أبدَى عددٌ من مواطني زيمبابوي تفاؤلهم بعد إعلان رئيس البلاد الجديد إيمرسون منانغاغوا يوم الجمعة تعيين وزرائه, ليكونوا أعضاء في أول حكومة منذ فوزه فى انتخابات 30 يوليو المتنازع عليها؛ وهي أول انتخابات في البلد الواقع في إفريقيا الجنوبية منذ أن أجبر الجيش روبرت موغابي على الاستقالة في نوفمبر من العام الماضي بعد قرابة أربعة عقودٍ في السلطة.
وبينما يُثْنِي زيمبابويون على فريق الحكومة الجديدة, فإن الرئيس منانغاغوا قد وصف حكومته هذه بـ”المتنوعة والديناميكية والشبابية”, والتي تضم 20 وزيرًا، ما جعل المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي يقولون: إنها خطوةٌ تبعث على الأمل في الاتجاه الصحيح.
ويتعرض منانغاغوا البالغ 75 عامًا لضغوط من أجل إعادة بناء اقتصادٍ يعاني من قلة الاستثمارات الأجنبية والبطالة، والنقص الحادّ في الدولار الذي عَرْقَل بعض الواردات.
“مثولي نكوبي” ومهمة إصلاح الاقتصاد
كان من الذين عيَّنهم الرئيس إيمرسون منانغاغوا؛ “مثولي نكوبي” في منصب وزير المالية – وهو خبيرٌ اقتصادي شهير من أوكسفورد, وهو أيضًا نائب رئيس بنك التنمية الإفريقي السابق في زيمبابوي. كما أنه كان محاضرًا في التمويل بكلية لندن للاقتصاد وكلية ويتس للأعمال التجارية في جنوب إفريقيا.
وبهذا, حلَّ “نكوبى” البالغ 55 عامًا محلّ “باتريك تشيناماسا” فى الحكومة الجديدة التي خُفِّضَ عدد أعضائها من 33 إلى 20 عضوًا فقط, حيث قال منانغاغوا: إنه يعتقد أنها كانت “مثالية لتحدياتنا الحالية”.
بعد عقدين من سوء الإدارة الاقتصادية الذي يوصف به عهد الرئيس السابق روبرت موغابي، لم تتمكن وزارة المالية في زيمبابوي من الحصول على قروض جديدة إلا بعد تخليصها من 1.7 مليار دولار من ديونها المتأخرة، كما أن البنية التحتية آخذة في الانهيار، وتعاني البلاد من نقص نقدي مُدمِّر.
وإذ تعهد الرئيس منانغاغوا في السابق بإحياء التعدين والزراعة والتصنيع وضمان الاقتصاد الكلي والانضباط المالي، وجعل الدَّيْن تحت السيطرة, إلا أنه يحاول بتعيين “نكوبي” أن يُظْهِر للمجتمع الدولي أنه يُعْطِي الأولوية للاقتصاد والابتعاد عن سنوات “موغابي” التي اتَّسَمت بمنح مناصب وزارية مهمة وفق خطوط المحسوبية.
“يبدو (الفريق) مشجِّعًا للغاية، خاصةً فيما يتعلق باختيار وزير المالية. هذا أساس جيد لتوقعات الانتعاش الاقتصادي في البلاد”؛ قال جون روبرتسون الخبير الاقتصادي المستقل في العاصمة الزيمبابوية هراري, مضيفًا أنه “يبدو أنها بداية جيدة، لكن ذلك يعتمد على مقدار السلطة التي سيعطيها (منانغاغوا) لوزرائه”.
ويضم سجل “مثولي نكوبي” تأسيسه لـبنك باربيكان في زيمبابوي، وشركة لإدارة الأصول، نقلها البنك المركزي في البلاد إلى إدارة تم تعيينها في عام 2005م بعد عامين فقط من العمليات. وتم إلغاء ترخيص البنك في وقت لاحق.
وسيُعْهَد إلى “نكوبي” في منصبه الجديد صياغة برنامج للإنعاش الاقتصادي، بالإضافة إلى تقديم استراتيجية لسداد المتأخرات في زيمبابوي البالغة 1.8 مليار دولار للبنك الدولي ومصرف التنمية الإفريقي.
تعيينات أخرى:
في إدارة الحكومة الجديدة, احتفظ وزير المناجم “وينستون تشيتاندو” بمنصبه، بينما عُيِّنَتْ السَّبَّاحَة الأولمبية وحاملة الرقم القياسي العالمي السابقة (34 عامًا) “كيرستي كوفنتري” وزيرة للشباب.
وفي حين توجد ثمانية وجوه جديدة في هذه الحكومة, إلا أنه لم يكن للوزراء الذين سيطروا على الحكومة على مدى أربعة عقود من حكم موغابي, مكانٌ في الإدارة, وهم “باتريك تشيناماسا” و”أوبرت مبوفو” و”ديفيد باريرينياتوا” و”سيمون مويو”.
“لقد كان جريئًا بما يكفي للتخلص من الناس المعروفين بالفساد”؛ قال غودفري كانيزينز من معهد أبحاث العمل والتنمية الاقتصادية في هراري.
ويضاف إلى ما سبق أن منانغاغوا عَيَّنَ أيضًا “أوبّا موشنجيري – كشيري” الرئيس الوطني للحزب الحاكم “زانو-بي اف”, في منصب وزير الدفاع. وسلب الحقيبة الأمنية الرئيسة من نائب الرئيس “كونستانتينو تشيوينغا”، وهو الجنرال المتقاعد الذي قاد الانقلاب ضد موغابي.
“نريد أن نُطوِّر ونُحدِّث ونجهِّز اقتصادنا آليًّا. نحن نعتقد أنه في السنوات الخمس المقبلة، سنكون قادرين على تحويل شعبنا إلى المواطنين ذوي الدخل المتوسط”؛ قال منانغاغوا للصحفيين – بعد أن أعلن كبير أمنائه قائمة الوزراء – في إشارة إلى تعريف البنك الدولي للبلدان التي يبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي فيها من 1026 إلى 12475 دولارًا. إذ بلغ نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي في زيمبابوي 910 دولارات في عام 2017م.
لا مكان للمعارضة في الحكومة الجديدة:
يلاحظ من قائمة التعيينات الجديدة أنها خالية من أيِّ شخصية أو مسئول من المعارضة, ما يجعل بعض المراقبين يقولون: إن رئيس البلاد غير مستعدٍّ بعدُ لتجاوز الماضي، وتشكيل حكومة شاملة تضم جميع الأطراف.
وفي المقابل, فقد تعهَّد تحالف “نيلسون تشاميسا” المعارض من أجل التغيير الديمقراطي بعدم منح منافسه السياسي الرئيس إمرسون منانغوا أي فرصة للراحة, وذلك بعد أن اكتسح حزبه نسبة كبيرة من السلطات المحلية في المناطق الحضرية؛ حيث يسيطر الآن على 81٪ منها, نتيجة انتخابات 30 يوليو؛ حيث زاد الحزب أيضًا وجوده في البرلمان.
أما الرئيس منانغاغوا، فقد حمَّل المعارضة -في مقالٍ له نُشِرَ يوم الجمعة- مسئولية المأساة التي شهدتها البلاد بعد الانتخابات الأخيرة؛ إذ بدلاً من انتظار المعارضة وأنصارها فرز الأصوات، أعلنت قيادة المعارضة فوزها بالسباق الرئاسي, بينما خرج بعض أنصارها إلى الشوارع احتجاجًا على النتيجة التي لم تُعْلَن عنها بعدُ, مما أدَّى إلى العنف ووفاة ستة أشخاص.
“يريد الناس, وهم على حق، تحقيق العدالة – كما أريده أنا أيضًا. ومع ذلك، ليس من سلطة الرئيس أن يلوم أو يعاقب بإلحاح مَن قد يبدون مذنبين. ما هو في حدود قوتي هو إنشاء تحقيق مستقل للتأكد مِمَّن يتحمل المسئولية”؛ يقول منانغاغوا.
وعلى الرغم مما سبق, فما زال من الممكن حدوث اجتماع بين المعارضة والحزب الحاكم, خصوصًا وأنه من المقرر أن يترأس الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، كغاليما موتلانثي، لجنة مكوّنة من سبعة أشخاص تضم شخصيات من زيمبابوي وخبراء دوليين, لدراسة الوضع وتقديم توصيات للحكومة.
وعلى حدّ تعبير منانغاغوا: “قد لا تخدم هذه (اللجنة وتوصياتها) النفعيةَ السياسية على جانبي الانقسام، ولكنها في خدمة العدالة تخدم مصالح شعب زيمبابوي”.
المصادر:
Emmerson Mnangagwa (2018). As president, here’s what I want for Zimbabwe: a healthy opposition. The Guardian Uk, available online: https://bit.ly/2QgAC8E
The Zimbabwe Mail (2018). Chamisa gains more ground. Available online: https://bit.ly/2O1Qn1M
Daniel Mumbere (2018). Zimbabweans hope Mnangagwa’s cabinet will deliver positive results. Africa News, available online: https://bit.ly/2N26NLb