بسمة سعد
باحثة في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
في ظل ما تواجه منطقة الساحل الأفريقي من اضطرابات سياسية وأمنية واقتصادية، وإعادة هيكلة لشراكاتها الدولية في ضوء الاستقطاب الدولي بين موسكو والصين من جانب وواشنطن والدول الأوروبية من جانب آخر، اطلق ملك المغرب محمد السادس، مبادرة دولية من أجل تعزيز ولوج دول الساحل الأفريقي إلى المحيط الأطلسي في 6 نوفمبر 2023 خلال مناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء التي خاضها المغرب لاسترجاع أقاليمه الصحراوية من الاستعمار الإسباني ، ادراكاً منه بأن منح مراكش لدول الساحل الأفريقي منفذ بحرياً للمحيط الأطلسي يُعد بمثابة منحها فرصة للحياة مرة أخرى، كما أن هناك العديد من المكاسب التي ستجنيها المغرب من تعزيز مكانتها في أفريقيا، وهو ما يدفع للتساؤل حول: ما هي الأهداف المتبادلة بين المغرب ودول الساحل لإطلاق مبادرة الولوج إلى الأطلسي والانخراط فيها؟.
انطلاقاً مما سبق، تهدف المقالة لتقديم قراءة حول أبرز ما ورد بشأن المبادرة المغربية من أنماط تعاون وشراكة، ومواقف الدول الأفريقية منها، ثم الانتقال لمناقشة طبيعة الأهداف المتبادلة (المغربية والساحلية) من إطلاق المبادرة والانخراط فيها، وهو ما سيتم تناوله على النحو التالي:
أولاً: قراءة في المبادرة المغربية ومواقف دول الساحل منها
بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، وفي إطار استمرارية الالتزام الفاعل والتضامني إلى جانب البلدان الأفريقية في مختلف المجالات، أطلق ملك المغرب محمد السادس في 6 نوفمبر2023، مبادرة لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، من خلال التعاون جنوب – جنوب الذي يقوم على أساس شراكة رابح – رابح.[1]
وتنفيذاً لهذه المبادرة، انعقد اجتماع وزاري في مراكش يوم 23 ديسمبر 2023، بمبادرة من وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، من أجل التنسيق بشأن المبادرة الدولية التي اطلقها ملك المغرب محمد السادس لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، والذي شارك فيه وزراء خارجية كل من (بوركينا فاسو ، مالي، النيجر وتشاد) [2].
ولقد تم الاتفاق خلال الاجتماع على وضع البنيات التحتية من طرق وموانئ وسكك حديدية رهن إشارة دول الساحل، بما يُساهم في تطوير البنية التحتية في هذه البلدان وربطها بشبكات النقل والاتصالات الإقليمية لضمان نجاح هذه المبادرة وتعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة، وتعزيز مشاركة دول الساحل في التجارة الدولية، إلى جانب الاتفاق على إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة لإعداد واقتراح سُبل تفعيل هذه المبادرة في أقرب الآجال وتقديمها لملك المغرب ورؤساء دول الساحل [3].
ومن ثم، تفتح مراكش بموجب هذه المبادرة بابها أمام دول الساحل لاستخدام المحيط الأطلسي وتسويق منتجاتها، واتاحة الفرصة لدول القارة من أجل تحقيق تنمية شاملة، ناهيك عن كون هذه المبادرة بمثابة حلقة وصل لتعزيز المشاريع التنموية، بما في ذلك مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي، وهو ينعكس في نهاية المسار في ترسيخ صورة المغرب في الذهن الأفريقي كشريك استراتيجي [4].
أما بالنسبة لمواقف دول الساحل من المبادر ة المغربية، فلقد لاقت دعوة ملك المغرب بشأن اطلاق مبادرة دولية لتسيهيل وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ترحيبا كبيرا من بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد، الذين اعربوا في البيان الختامي للمؤتمر عن امتنانهم لاطلاق محمد السادس هذه المبادرة التي تنطوي على أهمية استراتيجية تُعلى من لغة التضامن المغربي مع الدول الأفريقية عموماً، ومنطقة الساحل على وجه الخصوص، مُعلنين عن نيتهم الانضمام للمبادرة، لتكون البلدان الأربع بمثابة نقاط انطلاق للشراكة والتعاون بين دول الساحل، لاسيما الحبيسة، مع المغرب[5]، ثم منها إلى العالم الخارجي القاطن ما بعد المحيط الأطلسي. بمعنى آخر، تُعد هذه البلدان بمثابة بوابة الرباط لتعزيز الانخراط في القارة الأفريقية من شرقها لغربها إلى جنوبها من جانب، وبوابة لدول القارة لتعزيز الشراكة مع المغرب، بل ومنها إلى دول المغرب الغربي، ثم إلى العالم الخارجي من جانب آخر.
على الجانب الآخر، يأتي غياب موريتانيا عن الاجتماع الوزاري كنقطة رمادية حول الموقف الموريتاني، لكن قد تكون الأيام القادمة كافية لاعادتها النظر في موقفها وحجم المكاسب الناجمة عن الانخراط فيها، لاسيما أن العلاقات الموريتانية المغربية تقوم على الصعود والهبوط من حين لآخر.
ثالثاً: الأهداف المتبادلة من مبادرة الأطلسي
تقف حزمة من الأهداف وراء إطلاق ملك المغرب مبادرته لضمان ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، تكشف عن مكاسب متبادلة لمراكش والدول الأفريقية، هي كالتالي:
1- تحقيق تنمية مشتركة بين المغرب ودول الساحل
أحد الأبعاد وأبرز الأهداف على الإطلاق في المبادرة المغربية للولوج إلى المحيط الأطلسي، هو البعد الاقتصادي والتنموي، عبر طرح مقاربة شاملة وتشاركية يدٍ بيد بين المغرب والدول الأفريقية، لاسيما دول الساحل الأكثر حاجة لشراكة تتسم بالاستقرار والثبات والتضامن والتشارك، مقارنة بنظيرتها الغربية، سواء على مستوى الخدمات والبنية التحتية كما سلف الإشارة من طرق وكباري وموانئ تتضمن الانتهاء من عمل طريق تزنيت الداخلة الذي يربط بين المغرب والدول الأفريقية، أو على مستوى التبادل التجاري ، ناهيك عن تقديم حلول مناسبة للتحول الهيكلي لاقتصادات دول القارة، وتحسين الظروف المعيشية[7]، وبالتالي اتاحة فرص لتعزيز نمو دول القارة، وتحقيق طفرة اقتصادية ملموسة، تعكس قيم التعاون جنوب – جنوب.
كما من اللافت أن المبادرة بمثابة فرصة ذهبية لدول الساحل التي اعلنت ترحيبها الانضمام إليها (مالي وتشاد والنيجر وبوركينافاسو )، باعتبارها دول حبيسة بالأساس؛ فعلى سبيل المثال، تبعد تشاد عن ساحل المحيط الأطلسي مسافة تزيد عن 3 آلاف كيلومتر بخط مستقيم، وتفصل النيجر عن الساحل مسافة تتجاوز الألفي كيلومتر، كما تبلغ مساحة الدول الأربع نحو 4,065,392 كم² مع عدد سكان يقرب نحو 90 مليون نسمة، وهو ما يجعل من المبادرة المغربية – من منظور أفريقي- فرصة ذهبية للانفتاح والتنمية [8]؛ حيث أن اتاحة ميناء بحري على المحيط الأطلسي سيُوفر نسبة تتراوح من 10% إلى 15% لدول القارة[9].
أما على مستوى المعاملات التجارية، ستُعزز المبادرة المغربية من حجم المعادلات التجارية مع دول الساحل؛ فعلى سبيل المثال، تُقدر المعاملات التجارية مع مالي حوالي 800 مليون درهم، تحتل بموجبها باماكو المرتبة 19 ضمن قائمة موردي المغرب بإفريقيا (39,3 مليون درهم) والمرتبة الـ 10 في لائحة شركاءه (811,2 مليون درهم)، كما أن فتح ممر تجاري بين بوركينافاسو وميناء الداخلة سيضاف المعاملات التجارية مع بوركينافاسو التي بلغت في العام 2022 نحو 90 مليون دولار ، خاصة في ظل تصدر قطاع التعدين أكثر 75% من حصص التصدير[10].
يُضاف إلى ذلك، تُتيح المبادرة المغربية للنيجر فرصة لتعزيز الانتعاش في بلد يعاني قطاع الصناعة من الضعف والهشاشة، وبالتالي فإن نيامي في حاجة لواردات المغرب من مختلف المنتجات التي من المرجح أن ترفع حجم المعاملات التجارية التى بلغت في العام 2023 نحو 300 مليون درهم[11] .
أما بالنسبة للمكاسب الاقتصادية المغربية، فتسعى مراكش من خلال هذه المبادرة لضخ بعض استثماراتها في عدد من المجالات الاقتصادية المهمة في تلك الدول، لاسيما أن أسواق الأفريقية أسواق ضخمة وتمتلك ثروة بشرية هائلة، ناهيك عن الاستفادة مما تتمتع به من ثروات طبيعية كاليورانيوم والنفط والمساحات الزراعية الواسعة. .
2- خطوة استباقية لحماية أمن المغرب القومي: في خضم التطورات السياسية والاقتصادية المضطربة التي تشهده دول الساحل، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية المفروضة عقب موجة الانقلابات العسكرية في عدد من دول الساحل، توافرت بيئة مثالية لتنامي نشاط الجماعات الإرهابية، التي باتت مهدد لأمن المغرب القومي في ظل الترابط الجغرافي بين الأراضي المغربية ودول الساحل الأفريقي، وبالتالي تكشف المبادرة الاقتصادية والتنموية عن بعدها الأمني لدعم دول القارة عبر مكافحة الإرهاب والتصدي لنشاط جماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود عبر تجفيف مصادر تمويلها وقطع الطريق أمام تجنيدها مزيد من العناصر؛ استغلالاً لأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية المتدنية.
3- استعاضة دول الساحل الشراكة المغربية بشراكات القوى الغربية
تُعد المبادرة المغربية بمثابة نموذج لشراكة غير تقليدية وغير معهودة لدول الساحل الأفريقي، على الرغم من العلاقات المغربية الأفريقية الممتدة لعقود، إلا أنه في السنوات الأخيرة سجلت منطقة الساحل الأفريقي تكالب لعدد من القوى الدولية التي طرحت نفسها كشريك استراتيجي لدول الساحل، عبر بوابة مكافحة الإرهاب وتعزيز القدرات الأمنية والعسكرية، انتهت بشكل أو بآخر بقدر كبير من الإخفاق، وهو ما ينعكس بشكل بارز في علاقات فرنسا وعدد من الدول الأوروبية بأفريقيا، لاسيما دول الساحل.
علاوة على ذلك، فإن المبادرة المغربية اتاحت فرصة لدول الساحل الأفريقي لتنفس الصعداء بعيداً عن بيئة التنافس والاستقطاب الدولي بين موسكو والصين من جانب، وواشنطن وأوروبا من جانب آخر، والتي لعبت دوراً إلى حد كبير في تفكيك التحالفات السياسية والأمنية القائمة في منطقة الساحل؛ كمجموعة الساحل الخمس، ومن ثم تأتي المبادرة بشكل ضمني لطرح تحالف في ثوب جديد لتعزيز الروابط بين دول الساحل مرة أُخرى[12]، وذلك على الرغم من العلاقات الروسية المغربية الوثيقة في الفترة الماضية، قد تُتيح فرصة لموسكو الانخراط في المبادرة فيما بعد، كما تُتيح لمراكش توظيف علاقاتها مع موسكو لدعم المبادرة دولياً ولوجيستياً. ناهيك عن أن المبادرة المغربية تطرح شراكة مع دول القارة قائمة على الندية، ولا تستند لأي مشروطية سياسية تسمح بطرح إملاءات على دول القارة والتدخل في شؤونها الداخلية.
يُضاف إلى ذلك، أن موجه الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول الساحل الأفريقي خلال السنوات الثلاثة الماضية، اتت بقادة عسكريين أمسكوا بمقاليد السلطة في بلدانهم، تخرجوا من الأكاديمية الملكية في فاس، وعلى دراية بتاريخ المملكة وعلاقاته الممتدة مع دول القارة[13]، وهو ما اتاح فرصة لمراكش لإستعادة- إن لم يكن إعادة إحياء- لمكانتها في القارة.
4- استمالة المغرب الأصوات الأفريقية في دعم مقترحها بشأن قضية الصحراء: لكون قضية الصحراء أحد القضايا التي تمس الأمن القومي وسيادة المغرب، فيبدو أن أحد الأهداف المغربية التي تسعى تحقيقها عبر إطلاق مبادرة الأطلسي هو كسب أصوات أفريقية مؤيدة للمقترح المغربي الخاص بتسوية النزاع القائم حول الصحراء المغربية، وكذلك دفع عدد من دول الساحل لإعادة النظر في موقفها المحايد من القضية مثل مالي، كما لم تقم دولة النيجر بافتتاح قنصلية لها في إقليم الصحراء المغربي حتى الآن رغم تأييدها للموقف المغربي في هذا الشأن، على العكس من بوركينا فاسو وتشاد اللتيْن افتتحتا قنصليتيْن لهما في مدينة الداخلة بإقليم الصحراء المغربية،وهو ما يُستدل عليه بما تتضمنه المبادرة من خطط لإقامة طرق تربط دول الساحل الأفريقي بميناء الداخلة الجديد في الصحراء المغربية، وهو ما يعني رهن مراكش الانخراط في المبادرة نظير تأييد المقترح المغربي بتسوية النزاع حول قضية الصحراء[14].
نهاية القول، تُمثل المبادرة المغربية لولوج الدول الأفريقية، لاسيما دول الساحل الأفريقي إلى المحيط الأطلسي، بمثابة نموذج جديد لشراكة غير تقليدية، وفرصة مثالية لدول الساحل الأفريقي للتحرر من العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية في إطار التنافس والاستقطاب الدولي بين الجناح الشرقي (موسكو)والجناح الغربي (الولايات المتحدة وحلفاءها)، والحصول على شراكة تقوم على الندية والتضامن من أجل رفع قدرات وإمكانات دول الساحل على مستوى الخدمات واللوجيستيات وكذلك النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة، لكن في الوقت ذاته لا يُمكن التغاضي عن العديد من العقبات التي قد تحول تفعيل المبادرة، من بينها إشكالية التمويل اللازم لتنفيذ المبادرة، والضغوط الدولية من دول غير مستفيدة من المبادرة، أو قد يأتي تعزيز مكانة المغرب في أفريقيا مُعيق لسياستها ومصالحها في القارة.
…………………………….
[1] تحرك مغربي “لولوج” بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي… ما أهدافه؟،؟، سبوتنيك عربي، 24 ديسمبر 2023.
https://2u.pw/q187mH0
[2] هذه مخرجات اتفاق مراكش لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، كشف 24، 23 ديسمبر 2023.
https://2u.pw/ASUtNVw
[3] – إدريس آيات، قراءة في المبادرة المغربية لدول الساحل للوصول إلى الأطلسي، الصحيفة، 25 ديسمبر 2023.
[4] تحرك مغربي “لولوج” بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي… ما أهدافه؟، سبوتنيك عربي، 24 ديسمبر 2023.
https://2u.pw/q187mH0
[5] دول أفريقية تعرب عن نيتها الانضمام إلى مبادرة مغربية لتعزيز التبادل التجاري في القارة السمراء، فرانس 24، 24 ديسمبر 2023.
https://2u.pw/mdAD3ho
[7] تحرك مغربي “لولوج” بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي… ما أهدافه؟، مرجع سبق ذكره.
[8] إدريس آيات، مرجع سبق ذكره
[9] مُبادرة الأطلسي: هل تعوّض التحركات المغربية انسحاب فرنسا من دول الساحل الإفريقي؟، مركز المستقبل للأبحاث المتقدمة، 11 يناير 2024.
https://2u.pw/qLN9B0c
[10] عماد عادل، ما الذي ستجنيه دول الساحل من المبادرة الملكية لولوجها إلى المحيط الأطلسي؟، الاتحاد الاشتراكي، 26 ديسمبر 2023
ما الذي ستجنيه دول الساحل من المبادرة الملكية لولوجها إلى المحيط الأطلسي؟
[11] المرجع السابق
[12] إطلاق “مبادرة الأطلسي” بمراكش .. المغرب يقوي سياسة اليد الممدودة لإفريقيا، هسبريس، 24 ديسمبر 2023.
[13] لغة المصالح تقرّب المغرب من دول منطقة الساحل، العرب، العرب، 30 ديسمبر 2023.
[14] – مُبادرة الأطلسي: هل تعوّض التحركات المغربية انسحاب فرنسا من دول الساحل الإفريقي؟، مرجع سبق ذكره.