المقدمة:
وسط حالة من الترقب المشوب بالقلق والحذر بين الخبراء والمحللين المتخصصين بمتابعة الشأن الإفريقي بصفة عامة والوضع السياسي في وسط إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بصفة خاصة؛ من المقرر عقد الانتخابات الرئاسية الثامنة في البلاد (والتي تتزامن مع عقد انتخابات المحليات والبرلمان والمقاطعات)، وذلك يوم الاربعاء الموافق 20 من ديسمبر الجاري؛ حيث تمت دعوة نحو 44 مليون ناخب من المواطنين البالغ إجمالي عددهم نحو 112 مليون نسمة، إلى التصويت في هذه الانتخابات المقررة؛ وذلك لانتخاب رئيس جديد للبلاد (عقب انتهاء الفترة الأولى للرئيس “فيليكس تشيسكيدي”، والتي استمرت خمس سنوات”).
وفي واقع الأمر، فإن ما ذهب إليه هؤلاء المحللون من التخوُّف لم يأتِ من فراغ؛ حيث إن عقد انتخابات رئاسية في وسط مشهد سياسي يتسم بالتعقيد وعدم الوضوح والتوتر يزيد من حالة الضبابية ويُربك الناخب الكونغولي الذي عليه أن يختار أصلح مَن يمثله في نهاية الأمر.
وعليه؛ يسعى التقرير التالي إلى بيان أسباب ودوافع تعقُّد المشهد السياسي الراهن في الكونغو، وملامح الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها، ثم خاتمة توضح السيناريوهات المستقبلية المتوقعة للوضع السياسي في البلاد.
أولًا: دوافع ارتباك المشهد السياسي الحالي في الكونغو
هناك عدة أسباب أدَّت إلى تأزم المشهد السياسي الحالي في البلاد، ووضعت مسألة عقد الانتخابات العامة، ومنها الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في ديسمبر الجاري، أمام مزيد من التعقيدات على أرض الواقع، لعل من أبرز هذه الأسباب ما يلي:
1- إن التاريخ السياسي للكونغو –منذ أن حصلت على الاستقلال عن بلجيكا في يونيو 1960م؛ أي على مدار أكثر من ستين عامًا- يشير إلى أن حدوث عملية الانتقال السلمي للسلطة -دون أن يسبقها أو يعقبها وجود توترات أو انقلابات أو حروب أهلية أو اتفاقات لتقسيم السلطة- قد تم في حالات نادرة ومعدودة للغاية. فمع اندلاع الثورات والاحتجاجات المستمرة ضد الحكم البلجيكي عام 1959م؛ اضطرت الأخيرة لمنح الاستقلال للمستعمرة الكونغولية في 30 من يونيو 1960م، وأطلق عليها اسم “الكونغو”.
وفي أول انتخابات تُجرى في البلاد قبل نحو شهر من الاستقلال، فازت 9 أحزاب سياسية –مع عدم حصول أيّ منها على الأغلبية- بـ137 مقعدًا في المجلس التشريعي الوطني، وأدَّى تفتُّت أصوات الناخبين بهذا الشكل إلى إضعاف سلطة ووحدة الحكومة، وعليه تم التوصل لحلّ وسط يقضي باقتسام السلطة بين اثنين من أبرز الزعماء النضال ضد الاستعمار البلجيكي حينئذ؛ حيث أصبح “باتريس لومومبا” رئيسًا للوزراء و”جوزيف كسا ڤوبو” رئيسًا شرفيًّا للجمهورية. ([1])
عقب الاستقلال، عاشت الكونغو فترة صعبة؛ حيث سادت التوترات في جنوب البلاد، وتحديدًا في مناطق كاتانجا (Katanga)الغنية بالثروات والمعادن؛ حيث دعمت بلجيكا تمرد -عدد من الضباط البلجيكيين المسيطرين على الإقليم بقيادة (بقيادة مويس تشومبي)- الأمر الذي دفع رئيس الوزراء “لومومبا” لطلب الدعم الخارجي من الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة لقمع الانفصاليين، ومع فشل حصوله على الدعم الغربي، توجّه لطلب الدعم من الكتلة الشرقية، وحصل بالفعل على دعم عسكري ولوجيستي سوفييتي دخلت على إثره البلاد في حالة من الاضطرابات واندلعت حرب أهلية، وانفصل إقليم كاتانجا عن الدولة الأم خلال مطلع الستينيات.([2])
سبق ذلك حدوث خلاف بين الرئيس “فوبو” ورئيس الوزراء “لومومبا”، ترتب عليه استبعاد الرئيس لومومبا من منصبه، ثم اعتقاله مِن قِبَل قوات الأمن الخاصة “بقائد الجيش “موبوتو”، ثم تم تسليمه للمتمردين بقيادة “مويس تشومبي” في الجنوب؛ حيث قام الأخير بإعدامه رميًا بالرصاص في مطلع عام 1961م.
وفي يناير عام 1963م تمكنت قوات الأمم المتحدة من إنهاء انفصال إقليم كاتنجا، وهرب كثير من المتمردين إلى دولة أنجولا. وبعد فترة من التوترات والتدخلات الخارجية، جرت تسوية سياسية عام 1964م أصبح بموجبها قائد تمرد إقليم كاتانجا “مويس تشومبي” رئيسًا للوزراء، ثم جرت انتخابات عامة عام 1965م فاز بموجبها ائتلاف بقيادة “مويس تشومبي”، وسرعان ما نشبت خلافات بداخله ترتب عليها وقوع انقلاب عسكري بقيادة الجنرال “موبوتو سيسي سيكو” (Mobutu Sese Seko)عام 1965م، قام وفقًا له بتنصيب نفسه رئيسًا للجمهورية.
استمر موبوتو في السلطة من منتصف الستينيات حتى مطلع التسعينيات، جرت خلال هذه الفترة عقد انتخابات رئاسية –كانت أقرب ما تكون لكونها استفتاءات شعبية للتصويت بنعم على بقائه في الحكم، نفس الأمر فيما يتعلق بالانتخابات التشريعية في البلاد؛ حيث جرت خمسة استحقاقات انتخابية برلمانية خلال فترة تولي موبوتو للحكم (نوفمبر 1970م، نوفمبر 1975م، وأكتوبر 1977م، وسبتمبر 1982م، ثم أخيرًا سبتمبر 1987م)؛ حيث حصل حزب الرئيس موبوتو ممثلًا في “الحركة الشعبية للثورة” على الأغلبية في كافة هذه الاستحقاقات. وقد تسبَّبت الاضطرابات الأهلية التي سادت البلاد خلال أوائل الستينيات، في إحداث أضرار شديدة باقتصاد الكونغو، ناهيك عن التأثر بالأضرار الناتجة عن الركود الاقتصادي والتضخم العالميين في السبعينيات. كما أدى القتال بين الفئات المختلفة للشعب، إلى شعور الشعب الكونغولي بالمرارة والتمييز بين مختلف الأعراق المكونة للمواطنين.[3]
إزاء تلك الأوضاع، اتخذ الرئيس “موبوتو” بعض الخطوات الإصلاحية في محاولة لحل هذه المشكلات (تكوين حكومة وطنية قوية تمكَّنت من بَسْط سيطرتها على كافة أنحاء الدولة الكونغولية، وساهمت في إنهاء حالة الاحتراب الداخلي، وتخفيف الفوارق العرقية، التي سادت). وبرغم ذلك لم تخلُ فترة السبعينيات من وجود محاولات ثوار “متمردي” إقليم كاتنجا، المقيمين في أنجولا، لإعادة السيطرة على الإقليم واحتلاله، وهو ما فشلوا فيه بعد أن تصدَّت لهم القوات العسكرية الحكومية، وحصول الرئيس “موبوتو” على الدعم الخارجي –العربي والإفريقي- اللازم لذلك.
وبرغم إعلان الرئيس موبوتو في عام 1990م عن خطط للإصلاحات السياسية في البلاد، وعن عزمه على السماح بحرية تشكيل أحزاب سياسية معارضة، وكتابة دستور جديد للبلاد، وقيامه بالفعل بتشكيل حكومة انتقالية جديدة، لم تنتظر الظروف التحقق من نواياه؛ حيث قامت قوات “لوران كابيلا”؛ المعارض الرئيس لموبوتو، عام 1997م باجتياح العاصمة الكونغولية كنشاسا، ونصَّب كابيلا نفسه رئيسًا للبلاد، وفرَّ الرئيس موبوتو إلى المغرب، وتُوفي هناك. ([4])
اندلعت انتفاضة مسلحة في المناطق الشرقية من البلاد ضد حكومة كابيلا، ولقي المتمردون دعمًا خارجيًّا إفريقيًّا واسعًا، خاصةً من رواندا وأوغندا –إضافة للدعم والمساعدات المقدمة من أنجولا وزمبابوي وتشاد وناميبيا-؛ حيث حاربت القوات الرواندية والأوغندية إلى جانب صفوف المتمردين. تم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1999م بين الكونغو وبقية قوات الدول الإفريقية المتحاربة ضدها. وفي يناير 2001م، تم اغتيال الرئيس كابيلا على يد أحد أفراد الحرس الرئاسي، وتولى السلطة بعده ابنه الجنرال “جوزيف كابيلا”.
عانت البلاد جراء حالة التوترات والحرب الأهلية التي جرت منذ عام 1996م حتى عام 2003م، وكنتيجة لهذه المعاناة، أصبح المواطن الكونغولي متشوقًا لعقد انتخابات دستورية تعددية حقيقية، تم عقدها بالفعل في يوليو عام 2006م؛ حيث قام 25 مليون ناخب بالتصويت في الاقتراع الذي تم إجراؤه –أي ما يقرب من 80% من أعداد الناخبين حينئذ- كما ترشح 33 مرشحًا لمنصب الرئيس، وجرت على جولتين، بعد أن أخفق المرشحون في الحصول على نسبة تصويت تتعدى 50% من أعداد الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات، تمكن الرئيس “جوزيف كابيلا” من الفوز في المرحلة الثانية مع عدم فوز أيّ حزب بالأغلبية البرلمانية المطلوبة؛ حيث فاز حزب كابيلا بـ111 مقعدًا، وحركة تحرير الكونغو “بيمبا” بـ64 مقعدًا. ثم عُقدت انتخابات عام 2011م والتي أفضت إلى فوز الرئيس كابيلا أيضًا وتقاسم 98 حزبًا سياسيًّا لمقاعد مجلس النواب.
ثم عُقدت انتخابات عام 2018م قادت لفوز الرئيس الحالي “فيليكس تشيسكيدي” بنسبة 38,57% مقابل 34,38% لمارتن فايولو 2و23,9% لإيمانويل رمضان. ونجحت الجبهة المشتركة للكونغو في حصد 341 من أصل 500 مقعد بالبرلمان.([5])
خلاصة القول: إنه باستعراض تاريخ البلاد يتضح أن تجربة التعددية الحزبية والسماح لمختلف قوى المعارضة بالترشح في الانتخابات “الرئاسية أو البرلمانية”؛ لم تكن صفة “أصيلة”، أو “مستقرة”، أو “دائمة” في التاريخ السياسي والانتخابي لجمهورية الكونغو -وإن كانت البلاد قد سعت لممارسة وتوطين الديمقراطية وترسيخها منذ عقود طويلة مضت-؛ إلا أنها لم تَستقر إلى الآن (حتى مع إجراء الانتخابات العامة التي شهدتها البلاد مؤخرًا خلال العقدين الماضيين؛ حيث إنها لم تفرز قيادات أو سياسات مختلفة في النهاية، إضافة إلى ما أشار إليه عدد من المحللين بشأن وجود “مزاعم” حول وجود اتفاق لتقسيم السلطة جرى في أواخر 2017م وبداية 2018م بين الرئيس الكونغولي السابق “جوزيف كابيلا” والرئيس الحالي “فيليكس تشيسكيدي”، وهو ما يثير شكوكًا حول النتائج النهائية للانتخابات المنعقدة حينئذ)، وهو الأمر الذي يعني في النهاية أن الانتخابات الرئاسية المقررة 2023م تفتح الأبواب أمام جميع الاحتمالات.
2- إن أساس النزاع “العرقي- الحدودي- الاقتصادي” في شرقي الكونغو والذي اندلع منذ ما يقرب من عقدين من الزمن وخلّف خلال الفترة من (1996-2003م) وحدها ما يقرب من سقوط نحو 3 ملايين قتيل، وعشرات الآلاف من الضحايا فضلًا عن مئات الآلاف من النازحين والفارّين مستمر حتى يومنا هذا، ولم تتم معالجة أسبابه من جذورها، وهو ما يعني استمرار التوتر والقتال وممارسة أعمال العنف، وهو ما يؤثر بالتالي على إمكانية تنظيم انتخابات سلمية في هذه المنطقة مترامية الأطراف والبعيدة عن السيطرة الكاملة من الدولة، وهو أيضًا ما يزيد من المخاوف الأممية الحالية من تصعيد الصراع وتزايد حدته؛ خشية أن يؤدي إلى نشوب حرب حدودية بين الجارتين (رواندا- الكونغو).
وبشكل موجز؛ فإن أساس النزاع في منطقة شرق الكونغو هو تقاتل طرفين بدافع الهيمنة على الأراضي والموارد في هذه المنطقة الغنية بالثروات؛ ففي الوقت الذي تقود فيه جماعة التوتسي –التي يأتي منها الرئيس الرواندي «بول كاغامي» حركة إم 23 المتمردة التي تقود النزاع (إحدى أبرز الجماعات المسلحة المتمردة التي تجوب شرقي الكونغو، والتي أثارت قلاقل مع الجارة رواندا، وتتهمها كينشاسا بتقديم الدعم لتلك الحركة المسلحة، وهو ما تنفيه رواندا باستمرار، بل تُوجّه أصابع الاتهام للكونغو، متهمةً إياها «بالتواطؤ» مع جماعات الهوتو «المجموعة المسلحة لتحرير رواندا»، أو كما يُطلق عليها «القوات الديمقراطية لتحرير رواندا» بتأجيج الصراع بين جماعات الهوتو والتوتسي «والتي كنت قد تسبَّبت في وقوع مذابح الحرب الأهلية في رواندا بين القبيلتين خلال الفترة من (1990 – 1993م) نتج عن هذه المذابح وقوع إبادة جماعية لنحو مليون شخص من القبيلتين ونزوح مئات الآلاف الآخرين).([6])
ومما يزيد من مخاوف تصعيد النزاع وتحوُّله لحرب رسمية، تزايد التسلح والعنف والتلويح باستخدام القوة وحدها من كلا الجانبين: حيث أكدت الكونغو خلال العامين الماضيين على تبنّي نهج عسكريّ لحل الأزمة في شرقي البلاد، بما يخالف تصريحاتها الرسمية السابقة، والتي كانت تؤكد على التمسك بالطرق الدبلوماسية؛ حيث قامت مؤخرًا بتحريك عدد كبير من وحدات جيشها نحو المناطق الحدودية التي يتركز بها المتمردون «أعلنت في منتصف أكتوبر 2023م عن إرسال 15 كتيبة إضافية إلى المناطق الشرقية»، كما بدأت بتسليح ميليشيات موالية لها لضرب المتمردين. كما ألمحت لارتكاب أخطاء وتقصير من قبل المسؤولين العسكريين؛ حيث أشار الرئيس الكونغولي إلى وجود تقصير أمني في التعامل مع المتمردين شرقي البلاد.([7]) وعليه فقد اتخذ قراره بإلقاء القبض على عدد من المسؤولين الأمنيين بينهم مسؤول عسكري كبير “جنرال بالجيش”.
وعلى الجانب الآخر، فقد عاودت الحركة تمرُّدها، وحملت السلاح منذ أواخر عام 2021م، بعد هزيمتها عام 2013م؛ حيث اتهمت الحكومة الكونغولية بالتنصل من اتفاقٍ يقضي بدمج عناصرها في قوات الأمن. أدى ذلك إلى تصعيد التوترات بين جميع الأطراف، وأسفر عن نزوح ٥,٥ مليون شخص من مقاطعات إيتوري، وكيفو الشمالية، وكيفو الجنوبية، وتنجانيقا، وتسبَّب في تدهور العلاقات بين البلدين؛ حيث تشير الكونغو إلى أن الحركة تسعى من وراء نشاطها وتصعيدها العسكري شرقي الكونغو إلى تقويض الأمن ودعائم الاستقرار في البلاد.
أهم الانعكاسات السلبية للصراع الدائر شرق البلاد على المجتمع الكونغولي
بصفة عامة يمكن القول: إن النزاع المسلح الموجود قد خلَّف آثارًا كبيرًا آنية على مختلف الجوانب الصحية، التعليمية، التغذوية، الأمنية، … إلخ. وفيما يلي استعراض لأهم الانعكاسات السلبية للصراع الدائر شرق البلاد على المجتمع الكونغولي وكذلك تأثيراته المحتملة على سير العملية الانتخابية المقررة:
أ- فيما يتعلق بسوء التغذية: فقد خلَّف معاناة نحو 25 مليون مواطن من الأمن الغذائي، وصل نحو 1,5 مليون مواطن من بينهم لمستويات عالية من الجوع، منهم ما يقدر بـ6,7 مليون وحدهم في مقاطعات إيتوري، شمال كيفو، وجنوب كيفو في الجزء الشرقي من البلاد.([8]) (وتشير الإحصاءات إلى تزايد حالات وأوضاع سوء التغذية خلال العام الجاري 2023م بين النازحين والفارين بصفة عامة -والأطفال على وجه الخصوص- من منطقة النزاع، ويرجع ذلك إلى تزايد حدة الصراع وارتفاع مؤشرات ممارسة العنف فيه، وما يخلفه من تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، وكذلك ضعف الموارد الطبية والغذائية اللازمة لتقديمها للنازحين في مراكز الإيواء والمستشفيات والوحدات الصحية).([9])
ب- الصحة: (حيث حذّرت منظمة الصحة العالمية من انهيار النظام الصحي بشكل كامل، وهو ما سيؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة، ولا سيما بين الفئات الأضعف بدنيًّا وصحيًّا “النساء والأطفال والحوامل والرضع…. إلخ”).([10] )
ج- التعليم: (تم إغلاق حوالي ألفي مدرسة في شرق الكونغو خلال الأشهر الـ12 الماضية من العام الجاري، إضافة الى الهجمات التي تتعرض لها المدارس الأخرى والصعوبات التي يواجهها المعلمون النازحون ناهيك عن مشكلات صعوبة وصول الطلاب إلى المدارس المتبقية هناك في مناطق النزاع).
د- مشاكل التهجير، إضافة إلى تضاعف أعداد النازحين والفارين من الصراع: (تعد الكونغو بين الدول الأعلى عالميًّا فيما يتعلق بمعدلات النزوح الداخلي؛ حيث يقدر عدد النازحين والفارين من الصراع بنحو 5,5 مليون مواطن من بينهم نزوح نحو 2.8 مليون مواطن منذ مارس 2022م، ونحو مليون مواطن فقط منذ شهر يناير الماضي 2023م يوجد منهم نحو 100 ألف مواطن في مقاطعة شمال كيفو بمخيم روسايو وحدها).
هـ- زيادة العنف القائم على النوع وصعوبة حماية المدنيين «ولا سيما النساء والأطفال»: (من المعروف أن نطاق العنف الجنسي يتزايد في أوقات النزاعات المسلحة وأعمال العنف بصفة عامة؛ فعلى سبيل المثال من الممكن أن يلجأ أحد أطراف النزاع إلى استخدام “التحرش والاستغلال الجنسي” كوسيلة من وسائل الحرب، ([11]) وهو ما تشير إليه الإحصاءات والأرقام الواردة في هذا الشأن؛ حيث يقدر تعرض نحو ثلثي النساء اللاتي تمكن من الوصول “مراكز خدمات العنف القائم على النوع التابعة للأمم المتحدة الخاصة بالإبلاغ عن حالات الاغتصاب التي تقوم بها الجماعات المسلحة الموجودة في شمال كيفو خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري 2023م، وهي تُعدّ أقل كثيرًا من النسب الموجودة فعليًّا على الأرض”).
إضافة إلى تعرض عدد أكبر من النساء والفتيات للاعتداءات الجسدية خلال «عمليات جمع الحطب والمياه» (أي: محاولات الحصول على المصادر اللازمة للبقاء على قيد الحياة). ناهيك عن تزايد فرص الاستغلال الجسدي والجنسي التي تنتج عن ضعف الإمكانات والفرص الغذائية الضرورية للبقاء على قيد الحياة؛ حيث تتزايد مخاطر استغلال هؤلاء النساء والإساءة إليهن واضطرارهن للعمل الجنسي مقابل أجر. ويترتب على حوادث الاعتداء الجنسي عدة إشكاليات مجتمعية يأتي على رأسها النبذ والوصم المجتمعي الذي يتعرض له الضحايا وأسرهم.([12])
و- أما فيما يتعلق بالأطفال: فقد حذّر ممثل اليونيسف في جمهورية الكونغو الديمقراطية “غرانت لييتي” من مستويات العنف غير المسبوقة التي تُمارَس ضد الأطفال في البلاد من قبل الجماعات المسلحة شرقي البلاد؛ حيث يعاني نحو 2.8 مليون طفل جراء الأزمة والصراع المسلح شرقي البلاد –بشتى الأشكال- من تعذيب واستغلال جسدي واختطاف. (تم الإبلاغ عن تعرض ما يتجاوز 38 طفلاً للاعتداء الجسدي والجنسي خلال الربع الأول من العام الحالي 2023م، إضافة إلى تعرض 1,2 مليون طفل تحت سن الخامسة عشرة لمخاطر سوء التغذية من بينهم نحو 7,500 طفل قد عانوا من سوء التغذية الحاد، وتم تسجيلهم خلال الفترة من يناير وحتى سبتمبر 2023م وحدها لتلقي العلاج في مستشفيات أقاليم ماسيسي ومويسو «القريبين من مسرح العمليات»، ناهيك عن انتشار أمراض الكوليرا والحصبة؛ حيث قُدِّر عدد المصابين بالأخيرة فقط بنحو 780 ألف طفل حتى شهر أغسطس من العام الجاري 2023م).([13])
ز- إن مما يضاعف من حدة ووتيرة الأزمة الإنسانية التي يعيشها أقاليم شرق البلاد هو ضعف التمويل اللازم لقيام المنظمات الإنسانية العاملة في هذا الشأن بأداء دورها:([14]) بالرغم من نجاح برنامج منظمة الغذاء العالمي في القيام بدوره الإنساني والغذائي لنحو 1,2 مليون مواطن، وكذلك نجاحه في الوصول إلى نحو 249 ألف طفل وامرأة؛ إلا أنه يحتاج لموارد مالية لبقاء ملايين الكونغوليين على قيد الحياة في الصراع الدائر في منطقة شرق إفريقيا تقدر بنحو 728 مليون دولار لتغطية نفقات تكفي حتى شهر فبراير 2024م فقط (يتوفر منها لدى البرنامج نحو 161 فقط)، وهو ما يعني وجود عجز تمويلي للقيام بالدور الإنساني يقدر بنحو 567 مليون دولار (وذلك بما يزيد عن 75% من التمويل الازم)، وهو ما يقيد من دور المنظمات الإنسانية العاملة هناك. أيضًا تعاني مفوضية اللاجئين من ضعف الموارد المالية؛ حيث إنها لم تحصل إلا على نحو 76 مليون دولار فقط (من إجمالي ما يقدر بنحو 233 مليون دولار) اللازمة للقيام بعمليات المساعدات الإنسانية اللازمة للنازحين من داخل البلاد. كما تحتاج منظمة اليونيسيف إلى نحو 400 مليون دولار لتوسيع نشاطها ودورها الإنساني شرقي البلاد حتى أوائل 2024م؛ إلا أنها لم تتمكن إلا من توفير 1% فقط من المبالغ المطلوبة.([15])
ح- فضلًا عن المعاناة الإنسانية والتأثيرات الاجتماعية والصحية المدمرة للصراع الدائر في البلاد، وما ارتبط بذلك من انتهاك لحقوق ملايين المواطنين المقيميين في مناطق النزاع، فإنه قد خلف نتائج اقتصادية هائلة؛ فعلى الرغم من كون الكونغو تعد من أغنى البلدان الإفريقية فيما يتعلق بالثروات المعدنية (من أغنى البلدان الإفريقية فيما يتعلق باحتياطيات معادن الماس والنحاس)، فضلًا عن اتساع رقعة أراضيها (فهي ثاني أكبر البلدان مساحة مساحته 2,3 مليون كيلومتر مربع، وهو ما يضع عقبات شديدة بفعل المساحات المترامية وصعوبة التضاريس، وخاصة فيما يتعلق ببسط سيطرة الدولة الكونغولية على جميع المناطق وصعوبة تأسيس شبكة مرافق للمياه والشرب والصرف الصحي والمواصلات والطرق؛ حيث تعاني هذه المناطق بشدة من قصور في البنية التحتية الموجودة بها)؛ كما تسبب الصراع الدائر في استنزاف –على مدار الثلاثة عقود الماضية- مواردها المعدنية الهائلة، وأضعف من قوتها ونفوذها، وتسبب في إفقارها بشكل كبير. (أشار وزير المالية “نيكولاس كازادي”، على سبيل المثال، إلى أن ميزانية النفقات الأمنية الاستثنائية –عقب تولي تشيسيكيدي- قد زادت عشرة أضعاف للاستجابة للتهديد المتجدد من حركة ٢٣ مارس) .
ط- يفرض النزاع المسلح الموجود في شرقي البلاد، عدة تحديات إضافية على الحكومة الكونغولية إيجاد حلول لها في حال إقدامها على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر: من بينها الجوانب الفنية واللوجستية المتعلقة بتوفير طائرات لنقل مستلزمات العملية الانتخابية والصناديق لمسافات بعيدة (تتخطى مسافة 2000 كيلو متر) داخل الكونغو، وكذا نقل الطواقم الانتخابية والقضائية المشرفة على عملية الاقتراع وضمان تأمينها بشكل كامل، إضافة إلى التحديات الصحية والبيئية المتعلقة بانتشار وبائي الإيبولا وكورونا في أنحاء متفرقة من البلاد ناهيك عن التحديات الأمنية ذاتها التي تحيط بالعملية الانتخابية ذاتها –خاصةً في شرقي البلاد-، وتأمين مراحل الاقتراع من بدايتها حتى نهايتها، وكذلك ضمان عملية تصويت الناخبين المقيمين في منطقة النزاع بشكل آمن.
3- تفتت قوى المعارضة الكونغولية وغياب وجود مرشح متفق عليه فيما بينها يمثلها جميعًا في مواجهة مرشح النظام الحاكم “فيليكس تشيسكيدي”؛ حيث بلغ عدد المرشحين لمنصب الرئاسة في بداية الحملة الانتخابية في 19 نوفمبر الماضي 26 مرشحًا، انسحب منهم أربعة مرشحين من قوى المعارضة لصالح المرشح “مويس كاتومبي” (رجل الأعمال الثري وحاكم سابق لإقليم كاتانيجا الغني بالنحاس والألماس وهو المرشح السابق لمنصب الرئيس في انتخابات 2018م)، وبالتالي أصبح لدينا 22 مرشحًا للمنصب الرئاسي، وهو ما يجعل هناك صعوبة في التنبؤ بالمرشح الفائز، بل وصعوبة مماثلة لحصده للأصوات المطلوبة للفوز.
يأتي ذلك بالتزامن مع تزايد قوة المعارضة الكونغولية يومًا بعد الآخر، بفعل حالة السخط العام من تردي الأوضاع الأمنية والإنسانية وخاصة في منطقة النزاع في شرقي البلاد إضافة لتزايد وجود قوى المعارضة في الشارع “عبر تنظيم تظاهرات عدة رافضة للتجاوزات والانتهاكات التي تزعم وجودها فيما يتعلق بتسجيل المرشحين في منطقة النزاع”، إضافة إلى توجيه الاتهام للمرشح الرئاسي “فيليكس تشيسكيدي” باستغلاله للأزمة الأمنية التي تعيشها البلاد بسبب النزاع الحدودي في منطقة شرق الكونغو مع جارتها رواندا بهدف تحقيق مكاسب داخلية سياسية في الانتخابات المقبلة، “لا سيما بعد أن نجح فيليكس في عزل عدد كبير من قيادات الجيش واتهامهم بالتقصير الأمني في التعامل مع المتمردين والجماعات المسلحة”.[16]
ثانيًا: الملامح العامة للانتخابات الرئاسية
أ- الإطار الدستوري والقانوني الخاص بالانتخابات:([17])
تستمد الانتخابات الرئاسية مضمونها من الأطر الدستورية والقانونية في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث حددت المواد رقم 72 و103 و106 في الدستور الكونغولي الصادر عام 2006م، والمعدل في عام 2011م؛ حيث يتم انتخاب الرئيس عن طريق الاقتراع العام المباشر لفترة رئاسية لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط (وتجرى الجولة الأولى خلال 30 يومًا على الأقل، ويمكن أن تتجاوز 40 يومًا “قبل انتهاء فترة ولاية الرئيس”).
ويظل الرئيس في منصبه حتى نهاية ولايته، وباستثناء حالات القوة القاهرة التي أقرتها المحكمة الدستورية وأعلنتها؛ يجب أن تتزامن نهاية فترة الرئيس مع تولي منصب خلفه المنتخب فعليًّا، وإذا انتهت ولاية الرئيس دون انتخاب رئيس جديد، يبقى الرئيس المنتهية ولايته في مكانه حتى تنظيم الاقتراع. وتتحدد شروط انتخاب الرئيس وهي: أن يكون من أصل كونغولي، يتمتع بحسن السمعة والخلق، وأن يمتلك المرشح للمنصب خبرة مهنية لا تقل عن 15 سنة، على أن يكون الحد الأدنى للسن 40 سنة والحد الأقصى 70 سنة.
ب- مرحلة الإعلان عن إجراء الانتخابات: ([18] )
جاء إعلان عقد الانتخابات الرئاسية 2023م في جمهورية الكونغو مبكرًا؛ حيث أعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، “دينيس كاديما”، خلال حفل رسمي تم تنظيمه في العاصمة الكونغولية كينشاسا يوم السبت الموافق 26 من نوفمبر من العام الماضي 2022م عن إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في 20 ديسمبر 2023م. كما أعلن “كاديما” أيضًا عن مواعيد والجداول الخاصة بانعقاد الانتخابات التشريعية والإقليمية والمحلية.
ج- مرحلة تسجيل المرشحين وإعلان أسمائهم:
بدأت عملية تسجيل الناخبين للانتخابات الرئاسية الثامنة في تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية –منذ حصولها على الاستقلال- المزمع إجراؤها في 20 ديسمبر المقبل 2023م في وقت مبكر أيضًا، وتحديدًا في 10 سبتمبر، واستمرت حتى 8 أكتوبر الماضي 2023م؛ حيث سمحت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في مقرها بالعاصمة كينشاسا في تلقي أسماء وبيانات المرشحين الراغبين في خوض سباق الانتخابات الرئاسية في البلاد. وخلال فترة التسجيل، أعلن الائتلاف الحاكم، الذي يضم شخصيات ذات ثقل سياسي مثل وزير الدفاع “جان بيير بيمبا”، ووزير الاقتصاد “فيتال كامهيري” خلال انعقاد المؤتمر العام رسميًّا في الأول من أكتوبر 2023م، ترشيح الرئيس المنتهية ولايته “فيليكس تشيسيكيدي” ليتم انتخابه لفترة ولاية جديدة مدتها 5 سنوات جاء هذا القرار بإجماع أعضاء الائتلاف الحاكم في البلاد. وفي هذا الإطار، فقد تعهد الرئيس فيليكس بالقضاء على الفساد والاستبداد رافضًا اتهام الجماعات حقوقية له بشأن عدم التزامه بوعوده.([19]) كما أعلن الزعيم المعارض –والمرشح الرئاسي الخاسر في انتخابات 2018م- “مارتن فايولو” في 30 من سبتمبر الماضي عن ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة 2023م. كما أعلن “مويس كاتومبي” في 17 نوفمبر من العام الماضي 2022م عن خوض الانتخابات.
أبرز المرشحين لمنصب الرئيس:
1- فيليكس تشيسيكيدي:([20])
هو رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية الحالي، يبلغ من العمر نحو 60 عامًا، شغل منصب عضو الجمعية الوطنية لجمهورية الكونغو خلال الفترة من نوفمبر 2011م وحتى يونيو 2013م، ثم تقلد منصب رئيس الجمهورية رسميًّا في يناير 2019م بعد أن تمكن من الفوز على منافسه الرئيسي «مارتن فيولو» مرشح المعارضة الأبرز في الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في أواخر عام 2018م. ويشير المراقبون في هذا الصدد لابرام فيليكس صفقة مع الرئيس المنتهية ولايته «جوزيف كابيلا» أعلن بمقتضاها كابيلا عن تنحيه عن منصبه –رضوخًا للضغوط الشعبية المطالبة بذلك- مقابل تقاسم السلطة بينهما سويًّا؛ حيث اعتُبر كابيلا «المتحكم الفعلي في شئون البلاد حينئذ مقابل أن يصبح تشيسيكيدي رئيسًا للبلاد».([21]) وبعد أن أصبح رئيسًا للكونغو، تولت بلاده رئاسة الاتحاد الإفريقي خلال فبراير 2021م وحتى 2022م. ويذهب البعض إلى وصف تشيسكيدي باعتباره «مدافعًا بارزًا» عن القيم الديمقراطية في القارة خلال فترة رئاسته للاتحاد الإفريقي التي استمرت خلال هذا العام، وهو ما ينفيه البعض الآخر بشدة.
فيليكس هو نجل زعيم المعارضة الشهير «إتيان تشيسيكيدي»، ويعد الأخير من أبرز الشخصيات السياسية المؤثرة في السياسة الكونغولية، أصبح فيليكس زعيمًا لحزب «الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي» الذي أسسه والده، وتمكن فيليكس من الفوز «رسميًّا» عام 2018م. وبرغم تنحي جوزيف كابيلا “رسميًّا”، إلا أنه يمكن اعتباره بأنه كان المتحكم الفعلي؛ حيث سيطر “تحالف كابيلا للجبهة المشتركة من أجل الكونغو” FCC) ) على ٣٥٠ مقعدًا من أصل ٥٠٠ مقعد في الجمعية الوطنية، إضافة إلى هيمنته على أغلب الوزارات والتعيينات القضائية وموالاة كبار المسؤولين في كافة المؤسسات الأمنية. وبالتالي، كان التحدي الرئيس الذي واجهته ولاية تشيسكيدي الأولى هو التغلُّب على شرعيته الواهية في أعين مواطنيه.([22])
بيد أنه وعقب مرور نحو عامين فقط تمكن “تشيسكيدي” أن يزيح خصمه كابيلا بشكل حقيقي، وذلك بعد أن حصل على تأييد «المعارضين لكابيلا بلجنة الاتصالات الفيدرالية»، والتي كوّنت ما عُرف «بالاتحاد المقدس للأمة»، وبعد أن نجح أيضًا في تفكيك شبكات العلاقات والتربيطات التي كان يملكها سلفه داخل مختلف المؤسسات، ومن ذلك إقالة فيليكس لرئيس الجمعية الوطنية المدعوم من كابيلا، وتخلُّصه من رئيس الوزراء الموالي له «أوغستين ماتاتا بونيو». كما نجح ” تشيسكيدي” في إحراز بعض التقدم في الإصلاح المؤسسي الداخلي، وذلك بهدف الحد من قمع الأجهزة الأمنية عن طريق إقالة عدد من كبار المسؤولين في أجهزة المخابرات والأمن الداخلي المُتَّهمين بممارسة انتهاكات حقوقية، الأمر ذاته حدث داخل المؤسسة القضائية عندما تم إقالة بعض العناصر الموالية لكابيلا بها.
2- مويس كاتومبي:([23])
رجل أعمال ثري؛ فهو يملك ثروة طائلة قُدرت بملايين الدولارات، وهو من أحد أبرز رجال السياسة والرياضة “فهو زعيم حزب معًا من أجل الجمهورية”، ومالك فريق “مازيمبي” الشهير الذي حقّق معه بطولات كبيرة، اشتهر بالعمل في تجارة النحاس والألماس والذهب «باعتباره حاكمًا لمقاطعة كاتانغا منذ عام 2007م الغنية بهذه الثروات». اضطر للهروب من البلاد في عام 2016م بعد أن اتهمه “جوزيف كابيلا” بتوظيف مرتزقة، وحُكم عليه غيابيًّا بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وعاد في عام 2019م بعد إسقاط التُّهم عنه. تم منعه من الترشح في الانتخابات الأخيرة 2018م بسبب أصله المختلط “والده يهودي سفاردي يوناني”.
3- مارتن فايولو:([24])
أحد أبرز رجال المعارضة في البلاد، وهو المدير التنفيذي السابق لشركة النفط الوطنية، يترأس حزب «المشاركة من أجل المواطنة والتنمية»، ويعد من أقوى المرشحين المحتملين للفوز بمنصب الرئيس القادم في الكونغو، خاض تجربة المنافسة الانتخابية في الانتخابات الكونغولية السابقة التي جرت عام 2018م، ومن المرجح فوزه «الفعلي» بالنتيجة، وذلك بالرغم من الإعلان «الرسمي» عن فوز الرئيس فيليكس.
4- دينيس موكويجي:[25]
هو طبيب يلقب “بالدكتور المعجزة” نظرًا لعمله في مساعدة النساء الكونغوليات اللاتي تعرضن للاغتصاب من قبل الجماعات المسلحة في شرقي البلاد، وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 2018م. يذهب بعض المحللون إلى تضاؤل فرص فوز موكويجي في الانتخابات المقررة، برغم شهرته ومكانته العلمية واحتمالية لجوئه للتحالف السياسي مع المرشح «مويس كاتومبي»؛ حيث من المرجح أن تؤثر طبيعة عمله في المجال الإنساني والحقوقي عليه؛ خاصةً أن مسيرته الطبية والمهنية كانت وثيقة الصلة -بشكل أو بآخر- بالمنظمات الإنسانية والحقوقية الغربية، وهو ما قد يُعطي انطباعًا بأنه «مرشح مدعوم غربيًّا».
الخاتمة
تُعدّ الكونغو على موعد مع محطة مهمة من محطات تاريخها السياسي في 20 من ديسمبر الجاري؛ حيث تنعقد الانتخابات العامة في البلاد (المحلية والتشريعية والرئاسية والإقليمية). وتتمثل أهمية هذه الانتخابات في أنها تُمثِّل منعطفًا مهمًّا في تاريخ جمهورية الكونغو المليء بالمعطيات والأسباب المحفزة للصراعات الداخلية وعدم الاستقرار والنزاع.
إزاء هذا الوضع غير المستقر وفي ظل بيئة سياسية تتسم بممارسة العنف ليس فقط من قبل السلطات نحو الحركات المتمردة الموجودة شمالي البلاد، ومبادلة الأخيرة لها بعنفٍ مُواز ويفوقه، وإنما فيما يتعلق بجماعات المعارضة المختلفة (سواء لجوء السلطات لاستخدام القوة لفضّ الاحتجاجات “فضّ التظاهرات الرافضة لوجود بعثة الأمم المتحدة في أغسطس 2023م، وما نتج عنها من قتلى ومصابين ومعتقلين وتنديد الحركات الحقوقية داخليًّا وخارجيًّا للتعامل الأمني مع المتظاهرين،([26]) أو العنف المُمارَس بين أنصار جماعات المعارضة ذاتها وبعضها البعض خلال الحملات الانتخابية والمسيرات الجماهيرية المختلفة قبيل انعقاد الانتخابات بفترات وجيزة للغاية، وما خلَّفته من وجود إصابات وقتلى أيضًا).
إضافة إلى ذلك العنف المتزايد في منطقة النزاع شرقي البلاد “وخاصة بعد أن تمكنت حركة إم 23 مؤخرًا في 25 نوفمبر الماضي من السيطرة على مدينة مويسو الإستراتيجية (التي تبعد 60 كيلو مترًا عن مدينة غوما عاصمة شمال كيفو شرقي البلاد)، وما أعلنته وحدات الجيش في شهر أكتوبر الماضي كذلك عن زيادة تسليحها في منطقة النزاع، وتحريك معدات نحو منطقة القتال، وتبنيها للنهج العسكري كخيار أوحد للصراع مع الجماعات المسلحة والمتمردة.
يتزامن تزايد حدة ممارسة العنف بكافة أشكاله من الجميع مع ارتفاع أصوات المعارضة، واتهامها للسلطات الكونغولية بتجاهل المواطنين واختياراتهم في مقاطعات كيفو وايتوري شرقي البلاد، وهو ما يحول دون ممارسة حقهم الدستوري في الانتخابات المقررة.([27]) “أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الأخير الصادر في 16 ديسمبر الجاري 2023م إلى أن أكثر من 1,5 مليون شخص “لن يتمكنوا من التصويت في المناطق التي تشهد نزاعات”، خاصةً في شرق البلاد، وأن “ملايين الأشخاص النازحين داخل البلدان قد لا يتمكنون أيضًا من التصويت”. ناهيك عن التحديات اللوجستية والفنية المتعلقة بعقد الانتخابات ذاتها، ولا سيما في منطقة النزاع (وهو ما دفَع اللجنة العليا للانتخابات لتقديم رسالة للحكومة تطلب منها توفير أربع طائرات أنتونوف وعشر مروحيات لنقل مواد التصويت).([28])
كافة هذه العوامل السابقة تشير إلى احتمالية توقع تأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة أواخر الشهر الجاري أو إلغائها، وهو ما أشار إليه مستشارو الرئيس “تشيسكيدي” مؤخرًا، معللين ذلك بالاضطرابات الموجودة. ويؤجج هذا الاحتمال (أن عدم الاستقرار في شرقي البلاد) يمكن أن يُستخدم ذريعة “دستورية” “لتشيسكيدي” لإطالة فترة ولايته –مما يُعيد للأذهان التأجيل الذي قام به “جوزيف كابيلا” قبيل انعقاد الانتخابات الرئاسية التي كان مقرر إجراؤها أواخر 2016م- بثلاثة أيام فقط –بعد أن انتهت فترة ولايته الثانية-؛ حيث تم تأجيلها بالفعل لمدة عامين لتنعقد في 2018م.
السيناريو الثاني: والذي تُظهره عدة شواهد أخرى أيضًا يشير إلى احتمالية عقد الانتخابات في موعدها المقرر –مع ما يرافقها من ممارسة عنف، وعدم تمكُّن ملايين الناخبين من التصويت، وتزايد حدة النزاع في شرق البلاد، وما يُخلّفه من تأثيرات مدمرة على الدولة والمجتمع، وضعف قدرات السلطات على تأمين الانتخابات؛ ومطالبة لجنة الانتخابات من بعثة الأمم المتحدة العودة لمشاركتها في أعمال التأمين”.([29])
يتزامن ذلك مع ما تشهده قوى المعارضة من انقسام واضح “وغياب الاتفاق فيما بينها”، وما ينتج عن ذلك من تفتيت الأصوات، إضافة إلى الضعف النسبي للمؤسسات الانتخابية وآليات الرقابة الداخلية والدولية (تعيين الحليف المقرب من الرئيس فيليكس «دينيس كاديما» مفوضًا جديدًا للجنة الوطنية المستقلة للانتخاباتCENI) ) في عام ٢٠٢١م، وتعديل توزيع المقاعد داخل اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة بما يجعله يميل لمصلحة الحزب الحاكم. وأما خارجيًّا فمع غياب حضور بعثة المراقبين الأوروبيين؛ “حيث أعلن الاتحاد الأوروبي في 29 من نوفمبر من الشهر الماضي العدول عن قراره الخاص بنشر فريق من المراقبين للإشراف على الانتخابات الرئاسية في الكونغو لأسباب أمنية).
ناهيك عن التعامل الأمني مع القوى السياسية (فبعد أن قرر «جان مارك كابوند»، حليف الرئيس “تشيسيكيدي” السابق، تشكيل حزب سياسي أطلق عليه «التحالف من أجل التغيير»؛ تم القبض عليه واتهامه بـ”سوء الإدارة الذي يتسم بالإهمال”، وصدر حكم بسجنه سبع سنوات)، يتزامن ذلك مع ضعف التأييد الذي تحظى به شخصيات مهمة مثل “فيتال كاميرهي” ونائب الرئيس السابق “جان بيير بيمبا”، كافة هذه المؤشرات والعوامل تعطي احتمال انعقاد الانتخابات –في ظل ظروف وملابسات شديدة الضبابية والغموض والتعقيد- ويصبح أمام الرئيس المنتهية ولايته “فيليكس” وفقًا لذلك فرصة قوية لإعادة انتخابه، لولاية ثانية مدتها خمس سنوات.
وفي النهاية، فإنه سواء تم تأجيل عقد الانتخابات الرئاسية أو جرت بالفعل كما هو محدّد لها سلفًا؛ تبقى فرصة تدخل الجيش قائمة لا سيما إذا ما شهدت البلاد توترات واسعة النطاق يمكن أن ينتج عن كافة التوقعات والتحالفات “التي قد تخرج عن هذين السيناريوهين”، وفي جميع الأحوال، يتعين على الرئيس الكونغولي القادم أن يسعى إلى علاج مشكلات البلاد من جذورها (إعادة تبني الأساليب الدبلوماسية لإنهاء النزاع والتوصل لاتفاق مع أنجولا، وإقرار سياسات تعمل على تحقيق المساواة بين المواطنين، وخاصةً في منطقة النزاع، ودمج الجماعات –القابلة للدمج داخل مؤسسات الدولة، توزيع عادل للثروات والموارد، مكافحة الفساد المستشري، وإقرار تعويضات عادلة للمتضررين والضحايا جراء الصراع القائم ومحاسبة المقصرين والمتسببين، مع ضمانات انتقال سلمي للسلطة). بعبارة أوضح فإنه وبدون اتخاذ قرارات حاسمة وتغيير السياسات، لن يؤثر عقد انتخابات جديدة كثيرًا على المشهد السياسي في البلاد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائمة المراجع:
[1] المعرفة، تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتم الدخول إليه في 13/ 12/ 2023م، الساعة 5م https://cutt.us/sgeiV
[2] العربية، بعد أشهر على الاستقلال.. أعدمت الكونغو بطل استقلالها، 9 سبتمبر 2023م، وتم الدخول إليه في 16/ 12/ 2023م، الساعة 7,29م https://cutt.us/u1IlD
[3] المعرفة، تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية، مرجع سابق
[4] الكونغو الديمقراطية… تاريخ من الصراع ، الشرق الآوسط، https://cutt.us/PrT82
[5] ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، انتخابات الكونغو الديمقراطية 2023: بين رؤى التقييم ومداخل الحوكمة، 13 مايو 2023م، وتم الدخول إليه في 14 ديسمبر 2023م، الساعة 7,35م https://cutt.us/JL1WP
[6] أنظر في هذا إلى: الشرق برس، الكونغو الديمقراطية المنهكة من الصراع تصوت في 20 ديسمبر: دليل للانتخابات، 7 ديسمبر 2023م، وتم الدخول إليه في 7/ 12/ 2023م، الساعة 6,6م https://cutt.us/dB8I4
[7] الشرق الأوسط، هل تندلعُ حرب بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية؟ تبادل للاتهامات وتصعيد على الحدود… وتحذيرات أممية، بتاريخ 20 أكتوبر 2023 وتم الدخول إليه في 7 /12/ 2023م، الساعة 4م ، https://cutt.us/YYRoN
[8] موقع منظمة الأمم المتحدة، ملايين الأرواح على المحك في الكونغو الديمقراطية بسبب نقص التمويل، بتاريخ 22 أغسطس 2023م، وتم الدخول للموقع في 7/ 12/ 2023م، الساعة 3,23م
https://news.un.org/ar/story/2023/08/1123022
[9] أطباء بلا حدود، العنف من قبل الجماعات المسلحة يفاقم سوء التغذية في إقليم ماسيسي شمال كيفو، 30 أكتوبر 2023م، وتم الدخول إليه في 7/ 12/ 2023م الساعة 4,24م https://cutt.us/9SO3X
[10] موقع منظمة الأمم المتحدة، الرضاعة الطبيعية شريان حياة للأطفال في حالات الطوارئ، بتاريخ 22 أغسطس 2023م، وتم الدخول للموقع في 7/ 12/ 2023م، الساعة 3,29م
https://news.un.org/ar/story/2023/08/1122502
[11] لجنة الدولية للصليب الأحمر، النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية عن المعاناة الإنسانية في جمهورية الكونغو الديمقراطية وعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتم الدخول إليه في 7 / 12/ 2023م، الساعة 3,56م https://www.icrc.org/ar/the-conflict-in-dr-of-congo
[12] موقع منظمة الأمم المتحدة، مفوضية اللاجئين تحذر من تصاعد العنف ضد النساء والفتيات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، 14 يوليو 2023م، ، وتم الدخول إليه في 7 /12/ 2023م، الساعة 3,33م https://news.un.org/ar/story/2023/07/1121977
[13] موقع منظمة الأمم المتحدة، اليونيسف: الكونغو الديمقراطية من أسوأ الأماكن في العالم للأطفال، ، 8 سبتمبر 2023م، وتم الدخول إليه في 7/ 12/ 2023م، الساعة 3,43م https://news.un.org/ar/story/2023/09/1123457
[14] موقع منظمة الأمم المتحدة، ملايين الأرواح على المحك في الكونغو الديمقراطية بسبب نقص التمويل، بتاريخ 22 أغسطس 2023م، وتم الدخول للموقع في 7/ 12/ 2023م، الساعة 3,23م
https://news.un.org/ar/story/2023/08/1123022
[15] موقع منظمة الأمم المتحدة، الرضاعة الطبيعية شريان حياة للأطفال في حالات الطوارئ، مرجع سابق
[16] فرانس 24، تصاعد التوتر قبل سبعة أيام من الانتخابات في الكونغو الديمقراطية، 13 /12 2023م، وتم الدخول إليه في 14/ 12/ 2023م، الساعة 2,14م https://cutt.us/h6Ynq
[17] ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، مرجع سابق
[18] شينخوا، جمهورية الكونغو الديمقراطية تعلن إجراء انتخابات رئاسية في ديسمبر 2023م، 27 / 11/ 2022 وتم الدخول إليه في 7/ 12/ 2023م، الساعة 4,40 مhttps://cutt.us/tcQjr
[19] الخليج، الكونغو.. الائتلاف الحاكم يعلن تشيسيكيدي، مرشحه في انتخابات ديسمبر، 1 أكتوبر 2023 وتم الدخول إليه في 7 /12/ 2023 الساعة 4, 44م https://cutt.us/O7O9F
[20] أنظر في هذا إلى: الشرق برس، مرجع سابق، https://cutt.us/dB8I4
[21] جوزيف سيجل وكانديس كوك، انتخابات ٢٠٢٣ في إفريقيا: المرونة الديمقراطية في مواجهة المحاكمات، موقع المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، 15 مارس 2023م، على رابط الموقع https://africacenter.org/ar/spotlight/ar-elections-2023/ وتم الدخول إليه في 7/ 12/ 2023م، الساعة 6,23 م
[22] جوزيف سيجل وكانديس كوك، المرجع السابق
[23] الشرق برس، مرجع سابق
[24] جوزيف سيجل وكانديس كوك، مرجع سابق
[25] موقع الشرق برس، دينيس موكويجي، الحائز على جائزة نوبل في جمهورية الكونغو الديمقراطية، يعلن ترشحه للرئاسة، 2 أكتوبر 2023 وتم الدخول إليه في 15/12/2023 الساعة 2م https://cutt.us/qBRXH
[26]أنظر إلى:
- فرانس 24، الكونغو الديمقراطية: عشرات القتلى إثر عملية عسكرية لمنع احتجاجات مناهضة لبعثة الأمم المتحدة، 1/ 9 / 2023م، وتم الدخول إليه في 7/ 12 / 2023م، الساعة 48 ,3 م https://cutt.us/sMcUI
- موقع منظمة الأمم المتحدة، دعوة أممية لإجراء تحقيق شامل في انتهاكات ضد متظاهرين في الكونغو الديمقراطية، 1 سبتمبر 2023م، وتم الدخول إليه بتاريخ 7/ 12 / 2023م، الساعة 3,41م https://news.un.org/ar/story/2023/09/1123307
[27] الشرق الأوسط، الانتخابات الرئاسية تؤجج أعمال العنف في الكونغو الديمقراطية
اشتباكات بين الشرطة ومعارضين قبل 6 أشهر من المنافسة، 21 مايو 2023 وتم الدخول إليه في 7 / 12/ 2023 الساعة 4,49 م https://cutt.us/jjz6p
[28] فرانس 24، تصاعد التوتر قبل سبعة أيام من الانتخابات في الكونغو الديمقراطية، مرجعس سابق
[29] قراءات إفريقية، الكونغو الديمقراطية تطلب مساعدة أممية لمواجهة التحديات اللوجستية المتعلقة بالانتخابات، https://cutt.us/O6tMi