أفادت تقارير في الأسبوع الماضي أنَّ الشرطة الأنغولية قد اعتقلت “خوسيه فيلومينو”, نجل الرئيس السابق “خوسيه إدواردو دوس سانتوس” بشأن الاستحواذ غير المشروع على مبلغ 500 مليون دولار من خزائن الدولة ونقلها إلى حساب مصرفي سويسري. وهذا يُمَثِّل خطوة أخيرة للرئيس الحالي “جواو لورنسو” في التصدِّي للفساد، وتفكيك شبكات المحسوبيَّة، وتقليص نفوذ سلفه الذي اتَّسَمَت فترة حكمه للبلاد -الممتدة لقرابة أربعة عقود- بالفساد.
وقد أقال الرئيس “لورنسو” -البالغ من العمر 63 عامًا- منذ وصوله إلى السلطة في سبتمبر من العام الماضي، “إيزابيل” – ابنة الرئيس السابق “دوس سانتوس”، وأغنى امرأة في إفريقيا – من منصبها كرئيسة لشركة النفط الحكومية (Sonangol)، وفصل أيضًا “خوسيه فيلومينو” من منصبه كرئيس لصندوق الثروة السيادية في البلاد والتي تبلغ قيمته 5 مليارات دولار؛ حيث يُتَّهَم بارتكاب جرائم تتعلق بإساءة إدارة الصندوق وغسل الأموال. بالإضافة إلى اعتقال صديقه وشريكه في العمل، “جان كلود باستوس دي مورايس” بتُهم مماثلة.
إن ما سبق وغيره من الخطوات التي اتخذها الرئيس الحالي “جواو لورينسو” أكسَبَتْه ثناءات حتى من أشد منتقدي حكومته؛ حيث يقولون: إنه يفي بوعدٍ قطعه عند تولِّيه الرئاسة, وإنّه قد حقَّق في عامٍ أكثر مما حقّقتْه أيّة إدارة أنغولية سابقة من حيث القضاء على الفساد.
“جواو لورينسو” ..رفض التبعية واختلاف في طريقة القيادة
لقد استبعد المحللون تغيير السياسة الأنغولية عندما فاز “جواو لورينسو” كمرشح لحزب “الحركة الشعبية لتحرير أنغولا” (MPLA) الحاكم في العام الماضي، بعد تنازل الرئيس السابق “خوسيه إدواردو دوس سانتوس” عن الترشيح – وهو مَن يُتَّهَم بأن أصدقاءه وأفراد أسرته سيطروا على كل شركة مهمة ومصادر الثروة في البلاد.
بل أكَّد البعض على أنَّ قوة “لورينسو” ستكون مقيَّدة مِن قِبَل الحزب الحاكم وعائلة الرئيس “دوس سانتوس” وحلفائها. ولعلّ ما رجّح كفة هذا الشك؛ أنّ “لورينسو” أعاد تعيين 13 من أصل 18 من حكّام المقاطعات الذين ورثهم من سلفه “دوس سانتوس” بعد يومين فقط مِن تولِّي منصبه الجديد.
ومع ذلك, فقد شعر الأنغوليون – بعد وقت قصير من توليه رئاسة أنغولا – بأنهم في عهد مختلف غير معتاد, حيث فعل جنرال الجيش السابق والرئيس الجديد “جواو لورينسو” شيئًا غير متوقع تمامًا؛ فقد توقفت سيارته عند ضوء الإشارة الحمراء – وهو شيء غير مألوف منذ أكثر من 37 عامًا من حكم الرئيس السابق “خوسيه دوس سانتوس”. وفي أكتوبر الماضي، التقطتْ العدسات “لورينسو” وهو يقف في الصف في مطعم (KFC) لشراء “برغر”، إضافة إلى مواقف أخرى قُوبِلَت بالإشادة مِن قِبَل مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعيَّة.
وقد قارن البعض بين هذا الاختلاف الواضح في أسلوب قيادة ” لورينسو” وطريقة سلفه “خوسيه إدواردو دوس سانتوس” الذي نادرًا ما غادر القصر الرئاسي. وإذا ما خرج، يحتشد المئات من الجنود في وسط المدينة للسماح لقافلته بالمرور بسرعة عبر الشوارع، ما يؤدِّي إلى شَلّ حركة المرور لساعات.
“لقد كانت مفاجأة إيجابية للغاية”؛ قال سورين كيرك جنسن، وهو خبير مستقل حول أنغولا. “لقد كان هناك تغيير عميق في الأسلوب، من نمط منغلق تمامًا إلى نمط منفتح تمامًا. والأهم من ذلك، أنه بدأ الإصلاحات الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها من خلال معالجة الاختلالات في الطريقة التي يعمل بها السوق بسبب الاحتكارات غير الطبيعية التي تتحكم بها عائلات معينة”.
حملة “لورينسو” على الفساد:
يُعَدُّ الرئيس “جواو لورينسو” – وهو سكرتير عام سابق لـ (MPLA) في الفترة من 1998م إلى 2003م – شخصية نزيهة نسبيًّا؛ حيث يُنظر إليه أنه لم يستخدم منصبه للاستفادة من الصفقات التجارية. وكان يملك ذات مرة حصة 5.4 في المئة في بنك (Banco Sol)، لكنه لم يعد اليوم في قائمة المساهمين.
وفي خطابه عن حالة الأمة في أكتوبر الماضي، أكد “لورنسو” أنه جادّ بشأن وعود الحملة لمحاربة الفساد، وإنهاء الاحتكارات التي تديرها الدولة. وفي العام الذي تلا الفترة الانتقالية، جرَّف “لورنسو” عددًا كبيرًا من كبار المسؤولين المتهمين بالفساد وخاصة “المُحَصَّنِينَ” تحت قيادة “دوس سانتوس”. وكان أولهم: محافظ البنك المركزي فالتر فيليب، المسؤول رفيع المستوى والمحامي الذي عُيِّنَ مِن قِبَل “دوس سانتوس” في عام 2016م.
ولم تقف حملة الرئيس “لورنسو” عند إقالة كلٍّ من ابنة الرئيس السابق “دوس سانتوس”، الملياردير “إيزابيل”، و “خوسيه فيومينو دوس سانتوس” أحد أبناء “دوس سانتوس”، من منصبيهما؛ إذ استبدل أيضًا مجالس إدارة العديد من الشركات المملوكة للدولة الموالية لـ”دوس سانتوس”، وألغى عقوداً – بملايين الدولارات لإدارة قنوات التلفزيون العامة في أنغولا – مع ابنين آخرين لـ”دوس سانتوس”.
“التغيير في القيادة بأنغولا أمر جذري”؛ قال نونو بورخيس، رئيس رابطة تُجار السيارات في أنغولا (Acetro). وأضاف أنه “لم يعد الناس يخشون التحدُّث عن الفساد. وهناك الكثير من الشفافية”.
وفي رأي “رفائيل ماركيس” الصحفي والناشط في مجال حقوق الإنسان الذي اعتُقِلَ وقُدِّمَ للمحاكمة بسبب كشفه جرائم الفساد خلال حقبة “دوس سانتوس”؛ فإن الرئيس الجديد يستحق الثناء.
“سأمنح لورينسو 8 من أصل 10؛ لأنه ببساطة ورث بلدًا كان الفساد فيه متأصِّلاً ومُضفًى عليه الطابع المؤسَّسي، بحيث أصبح (الفساد هو) المؤسسة نفسها”؛ قال رفائيل لإذاعة صوت أمريكا. وأضاف: “كانت الحكومة نفسها هي الفساد. أعتقد أنه فعل ذلك -ويستحق التقدير الكبير– مع ما فعله من حيث السماح للجهاز القضائي أيضًا، ومنحه سلطة توجيه الاتهام وإلقاء القبض على بعض هؤلاء المسؤولين سيّئي السمعة والأكثر فسادًا”.
وقد أدَّت هذه العمليات الجادّة لمحاربة الفساد إلى أن لُقِّبَ الرئيس “لورينسو” عدة ألقاب بما فيها: “مزيلٌ عديم الشفقة”، إلا أن الرئيس الأنغولي يرفض ادعاءات ومزاعم بأنه يستهدف عائلة سلفه. “الأمر لا يتعلق بمطاردة الناس”؛ قال في مؤتمر صحفي في 8 يناير بمناسبة أول 100 يوم له في منصبه، “يتعلق الأمر بإصلاح الحالات التي كانت تثبت أنها تضر بالمصلحة العامة”.
تحويل الاقتصاد وجذب المستثمرين:
كان مما واجهه “لورنسو” عند تولّيه السلطة؛ تحويل اقتصاد يعاني من شلل بسبب انخفاض أسعار النفط، وهي صادرات أنغولا الرئيسة. كما أن حكومة أنغولا تخلّت عن ربط عملتها بالدولار، وأعلنت عن بيع حصص في الشركات المملوكة للدولة، وشجَّعت الأنغوليين الأثرياء بأموال في الخارج على أن يستثمروا في البلاد متعهدة بإرساء فترة سماح يمكنهم فيها إعادة أموالهم دون مواجهة المقاضاة القانونية.
“ليس من قبيل الصدفة أن يكون سجله نظيفًا نسبيًّا فيما يتعلق بالفساد”؛ قال جنسن. “لقد جاء بتفويض ضمني من النخبة لتغيير طريقة ممارسة الأعمال التجارية، على الرغم من أنَّ البعض قد فوجئوا بالإصرار والجرأة التي اتبعها”.
وكما يبدو, فإن حملته على الفساد تأتي بفوائدها لأنغولا؛ إذ قررت أكبر الشركات الاستثمارية في البلاد؛ شركات النفط والغاز الدولية، عدم الانسحاب من الدولة الغنيَّة بالموارد, حتى وإن كان هناك الكثير من العمل الذي يجب فعله لإعادة بناء البلاد.
ومما يقوِّي موقف الرئيس الأنغولي “لورينسو” في حملته لمكافحة الفساد وبرامجه الإصلاحية؛ أن الرئيس السابق “خوسيه دوس سانتوس” قد اعتزل بشكل رسمي الأنشطة السياسية في 8 سبتمر الماضي؛ حيث أعلن تقاعده عن زعامة الحزب الحاكم. وقد اختار الحزب زعيمًا جديدًا وهو “لورينسو”.
“هذه عملية انتقالية.. ولكن أعتقد أننا بدأنا نرى أن هذه الجهود الإصلاحية لا تتعلق فقط بتدعيم السلطة من دوس سانتوس إلى لورينسو، ولكنها بدأت تصبح أكثر إنصافًا”؛ قال أليكس فاينز، الذي يرأس برنامج إفريقيا لمجموعة الأبحاث تشاتام هاوس.
وتابع أليكس: “أعتقد أنّ السيد لورينسو قد اشترى لنفسه بضع سنوات من الائتمان بالإصلاحات الجارية”؛ مضيفًا أنه “قد انتهت فترة شهر العسل. لكن أعتقد أنه سيُختَبَر بشكل قاطع في عام 2020م مع الانتخابات المحلية، وهي العشية الأولى في تاريخ أنغولا، ويشعر حزب MPLA بالقلق من أنه في بعض المناطق بأنغولا، قد يكون أداء الحزب ضعيفًا. وهكذا، فإن هذه الإصلاحات تدور في الواقع حول MPLA وحول التجديد”.
وفي حين أن الإجراءات الأخيرة –وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد – تساعد في جذب الاستثمارات، إلا أنّ الرئيس وإدارته بحاجة إلى تحسين الاقتصاد، وضمان عثور الملايين من الأنغوليين العاطلين عن العمل على وظائف.
“لا يزال لديه فريق اقتصادي غير كفء للغاية”؛ قال رافائيل ماركيس, مضيفًا أن “هذه الإجراءات لن تسفر عن نتائج كبيرة من حيث التغيرات في الحياة العامة إذا كانت حكومته غير مؤهَّلَة بما يكفي لتغيير الوضع الاقتصادي، وخَلْق فرص العمل للاقتصاد والنمو الاقتصادي”.
المصادر:
Reuters (Sep 2018). Son of ex-Angolan president detained in graft probe: ANGOP news agency. Available online at: https://reut.rs/2NNmRRb
Antonio Cascais (Sep 2018). Angola: The fall of the dos Santos clan. DW, available online at:
A. A. Shaban (Sep 2018). Ex-Angola president dos Santos quits last political post. Africa News, available at:
Anita Powell (Sep 2018). Angolan President, One Year In, Praised for Anti-Corruption Push. VOA, available at:
The Economist (May 2018). Angola’s new president, João Lourenço, has made an encouraging start.Available at: https://econ.st/2NaBWac
H. Almeida & P. Bax (Jan 2018). Lourenco Proves He’s No One’s Puppet in Angola. Bloomberg, available at: https://bloom.bg/2ERa8nE