مجلة قراءات: نرحب بفضيلتكم في هذا اللقاء مع مجلة قراءات، ونود أن نقدم في البدء نبذة موجزة عنكم لقرائنا الكرام:
الاسم أبو بكر كمارا، من مواليد عام 1952م في باماكو بجمهورية مالي، دخلت الكتَّـاب وعمري ست سنوات, وختمت القرآن الكريم, ودرست كتب الفقه المالكي في بلدة يوري في إقليم (كاي)، وفيما بين 1967م – 1970م التحقت بمدرسة الاتحاد في مدينة براولي إقليم (سيكو)، حيث درست المرحلة الابتدائية وجزءاً من المرحلة الإعدادية، وفي عام 1972م حتى 1976م عملت مدرساً ونائباً للمدير في مدرسة الثقافة الإسلامية في باماكو.
وفي عام 1976م التحقت بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ودرست المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية والدراسات العليا حتى 1986م، وكنت في هذه المدة نفسها عضواً في مكتب رابطة طلبة مالي في السعودية، وشاركت في تنظيم أعمال الحج مع البعثة الرسمية للحجاج في السعودية.
وفي المدة من عام 1987م حتى 1990م عملت مرشداً دينياً في مساجد أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، كما عملت فيها أيضاً إماماً وخطيباً بالتعاون مع آخرين لمدة سنة، وعملت في مجال التدريس في المعاهد والمدارس الإسلامية في باماكو.
وفيما بين 1991م وحتى 2002م شاركت وترأست دورات وملتقيات وندوات في دول مختلفة (توجو، موريتانيا، غانا، السعودية، السنغال، ساحل العاج، مالي، نيجيريا).
أما الآن فأمارس العديد من الأعمال، ولي كثير من المشاركات في جوانب متعددة، ومن ذلك:
– مؤسس ومدير عام معهد العلوم الإسلامية في باماكو.
– رئيس الجمعية الإسلامية للإصلاح.
– الأمين العام لرابطة الأئمة والعلماء للتضامن في مالي.
– عضو المجلس الأعلى الإسلامي في مالي, والمقرر في مكتب العلماء بالمجلس المذكور.
– نائب مدير مكتب المنتدى الإسلامي في مالي (سابقاً).
– الأمين العام لرابطة الدعاة سابقاً, وعضو لجنة الدعوة والبحوث حالياً.
– أمين لجنة الصحافة والإعلام للاتحاد الوطني للمدارس الإسلامية في مالي.
– المشرف على الإذاعة الخاصة (إذاعة دامبي) – الفضيلة – في باماكو، وأحد مؤسسيها, ورئيس مجلس الإدارة.
– مشرف على دروس المساجد.
– مشارك في دروس التلفاز والإذاعة الوطنية في باماكو.
– رئيس لجنة الفتوى في إذاعة دامبي – باماكو.
– مشارك في دروس الإذاعة الإسلامية (صوت القرآن والحديث) في باماكو.
– إمام وخطيب المسجد الجامع في جيليبوكو.
أما في جانب البحث والتأليف فهناك بحث التخرج في كلية الشريعة، وهو بعنوان (العموم والتخصيص عند الأصوليين)، ورسالة الماجستير في الفقه المقارن بعنوان (اللقيط وأحكامه في الشريعة الإسلامية).
وهناك أيضاً عدد من المؤلفات التي قدمتها في مجالات متنوعة؛ مثل: حكم المسبوق في الصلاة، مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، الطرق المثلى للتعامل مع الصوفية، أثر التقوى في العبادات والمعاملات، الدعوة والدعاة في مالي، خواطر حول الملتقيات الماضية، سمات المجتمع في غرب إفريقيا، الإسلام في مالي، فتاوى أسبوعية في الإذاعات وعلى الهواء مباشرة.
مجلة قراءات: كيف دخل الإسلام مالي؟ وما المراحل التي مر بها حتى عصرنا الحاضر؟
يذهب كثير من الكتاب والمؤرخين إلى أن الإسـلام دخل مالي مع وصول الفاتح العظـيم عـقبة بن نافع والياً للمرة الثانية على المغرب سنة 62هـ، أي في القرن الأول الهجري، وذهب آخرون إلى القول بأنه دخل في القرن الخامس الهجري، ويمكن الجمع بين القولين بأن دخول الإسلام في القرن الأول الهجري كان في صفوف العامة, وأما الانتشار الفعلي للإسلام فكان في القرن الخامس الهجري حين أصبح الإسلام دين الدولة والسلطان, وذلك بعد أن أسقط المرابطون إمبراطورية غانا.
وهناك روايات تذكر أن الملك (تيبو تان) كان شديد الاجتهاد في نشر الإسلام بين قومه وبين الزنوج المجاورين, وقد اعتنق الإسلام عام 837 م تقريباً, ولكن الملك الذي كان لإسلامه شهرة هو (واري جابي) الذي توفي عام 432هـ الموافق 1040م.
ومما يدل على أن الإسلام كان موجوداً في إمبراطورية غانا قبل إسلام ملوكها, أقصد على القول الأول، ما ذكـره البكـري الذي توفي عام 1094م، وهو من المؤرخـين الذين زاروا الإمبراطورية، قال: (ومدينة غانا مدينتان سهليتان, إحداهما المدينة التي يسكنها المسلمون, وهي مدينة كبيرة فيها اثنا عشر مسجداً، أحدها يجمعـون فيه, ولها الأئمة والمؤذنون, وفيها فقهاء وحملة علم, وحواليها آبار عذبة، منها يشربون، وعليها يسقون الخضروات.
ومدينة الملك على ستة أميال من هذه وتسمى بالغابة, والمساكن بينها مفصلة, ومبانيها من الحجارة وخشب السنط, وللملك قصر وقباب, وقد أحاط بذلك حائط كالسور، وفي مدينة الملك مسجد يصلي فيه من يفـد عليه من المسلمين على مقربة من مجلس حكم الملك, وحول مدينة الملك قباب وغابات تسكن فيها السحرة, ويقيمون دينهم فيها).
وبقي الأمر كذلك حتى مجيء الاستعمار الغربي ولم يعد الإسلام دين دولة, ومن ثم استولت الصوفية على العـوام وصار للإسلام بينهم شكل آخر.
أما التوجه السلفـي فقد بدأ في الظهور بعـد عودة مجموعة الإخوة الأربعة من الأزهر, وتوالى وصول مشايخ آخرين من بلاد الحرمين الشريفين, ومع وفود الحجاج.
وفي 1947م وقعت مصادمات دموية بين أهل السنة وغيرهم، ثم هدأت الأمور بتكوين جمعية مالي للاتحاد, وهي تضم جميع الطوائف الدينية من أهل السنة وغيرهم, ثم توالى وصول الخريجين من الجامعات الإسلامية بعد عام 1980م, ودخلت الحركة في أبعاد أخرى.
ومنذ عام 1991م حدثت تغيرات سياسية واجتماعية في البلاد, وتأسست جمعيات إسلامية عديدة، وبلغ عدد الجمعيات التي تعترف بها الحكومة 114 جمعية إسلامية, ومع اكتساب القائمين على هذه الجمعـيات خبرة بالواقع والعمل الميداني والمؤسسي؛ رأوا أهمية وجود مؤسسة تجمع بينهم، فقاموا بإنشاء رابطة الأئمة والعلماء في مالي، بهدف التنسيق بين أعمال جميع الأئمة, وتسهيل الاتصال بينهم، وتهيئة الأجواء لتحقيق مبدأ التشاور في أعمالهم، والترفع على الخلافات المذهبية لتحقيق وحـدة المسلمين, كما تم إنشاء المجلس الأعلى الإسلامي في مالي, وهي جمعية ذات صبغة حكومية، تهدف إلى إيجاد حلقة وصل بين الحكومة والمسلمين.
وعلى الرغم من الأحوال الجيدة للمسلمين في مالي الآن؛ فإن التغـيرات السريعة والغامضة تفوق مستوى تفكير كثير منهم ومستوى إدراكهم؛ وهو ما يوقعهم في دائرة استغلال أعدائهم, والساحة هناك كالأرض الموات من أحياها فهي له، ولا تحقيق لمصلحة إلا لمن اغتنم الفرصة.
مجلة قراءات: كان لمحضن العلم (تمبكتو) دور بارز في نشر العلم وتخريج العلماء؛ فما واقعه الآن؟ وكيف يقرأ فضيلتكم مستقبل الحراك العلمي في مالي في وقتنا الراهن؟
في الماضي كانت مدينة تمبكتو محضناً للعلم ومركزاً ثقافياً ومثالاً حضارياً, واشتهرت بنشر العلم وتخريج العلماء, وآلاف المخطوطات في مركز أحمد بابا والمكتبات الخاصة دليل على ذلك, ولكن الاستعمار الغربي خاف من هذا الواقع، فوضع خططاً محكمة لتغريب المدينة ثقافياً وعلمياً, فأسسوا المدارس الفرنسية الثابتة والمتنقلة، وخصّصوا لذلك مبالغ ضخمة، وبذلوا جهوداً جبارة، وفي النهاية نجحوا في تحقيق أهدافهم, حتى لا تكاد تجد مواطناً الآن في تمبكتو إلا ويجيد اللغة الفرنسية، ومما زاد الطين بلة تحويل تمبكتو إلى مدينة سياحية، وهو ما له تأثير كبير في الأخلاق والعادات والأعراف.
ولكنّ الله غالب على أمره، ففي عام 1982م بدأ إنشاء معهد الهجرة التربوي في تمبكتو، وهو كسائر المعاهد التكوينية يهدف إلى تخريج معلمين، وتم افتتاحه في 2/2/1996م، وتُقدر مساحة هذا المعهد بنحو 10 هكتار, وهذا المعهد فريد من نوعه في عصرنا هذا, بل هو أول معهد تربوي وتكويني عربي أُسـس في إفريقيا.
وأرى أن هذا المعهد من المقومات التي يجب علينا المحافظة عليها والاهتمام بها، ولكن لا بد من العناية بالمنهج حتي يحقـق الغرض المنشود منه.
وفي رأيي أن الحراك العلمي في مالي في وقتنا الحاضر يدعو إلى التفاؤل، ويؤذن بمستقبل جيد، وهناك العديد من الشواهد والمظاهر التي تدل على ذلك، فهناك صحوة علمية تشهدها المساجد، حيث تُعقـد حلقات علمية ودروس متواصلة، وتزايد عدد المدارس الإسلامية، والاهتمام بتعليم الكبار، وخاصة في صفوف النساء, ووجود حلقات تحفيظ القرآن، وإذاعات إسلامية خاصة، وبرامج إسلامية في الإذاعات الحرة الخاصة، وإجراء المسابقات العلمية والطلابية، وتتابع تدفق الخريجين من الجامعات، وظهور جيل من الباحثين، ووجود نادي الثقافة والأدب، وكثرة عقد الندوات الهادفة، وحلقات تفسير القرآن في كل أنحاء مالي وخاصة في رمضان، واستعمال العديد من الدعاة لشبكة المعلومات (الإنترنت) علمياً ودعوياً.
ولكن أرى أن هذه المشروعات والنشاطات تحتاج إلى دراسة واقعية وتقويمية مستمرة، لتقديم النصائح والإرشادات المنهجية؛ حتى لا تخطئ الطريق ويضيع المسار.