أصدرت مؤسسة رجل الأعمال والملياردير السوداني-البريطاني “محمد إبراهيم”, يوم الاثنين الماضي تقريرَها الجديد لـ”مؤشر إبراهيم للحوكمة الإفريقية”(Ibrahim Index of African Governance) أو (IIAG) لعام 2018م، والذي يُصَنِّف الدول الإفريقية حسب ممارسات حوكمتها التي تشمل إنجازات التنمية وحقوق الإنسان.
ووفقًا للمؤسسة، فإنَّ الحُكْم هو “توفير السلع والخدمات العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يَحِقُّ لكل مواطن أن يتوقَّعها من دولته، وتتحمل الدولة مسؤولية تقديمها لمواطنيها”.
وقد بُنِيَ مؤشر “إبراهيم للحوكمة الإفريقية” على قياس السلامة وسيادة القانون في الدول الإفريقية، ومشاركة المواطنين ومستوى التقدُّم في حقوق الإنسان، والفرص الاقتصادية المستدامة والتنمية البشرية كمؤشرات للحكم الرشيد.
كما أن كل هذه المجالات أو الفئات المذكورة تحوي فئاتٍ فرعية؛ ما جعل المؤشرات المستخدَمة لتحديد أفضل الدول الإفريقية من حيث الحكم الجيد تبلغ 100 مؤشر في العدد.
ويشير هذا التقرير إلى أنَّ قارَّة إفريقيا تتثاقل في مجال الحكم العامّ، وخاصةً فيما يتعلَّق بتلبية احتياجات وتوقُّعات السكان الذين تتألف النسبة الكبرى منهم من الشباب. فقد سجَّلت القارة في عام 2017م ما متوسطه 49.9 نقطة في الإدارة العامة، مما يعني أن هناك بُطئًا في مستوى التحسُّن في هذا المجال. بينما سجَّل مؤشِّر الفرص الاقتصادية المستدامة أدنى مستواه بـ 44.8 نقطة في المئة. وحقَّقت التنمية البشرية أعلى درجة بنسبة 52.8 نقطة, والمشاركة وحقوق الإنسان والسلامة وسيادة القانون بـ 49.2 و 52.6 على التوالي.
أفضل 10 دول إفريقية حُكْمًا
أظهرت 34 دولة فقط تحسُّنًا وفق تقرير المؤشر. وكانت الدول الخمس في المراكز العشر الأولى حسب نقاطها التراكمية في جميع المؤشرات هي: موريشيوس (79.5 نقطة/ المركز الأول)، سيشيل (73.2/ المركز الثاني), ساحل العاج (71.1/ المركز الثالث), ناميبيا (68.6/ المركز الرابع) وبوتسوانا (68.5/ المركز الخامس).
وتلت الدول الخمس الأولى كلٌّ من: غانا (68.1), جنوب إفريقيا (68.0), رواندا (64.3), تونس (63.5), والسنغال (63.3) التي تتمتع باستقرار سياسي نسبيًّا، ويُتوﻗﻊ أن ﯾرﺗﻔﻊ ﻧﻣوُّها اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻣن 6.8% تقريبًا ﻓﻲ ﻋﺎم 2017م إﻟﯽ 7 ﻓﻲ اﻟﻣﺎﺋﺔ ﻓﻲ 2018م؛ بحسب بنك التنمية الإفريقي.
وقد كانت ساحل العاج الدولة الأكثر تحسُّنًا من بين جميع الدول الإفريقية؛ حيث قفزتْ من 41 إلى 22 بين 54 دولة بتحقيق 54.5 نقطة. وهي أكبر مُنْتِج للكاكاو في العالم، والتي خرجت من فترة الاضطرابات المدنية والسياسية في الفترة 2010-2011م؛ حيث لقي 3000 شخص حتفهم, لتُسَجِّل اليوم معدلات نُمُوّ اقتصاديّ سنويّ بلغتْ نحو 10 في المئة.
أما كينيا (59.8) فقد صعدت ثماني نقاط من المركز التاسع عشر إلى الحادي عشر؛ لأنها مستمرة في التعافي من الفوضى التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في عام 2017م. وصعدت المغرب (58.4) من 25 إلى 15 – ما يؤكِّد اعتبار المغرب بالاقتصاد الأكثر تنافسيَّة في شمال إفريقيا من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي. بينما سجلت مملكة ليسوتو 51.7 نقطة في المؤشر.
10 دول إفريقية متعثرة من حيث الحُكْم
لقد بيَّن التقرير أيضًا أنَّ “أغلبية الدول التي تحسَّنتْ على مدى العقد الماضي قد فقدتْ زخمها”, وأنّ 18 دولة شهدتْ تدهورًا في حُكمها؛ حيث كان أكبر تدهور في ليبيا التي سجَّلت 28.3 نقطة – أي بانخفاض (15.6-) من نقاطها السابقة.
وبحسب المؤشِّر؛ فإنَّ قائمة الدول الأسوأ حُكمًا شملت كلاً من: أنغولا (المركز الـ45), تشاد (المركز الـ46), الكونغو الديموقراطية (المركز الـ47), غينيا الاستوائية (المركز الـ48), السودان (المركز الـ49), جمهورية إفريقيا الوسطى (المركز الـ50), إريتريا (المركز الـ51), ليبيا (المركز الـ52), جنوب السودان (المركز الـ53) والصومال (المركز الـ54).
ومن الملاحظ أنّ الصومال حلَّت في المركز الأخير بتسجيل 13.6 نقطة؛ حيث لا تزال البلاد تعاني آثار الحرب العشائرية التى دمَّرتها خلال معظم السنوات الثلاثين الماضية. وتلاها في ذلك جنوب السودان التي مزَّقتها الصراعات بتسجيل (19.3 نقطة).
نجاحات وإخفاقات
حافظت الإدارة العامَّة بالقارَّة في المتوسط على مسار تصاعدي معتدل على مدار العقد الماضي؛ حيث يعيش 3 من كل 4 مواطني إفريقيا (71.6٪) في بلد تحسَّنت فيه الإدارة.
وتكافح الحكومات الإفريقية لترجمة نُمُوِّهَا الاقتصاديّ إلى تحسين فُرَص اقتصادية مستدامة لمواطنيها. ومع أن كثيرًا من بلدان إفريقيا قد أظهرت بعض التحسُّن، إلا أن هناك انخفاضًا في أداء الفرص الاقتصادية المستدامة على مدى السنوات العشر الماضية في 25 بلدًا؛ والتي تمثل 43.2 في المائة من مواطني إفريقيا.
من جانب آخر, ليس هناك علاقة قوية بين حجم اقتصاد الدولة وأدائها في الفرص الاقتصادية المستدامة. ففي عام 2017م سجلت أربع دول -من أصل 10 دول ذات أعلى ناتج محلي إجمالي في القارة- أقلّ من المتوسط الإفريقي للفرص الاقتصادية المستدامة، وهي: الجزائر وأنغولا ونيجيريا والسودان. وفي الوقت نفسه وصل اثنان من أصغر الاقتصادات في القارة – وهما سيشيل وكيب فيردي- إلى المركزين الخامس والسادس الأعلى في توفير الفرص الاقتصادية المستدامة لمواطنيهما.
نتائج التعليم تزداد سوءا
ويُضَاف إلى ما سبق أن هناك قلقًا حيال تدهور التعليم في القارة. وبحسب “مؤشر إبراهيم للحوكة الإفريقية” لهذا العام, فقد تَحَوَّل التقدُّم المُعَلَّق الذي شهده التعليم في مؤشِّر العام الماضى إلى انخفاض.
ففي 27 بلدًا، سجَّلت مؤشرات التعليم تدهورًا في السنوات الخمس الأخيرة، مما يعني أن نتائج التعليم تزداد سوءًا بالنسبة لأكثر من نصف عدد الشباب في إفريقيا (البالغ 52.8 في المائة من عدد السكان).
وكان التقدّم الذي تمَّ إحرازه – في المشاركة وحقوق الإنسان – في المتوسط؛ حيث يعيش حوالي 4 من كل 5 من مواطني إفريقيا في بلدان شهدت تقدمًا في هذا المجال على مدى العقد الماضي. ومع ذلك، فإنَّ الانتخابات التنفيذية “الحرة والنزيهة” لا تترجم دائمًا إلى بيئة تشاركية أفضل.
وعليه, يمكن القول –بالنظر إلى مؤشرات الدول التي حقَّقَتْ نقاطًا إيجابيَّة وتلك التي شهدت تدهورًا في ترتيبها–: إنّ الحكم الرشيد في أي دولة إفريقية سيكون أفضل عندما يكون هناك سلام وشفافية حكومية، واحترام لسيادة القانون.
المصادر:
تقرير مؤسسة “محمد إبراهيم” حول “مؤشر إبراهيم للحوكمة الإفريقية” للعام 2018م (ملف بي دي إف متوفر للتحميل) على الرابط: https://bit.ly/2PzZwlW
Abdul Rashid Thomas (Oct 29, 2018). African governance lagging behind needs and expectations – says 2018 Mo Ibrahim Index. https://goo.gl/fhi3bn