قد توقَّع النيجيريون تأكيد “حزب مؤتمر جميع التقدميين” (APC) الحاكم في نيجيريا ترشيح الرئيس “محمد بخاري” كمرشحه الرسمي دون منافسة في أبوجا عاصمة نيجيريا يوم السبت, لكنهم فوجئوا بخبر اختيار “أتيكو أبوبكر” – ضابط جمارك متقاعد ونائب رئيس نيجيريا بين عامي 1999 و 2007م – كمرشح رئاسي لـ”حزب الشعب الديمقراطي” (PDP) المعارض الرئيسي في نيجيريا. الأمر الذي أحدث ضجَّةً واسعةً على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد هزم “أبوبكر” 11 شخصًا آخرين طامحين للحصول على تذكرة حزب (PDP) المثيرة للجدل, وذلك في مؤتمر وطني للحزب في مدينة “بورت هاركورت” – ولاية “ريفرز”- جنوب نيجيريا، الذي عُقِدَ يومي السبت والأحد. وهو انتصار يجعله المنافس الرئيس للرئيس محمد بخاري في الانتخابات العامة المقبلة في عام 2019م.
“أتيكو أبوبكر” وفشل المحاولات السابقة لرئاسة نيجيريا
كان “أبوبكر” – السياسي المسلم المولود في “أداماوا” شمال شرق نيجيريا، والذي يسعى للرئاسة النيجيرية منذ عام 1992م– قد حصل على 1532 صوتًا في مؤتمر الحزب نهاية هذا الأسبوع.
وبحسب النتائج الرسمية, كان أقرب منافس لـ”أتيكو أبوبكر” في مؤتمر الحزب هو: حاكم ولاية سوكوتو “أمينو تامبوال” الحاصل على 693 صوتًا, بينما جاء رئيس مجلس الشيوخ “بوكولا ساراكي” في المركز الثالث بحصوله على 317 صوتًا.
ويُعَدُّ هذا المؤتمر الوطني لعام 2018م لحزب (PDP) واحدًا من المؤتمرات الأكثر تنافسية منذ عام 1998م عندما اختار الحزب الرئيس النيجيري السابق “أولوسيغون أوباسانجو” كمرشح له. وقد تولّى “أوباسانجو” قيادة نيجيريا لمدة ثماني سنوات ابتداء من عام 1999م، حيث كان “أبو بكر” نائبًا له.
لكنّ “أبو بكر” ترك حزب (PDP) أثناء الإعداد لانتخابات عام 2007م ليكون مرشحًا لحزب “مؤتمر العمل” (Action Congress) المعارض آنذاك. غير أنّه خسر تلك الانتخابات لصالح الرئيس الأسبق الراحل “عمر يارادوا”. وعاد مرة أخرى إلى (PDP) ساعيًا للحصول على تذكرة الحزب في عام 2011م, لكن خسر التذكرة لصالح “غودلاك جوناثان” الذي حكم نيجيريا حتى عام 2015م.
ومع ذلك, فقد ترك “أبوبكر” – أثناء عملية الإعداد لانتخابات عام 2015م– حزب (PDP) مرة أخرى, وانضم لحزب (APC) الجديد وقتذاك. لكنه وقع في المركز الثالث في الانتخابات الأولية للحصول على تذكرة الحزب كمرشحه للرئاسية, وكان وراء “محمد بخاري” و”رابع كوانكواسو”. بل وفاز “بخاري” بتلك الانتخابات الرئاسية وهو اليوم يسعى أيضًا لإعادة انتخابه لولاية ثانية وأخيرة.
يذكر أن “أتيكو أبوبكر” -على الرغم من بداياته المتواضعة في شمال نيجيريا- قد ارتفع في صفوف دائرة الجمارك النيجيرية لمدة عقدين، ليصل في النهاية إلى الرتبة الثانية في المؤسسة خلال الحكم العسكري النيجيري. كما أنه شخصيَّة معروفة في القطاع الخاص حيث أَسَّسَ جامعة خاصَّة، واستثمر في الخدمات النفطية والزراعة، من بين الصناعات الأخرى.
وفي حين كان يعتبر واحدًا من السياسيين الأكثر شهرة في نيجيريا, إلا أنه أيضًا عانى من التقارير المثيرة للجدل حول حياته وعائلته, فضلاً عما يواجهه من مزاعم الفساد ونهب أموال الدولة.
“محمد بخاري” وفترة الولاية الثانية
وصل الرئيس “بخاري” (75 عامًا) إلى السلطة في عام 2015م بالتغلّب على الدكتور “غودلاك جوناثان” الذي كان يسعى لفترة ولاية أخيرة وقتذاك. وقد سخر بخاري من الساعين للرئاسة في حزب (PDP)، ووصفهم بأنهم أشخاص تركوا حزب (APC) الحاكم لمجرد طموحاتهم الرئاسية.
وإذا كانت انتخابات 2015م تُعتبر واحدة من أفضل الانتخابات في تاريخ نيجيريا الحديث, إلا أن الانتخابات المقبلة في عام 2019م يُنظَر إليها على أنها اختبار حاسم بالنسبة لنيجيريا, خصوصًا وأن المراقبين الدوليين والمجتمع الدولي انتقدوا عملية الانتخابات الأخيرة لحكام الولايات في كل من ولاية “أوشون” وولاية “إيكيتي” الواقعتين بجنوب غرب نيجيريا, ووصفوها بأنها غير سليمة.
لكنَّ “بخاري” -الذي كان على رأس نظام عسكري في الثمانينيات- أكَّد في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال الثامن والخمسين في الأول من أكتوبر أنه ملتزم بضمان أن تُجري اللجنة الانتخابية المستقلة للانتخابات (INEC) عملية مستقلة وحرة وعادلة.
من جانب آخر, واجه “بخاري” ضغوطًا متزايدة للتنحي بسبب الصحة المتدهورة بعد أن أمضى عدة أشهر في لندن العام الماضي لتلقي العلاج لمرض لم يُكشَف عنه. كما أنه واجَه هجومًا على تعامله مع الاقتصاد الذي انزلق في الركود في عام 2016م.
يُضاف إلى ما سبَق أن منتقديه يشيرون إلى فشله في التعامل أيضًا مع بعض القضايا الأمنية؛ حيث يقولون: إنه نجح نسبيًّا فيما يتعلق بأزمة “بوكو حرام” في شمال شرق البلاد، لكنه فشل في طريق إدارته لصدامات المزارعين-الرعاة في أجزاء من وسط نيجيريا, وأنشطة الحركات الانفصالية والخطف في أجزاء من جنوب نيجيريا.
أما في رأي “غاربا شيهو”, المتحدث باسم الرئاسة النيجيرية لوكالة “فرانس برس”, فإن “حقيقة أن أحدًا لم يتقدم للطعن في الرئيس يعني أنها مُؤَشِّر على أن أعضاء الحزب راضون عن أدائه، وأنهم يريدون رؤية المزيد منه في السلطة”.
مرشحون آخرون للرئاسة:
في يوم الأحد الماضي أيضًا، أعلنت “أوبياغيل إيزيكويسيلي” (Obiageli Ezekwesili), وهي واحدة من منتقدي حكومة بخاري, أنها سترمي قبعتها في الحلبة الرئاسية؛ حيث أشارت وزيرة التعليم السابقة (55 عامًا) -التي كانت أيضًا نائبة رئيس البنك الدولي لشؤون إفريقيا خلال الفترة من 2007 إلى 2012م- في بيانٍ لها إلى أن نيجيريا أصبحت “بلدًا تتدنى فيه قيمة الحياة إلى الصفر”.
وتشتهر “إزيكويسيلي” -الشريك المؤسِّس لمنظمة مراقبة الشفافية في سويسرا، التي تتخذ من برلين مقرًّا لها- في نيجيريا بإنشاء حركة (BringBackOurGirls) -أي: أعيدوا فتياتنا- بعد أن قامت “بوكو حرام” باختطاف أكثر من 200 تلميذة في عام 2014م ببلدة شيبوك في ولاية بورنو.
كما أن “دونالد ديوك”، الحاكم السابق لولاية “كروس ريفر” جنوب نيجيريا، قد اختير يوم الأحد مِن قِبَل حزبه “الحزب الديمقراطي الاجتماعي” (SDP) رسميًّا كحامل رايته في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ماذا بعد..؟
لا شك أننا سنشهد خلال الأشهر القادمة حملات شَرِسَة ومكثَّفة بين الأحزاب السياسية, وخاصةً بين “بخاري” الرئيس منتهي الولاية و”أتيكو” مرشَّح حزب المعارضة الرئيسي، وذلك من أجل كَسْب قلوب المواطنين والناخبين والفوز بأعلى منصب في نيجيريا؛ أكبر منتج للنفط الخام في إفريقيا وأكثر الدول الإفريقية ازدحامًا بالسكان.
ورغم ارتفاع أسعار النفط، والتعافي الاقتصادي البطيء, إلا أن إدارة “بخاري” دافعت عن سجلها في الاقتصاد، مشيرة إلى أنها قامت باستثمار كبير في البنية التحتية, وأن الاحتياطيات الأجنبية تشهد ارتفاعًا مع انخفاض التضخم.
أما الحسابات الانتخابية للسياسة النيجيرية, فهي معقَّدَة للغاية؛ لأن هناك نظامًا غير رسمي مُؤَدَّاه أنْ يتِمَّ تناوب الرئاسة بين الشمال الذي تقطنه أغلبية مسلمة والجنوب ذي الأغلبية المسيحية. كما أنه يجب على الفائز أن يحصل على ما لا يقل عن ربع الأصوات في 24 ولاية من ولايات نيجيريا (البالغة 36 ولاية)، مع الحصول على أعلى نسبة تصويت شعبي بشكل عام.
ولعلّ ما يميّز الحزبان البارزان – حزب (APC) الحاكم وحزب (PDP) المعارض – أنهما يعتمدان إلى حد كبير على المحاباة والمحسوبية بدلاً من التركيز على الأيديولوجية. وهذا قد يعطي عددًا من “القوى الثالثة” الناشئة فرصةً لاختطاف الأضواء أو جَذْب الاهتمام على الأقل؛ حيث تركز هذه “القوى الناشئة” في حملاتها على السياسات، وتقديم حلول للأزمات والقضايا الوطنية, بل ويقودها شخصيات هم أقل سنًّا واتِّهامًا بالفساد, أمثال: “أوبياغيل إزكويسيلي” وزيرة التعليم السابقة, “كنغسلي موغالو” نائب المحافظ السابق في البنك المركزي النيجيري، و”أَوْمَوْيَيْلَيْ سُوُوْرَيْ” مؤسس شبكة “صحراء ريبورترز” للصحافة الاستقصائية، وغيرهم ممن أعلنوا ترشحهم للرئاسة.
المصادر:
– Cletus, Ogundipe & Ayitogo (2018). Atiku emerges PDP presidential candidate; to challenge Buhari. Premium Times, available at: https://goo.gl/qRMRKc
– Neil Munshi (2018). Nigeria’s Atiku Abubakar to challenge Buhari for presidency. Financial Times, available at: https://goo.gl/7BUh8T
– Yomi Kazeem (2018). President Buhari’s main challenger in Nigeria’s election next year is a familiar rival. Quartz Africa, available at: https://goo.gl/ewrB3D