كان المؤتمر العاشر للدراسات الصومالية، الذي انعقد في فندق هورن أفريكا بمقديشو في الفترة ما بين 5-7 ديسمبر 2023م (ACSOS2023)، بمثابة إنجاز كبير للمعهد والجامعة أيضًا؛ حيث ينظّم معهد الدراسات الصومالية (ISOS)، وهو مؤسسة تابعة لجامعة مقديشو، هذا المؤتمر السنوي باستمرار.
وتمّ إنشاء هذا المعهد للقيام بالأعمال الأكاديمية ذات الصلة بالصومال ومنطقة القرن الإفريقي التي يسكنها الصوماليون كجنس في معظمها، وهو بمثابة منصة للعلماء والباحثين والخبراء للالتقاء والمشاركة في استكشاف جوانب متنوعة من الدراسات الصومالية. وكان تنسيق وتنفيذ مؤتمر هذا العام بمثابة جهد مشترك تعاونت في استضافته كلٌّ من جامعة مقديشو، وجامعة بنادير، وجامعة هرمود.
وأكدت هذه المبادرة المشتركة التزام هذه المؤسسات التعليمية الثلاث بتعزيز الخطاب الفكري المحيط بموضوع المؤتمر “عشر سنوات من تعزيز المعرفة”. وتُجسِّد الشراكة بين هذه الجامعات أيضًا الجهود المشتركة لتطوير المعرفة، وتعزيز مبادرات التعاون في البحث العلمي الرصين داخل المجتمع الأكاديمي في الصومال.
تأسس معهد الدراسات الصومالية (ISOS) عام 2001م بهدف العمل على إعادة هيكلة الدراسات الصومالية، والتأكيد على طابعها الوطني، بدلاً من اعتمادها على طريقة معيّنة يغلب فيها طابع المماحكة النمطية، وتسود فيها الطريقة التقليدية الالتحاقية. أو بمعنى آخر تجاوز نمط الدراسة الوظيفية التي تخدم أجندات موجهة، وتنعكس على مصالح غير صومالية، إلى دراسة صومالية تتميز بالتوازن في تناولها، والاستقلالية في تحليلها، وعدم الانتقائية في موضوعاتها الدراسية، وتظهر فيها البصمة الصومالية الخاصة.
قبل إنشاء المعهد، كانت الدراسات الصومالية تُجرى وتُقام في المهجر، وتستضيفها جامعات في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية منذ إنشاء الجمعية الدولية للدراسات الصومالية (SSIA) عام 1978م. وتم افتتاح SSIA في 4 نوفمبر 1978م في الولايات المتحدة الأمريكية، على يد 15 عالمًا من العلماء الصوماليين، وانضم إليهم أيضًا علماء غير صوماليين.
وبالطبع، كانت الدراسات الصومالية عنصرًا هامشيًّا في الدراسات الإثيوبية، التي تأسست عام 1963م في جامعة أديس أبابا. وتأسست SSIA بعد الحرب الصومالية الإثيوبية 1977-1978م، مما يرمز إلى الانفصال عن الدراسات الإثيوبية، والتأكيد على سعي الصومال على اتباع مسار مستقل.
كانت SSIA جزءًا من مبادرة أكاديمية أوسع تركز على الدراسات الإفريقية، وبدأت خلال حركة التحرير في الخمسينيات. بدأ هذا الاتجاه بتأسيس أول جمعية للدراسات الإفريقية (ASA) عام 1957م في الولايات المتحدة الأمريكية، وتبعتها جمعية الدراسات الإفريقية في المملكة المتحدة عام 1963م. وقد لعبت SSIA دورًا محوريًّا في التطور الدولي بالاهتمام على الدراسات الصومالية؛ حيث نظمت 14 مؤتمرًا مرة واحدة كل ثلاث سنوات. وقد ساهم هذا الالتزام المستمر بشكل كبير في إثراء وتوسيع المعرفة في مجال الدراسات الصومالية على نطاق عالمي.
تشمل الدراسات الصومالية: العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، ومجموعة واسعة من الموضوعات مثل التاريخ والسياسة والمجتمع والثقافة واللغة والبيئة والإسلام، وما إلى ذلك. قبل انهيار الصومال في عام 1991م، كان إنتاج المعرفة والدراسات العلمية محدودًا؛ بسبب عوامل عديدة، من ضمنها نُدرة العلماء المدربين وقمع الحرية الأكاديمية خلال الحكم العسكري من عام 1969 إلى عام 1991م. وقد ارتفع الاهتمام بالدراسات الصومالية بشكل كبير بعد التطورات الحاسمة، وخصوصًا بعد اعتماد قواعد الإملاء للغة الصومالية في عام 1972م، وإنشاء الأكاديمية الصومالية للآداب والعلوم في نفس العام. وأدى تأسيس SSIA في عام 1978م إلى تحفيز هذا النمو الفاصل.
واستمر المجال في التطور استجابةً للأحداث المهمة، مثل انهيار الدولة في عام 1991م، وما تلاه من حروب أهلية، وأزمات إنسانية متعددة الجوانب، وتدخلات دولية. وسعت الدراسات الصومالية تركيزها ليشمل موضوعات مثل مؤتمرات المصالحة، وصعود منظمات المجتمع المدني، والأدبيات حول الإسلام، والظاهرة الإسلامية، والتطرف، والقرصنة، وبناء الدولة، وبرامج بناء السلام. علاوة على ذلك، ارتفعت شعبية الدراسات الصومالية مع وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزيون والإذاعة، وزيادة المنشورات باللغة الصومالية، والترجمات من وإلى الصومالية، وبروز معارض الكتب السنوية الدورية، وظهور مدارس الناشرين المختلفة.
استخدمت الدراسات الصومالية أربع وجهات نظر: الأنثروبولوجيا، والماركسية، والتحريفية، والشاملة. وجهات النظر الثلاثة الأولى متجذرة في الرؤية العلمانية للفلسفة التاريخية. كان المستشرقون ريتشارد بيرتون وسبنسر تريمنجهام وعلماء الأنثروبولوجيا آي إم لويس وإنريكو سيرولي وبرنهارد هيلاندر وفيرجينيا لولينج وآنا سيمونز رواد مدرسة الأنثروبولوجيا.
وقد تبنَّى العديد من العلماء الصوماليين الذين تخرجوا من الجامعات الغربية هذا المنظور، ودمجوا افتراضاته في البرامج القومية. ومع ذلك، تعثَّر هذا النهج مع انهيار الدولة الصومالية في عام 1991م. وقد اكتسب المنظور الماركسي، القائم على التحليل الطبقي والمادية التاريخية، مكانة بارزة في الصومال خلال مرحلة التوجه الاشتراكي في السبعينيات. فهناك علماء مثل أحمد سمتر، عبدي سمتر، ليدوين كابتينز، ولويجي باستالوزا دافعوا عن هذا المنظور.
وظهر المنظور التعديلي بعد عام 1991م، داعيًا إلى إجراء دراسات صومالية شاملة تأخذ في الاعتبار الأقليات الاجتماعية والمجتمعات المهمشة. وأعرب علماء مثل محمد مختار، وعلي جمعالي أحمد، عبدي كوسو، وكاترين بيستمان عن مخاوفهم بشأن التباينات الإقليمية والتحيزات في التفسيرات التاريخية في مختلف أنحاء البلاد.
وأخيرًا، فإن المنظور الشامل، الذي كنت أدرسه منذ عام 1989م، ينتقد الرؤى الثلاثة السابقة؛ بسبب توجهاتهم العلمانية واستبعادهم لدور الإسلام في التوعية والإرشاد والتعليم، مع التركيز على التفسير العشائري للدراسات الصومالية، واستثناء الدراسات الصومالية للدراسات الإفريقية والشرق أوسطية، والسلطة الأبوية التي تُهمِّش دور المرأة الصومالية في التاريخ والسياسة.
تزدهر الدراسات الصومالية بشكل ملحوظ، ويتجلَّى ذلك في انتشار المؤتمرات والمجلات الأكاديمية مثل “المجلة السنوية للدراسات الصومالية الخاضعة للمراجعة الدائمة”، و”مجلة الدراسات الصومالية”، و”مجلة بيلدان”، والعديد من الكتب المترجمة والمنشورة.
هذا ويعكس مؤتمر الدراسات الصومالية السنوي العاشر الاهتمام العلمي المتزايد في هذا المجال. وتم إطلاق المؤتمر السنوي للدراسات الصومالية عام 2014م، وهو عبارة عن منصة للأكاديميين والباحثين والممارسين وصانعي السياسات لعرض ومشاركة أو مناقشة القضايا الحالية في الدراسات الصومالية. وفي المؤتمر العاشر، تم تقديم 23 ورقة بحثية علمية من خلال الكلمات الرئيسة وحلقات النقاش واستعراض بعض الحالات. علاوة على ذلك، قامت 23 مجموعة طلابية، كل مجموعة مكونة من 3-5 طلاب، من جامعات مختلفة بعرض مشاريعهم البحثية عن طريق عرض رؤاهم وتصوراتهم البحثية.
وأخيرًا، ينبغي للدراسات الصومالية أن تتجاوز حدود التحليل التاريخي وتطور خطاب ديناميكي يقدم وجهات نظر وحلولًا جديدة للتحديات التي تواجهها الأمة الصومالية في مصيرها المقلق. وينبغي التأكيد على أن مسؤولية المثقفين الصوماليين في الوقت الحالي تمتدّ إلى ما هو أبعد من المجال الأكاديمي؛ يشمل الالتزام بتشكيل رؤية تقدمية وشاملة للصومال.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّه من الضروري أن تعمل الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الصومالية بنشاط على تعزيز الدراسات الصومالية ضمن منهج دراسي متماسك. وينبغي لهذا الجهد المتضافر أن يمنح الجيل القادم فهمًا شاملاً وموحدًا لتاريخهم الغني وثقافتهم ولغتهم ودينهم الحنيف. ومن خلال دمج هذه العناصر في الإطار التعليمي، يمكن للمؤسسات أن تساهم بشكل كبير في التنمية الشاملة للأفراد الذين ليسوا فقط على دراية جيدة بالمواد الأكاديمية، ولكنهم أيضًا متجذرون بعُمْق في جوهر تراثهم الفكري والديني.