في مايو 2010 ، وعقب وفاة الرئيس النيجيري المسلم (عمر يارادوا) بعد صراع مع مرض في القلب تولي نائبه المسيحي – الرئيس النيجيري الحالي – “غودلاك جوناثان” السلطة بعد أدائه اليمين الدستورية وأصبح هو الرئيس رسمياً (بدون انتخابات) خلفاً للرئيس المنتخب .
ولأنها ليست فترة رئاسته ، وهناك قاعدة متعارف عليها في الحزب الديمقراطي الشعبي الحاكم، الذي ينتمي إليه ، تقضي بترشيح مسلم من الشمال ثم مسيحي من الجنوب ، أو العكس ، فقد رشح جوناثان نفسه في انتخابات الرئاسة عام 2011 ، وفاز فيها .
إذ يبلغ عدد سكان نيجيريا حوالي 160 مليون نسمه ، وما بين 50% إلي60% من إجمالي السكان من المسلمين ، وحوالي 40% من المسيحيين وهناك حوالي 105 معتقدات أخري قليلة العدد .
وقبل ثم بعد إعلان مفوضية الانتخابات في نيجيريا، إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستجرى يوم 14 فبراير العام القادم 2015 ، والمتوقع أن تشهد أعلى مستوى من المنافسة منذ إنهاء الحكم العسكري في عام 1999 ، شرع أنصار الرئيس غودلاك جوناثان في الدخول في صراع شرس مع أعضاء آخرين في الحزب الحاكم ، ومع المعارضة ، مطالبين بترشيح جوناثان لفترة رئاسية ثانية ، ما يعني أنه سيخالف ويخرق قاعدة (ترشيح مسلم من الشمال خلفا لمسيحي من الجنوب ) .
حيث ألمحت الرئاسة النيجيرية في مارس الماضي إلى احتمال ترشح الرئيس غودلاك جوناثان لفترة ثانية في الانتخابات الرئاسية المقررة في فبراير 2015 ، بدعوي أن البلاد تواجه مشاكل وصراعات ، وقال المستشار الخاص للرئيس أحمد غولاك في تصريح صحفي، إن الرئيس جوناثان هو الوحيد القادر علي قيادة البلاد، مطالبا المجتمع الدولي بتجاهل ما وصفها بالدعاية التي تقوم بها المعارضة بهدف تشويه سمعة الرئيس ولثنيه عن خوض الانتخابات القادمة .
أحمد – وهم مسلم – لم يكترث للقاعدة الخاصة بتبادل الرئاسة بين مسيحي ومسلم – وقال : “لقد قمنا بالبحث من الشمال إلي الجنوب ومن الشرق إلي الغرب ولم نجد بديلا للرئيس جوناثان”، واصفا الدعاية التي تقوم بها المعارضة بالمحاولات اليائسة وأن الهدف منها هو الوصول إلي الحكم بأي شكل من الأشكال ” .
ورغم أن جوناثان لم يعلن صراحة عن نيته الترشح في انتخابات 2015، يري المراقبين في نيجيريا والعالم انه ينوي خوض الانتخابات التي من المتوقع أن تكون ساخنة جدا في ظل المنافسة الشديدة بين الحزب الحاكم والمعارضة، بالإضافة إلي هروب العديد من أنصار الحزب الحاكم وانضمامهم إلي صفوف المعارضة وهروب أعداد كبيرة من المعارضة وانضمامهم إلى الحزب الحاكم .
عملية “بوكو حرام” .. خسارة أم مكسب ؟
والآن وبعد ثلاثة أشهر من هذا التصريح ، جاءت عملية خطف جماعة (بوكو حرام) المسلحة لـ 276 فتاة من مدرستهم الثانوية في مدينة شيبوك النائية بشمال شرق البلاد، وضعف موقف الرئيس وحكومته لتضع الرئيس (غولاك) في موقف سياسي صعب قبل اقل من سنة على الانتخابات ، وتزيد الانتقادات له وتظهره عاجزا عن تحرير التلميذات ، وتلقي ظلالا علي ترشيحه ولاية ثانية .
وزاد من حساسية الموقف أن الرئيس (غولاك) كان في موقف حرج أصلا قبل أن تخطف جماعة بوكو حرام المسلحة 276 فتاة من مدرستهن الثانوية ، فقد خسر (الحزب الديمقراطي) الذي ينتمي إليه الرئيس الأغلبية في البرلمان بعد عدة استقالات نواب خلال الأشهر الأخيرة استفاد منها (المؤتمر التقدمي) اكبر أحزاب المعارضة.
وكان مما قيل في هذا الصدد قول الصحافي اولتونجي داري في صحيفة “ذي نايشن” المستقلة أن جوناثان “اثبت انه ليس في مستوى مهامه” ، وانه : “مهما كانت نهاية هذه الأزمة سيصعب على جوناثان أن يظهر بمظهر رئيس جدير بالثقة لقيادة نيجيريا ومواجهة التحديات القادمة” ، وبالتالي فإن ترشح الرئيس في انتخابات 2015 سيدل على “الأنانية والافتقار إلى الوطنية” بحسب صحيفة “ذي نايشن” .
ويأخذ عليه منتقدوه أيضا انه لم ينجز شيئا لتطوير شمال البلاد حيث نسبة البطالة الكبيرة والفقر، ولم يواجه حركة تمرد بوكو حرام التي قتلت ألاف الأشخاص خلال خمس سنوات ، حتى إن البعض يقول : انه إذا كان جوناثان أبدى هذا الحد من عدم الاكتراث بمصير فتيات شيبوك، ذلك لأنه لا يعتبر نفسه معنيا بمصير سكان الشمال .
ورجح مراقبون انه “إذا قرر (جوناثان) الترشح إلى ولاية ثانية فانه لن يحصل حتى على عشرين بالمائة من الأصوات” ، فيما يري آخرون أنه قد يخرج جوناثان منتصرا من هذه الأزمة إذا تم الإفراج عن الفتيات سالمات ما قد يستغله أنصاره للمطالبة بتجديد ترشيحه للرئاسة 2015 .
الأزمة طائفية ونفطية
إذا كانت العادة جرت أن يتداول مرشحو الحزب الديمقراطي إلى الانتخابات الرئاسية مرة من الشمال حيث الأغلبية من المسلمين ومرة أخرى من الجنوب ذي الأغلبية المسيحية ، ولهذا خلف جوناثان المسيحي المنحدر من الجنوب الرئيس المسلم عمرو يار في مايو 2010 بعد وفاته خلال ممارسته مهامه .
وإذا كانت هناك مخاوف مما قد تسببه رغبته في الترشح لمرة ثانية – بدلا من ترشيح مسلم – في انشقاق جديد في حزبه وربما يلقي بظلال طائفية علي البلاد الممزقة طائفيا أصلا .
فالذي لا شك فيه أن هناك أبعاد أخري في الأزمة الرئاسية يمكن القول أنها أبعاد نفطية، فالرئيس جوناثان ينتمي إلى عرقية (إيجاو) المهيمنة في دلتا نهر النيجر المنتجة للنفط وكان قبل هذا حاكما لولاية (بايلسا) المنتجة للنفط ، ويقول تقرير لمعهد ستراتفور الأميركي للدراسات الاستخبارية إن حزب جوناثان الذي تنضوي تحت مظلته فصائل من مختلف أنحاء البلاد يتمتع بمزايا يفتقدها حزبا المعارضة اللذان ينافسانه في انتخابات الرئاسة منها سيطرته على ثلاث ولايات منتجة للنفط هي : بايلسا والدلتا وريفرز .
وكانت هناك توقعات أن فوز غودلاك جوناثان بالرئاسة في انتخابات 2011 وبقاؤه حتى 2015 في احتواء الأعمال المسلحة في منطقة دلتا نهر النيجر التي تستهدف خاصة صناعة النفط، وفقا لتقرير ستراتفور ، أو أنه سيضع يده على مليارات الدولارات من عائدات النفط، لينفق قسما منها على مناصريه داخل وخارج دلتا النيجر التي يقول أهلها إنها تعرضت للإهمال حتى تولي جوناثان الرئاسة في 2010 ، وهو ما لم يحدث .
ويزيد من حجم القلق أن استعراض انتخابات نيجيريا يشير إلي أنه ومنذ انتخابات عام 2007 تزايد نشاط الأحزاب في شراء أصوات المواطنين ، ففي انتخابات 2007 كان حزب الشعب الديمقراطي الحاكم أكبر الأحزاب نشاطا في شراء الأصوات حيث بلغت حوالي 40% من جملة المصوتين له من تم شراء أصواتهم في حين جاءت جميع الأحزاب المعارضة في المركز الثاني بنسبة شراء أصوات بلغت 31% من الأصوات التي حصل عليها ثم حزب مؤتمر العمل بنسبة 10% .
كما أن هناك عوامل عدة تزيد من الأزمة مثل مشكلات الاندماج الوطني وعدم عدالة توزيع الثروة النفطية علي النيجيريين والصراعات الطائفية الدينية حتى بين أصحاب الدين الواحد مثل الصراع السني الشيعي في الشمال بالإضافة إلي الصراع المسيحي الإسلامي والصراع بين السلفيين والصوفيين ، رغم فرض الأنظمة المتعاقبة في نيجيريا للكيان العلماني حيث ينص الدستور بعدم إقرار دين معين للدولة .
فهل يصر جوناثان علي ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية معتمدا علي قوته النفطية بما قد يعمق الخلافات ويلقي بظلال طائفية ونفطية علي انتخابات الرئاسة المقبلة ، أم يلتزم بفكرة تبادل المنصب بين مسلم ومسيحي ويجنب نيجيريا مزيد من الصراعات ؟!