خاص – بـ(موقع قراءات إفريقية) –
ليس هناك ثورةٌ بدون وعي ثوري، وليس هناك ثورة بدون إرادة ثوريَّة، ولن تنهض الإرادة بدون روح الوطنية الحقّة النابض في جسم الثَّائر،وإذا لم يحرِّك المواطن نبضات الوعي السِّياسي والاجتماعي والإنسانيّ والاقتصادي ليثور لاسترداد حقوقه؛ فإنَّه حتماً سيحركه وعي الجوع والجلد؛ وعندئذ لا يمكن وصفه بالثَّائر الوطني؛ لأنّ الثَّائر الوطني هو الَّذي يثور شبعاناً لاسترداد حقوقه وحريته المسلوبة.
الثَّورةُ وعْيٌ متكاملٌ عند الشُّعوب المقهورة، وهي علاج ناجع للشعوب المغلوبة على أمرها، تنزع الذل والمهانة، والفقر والجهل والمرض، تحارب العرى والظمأ والجوع، والوهم الناصب، تصبح حقاً من الحقوق الملحَّة إذا أصبحتْ الدِّيكتاتوريَّة حقيقةً واقعيةً، وهي وسيلة لتحقيق مشروع معين وليستْ غاية في حدّ ذاتها… وهي ثوب مطرز بخيوط الإنصاف لتحقيق العدل والمساواة بين أبناء شعب واحد… وهي قلم ذهبي يسطر تاريخ المقهورين بكرمٍ وشرفٍلا يمكن التَّنبؤ بوقتها؛ لأنَّها إرادة شعبية تثور وقت الثورة، لصالح الشَّعب، وتنتهي بتحقيق أهدافها.
الثورةُ مفتاحٌ فولاذي يفتح المدن للتَّغيير الَّذي يفضي إلى تحرير الإنسان المقهور المظلوم من بطش مجموعة ظالمة أو حاكم ديكتاتوري سفَّاح قاتل، ونجاحها من عدمها مرهون بديباجة الثوار وأخلاقهم، فاشتعالها بصمةٌ واضحةٌ يُعرف من خلالها وعي المواطن ومدى إدراكه بكل مايخصّ حياته وحياة الآخرين… أن تكون حرًّا في هذا العصر يعني أن تكون ثورياً مُفلقاً، واعياً لما يجري حولكَ وحول غيركَ؛ تميِّز بين قُبة العدل والظلم، وسياسة العادل والظالم.
إنَّ العمل الجماعي وحده يحرر الإنسان ويسمو به؛ فـ«الثورة –مهما كان مصدرها– لا تصبح ذات نتائج إلا بعد هبوطها إلى روح الجماعات، فالجماعة تتم الثورة ولا تكون مصدرها، وهي لا تقدر على شيء ولا تريد شيئاً وإن لم يكن عليها رئيس يقودها، ولا تلبث الجماعات أن تجاوز الحدّ الَّذي حُرِّضتْ عليه، وإن كان التَّحريض لا ينشأ عنها أبداً »(1)
لقد كان العمل الجماعي الثوري مصدر إلهام الرجال القدامى الصادقين من بين الأفارقة، فعملوا فيه ونجحوا في خدمة ببلدانهم من نهب المستعمرين فـ«الحقائق التي تستند إليها مضطهدوا الأفارقة ومستغلوهم بصورة عامّة، زعمهم أنَّ الرَّجل الأسود عاجز عن العمل الجماعي. لكن الأحداث وتوالي الأزمة قد برهنت على النقيض من هذه المزاعم الباطلة، والغريب أن العناصر الأجنبية في هذه البلاد ظلت تحمل هذه الرأي الذي ينطوي في طبيعته على هذه النظرة الامتهانية…وقد يبدو الأفريقية غافلاً عن مصالحه، نائماً عنها، إلا أنه أفاق من سباته، فإنّه يناضل عنها بعزيمة وقوّة…»(2).
جاءت الثورات الأفارقة لترد النور الذي أطفأه الرجل الأبيض المستعمر، حيث « أطفأ الرجل الأبيض (المستعمر) نور عيوننا وجاء الآن يتهمنا بعدم القدرة على البصر»(3)
إنّ الثورةُ تعبيرٌ حماسي عفوي أو منظم، بغية تحقيق أهداف نبيلة، لوضع أسس حقيقة بين الأنا والآخر؛ ولهذا تجد أنّ« الثوري مصمم ومثابر في عمله الَّذي ينمو بلا انقطاع ولا نهاية، والثَّوري هو من يتخذ من حبّ الحقيقة، الحقيقة التَّاريخية، والحقيقة الاجتماعية، والحقيقة الإنسانية، دليلاً له… الثوري لا يتهرب من مصائب الحياة بل يجابها بشجاعة ويتدارسها بجدّ، ويجد لها الحلول الملائمة»(4).
وبهذا المبدأ، جابه الأفارقة بكل بسالة وشجاعة منقطع النَّظير المستعمر الأوروبي الامبريالي بثورات شديدة متتالية؛ بعد الحرب الكونية الثَّانية، وانتشرت الحركات الثوريّة التَّحرريَّة المطالبة باستقلال كل ربوع أفريقيا من قبضة المستعمر انتشار الهشيم في طول القارة الأفريقية وعرضها، وشارك فيها كل أطياف الشُّعوب؛ فدفنوا إحن الماضي المؤلم، وتحوّلتْ«ريح التَّبدّل» إلى عاصفة عنيفة تجرف أمامها الاستعمار القديم في أفريقيا؛فسقطتْ الأقنعة الزَّائفة لسلب ثروات القارة الغنية، تحت عباءة «تحضير أفريقيا»؛ فتحصل الأفارقة على حريتهم واستقلاليتهم الديموغرافية والجغرافية بين عام (1944 ـ 1964م)، وإن كانتْ مجرد بداية إلى ميدان الحريَّة، لكن ردّ كرامة الإنسان الإفريقي وأصبحتْ أفريقيا للأفارقة،يحكمها أفارقة لصالح الأفريقيين، وأخرج المستعمر من أفريقيا مكرهاً مرغماً .
سأتناول في هذا المقال إلى الموضوعا�