لقد أُعلِنَ “بول بيا” -رئيس الكاميرون البالغ من العمر 85 عامًا والذي يتولى السلطة منذ 36 عامًا- كفائز في الانتخابات الرئاسية التى أُجْرِيَتْ في 7 أكتوبر الجاري. وقد رَفَضَتْ أحزاب المعارضة نتائجها بدعوى أن الانتخابات تشوبها مزاعم التزوير، والعديد من الناس خافوا من الخروج للتصويت بسبب التهديدات، إلا أن المجلس الدستوري قد طرح جانبًا التماسات المعارضين لإلغاء الانتخابات الرئاسية.
وقبل إعلان النتائج, كانت مدن الكاميرون الرئيسية مُتوتِّرَة يوم الأحد الماضي؛ حيث انتشرت شرطة مكافحة الشغب في الشوارع، في الوقت الذي تحاول فيه قوات الأمن منع الاحتجاجات قبل إصدار نتائج الانتخابات المثيرة للجدل. واشتكى العديد من مستخدمي الإنترنت من أنهم غير قادرين على استخدام “فيسبوك” و “واتساب”؛ بسبب حظرهما.
وأحاطت عشرات من شرطة مكافحة الشغب -بعضهم مسلَّحُون بالرشاشات- منزلَ الناشطة السياسية “كالا والّا” بعد ظهر الأحد، مما مَنَعَها من مغادرة بيتها لحضور مظاهرة سِلْمِيَّة كان مِن المُقَرَّر إقامتها في وسط العاصمة الاقتصادية “دوالا”.
وقالت “والّا” للإذاعة الألمانية “دويتشه فيله” الأسبوع الماضي: إنها “عازمة على الإطاحة بنظام بيا”، وإن صناديق الاقتراع أثبتت فشلها وأنها ليست حلاً.
وقد قاطع المتمردون الناطقون باللغة الإنجليزية -الذين يقاتلون من أجل الانفصال عن الأغلبية الناطقة بالفرنسية في صراع متصاعد– الانتخابات, ولم يتمكَّن العديد من السكان المتحدثين بالإنجليزية من التصويت. كما واجَه آخرون ممن فَرُّوا إلى المناطق الناطقة بالفرنسيَّة مداهمات وترويعًا من السلطات.
فوز “بيا” بفترة ولاية سابعة
وفقًا للنتائج الرسمية، فاز الرئيس الحالي “بول بيا” فوزًا ساحقًا بـ71 في المئة من الأصوات. وكان منافسه الأقوى، “موريس كامتو” في المركز الثاني بنسبة 14 في المئة. وسَجَّلَ سبعة مرشحين آخرين نِسَب تصويت بأرقام قليلة جدًّا.
وبلغت نسبة الإقبال على التصويت 53 في المئة على مستوى البلاد, ولكنها أقلّ بكثير في المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الغربية الناطقة بالإنجليزية؛ حيث تتقاتل القوات الحكومية مع الحركات الانفصالية. ومع ذلك فقد فاز “بيا” بأكثر من 80 بالمائة من الأصوات في تلك المناطق.
وأكَّد رئيس المجلس الدستوري “كليمنت أتانجانا” على أن الانتخابات كانت “حُرَّة ونزيهة وشفَّافَة وذات مصداقية”.
وقال “ديون نغوت”، مساعد “بول بيا” القريب والوزير المسؤول عن المهامّ الخاصَّة: إنه لم يُفَاجَأ بانتصار “بيا”؛ لأنّ الكاميرونيين يدركون أن الرئيس فعل الكثير من أجلهم، وهو على استعداد لبذل المزيد من أجل تنمية البلاد.
وأضاف: “بول بيا.. نعرفه رجلاً مثابرًا جدًّا، وشخصًا صبورًا.. الشخص الصَّدُوق والصريح الذي يقول للكاميرونيين ما يمكن عمله وما لا يمكن القيام به. الرجل الذي هو مُحِبّ للسلام ، ومن يريد الخير للكاميرون”.
هل “كامتو” هو الفائز الحقيقي بالرئاسة؟
لقد خرج المتظاهرون الغاضبون وهم يتغنُّون بأنَّ الرئيس “بيا” قد سرق انتصار المعارض “موريس كامتو” الذي ادَّعَى الفوز بعد أيامٍ من الانتخابات. ولكنْ سرعان ما فرَّقَتْهم قوَّاتٌ مدجَّجة بالسلاح.
وإذ رفض “كامتو” التعليق على إعلان فوز “بول بيا”؛ فقد قال مدير حملته يوم الجمعة: “نحن لا نعترف بـ “بيا” كرئيس للجمهورية. نريد أن يعرف الكاميرونيون أن الأمور ستبدأ الآن. لن نأخذ هذا الاستلقاء”.
وقال “أوغوستا باتي” الذي يدعم كامتو: “نريد العدالة. يجب ألا ندعو للديمقراطية فحسب، بل يجب أن نمارسها أيضًا. فالانتخابات الرئاسيَّة، حتى “بيا” يعرف أن كامتو فاز في الانتخابات الرئاسية، لذا عليه فقط تركه ليتولى السلطة”.
وصرَّح “جوشوا أوسيه” من الجبهة الديمقراطية الاشتراكية المعارضة الرئيسية، الذي حَلَّ في المركز الرابع في الانتخابات، بأنه لا يعترف بنتائج الانتخابات.
“يُؤَكِّد التاريخ أن رئيس دولة ما يستخدم الحكومة بأكملها وشرطة الجيش وموارد الدولة للحفاظ على سلطته. ويؤكد التاريخ أن ما حدث يوم 7 أكتوبر 2018م كان أسوأ من أيّ شيءٍ شهدناه من قبل. كان كل شيء باستثناء الانتخابات”؛ قال “جوشوا أوسيه”.
أما الكثير من الكاميرونيين, فهم يشعرون بأنَّ تلك الانتخابات لا معنى لها؛ لأن النتيجة لا تتغير أبداً. فالرئيس “بيا يفوز دائمًا”، قال سوه ايمانويل -وهو سائق ناطقة بالإنجليزية-: “لقد صَوَّت وزراءه في أماكن لم يُسَجَّلُوا فيها، لكننا نحن الذين غادروا بويا وبامندا بسبب الحرب لم نستطع التصويت. أنا غير مهتم بالنتائج. دعْه يحكم إلى الأبد”.
ماذا الذي يعنيه فوز “بيا” بفترة رئاسية جديدة؟
تؤكِّد أحداث ما بعد الانتخابات والنتائج المُعْلَنَة أنَّ الرئيس “بول بيا” قد طوَّر نظامًا فعالاً للبقاء في السلطة على الرغم من غيابه الطويل وبقائه في الخارج؛ فهو واحد من أطول الرؤساء الأفارقة حُكمًا، والذي تَرَبَّع على قصر “عونودي” الرئاسي منذ عام 1982م حاكمًا بقبضة حديدية وسِرِّيَّة، مع إبقاء الموالين له في السلطة.
“من المستحيل اليوم تَصَوُّر سيناريو يتخلَّى فيه “بيا” عن السلطة بطريقة تقليدية أو طبيعيًّا قبل نهاية ولايته”؛ هكذا يقول “ستيفان أكوا” الباحث بمعهد “بول انجو ايلا” البحثي, مضيفًا أنه “طالما أنه يستطيع الترشح لولاية جديدة، لا أرى ما يمنعه من القيام بذلك”.
وإذ يستعدُّ “بيا” بدء سبع سنوات أخرى في منصبه بعد انتخابات 7 أكتوبر, فقد كان أحد جوانب الفترات التي قضاها في منصبه هو “التوازن الدقيق للقوى” الذي أنشأه في البلاد. وخاصَّة وأن نظام الكاميرون “صُمِّمَ بحيث يتسنَّى لكل شخص أن يحافظ على نفسه، وأن يحافظ على التنافس العِرْقِيّ بين الأجيال” – وفقًا لـ “هانز دي ماري هيونغوب”.
ويساهم تعيين الرئيس “بول بيا” أيضًا الموالين له في المناصب الرئيسية في بقاء حكمه الطويل؛ حيث شغل كل من رئيس الجمعية الوطنية، ورئيس الجيش ورئيس شركة النفط والغاز الحكومية، وظائفه في تلك المناصب لأكثر من 15 عامًا -وكلهم من المقربين لـ “بيا”.
ولعلَّ الدافع الأساسي للرئيس “بيا” الذي نجا من محاولة انقلاب في عام 1984م هو “البقاء في السلطة مدى الحياة”, وإيجاد نظام حُكمٍ مبنيٍّ على فرد واحد, وليس باستطاعة أيّ أحدٍ الخروج ضدَّ هذا الفرد ونظامه وسياساته مهما يتمتَّع به هذا الشخص من الشعبية ودعم المواطنين.
“إذا حاولت العمل ضد بيا، فسيتمُّ سحقك”؛ هكذا قال “تيتوس ايدزوا” – وهو أحد المقربين السابقين للرئيس “بيا” الذي تولَّى منصب الأمين العام لرئاسة “بيا” بين عامي 1994 و 1996م، وشغل مناصب وزاريَّة في عدة مناسبات.
المصادر:
Brenda Kiven & Ruth Maclean (22 Oct, 2018). Biya wins again in Cameroon as crackdown disrupts anglophone vote. The Guardian UK, available at https://goo.gl/vKMEZt
Moki Kindzeka (22 Oct, 2018). Cameroon’s Biya Declared Election Winner. VOA News, available at https://www.voanews.com/a/cameroon-s-biya-wins-7th-term/4624111.html
Ruth Maclean (21 Oct, 2018). Cameroon locks down major cities before release of election results. The Guardian UK, available at https://goo.gl/vHwrgi /