaya, Russia’s Africa Policy, Op.Cit. , P.15.
[35] https://www.cfr.org/in-brief/what-Russias-wagner-group-doing-africa
[36] Royce De Melo, “The Implication of The Wagner Group In Africa and The Middle East” in The Journal of Intelligence, Conflict, and Warfare (Canada: The Canadian Association for Security and Intelligence Studies, Vol. 6, Issue 1) P. 54.
[37] https://sgp.fas.org/crs/row/IF12389.pdf
[38] https://pure.diis.dk/ws/files/5096587/DIIS_PB_AFRICA_WEB.pdf
[39] https://sgp.fas.org/crs/row/IF12389.pdf, Op.Cit. .
[40] Idem. .
[41] Idem. .
[42] Royce De Melo, Op.Cit. .
[43] https://en.wikipedia.org/wiki/Wagner_Group_rebellion
[44] Idem. .