لم تمضِ سوى بضعة أيام على مغادرة الرئيس “محمد بخاري” للعاصمة النيجيرية أبوجا، والتوجُّه نحو المملكة المتحدة لقضاء إجازة لمدة 10 أيام, حتى اتَّخَذَت الأوضاع السياسية في البلاد منحنًى آخر؛ بالرغم من أن نائبه أستاذ القانون (البروفسور) “ييمي أوسينباجو”، قد عُيِّن رئيسًا بالنيابة حتى يعود الرئيس بخاري.
ففي صباح يوم الثلاثاء الماضي –أي: بعد أربعة أيام من سفر بخاري-, انتشر مسئولون وعملاء مُلَثَّمُون من “خدمة أمن الدولة” (DSS) – وكالة الاستخبارات الداخلية الرئيسية في نيجيريا – أمام بوابة الجمعية الوطنية لمنع النواب المُشَرِّعين الفيدراليين والصحفيين من الدخول.
“لقد مُنعنا من الدخول إلى الجمعية الوطنية مِن قِبَل عملاء خدمة أمن الدولة”؛ هكذا قال عضو مجلس الشيوخ, رافيو إبراهيم (من “حزب الشعب الديمقراطي” (PDP) المعارض الرئيسي, من جنوب ولاية كوارا) لصحفيين صباح الثلاثاء.
“نحن في انتظار بقية زملائنا, ثم نرى كم منا يريدون قتله. لقد أخبرناهم أنَّ هذا العدد من العملاء الأمنيين غير كافٍ. يجب أن يذهبوا، ويأتوا بالمزيد من الرجال لمنعنا من دخول رَمْز الديمقراطية في نيجيريا”.
ومن المؤكَّد أن الباحثين والروائيين النيجيريين قد خصَّصوا صفحات أو فصولاً لهذه الحادثة التي هزَّتْ جميع أنحاء نيجيريا بأكملها, وهيَّجت النقاشات بلهجاتٍ حادَّة بين مؤيِّد لوكالة الاستخبارات وما قامت به, وبين من يرى أن منع النواب والمشرِّعين من دخول الجمعية الوطنية يُعَدُّ “مخالفة سافرة” و”إظهارًا غير معقول للقوة والسلطة” مِن قِبَل حزب “مؤتمر كل التقدميين” (APC) الحاكم وحكومة الرئيس محمد بخاري.
وعلى حَدّ قول متحدث “حزب الشعب الديمقراطي”: إن ما شهدته نيجيريا مِن قِبَل المسئولين الأمنيين, ودعوة حزب “مؤتمر كل التقدميين” الحاكم النوابَ وأعضاء مجلس الشيوخ إلى استئناف أنشطتهم البرلمانية -رغم أن الجمعيةَ الوطنية في إجازة حتى 26 سبتمبر– ما هو إلا لخلق “حالة من الفوضى”، ولتنفيذ خطة إقالة “بوكالا ساراكي” – رئيس مجلس الشيوخ الذي انشقَّ قبل أسبوعين من الحزب الحاكم إلى حزبه السابق “حزب الشعب الديمقراطي”.
“يجب ألا نَسْمَح لمن لا يحترمون القوانين أن يتحملوا مسؤولية حياتنا؛ لأن بإمكان ما يُخَطِّطون القيام به أن يَخْلُق فوضى للأمة”؛ هكذا قال “كولا أولوغبوديان”، المتحدِّث باسم “حزب الشعب الديمقراطي”، لوكالة الأنباء النيجيرية.
“أوسينباجو” وإقالة مدير “خدمة أمن الدولة”
بالنظر إلى تعليقات المُحَلِّلين السياسيين في نيجيريا ومنتقدي سياسات حكومة الرئيس “محمد بخاري”, يُلاحَظ أن الانتقادات غالبًا ما تدور حول ثلاث شخصيات في الحكومة الحالية وهم؛ (أ) “لاوال موسى داورا” الذي ينحدر من قرية الرئيس بخاري، وهو المدير العام لإدارة شؤون وكالة الاستخبارات المعروفة باسم “خدمة أمن الدولة”, و(ب) “إبراهيم ماغو” القائم بأعمال رئيس “لجنة الجرائم الاقتصادية والمالية” (EFCC), و (ج) “إبراهيم إدريس كبوتون” – المفتش العام للشرطة النيجيرية.
فالأول –أي: “داورا”– يُتَّهَم بالعمل ضدَّ مصالح الحزب الحاكم، وسيده بخاري على الرغم من قُربه إليه, وهذا واضح في عدة ملفات عن الفساد. والثاني –أي: إبراهيم ماغو– تنتقده المعارضة بالانحياز في كيفية إدارته لقضايا الفساد، واحتجاز شخصيات في حكومة الرئيس السابق غودلاك جوناثان المتهمين بسرقة الأموال, بل بسبب مزاعم أخرى ما زال النواب من الحزب المعارض الرئيسي في مجلس الشيوخ يرفضون الموافقة حتى اليوم على تعيينه بشكل رسمي في منصبه كرئيس “لجنة الجرائم الاقتصادية والمالية”. أما الثالث – أي: إبراهيم إدريس – فقد فشل فشلاً ذريعًا في التعامل مع أزمة “المزارعين- الرعاة” وملفات أمنية أخرى وسط نيجيريا.
وإذ تختلف وجهات النظر حول ما إذا كان هؤلاء المسئولون في إدارة بخاري يستحقون الفصل والطرد, إلا أن النسبة الكبرى تتفق على ضرورة فَصْل “لاوال داورا” من منصبه، والتحقيق معه, وذلك بعد أن أعطى أوامر لرجاله الملثمين بالوقوف أمام بوابة الجمعية الوطنية، ومَنْع النواب من الدخول, مما اضطرَّ “ييمي أوسينبانجو” نائب الرئيس بخاري (والرئيس بالنيابة) إلى أن يدين بشدة يوم الثلاثاء الماضي ما وَصَفَه بالاستيلاء غير المصرَّح به على الجمعية الوطنية مِن قِبَل عناصر الأمن، مؤكدًا أنه انتهاك صارخ للنظام الدستوري وسيادة القانون وجميع المفاهيم المقبولة للقانون والنظام.
ووفقًا لبيان أدلى به “لاولو أكندي” المتحدث باسمه, قال أوسينبانجو: إنَّ العمل لم يكن غير قانوني فحسب، بل أيضًا أُقِيمَ دون علم الرئاسة, وتعهَّد للنيجيريين على التحقيق مع جهاز إنفاذ القانون وكل من كان طرفًا في “هذه السخرية” ومعاقبتهم جميعًا.
أما “لاوال داورا” مدير الوكالة الاستخباراتية, فقد أمَر “ييمي أوسينباجو” بإلغاء تعيينه من منصبه، وإنهاء عمله بأثر فوري. وكما جاء في تغريدة للمتحدث باسم “أوسينباجو”: “لقد أُعطي السيد داورا أوامر بتسليم منصبه للضابط الأكبر رتبة في جهاز أمن الدولة حتى إشعار آخر”.
ومع هذه الإقالة، ورغم إنكار النواب من حزب “مؤتمر كل التقدميين” الحاكم لتصرُّفات رجال الأمن، إلا أن النواب من “حزب الشعب الديمقراطي” المعارض لا يزالون يتَّهِمُون حزب “مؤتمر كل التقدميين” بمحاولة “تقويض الديمقراطية”.
انشقاق في الحزب الحاكم وانتخابات 2019م
لقد شهد حزب الرئيس بخاري في الأسابيع الماضية مَوْجَة من الانشقاقات، وانسحاب عددٍ من أعضاء الحزب إلى الأحزاب المعارضة. ولعلَّ أهم هذه الانسحابات ترك الحزب مِن قِبَل “أمينو تامبوال” أحد المؤيدين الرئيسيين للرئيس بخاري في معقله الشمالي.
وقال المتحدث باسم “أمينو تامبوال” حاكم ولاية سوكوتو شمال غربي نيجيريا: إنَّ الحاكم قد غادر حزب “مؤتمر كل التقدميين” للانضمام إلى “حزب الشعب الديمقراطي” المعارض الذي حكم نيجيريا لمدة 16 عامًا قبل فوز “محمد بخاري” عام 2015م, ما يجعل بعض المراقبين يرون انشقاق “تامبوال” من الحزب قد يكون الضربة الأكبر التي وُجِّهَت إلى “بخاري” حتى اليوم من قاعدته الانتخابية الشمالية.
ويسعى الرئيس “محمد بخاري” البالغ 75 عامًا إلى ولاية رئاسية ثانية بعد أن أصبح أول مُرَشَّح للمعارضة يفوز عام 2015م بالرئاسة في نيجيريا منذ نهاية الحكم العسكري في عام 1999م. وقد تمكَّن حزب “مؤتمر كل التقدميين” الحاكم -الذي تشكَّل عبر تحالف ودمج العديد من أحزاب المعارضة- من إسقاط “حزب الشعب الديمقراطي” الذي ظل في السلطة لمدة 16 عامًا. غير أن الحزب الحاكم منذ فوزه بالرئاسة يناضل من أجل توحيد أعضائه، وتسببت الخصومات الداخلية في خسائر عددٍ من شخصياته.
الحزب الحاكم وخسارة رئاسة مجلس الشيوخ
جاء ترك “تامبوال” للحزب الحاكم بعد أقل من 24 ساعة من إعلان رئيس مجلس الشيوخ “بوكولا ساراكي” أنه عائد إلى حزبه السابق “PDP” المُعارِض لتشكيل حركة معارضة متصاعدة قبل الانتخابات في فبراير القادم. كما انشق من الحزب الحاكم أيضًا حاكمان آخران، وأكثر من 50 من المُشَرِّعين الفيدراليين، مما منَح PDP الأغلبية ورئاسة مجلس الشيوخ.
“إنَّ ثِقَل هذا بالنسبة للحزب الحاكم هائل”؛ هكذا قال كليمنت نوانكوو، المدير التنفيذي في مركز السياسات والمرافعة القانونية في أبوجا – في إشارة إلى انشقاق “ساراكي” رئيس مجلس الشيوخ إلى الحزب المعارض؛ مضيفًا أنه “إذا ترك رئيس الذراع التشريعي للحكومة الحزبَ الحاكِم وانضم لحزبٍ مُعارض، فإن له بالتأكيد تأثيرَ إضعافٍ قويٍّ”.
يُذكر أن الرئيس بخاري -وهو حاكم عسكري سابق- فاز بالرئاسة في محاولته الرابعة. وشمل التحالف الذي شكَّل حزبه “مؤتمر كل التقدميين”, فصيلاً من “حزب الشعب الديمقراطي” الحاكم وقتذاك, وهو فصيلٌ صَنَّف نفسه بـ “حزب الشعب الديمقراطي الجديد”, وإلى هذا الفصيل ينتمي “بوكولا ساراكي” رئيس مجلس الشيوخ, و”ياكوبو دوغارا” رئيس مجلس النواب, غير أن الرجلين وصلا إلى هذين المنصبين ضد رغبة “بخاري” وعدد من زعماء حزب “مؤتمر كل التقدميين”، وكثيرًا ما يعارضان خطة بخاري والحزب.
بوكولا ساراكي.. الإقالة أم سحب الثقة
تعطي التصريحات والبيانات المتوافرة مؤشراتٍ قويةً على أنَّ أعضاء مجلس الشيوخ في حزب “مؤتمر كل التقدميين” الحاكم ونُظراءهم من “حزب الشعب الديمقراطي” المُعارِض يتَّجهون إلى مواجهةٍ حقيقيةٍ في الجمعية الوطنية؛ حيث يطالب أعضاء مجلس الشيوخ الآخرين في الحزب الحاكم من “بوكولا ساراكي” رئيس مجلس الشيوخ الاستقالة وإلا سيضطرون لسَحْب الثقة منه, وذلك بعد أن ترك حزبهم الذي حصل به على المنصب إلى حزب المعارضة الرئيسي. غير أن “ساراكي” قد رفَض دعوات استقالته يوم الأربعاء الماضي في مؤتمر صحفي, مُصِرّاً على أنه لن يستقيل إلا إذا وافق ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ على التصويت بعدم الثقة فيه.
وقد ردَّ “آدمز أوشيومهولي” الرئيس الوطني لحزب “مؤتمر كل التقدميين” الحاكم يوم الجمعة الماضي على تصريحات “ساراكي” وانتقاداته لحكومة الرئيس بخاري أنه عيَّن أكثر من 200 عضو في مناصب عليا مهمّة دون تخصيص بعض هذه المناصب له أو لرئيس مجلس النواب “ياكوبو دوغارا”.
“سؤالي هو؛ إعطاء ساراكي رئيس مجلس الشيوخ حق تعيين بعض الأشخاص، هل هذا يتفق مع المشروع النيجيري؟ أو مصلحة أهالي ولاية كوارا في منطقته السيناتورية؟ فهو لم يُشِرْ في أي وقت إلى اهتمامه بالناس في دائرته الانتخابية أو شعب نيجيريا,” يقول “آدمز أوشيومهولي”.
وأشار “أوشيومهولي” إلى أن السبب الثاني لمغادرة “ساراكي” الحزب الحاكم هو أنه تعرَّض للمساءلة القانونية لاتهامات وُجِّهَت له. فهو غَاضِبٌ لـ”اضطهاد مزعوم لشخصه وليس لشعبه”.
وبحسب تصريحات “أوشيومهولي”, فإن وقت “ساراكي” في منصبه كرئيس مجلس الشيوخ قد انتهى؛ “عندما أقول: إن رئيس مجلس الشيوخ سيُسْحَب منه الثقة (وسيُزاح من منصبه)، دعوني أؤكد أنه سيُسْحَب منه الثقة بشكل سليم وفقًا للقانون. فالدستور واضح؛ بخصوص كيفية إقالة مسئول فضلاً عن رئيس المجلس، ولأنّ العديد من قضايا الاتهامات وسحب الثقة قد وَقَعَت، فنحن لسنا على وشك مشاهدة ما لم يحدث من قبل”.
وأوضح الزعيم والرئيس الوطني للحزب الحاكم نقطة مثارة في الأوساط السياسية بعد فشل الحوار مع “ساراكي” قبل إعلان انشقاقه من الحزب: “اذهب وتحقق من نتائج الانتخابات التي جعلته عضوًا في مجلس الشيوخ، وستجد أن الرئيس حصل على الكثير من الأصوات من وسط كوارا أكثر مما حصل ساراكي لنفسه. ولذلك لا يستطيع أن يدَّعِي أن التصويت الذي حصل عليه حزب “APC” من منطقته في مجلس الشيوخ كان بسببه. هذا هو السبب في أن تركه للحزب ليس له عواقب سياسية فيما يتعلق بالقضايا الانتخابية. فقد حاولْنا التحدُّث معه -كمسئول ورئيس لمجلس الشيوخ- ليس بسبب الخوف منه، بل عن قناعة بأن هناك قواعد للاتفاق”.
الأحداث الأخيرة وتأثيرها في انتخابات 2019م
لقد تعهَّد الرئيس “محمد بخاري” بإصلاح الاقتصاد المتراجِع، ومحاربة الفساد، وتحسين الأمن في وقتٍ قتلت فيه جماعة “بوكو حرام” آلافًا من الناس في شمال شرق نيجيريا. وقد أفاد تقرير جديد بأن الرئيس تمكَّن من تحسين الإيرادات الضريبية، مما أعطاه فرصة تخصيص حوالي 30 في المائة من الإنفاق الحكومي على مشاريع الطرق والسكك الحديدية والموانئ وطاقة الكهرباء، ومع ذلك لا يزال الكثير من السكان يعانون الفقر.
وساعدت الحملة العسكرية على استعادة مساحات شاسعة من الأراضي التي تسيطر عليها “بوكو حرام”، إلا أن الاشتباكات بين المزارعين والرعاة الرُّحَّل قد خلَّفَت العديد من القتلى, ما زادت من وتيرة الانتقادات الموجَّهة للرئيس بخاري. وقد قدَّرت “مجموعة الأزمات الدولية” عدد القتلى بأكثر من 1300 شخص في المواجهات البرية بين يناير ويونيو من هذا العام.
“في هذا الوقت لا يزال لدى بخاري اليد العليا في الشمال”؛ هكذا قال تشيتا نوانزي المُحَلِّل في شركة “إس.بي.ام انتليجنس” الاستشارية في لاغوس لـ”بلومبرغ”, “ستكون الأيام القليلة القادمة حَرِجَة للغاية؛ لأنه سيحدث الكثير من المناقشات”.
من جانبٍ آخر, يرى مؤيدو بخاري أن محاربته للفساد قلَّلت من نسبة الإفلات من العقاب, لكنَّ منتقديه بمن فيهم “ساراكي” يقولون: إن إدارته استخدمت الحملة لاستهداف المعارضين السياسيين. وقد جُرَّ “ساراكي” إلى المحكمة بشأن مزاعم إخفاء أصول مالية، وهي قضية حكمت فيها المحكمة العليا لصالحه.
والسؤال الآن هو: هل سيكون ائتلاف المعارضة قادرًا على الاتحاد، واختيار مرشح واحد من بين شخصياتها الطموحة والبارزة، بما فيها “ساراكي”، ونائب الرئيس السابق “أتيكو أبو بكر”, و”رابعو كوانكواسو” الحاكم السابق لولاية كانو الشمالية؟
“إذا قاموا فقط بإحضار مرشَّحٍ ما، وما يزال هناك انقسام فيما بينهم، سيظل ذلك بمثابة انتصار سهل لـ” APC“؛ قالت “هداية حسان” المديرة التنفيذية لمركز الديمقراطية والتنمية في أبوجا لـ “بلومبرغ”. ولكن “لن يكون الأمر بمثابة انتصار سهل إذا توحَّد PDP حول مرشَّحٍ قويٍّ.. شخصٍ لا توجد في رقبته مزاعم فساد.. شخصٍ شابٍّ”.