روضة علي عبد الغفار
صحفية متخصصة بالشأن الإفريقي
تقف جمهورية الكونغو الديمقراطية على أعتاب انتخابات رئاسية وبرلمانية فارقة، من المقرر عقدها اليوم 20 ديسمبر 2023م؛ حيث تحتل الدولة الواقعة في وسط إفريقيا مكانة مهمة في القارة السمراء؛ نظرًا لموقعها الاستراتيجي ومواردها الضخمة.
وتواجه الكونغو الديمقراطية مخاوف عدة من تزوير الانتخابات؛ لضمان فترة ولاية ثانية للرئيس الحالي فيليكس تشيسيكيدي، كما تُواجه البلاد تهديدات أمنية قد تعوق المسار الديمقراطي.. فما أبرز التحديات التي تواجه العملية الانتخابية؟ وماذا يريد الكونغوليون من الرئيس القادم؟ وما الذي ينتظر القيادة القادمة في أكبر دولة في إفريقيا جنوب الصحراء؟
منافسة حامية:
من المقرَّر أن يتوجه نحو 44 مليون شخص للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها اليوم 20 ديسمبر 2023م بجمهورية الكونغو الديمقراطية، وسيقوم الناخبون أيضًا بانتخاب أعضاء البرلمان الوطني والمجالس الإقليمية في مقاطعات الجمهورية البالغ عددها 26 مقاطعة، بالإضافة إلى أعضاء المجالس المحلية.
ويتنافس 24 مرشحًا على منصب الرئاسة، من بينهم الرئيس المنتهية ولايته “فيليكس تشيسكيدي”، الذي أصبح رئيسًا قبل خمس سنوات بعد انتخابات مثيرة للجدل، وهو زعيم حزب “الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي”.
عند وصوله إلى السلطة، قام فيليكس بتحسين صورته في الخارج، وقام بكسر العزلة التي اتّبعها سلفه جوزيف كابيلا، كما وعد بتحسين حياة الكونغوليين ومحاربة الفساد، ووعد ببذل كل ما في وُسعه لإحلال السلام في شرق البلاد، ورغم أنه لم يُحقِّق جميع ما وعَد به؛ لكنه الأوفر حظًّا في مواجهة المعارضة التي تبدو منقسمة.
ومن أبرز المرشحين أيضًا لمنصب الرئاسة: مويس كاتومبي، زعيم حزب “معًا من أجل الجمهورية”، وهو رجل أعمال ثري ورئيس نادي “لوبومباشي” الشهير لكرة القدم، والحاكم السابق لمقاطعة التعدين “كاتانغا”، القلب الاقتصادي للبلاد، والتي دائمًا ما يُسلّط الضوء على نجاحاته التجارية وإنجازاته بها؛ من بناء الطرق والمدارس وتطوير الزراعة؛ ليؤكد أنه الأحق بإدارة البلاد.
ويأتي مارتن فيولو، زعيم حزب “الالتزام بالمواطنة والتنمية”، كأحد أبرز المرشحين؛ حيث كان المدير التنفيذي لإحدى شركات النفط الكبرى، وقد ظل أنصاره يشيرون إليه أنه “الرئيس المنتخب” على مدى الخمس سنوات الماضية؛ لاعتقادهم بفوزه في انتخابات 2018م أمام الرئيس تشيسكيدي.
كما يُعد دينيس موكويجي، طبيب أمراض النساء والحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2018م؛ مرشحًا قويًّا أيضًا؛ لعمله مع النساء اللاتي تعرَّضن للاغتصاب على يد العصابات المسلحة شرق البلاد، ومطالبته بالعدالة لضحايا العنف المسلح في بلاده.
وفي هذا الصدد يقول الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي، شمسان التميمي: إن كل المؤشرات تُظهر أن السباق الرئاسي في الكونغو سيشهد صراعًا محتدمًا. وأردف أن معظم الانتخابات في إفريقيا يكون الرئيس هو الأوفر حظًّا بولاية ثانية؛ نظرًا لتأثيره الواسع على المؤسسات المعنية بتنظيم الانتخابات.
كما أضاف “التميمي” في حديثه لـ“قراءات إفريقية”: إن القوى المعارضة ستنافس بشراسة على كرسي الرئاسة في حال نجحت مبادرة توحيد صفّ المعارضة وراء مرشح واحد، متوقعًا أن المرشح “كاتومبي” هو الأقرب في حال تم الموافقة عليه، أما في حال دخلت المعارضة بأكثر من مرشح سيتسبب ذلك بتشتت الأصوات.
وأشار “التميمي” إلى أن هناك تحديات كبيرة تواجه الانتخابات الكونغولية؛ أهمها استحالة تصويت سكان المناطق الشرقية الغارقة في أعمال العنف وحالة عدم الاستقرار الأمني، بالإضافة إلى عدم تمكن السلطات المعنية من استخراج البطاقات الانتخابية؛ بسبب مشكلات تقنية، وهو ما قد يتسبب في ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع.
تحديات في طريق الديمقراطية:
تجري الانتخابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية في جوٍّ من التوترات السياسية والأمنية، ونظرًا لموقع البلاد في قلب إفريقيا؛ فإن نتائج الانتخابات سوف تُخلِّف تأثيرات مباشرة على شرق وغرب ووسط وجنوب القارة.
وقد شابت الفترة التي سبقت الانتخابات بالفعل عدد من الخلافات، خاصةً فيما يتعلق ببطاقات الناخبين المطلوبة للإدلاء بأصواتهم، والتي تُستخدَم أيضًا كبطاقة هوية، وقد اشتكى الناخبون من عيوب الطباعة التي تجعل بعض البطاقات غير صالحة للاستعمال، وهو ما أثار المخاوف من الاحتيال، بالإضافة إلى التأخير في تسليم البطاقات في بعض الأماكن، إلا أن اللجنة الانتخابية تعهَّدت بحل المشكلة قبل بدء التصويت.
ويتعرض منظمو الانتخابات لضغوط لتجنُّب تكرار الفوضى التي شابت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2018م، عندما حدثت مشاكل لوجستية وتأخير، أدى إلى مزاعم واتهامات بحدوث تزوير على نطاق واسع، لكن على الرغم من هذه الاضطرابات؛ فقد تم أول انتقال سلمي للسلطة في البلاد منذ الاستقلال.
وقد تعهد الرئيس الكونغولي بأن تكون الانتخابات المقررة هذا الشهر شفَّافة وديمقراطية؛ لمواجهة المخاوف من تزوير الأصوات لضمان فترة ولايته الثانية، وقال في إحدى المقابلات: “هناك دائمًا أحكام مسبقة بشأن بلداننا، يعتقد الناس دائمًا أن هناك غِشًّا في إفريقيا، لكن عندما يحدث ذلك في أمريكا أو فرنسا، نسمع الأعذار وأن كل شيء جيد”.
كما انتقد مرشحو المعارضة في الأشهر الأخيرة ما وصفوه بتضييق “الحيّز الديمقراطي” في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ففي يوليو الماضي تم اغتيال السياسي المعارض تشيروبين أوكيندا، وهو عضو في حزب كاتومبي، وسط ظروف لا تزال غير واضحة، وتم سجن صحفي كونغولي بتهمة نشر معلومات كاذبة حول جريمة القتل، فضلًا عن اعتقاد معظم أحزاب المعارضة أن العملية الانتخابية مبنية على مستوى عالٍ من عدم الثقة، وأن الانتخابات ستكون مزورة.
وقد حذّر الاتحاد الأوروبي وعدد من المنظمات -بما في ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش- من تزايد القمع لبعض أحزاب المعارضة في جمهورية الكونغو الديمقراطية والقيود المفروضة على حرية التعبير في البلاد.
ويعتقد الناشط الكونغولي، بوليليوا فيصل، في حديثه لـ”قراءات إفريقية”، أن الانتخابات ستُجرى على الرغم من بعض المخالفات مثل مشكلة بطاقات الناخبين، لكن يجب الانتباه إلى أن البلاد كبيرة، وجلب الوسائل اللازمة والأدوات الانتخابية إلى بعض المناطق النائية سيتطلب المزيد من الوقت، وأردف قائلًا: نأمل أن تكون الانتخابات حرَّة وسلمية، وأن يعم السلام والهدوء قبل الانتخابات وبعدها، لذلك يجب بذل الجهود لتجنب الفوضى والعنف.
ويعتقد “فيصل” أن الرئيس المنتهية ولايته يحظى بفرصة كبيرة للفوز بهذه الانتخابات؛ لأنه من النادر في إفريقيا أن نرى رئيسًا يُنظِّم انتخابات ويخسر هذه الانتخابات، خاصةً إذا كان في السلطة لمدة ولاية واحدة فقط.
ماذا ينتظر الرئيس القادم؟
يواجه الرئيس الكونغولي القادم الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، فجمهورية الكونغو الديمقراطية، التي يسكنها أكثر من 100 مليون نسمة، تتمتع بثروة معدنية هائلة؛ مثل الكوبالت، وهو العنصر بالغ الأهمية في تكنولوجيا صناعة البطاريات، ومع ذلك فهي تظل واحدةً من أكثر الدول التي تعاني من الفقر والعنف.
فـالكونغوليون يعانون من الأوضاع الاقتصادية المتردية؛ بسبب انخفاض قيمة الفرنك الكونغولي، ممّا أدى إلى حدوث تأثيرات ضخمة على حياتهم اليومية، ويُعد هذا أحد أهم التحديات أمام الرئيس القادم.
في هذا الصدد يؤكد بوليليوا فيصل أن الشعب الكونغولي يريد الاستفادة من ثروات بلاده وخفض سعر الدولار، وتحديد أسعار المواد الغذائية في الأسواق، وكذلك توفير فرص العمل للشباب؛ لأن هناك الكثير من الخريجين ليس لديهم وظائف.
وأشار الناشط الكونغولي إلى ضرورة تعزيز الأمن والبحث عن السلام في شرق البلاد؛ حيث يموت الناس باستمرار، وتنشيط الصناعة وغيرها لتنمية اقتصاد البلاد.
وأضاف: إن المواطن الكونغولي يأمل في تنظيم الحياة الاجتماعية بصورة أفضل، وإلغاء القَبَلية، وتطوير البنية التحتية للطرق، وتجنب إعطاء جواز السفر الكونغولي لأي شخص؛ حيث إن الترويج لهذا الجواز لم تعد له قيمة في العالم؛ لأن منحه أصبح سهلًا.
هذا وتعاني الكونغو الديمقراطية من الصراع المسلح المستمر في شرق البلاد الغني بالمعادن، وقد سيطرت إحدى جماعات العنف -وهي حركة 23 مارس- على مساحات واسعة من الأراضي منذ بدأت شنّ هجومها في أواخر عام 2021م، واقتربت من مدينة جوما الشرقية.
كما خيَّمت أعمال العنف على الاستعداد للانتخابات في شرق البلاد المضطرب، خاصةً مع تجدد الاشتباكات في أكتوبر الماضي بين الجماعات المتمردة بالقرب من الحدود الرواندية، مما تسبَّب في نزوح عشرات الآلاف من المدنيين، وفقًا للأمم المتحدة.
ويأتي تصاعد العنف في الوقت الذي تستعد فيه بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية “مونوسكو”، التي يبلغ قوامها 18 ألف جندي، لبدء انسحابها المتسارع؛ بناءً على طلب تشيسيكيدي، بعد وجودٍ دام ما يقرب من 25 عامًا في البلاد.
من جهة أخرى، يقول الصحفي الكونغولي بالإذاعة الوطنية، جان ألافو دجوما، لـ”قراءات إفريقية”: إن التحدي السياسي الكبير أمام الرئيس القادم بمجرد انتخابه يتمثل في مواجهة والحدّ من هجمات الجماعات المسلحة التي تزرع العنف في شرق وغرب وشمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، قائلًا: “هناك الكثير من الحركات المتمردة في هذا البلد يقف وراءها سياسيون”.
أما عن التحدي الاقتصادي فيعتقد “دجوما” أنَّ التحكم في أسعار صَرْف العملات الأجنبية بما فيها الدولار الأمريكي واليورو؛ هو مطلب ضروريّ؛ حيث ينتج عن هذا الارتفاع في سعر الدولار ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وختامًا.. يبقى تحدِّي الحفاظ على الديمقراطية قائمًا، وبين تهديدات الداخل والخارج هل تتمكن الكونغو الديمقراطية من العبور بسلام نحو فترة ديمقراطية جديدة؟ أم تعصف الصراعات السياسية بالتجربة الديمقراطية؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.