يُعد مفهوم الاستجابة من المفاهيم الديناميكية الحديثة في الأوساط العلمية العربية، ويُقصد به مُجمل ردود الأفعال الإيجابية (Positive Response) المتخِذة أكثر من شكل ونمط تجاه الموضوع محل التركيز، وكذلك ردود الأفعال السلبية (Negative Response) والمعبر عنها ولو بطريق الامتناع وبالحرص على عدم إبداء أيّة مواقف معلنة تجاه وقائع معينة ولأسباب يقتضيها السياق من وجهة نظر الدولة أو الكيان صاحب الاستجابة. ويجري النظر للاستجابة بشقّيها، سواء أكانت استجابة عارضة (Ad-hoc Response) أو استجابة بنّاءة (Constructive Response) بها قدر من المؤسسية والاستدامة. ويُفيد الوقوف على أبعاد الاستجابة في استكشاف عديد من القواسم المشتركة بين الأطراف المعنية مُتخذي تلك المواقف وكذلك معرفة خطوط التباين الرئيسة فيما بينهم ومغزى وسبب تلك التباينات، والتي يمكن من خلالها استكشاف مساراتها المحتملة.
وتُركّز الورقة على بحث مُحددات الاستجابة الإفريقية بالتركيز على منطقة إفريقيا ج الصحراء (Sub-Sahara Africa) والتي تضم مجمل الدول الواقعة في أقاليم الشرق والغرب والوسط والجنوب الإفريقي والبالغة نحو 46 دولة، جرياً وراء التقسيم الخاص بوضع منطقة إفريقيا ج الصحراء مقابل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لاعتبارات أبعد من أن تكون جغرافية فقط.[1] يأتي ذلك من خلال تسليط الضوء على الاستجابة المؤسسية المتمثلة في ردود أفعال الاتحاد الإفريقي في مُستجدات الأوضاع في القضية الفلسطينية، جنباً إلى جنب مع تسليط الضوء على استجابة دول المنطقة بصفة عامة لذات القضية محل التركيز، وثلاث حالات دالّة لمواقف بعض دول المنطقة، سواءً بالانحياز لفلسطين أو الانحياز لإسرائيل أو الحياد ومسك العصا من المنتصف.
مُشتركات عديدة ومسار عكسي!
للوهلة الأولى، شهدت الاستجابة الإفريقية لمُستجدات الأوضاع في فلسطين منذ اندلاع العملية النوعية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، حالة من التباين سواءً على المستوى المؤسسي من خلال الاتحاد الإفريقي والبيانات التي قام باستصدارها تباعاً إلى حد مشاركة رئيس مفوضيته، السيد/ موسى فقي في قمة القاهرة للسّلام، أو على مستوى بعض المواقف المعلنة لدول المنطقة، ومنها على سبيل المثال جنوب إفريقيا التي انحازت لصالح القضية الفلسطينية وعرضت إمكانية قيامها بالوساطة في سبيل الدفع لصالح حل الدولتين ووقف معاناة الشعب الفلسطيني، وكينيا وغانا اللتان اتخذتا موقفاً عكسياً سواءً في ردود أفعال كينيا الأولية بعد الإعلان عن عملية طوفان الأقصى أو في سلوك غانا التصويتي في مجلس الأمن الدولي باعتبارها عضواً غير دائم في تشكيله الحالي. فيما حاولت بعض الدول الأخرى مثل نيجيريا أن تُمسِك بالعصا من المنتصف وتُبدي استجابة بها قدر كبير من الحياد، في الوقت الذي امتنعت فيه أغلب دول إفريقيا جنوب الصحراء عن إبداء أية ردود أفعال، لا مؤيدة ولا منددة بأي مما يجري على الأرض.
ولسبر أغوار تلك الاستجابة يمكن تصنيفها وفق ثلاثة اتجاهات أساسية:
- الاتجاه الأول: على مستوى التصوُّر
- الاتجاه الثاني: على مستوى الأداء
- الاتجاه الثالث: على مستوى الفعالية/التأثير[2]
الاتجاه الأول يُسلّط الضوء على تصور مدى تلك الاستجابة بالنظر لاعتبارين أساسيين هُما: مشتركات دينية وجغرافية، ومشتركات أخرى في قضايا تاريخية مصيرية. والاتجاه الثاني يُسلّط الضوء على ما بدر من دول المنطقة من ردود أفعال وصلت أحياناً لمستوى الاستجابات العكسية، أما الاتجاه الثالث فيُسلّط الضوء على مستوى فعالية وتأثير الاستجابة الإفريقية سواءً من ناحية العلاقات مع دول الجوار العربي في ذات القارة أو في الإسهام في تشكيل رأي عام يدفع لصالح تسوية الصراع الممتد منذ عقود.
الاتجاه الأول: على مُستوى التصوّر
يتم تسليط الضوء في هذا الاتجاه على الاستجابة من ناحية تصوُّر طبيعتها ومداها؛ كيف كانت استجابة دول المنطقة؟ وهل كان هناك تصور بوجود استجابة محددة لمجمل دول المنطقة؟ وما هو؟ للإجابة عن هذه التساؤلات يتعين أولاً الإشارة لعاملين لا يمكن إغفال الحديث عن أي منهما، تسبّبا في إضفاء بُعد أقرب إلى مؤسسي على العلاقات العربيّة-الإفريقية، ألا وهما: المُشتركات الطبيعية والمُشتركات التاريخية، والذي أوصل بطبيعة الحال إلى وجود درجة عميقة من التضامن في قضايا كُبرى مثل عمليتي التحرير والتحرر لعموم دول القارة في ستينيات القرن الماضي وكذلك المساهمة الفعالة في النضال ضد التفرقة والفصل العُنصريَّين في جنوب إفريقيا، وتكليل ذلك بالنجاح مطلع التسعينيات.
- مُشتركات جغرافية ودينية بين العرب والأفارقة
تاريخياً ودينياً، لاتزال دعاوى الشيخ أنتا جوب (أنتا ديوب) والمُلقّب بـ”فرعون المعرفة” حول الأصل الزنجي الأسود للحضارة المصرية القديمة تحمل بين طياتها أرضية مُشتركة وعوامل انقسام في الوقت نفسه، فالاعتزاز بالحضارة المصريّة وكونها أصل الحضارة في إفريقيا ومصدر الإلهام والاعتزاز والفخر الإفريقي أرضية مُشتركة كُبرى بين الدولة العربية الأقدم والأوفر عدداً من حيث السُّكان، مصر، وبين الأفارقة باعتبار مصر ليست فقط دولة إفريقية ولكنها مصدر الإلهام والفخر الإفريقي كذلك. وهو ما دعى الجمعية العلمية للشؤون الإفريقية، في فعاليات مؤتمرها السنوي الأول تحت عنوان: “العلاقات العربية الإفريقية.. الفُرص والتحديات” في ديسمبر 2017 توصي بضرورة البناء على القدر غير المختلف عليه من كتابات الشيخ أنتا جوب بخصوص أسبقية الحضارة المصريّة القديمة على ما سواها، وذلك في شكل إنتاج أفلام وثائقية وإعادة إحياء تراث عربي-إفريقي بما في ذلك رحلة الإمبراطور منسَّى موسى للحج، وتسليط الضوء على ممالك الطراز الإسلامي ودور الكنيسة المصريّة الأرثوذكسيّة في نشر الديانة المسيحيّة في شرق إفريقيا[3] وغير ذلك.
على سبيل المثال، يشير التوزيع الديني في منطقة إفريقيا ج الصحراء وفق تعداد عام 2020، إلى أنّ ثلثي سُكان المنطقة يدينون بالديانة المسيحية، والثلث يدين بالديانة الإسلامية، ما مجموعهما 93% تقريباً جنباً إلى جنب مع بعض الديانات التقليدية القديمة.[4] الأمر الذي يُدلل على عملية التأثير والتأثر المشتركة بين سُكان دول المنطقة وبين سُكان الشمال الإفريقي الذين يدينون بالديانة الإسلامية، وكان الإسلام قد دخل من شمال القارة إلى مختلف أقاليمها وصولاً لجنوب القارة بسبب حركة التجارة وتدفق السكان من وإلى مختلف الأقاليم الإفريقية الخمسة الفرعية.
أمّا من الناحية الجغرافية وامتداد التأثير الديني الإسلامي إلى ربوع إفريقيا، فإنّ غالبية العرب أفارقة، والغالبية العُظمى بما يعادل ثلاثة أرباع سُكان العالم العربي يعيشون في الإقليم الشمالي من إفريقيا، وتأتي مصر في مقدمتهم بتعداد يتخطّى حاجز الـ110 مليوناً، فضلاً عن اعتبارات الدين وانتشار الديانة الإسلامية في إفريقيا من خلال جنوب مصر إلى ربوع إفريقيا، وصولاً لتشييد ممالك الطراز الإسلامي التي كانت شاهدة على درجة التأثير الكبيرة في مناطق عديدة داخل إفريقيا مثل غرب السّودان وكومبي، عاصمة مالي حالياً، وكذلك مملكتي مالي وصنغوي ومناطق نيجيرية مثل كانو وسوكوتو في غرب إفريقيا، والأمر نفسه بالنسبة لمدن في شرق إفريقيا مثل دار السّلام ومومباسا.[5] ولا أدلّ على تأثير الجغرافيا على المصير المشترك العربي الإفريقي من نهر النيل؛ الذي يربط مصير إحدى عشرة دولة عربية-إفريقية ببعضهم البعض، ما بين دول منبع وممر ومصب وهُم: مصر، السودان، جنوب السودان، أوغندا، إريتريا، إثيوبيا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا وكينيا.
- تاريخ نضالي مُشترك
لعب العرب بقيادة مصر في حقبة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر دوراً تاريخياً في الإسهام بفعالية في عمليات تحرير وتحرر الدول الإفريقية من الاحتلال الغربي في ستينيات القرن الماضي، حيث اعتبرت القاهرة “مركز عمليات” لمختلف عمليات التحرير والتحرر في ربوع القارة الإفريقية؛ الأمر لم يقتصر حينها فقط على الدعم السياسي ولكن كذلك امتد ليشمل التدريبات العسكرية والمساعدة بالسلاح أحياناً كما في حالة الكونغو في أواخر الستينيات على الرغم من خروج مصر حينذاك مُنهكة من حربها مع إسرائيل عام 1967. الحال نفسه بالنسبة للدور الكبير الذي لعبته مصر في الدعوة لإنشاء وتأسيس أول كيان مؤسسي إفريقي، منظمة الوحدة الإفريقية في 25 مايو 1963، وهو الدور الذي واظبت مصر على أداءه في الإسهام بفعالية في القضاء على كافة أشكال العنصرية في جنوب إفريقيا، باعتبار أن العنصرية هي الوجه الآخر للاستيطان الإسرائيلي.[6]
يُضاف إلى ذلك وجود شخصية عربية لها صقل تاريخي في الفكر السياسي الإفريقي، ألا وهو محمّد علي دوس، أحد رواد حركة الجامعة الإفريقية التي انطلقت عام 1900 ويُنسب لها الفضل التاريخي في تحرير وتحرر القارة من الاحتلال وتخلصها من العنصرية وإنشاء أول كيان مؤسسي جامع لها في تاريخها ألا وهو منظمة الوحدة الإفريقية في 25 مايو 1963. وُلد دوس في الإسكندرية من أبٍ مصريّ نوبيّ وأُم سودانية، سافر في بداية شبابه إلى لندن من أجل التعلم، وغادرها إلى الولايات المتحدة ليكون من أوائل رواد حركة الجامعة الإفريقية الذين ناضلوا من أجل الوحدة والتضامن الإفريقيَّين والتحرر التدريجي من الاحتلال، حتى وهو خارج القارة بصُحبة ويليام ديبوا وغيره من كبار رواد حركة الجامعة الإفريقية. كان محمّد علي دوس من أنصار الزعيم الثوري المصري سعد باشا زغلول، ويعتبر دوس من الملهمين لقادة سود لهم باع طويل في مناهضة العنصرية في مرحلة ما قبل الاستقلال مثل ماركوس جارفي وغيره، بحسب ما أورده جورج بادمور عنه.[7]
وبناءً على ما تقدَّم، يمكن تصوُّر الاستجابة الإفريقية في أحد مسارين:
المسار الأول: دعم القضية الفلسطينية: بالنظر للروابط الطبيعية والتاريخية العديدة المشار إليها، وباعتبار أنّ القضية الكُبرى لدى العرب هي القضية الفلسطينية، فضلاً عن كونها قضية بها قدر أخلاقي كونها تمثل حالة الاحتلال الأكثر فجاجة في العالم حالياً. لأجل ذلك يكمن مفتاح توطيد ورفع كفاءة العلاقات الإفريقية-العربية في تبنّي مواقف بنّاءة في تلك القضية، مواقف من شأنها رفع مستوى التعاون والتنسيق المشترك وتعزيز المُدركات الذهنية الإيجابية المتبادلة بين الجانبين. وهذا بطبيعة الحال في كلا المستويين، مستوى التمثيل المؤسسي من خلال الاتحاد الإفريقي، وكذلك من خلال المواقف الفرديّة لغالبية دول منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.
المسار الثاني: الحياد ومسك العصا من المُنتصف: من خلال شجب أي أعمال من شأنها الاعتداء على أو ترهيب المدنيين أو إقحامهم في الصّراع المُسلّح بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال. وهذا المسار يُراعي بطبيعة الحال هشاشة الغالبية العظمى من دول إفريقيا جنوب الصحراء وتبعيتها للخارج، وسرعة استجابتها الداخلية للأزمات والصدمات الخارجية مما يخفض من مستوى طموح أن يصدر عن غالبية دول المنطقة أكثر من مواقف مُحايدة، لا تنحاز إلى إسرائيل أو تبرر أي من عملياتها السابقة أو القائمة ترتيباً على ما سبق.
ويمكن مُلاحظة أن الاتجاه الأول في تصنيف استجابة دول إفريقيا جنوب الصحراء للحرب الجارية في فلسطين على مستوى التصوُّر؛ خلَى من أية احتمالات من شأنها دعم دول المنطقة لإسرائيل في هذه القضية بالذات، نظراً لوجود احتلال قائم منذ عقود، وهو مخالف لألفبائيات القانون الدولي والأعراف الدولية، فضلاً عن امتداداته بتوسيع رقعة المستوطنات والتغيير العمدي في ديمغرافية الأرض بصورة متواترة، فضلاً عن عرقلة مساعي حل الدولتين وأي تسويات من شأنها وضع حد لما يجري، ولكل ذلك رمزية في صعوبة تصور اتخاذ أي من دول المنطقة لاستجابات عكسية في هذا الصّدد.
الاتجاه الثاني: على مستوى الأداء
يُجاب في هذا الاتجاه عن تساؤل آخر هو: إلى أي مدى جاءت ردود أفعال دول المنطقة على الأرض في مستوى المأمول منها وفق مستوى تصوُّر الاستجابة؟ وهل سارت، أحياناً، في مسارات مغايرة؟ وما هي أنماط تلك الاستجابة؟ في هذا الصّدد يُمكن تقسيم الاتجاه الخاص بالاستجابة الإفريقية على مُستوى الأداء إلى شقين: الأول خاص بالاستجابة المؤسسية على مستوى الأداء، ومقصود منها بطبيعة الحال استجابة الاتحاد الإفريقي من واقع البيانات ومشاركة رئيس مفوضيته في المحافل الدولية ذات الصلة، أما الشق الثاني فهو خاص بالاستجابة الفردية لآحاد دول المنطقة بما في ذلك الاستجابة المتخذة شكل الامتناع العمدي عن استصدار أيّة ردود أفعال.
- استجابة الاتحاد الإفريقي لمُستجدات الأوضاع على مُستوى الأداء
جائت استجابة الاتحاد الإفريقي في هذا الصدد وفق نمطين أساسيين: النمط الأول من خلال بيانين إعلاميين، والنمط الثاني في شكل مشاركة في قمة القاهرة للسّلام وبعض تصريحات لاحقة.
- البيان الإعلامي الأول: حماية المدنيين وحق فلسطين في دولة مُستقلة ذات سيادة
أصدر الاتحاد الإفريقي بعد ساعات معدودة من إعلان العملية النوعية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، بياناً باللُّغات الثلاثة: العربية والإنجليزيّة والفرنسيّة، أعرب فيه عن بالغ القلق تجاه أعمال العنف الجارية والتي لها عواقب وخيمة على المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، فضلاً عن التأثير على حالة السّلم والأمن بالمنطقة، مُردفاً أنّ “إنكار الحقوق الأساسية للشّعب الفلسطيني، لاسيّما حقه في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة؛ هو السبب الرئيسي للتوتر المُستدام بين الجانبين” وناشد في الختام كل الأطراف للعودة من جديد لطاولة التفاوض من أجل السّعي نحو حل الدولتين والعيش جنباً إلى جنب.[8]
ويمكن ملاحظة عدة نقاط أساسية من البيان الأول:
أولاً: توقيت استصدار البيان جاء مثالياً، حيث صدر عقب الإعلان عن العملية النوعية “طوفان الأقصى” مباشرةً، وهو بذلك يكون من أسرع استجابات الكيانات فوق الدولية (Supranational) للمنظمات والهيئات الكُبرى والتي يكون لمواقفها المختلفة حسابات أكثر تعقيداً من الحسابات الفردية لآحاد الدول.
ثانياً: ينم البيان عن درجة كبيرة من الموضوعية والعمق في قراءة المشهد بالغ التعقيد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أتى بالمخالفة للرواية الغربية التي عنونت العديد من أخبارها بـ”هجوم/اعتداء حماس” وغيرها من التوصيفات أُحادية الجانب، إلا إنّ بيان الاتحاد جاء معنوناً بـ”الحرب الإسرائيلية الفلسطينية” باعتبار أن ما يجري ليس أكثر من جولة ضمن جولات أخرى عديدة سابقة، وأخرى لاحقة متوقعة في حال استمرار الأوضاع على ما كانت عليه.
ثالثاً: جاء البيان مُتزناً حتى على الرغم من عدم وضوح الصورة كاملةً في السّاعات الأولى من اندلاع العملية النوعية “طوفان الأقصى”، حيث انحاز للمدنيين من الجانبين، وأشار في الوقت نفسه لضرورة العودة من جديد للحوار والتباحث من أجل خَيار حل الدولتين والعيش معاً بسلام.
رابعاً: جاء البيان جريئاً في الإشارة المُباشرة إلى المُماطلة الإسرائيلية التي أوصلت الحال إلى ما هو عليه الآن، بسبب تعنت إسرائيل طوال العقود الماضية السعي الجاد نحو حل الدولتين وتسوية الصّراع. حيث رأى الاتحاد الإفريقي، من خلال الإشارة سالفة الذكر، أن قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة حق فلسطيني، تأخيره سيرتب بطبيعة الحال استمرار في وتيرة التوتر بين الجانبين، وهو ما يُفهم منه أن عملية طوفان الأقصى يمكن أن تليها عمليات نوعية أخرى طالما ظلت المعطيات على حالها.
- البيان الإعلامي التشاركي الثاني لمفوضية الاتحاد مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية:
في 15 أكتوبر 2023، وبعد أسبوع واحد فقط من بيان المفوضية الأول، أصدرت المفوضية بياناً ثانياً بالتشارك مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. أعربا فيه عن بالغ القلق إزاء الوضع المتفاقم في قطاع غزة وضرورة وقف العمليات العدائية الإسرائيلية، والتي أوصلت إلى إلقاء القوات الإسرائيلية لمنشورات تحض أكثر من مليون شخص من سُكان قطاع غزة على المغادرة القسرية لمنازلهم، وهو ما رأته المفوضية جنباً إلى جنب مع أمانة جامعة الدول أمراً مخالفاً للقانون الدولي ويمهد لتهجير قسري لا محالة. وفي الوقت نفسه، حذّر البيان بصورة مُسبقة من الاجتياح الإسرائيلي البرّي الوشيك لقطاع غزة، وأنه حال حدوثه سيوقع عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى إبادة جماعية ذات أبعاد كارثية غير مسبوقة. جنباً إلى جنب مع بعض نقاط أخرى أساسية، مثل ضرورة توفير ممرات آمنة لتمرير المساعدات الإنسانية العاجلة لما يزيد عن 2.2 مليون فلسطيني، ورفض مبدأ العقوبة الجماعية، وغيرها.[9]
ويمكن مُلاحظة عدة نقاط أساسية من البيان الثاني:
أولاً: حتى ولو تُعلن مفوضية الاتحاد الإفريقي ذلك، إلا إنها استمرت في مُتابعة مستجدات الأوضاع عن كثب، وقامت بعد أُسبوع واحد من بيانها الأول بإصدار بيان تشاركي ثاني مع جامعة الدول العربية، الكيان الرئيسي وثيق الصلة بالقضية الفلسطينية. ويمكن رؤية هذا التحرك من قِبل المفوضية بأنه خُطوة بنّاءة في سبيل تعزيز العلاقات الإفريقية العربية من زاوية أعم وأشمل.
ثانياً: بُني البيان الثاني على البيان الأول، بل زاد عليه في استخدام عبارات حاسمة فيما يخص إدانة العمليات العدائية الإسرائيلية في قطاع غزة، واستهجان الدعوات الإسرائيلية التي من شأنها التهجير القسري للفلسطينيين، فضلاً عن رفض مبدأ العقوبة الجماعية وغيرها من الأمور التي أدان البيان بها إسرائيل مُباشرةً.
ثالثاً: حذّر البيان بصورة مُسبقة من الاجتياج البرّي الإسرائيلي الوشيك، وهي خطوة أكثر عمقاً في قراءة المشهد على نحو فعّال، حيث صدقت نبوءة كل من مفوضية الاتحاد وأمانة الجامعة بعد محاولات الاجتياح البري الإسرائيلية والتي أودت بحياة العديد من المدنيين في قطاع غزة نهاية شهر أُكتوبر، وبعد ما يزيد عن عشرة أيام من التحذير المسبق من عواقب هذه الخطوة في البيان المُشترك.
رابعاً: شدّد البيان على أهمية العمل الجماعي المشترك بين الاتحاد وجامعة الدول العربية لدرء أي عدوان إسرائيلي طويل الأمد ضد الفلسطينيين على الفور ” Immediately prevent a protracted aggression against the Palestinians” وهو بذلك لا يكتفي بالشجب والإدانة، بل يطرح بوضوح استعداد الاتحاد للعمل المشترك مع جامعة الدول في سبيل تفويت الفرصة أمام قضايا مستقبلية ذات شأن مثل التهجير القسري لسكان القطاع أو مواصلة العدوان الإسرائيلي بما يرفع من احتمالية عمل إبادة جماعية للفلسطينيين في قطاع غزة.
خامساً: طرح البيان في ختامه أنّ خَيار حل الدولتين هو الخَيار الأمثل لتسوية هذا الصّراع بصورة جادة، وأن أية تسويات أخرى تحيد عن هذا الطّرح لن تكون فعالة بما يكفي، وبالتالي ستظل احتمالية تكرار عمليات نوعية من المقاومة الفلسطينية قائمة، ومن ثم تكرار عدوان إسرائيل بما سيهدد السلم والأمن الإقليميين وليس فقط الداخليين في أرض فلسطين المحتلة.
- كلمة رئيس مفوضية الاتحاد السيد/ موسى فقي الداعمة لفلسطين في قمّة القاهرة للسلام
في الحادي والعشرين من أكتوبر 2023، شارك رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي بجانب وفد ممثل للاتحاد الإفريقي في قمة القاهرة للسّلام. تناولت كلمته العديد من الأمور، ومن بينها استهجانه الشديد للتصعيد غير المُبرر الذي تقوم به إسرائيل بكلمات مباشرة مثل: “إنّ الظرف الذي يكتنف الحرب الشعواء على غزة وما ينجرُّ عنها من تدمير غير مسبوق لأي مدينة في التاريخ، وقتل للمدنيين من أطفال ونساء وعجزة ومرضى؛ هو ظرف يستدعي الإحجام عن الكلام والدخول الفعلي في ترتيب الرد المناسب”.[10]
ويمكن ملاحظة النقاط التالية من كلمة رئيس مفوضية الاتحاد:
أولاً: أكّدت الكلمة على ما جاء في البيانين السابقين للاتحاد، وعلى نفس الرواية التي تدين الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة. وجاءت كذلك بناءً على متابعة دقيقة لمستجدات الأوضاع ومشاركة فاعلة وسريعة في قمة القاهرة التي تم الإعداد لها على عجل بسبب زيادة وتيرة العنف والتصعيد.
ثانياً: انتقلت رؤية الاتحاد من إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة إلى الدعوة مباشرةً لـ”الدخول الفعلي في ترتيب الرد المناسب” وهو ما ينقل مستوى الاستجابة إلى حد التشارك مع العرب في الشعور بأن ما يجري يمس الاتحاد الإفريقي كما يمس جامعة الدول العربية دون فرق.
ثالثاً: نوّهت كلمة رئيس المفوضية عن مطالبة الاتحاد الإفريقي منذ اللحظة الأولى بالوقف الفوري للعنف وتعبئة الدعم اللازم من غذاء وماء ودواء، كما طالبت الكلمة بالإفراج عن المدنيين المُحتجزين خاصّةً النساء. وهو موقف راسخ ومتناغم للاتحاد في مختلف ما صدر عنه خلال الحرب.
رابعاً: انتقلت كلمة رئيس المفوضية مُباشرةً للحديث عن ما أسماها “جذور الصّراع” داعياً تشكيل “جبهة عالمية مفتوحة لوقف اللجوء لكل أشكال العنف؛ خاصّةً ضد المدنيين” مؤكّداً على ما أُشير في بيان الاتحاد الأول حول خَيار حل الدولتين الذي يرى الاتحاد أنه هو السبيل الوحيد للخروج من المأزق الحاصل. واختُتمت الكلمة بتكرار عرض الاتحاد للوساطة في سبيل تلك التسوية بعد وقف كافة أعمال العنف بصورة جادة وكاملة.
- استجابة بعض دول المنطقة لمُستجدات الأوضاع على مُستوى الأداء
على الرغم من التناغم الكبير في أنماط استجابة الاتحاد الإفريقي لمستجدات الأوضاع في فلسطين، سواءً في بياناته المتعاقبة أو كلمة رئيس مفوضيته في قمة القاهرة للسّلام، إلا إنّ استجابة بعض دول المنطقة لوحظ فيها قدر كبير من التباين، خاصّةً في الأيام الأولى من عملية “طوفان الأقصى” وقبل أن يكون هناك زخم عالمي كما هو الحال بعد ذلك.
بعض دول المنطقة اختارت الحياد وضرورة حماية المدنيين من كافة الأطراف، والبعض الآخر انحاز للقضية الفلسطينية باعتبار العملية النوعية ما هي إلا رد فعل على طول أمد الاحتلال الإسرائيلي، أمّا البعض الآخر فقد تبنّى موقفاً عكسياً بالانحياز لصالح إسرائيل واعتبار أن العملية النوعية في 7 أكتوبر هي المحرّك الرئيسي لمجمل ما جرى ويجري على الأرض من توتر وعمليات عنيفة أدت لآلاف الجرحى والقتلى. وعلى ذلك يمكن تصنيف استجابة بعض دول المنطقة على مستوى الأداء لثلاثة مسارات أساسية:
المسار الأول: الامتناع عن التعقيب على ما يجري أو إعلان أيّة ردود أفعال
خلافاً للاستجابة الإفريقية المؤسسية المشار إليها من واقع موقف الاتحاد الإفريقي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ لوحظ بمفهوم المخالفة بعد استبعاد دول المنطقة التي أعلنت انحيازها لأيّ من الطرفين وبعد استبعاد دول المنطقة التي أعلنت عن مواقف محايدة، أن الغالبية العظمى من دول المنطقة اختارت النأي بالنفس والامتناع عن التعقيب على ما يجري أو إعلان أيّة ردود أفعال. مثل هذا الخَيار لم يأتي من قبيل الصدفة أو أنها لم يصل إلى علمها ما جرى ويجري في الأراضي الفلسطينية منذ ما يزيد عن ثلاثة أسابيع، ولكنها اختارت الامتناع بحيث تبقى في الظلّ ولا تخسر أيّ من الطرفين ولا حلفاء أو شركاء أيّ من الطرفين كذلك. انطلاقاً من أنه حتى الدعوة لوقف إطلاق النار لم تعد محل توافق بحسب الزاوية التي ينظر منها حلفاء وشركاء كل طرف؛ والدليل على ذلك تعثر مساعي استصدار أية قرارات من مجلس الأمن الدولي حتى الآن بخصوص بدء هُدنة لاعتبارات إنسانية أو الوقف الكامل لإطلاق النار من جميع الأطراف، بسبب الاستخدام المُفرط لحق الفيتو من الولايات المتحدة لإفساح المجال لإسرائيل للرد على عملية “طوفان الأقصى” بما يتراءى لها حتى وإن عارض ذلك القانون والأعراف الدولية في حالتي السّلم والحرب على حد سواء.
ورغم ذلك، مثل هذا الخَيار بالامتناع التام عن استصدار أية ردود أفعال يصلح في الحالات الصراعية التي لا تمس الأفارقة ولا أيّ من شركائهم التاريخيين مثل تنامي التوتر في بحر الصين الجنوبي على سبيل المثال بين الصين وبعض دول جوارها، ولكنه يؤخذ على البلدان التي امتنعت عن استصدار أية ردود أفعال في سياق بالغ الحساسية كهذا؛ تخطّى حاجز تهديد السلم والأمن الإقليميين إلى الشروع في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق مدنيين ومقار محظور أن يتم تعريضها لأيّ تهديد مثل دور العبادة والمستشفيات والمدارس، وغيرها.
المسار الثاني: التعقيب على ما يجري ومسك العصا من المُنتصف
استجابت بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء لمستجدات الأوضاع في فلسطين، ولكنها اتخذت موقفاً محايداً دون إعلان انحيازها لأيّ من طرفي الصّراع، ومن ذلك مواقف كل من نيجيريا وأوغندا وغينيا بيساو، الذين أعربوا عن أسفهم لوقوع خسائر في الأرواح جراء تصاعد العنف[11] إلا إنّ الحالة الدالّة في هذا الجانب تمثّلت في نيجيريا. حيث أصدرت بعد ساعات من الإعلان عن العملية النوعية “طوفان الأقصى” بياناً على لسان وزير خارجيتها السيد/ يوسف مايتاما توجار، جاء فيه:
“تُعرب الحكومة الفيدرالية النيجيرية عن قلقها العميق إزاء اندلاع الأعمال العدائية بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في الساعات الأولى من يوم السبت، وتدعو إلى وقف التصعيد ووقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة. إنّ حلقة العنف المتولدة عن التصعيد الجاري لا تؤدي إلا إلى استدامة دورة لا تنتهي من الألم والمعاناة للسكان المدنيين الذين يتحملون وطأة كل صراع. لذا تدعو حكومة نيجيريا، الجانبين إلى ممارسة ضبط النفس وإعطاء الأولوية لسلامة المدنيين وإفساح المجال للاعتبارات الإنسانية. وتدعو كذلك إلى حل سلمي للصراع يؤسَّس على الحوار”.[12]
وبعد حوالي ثلاثة أسابيع من بيانها الأول، حافظت نيجيريا على نسقها المتوازن في التعاطي مع مستجدات الأوضاع في فلسطين، وأصدرت بياناً آخر جاء فيه على لسان وزير خارجيتها أيضاً: “تدعو الحكومة الفيدرالية النيجيرية إلى هُدنة إنسانية فورية ودائمة ووطيدة ومستدامة بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس في قطاع غزة، حيث لا يزال هناك أكثر من مليوني إنسان محاصر في وضع مُزري. يجب أن يتمسك أطراف الصراع بالقيم الأساسية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في سبيل وقف الكارثة الإنسانية المفاقمة في القطاع، وتحث نيجيريا في الوقت نفسه على تفعيل خَيار حلّ الدولتين كحل دائم لدائرة العنف المستمرة على مدى أجيال”.[13]
ويمكن ملاحظة عدة نقاط أساسية من بياني وزارة الخارجية النيجيرية:
أولاً: التزمت نيجيريا بالحياد ومسك العصا من المنتصف، والانتصار للمدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. وأيدت من اليوم الأول وقف إطلاق النار بين الجانبين والدعوة لخفض التصعيد، وصولاً لتنديدها بالكارثة الإنسانية المفاقمة في قطاع غزّة ووجود ما يقرب من مليوني إنسان محاصر وفي وضع مأساوي.
ثانياً: على الرغم من التزامها الحياد؛ اعترفت نيجيريا ضمنياً بوجود احتلال إسرائيلي ممتد منذ عقود يُرتب بطبيعة الحال وجود مقاومة، ومن ثم دعت لخَيار حلّ الدولتين وضبط النفس والتمسك بقواعد القانون الدولي الإنساني والقيم الإنسانية التي من شأنها كفالة الحماية للمدنيين حتى في حالات الصّراع المسلّح والاقتتال.
المسار الثالث: التعقيب على ما يجري والميل لأيّ من طرفي الصّراع
استجابت بعض دول المنطقة وقامت بالتعقيب على ما يجري والميل لطرف على حساب آخر على نحو ما يلي:
- دول انحازت صراحةً لصالح فلسطين
هناك بعض من دول المنطقة لم تكتفي فقط بالدعوة المباشرة ومنذ الساعات الأولى لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين، بل اتخذت موقفاً بنّاءً لصالح القضية الفلسطينية بمنظورها الأعم والأشمل، وليس فقط المحطّة الأخيرة المتمثلة في العملية النوعية طوفان الأقصى وتداعياتها الحالية. ويأتِ على رأس هؤلاء دولة جنوب إفريقيا؛ حيث استكملت ما بدأته في فبراير الماضي؛ وتسببت حينها جنباً إلى جنب مع الجزائر في طرد الوفد الإسرائيلي من القمة العادية لرؤساء الدول والحكومات التابعة للاتحاد الإفريقي لتفويت مساعي إسرائيل في تعزيز نفوذها داخل إفريقيا.
قامت جنوب إفريقيا في استجابتها بعد الإعلان عن عملية طوفان الأقصى بإصدار بيان عن وزارة العلاقات الدولية والتعاون، دعت فيه إلى الوقف الفوري للعنف وضبط النفس، وأدانت في الوقت نفسه الحصار المفروض على غزة والاحتلال غير القانوني المُستمر للأراضي الفلسطينية.[14] فيما قام الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا بعرض وساطة بلاده من أجل تسوية الصّراع والاستفادة من خبرتها السابقة في التوسط في النزاعات والصراعات في المنطقة، وفي تهدئة وتسوية الصّراعات كذلك، ردّاً على ما وصفه بـ”التصعيد المُدمّر” في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي و”الفظائع المُرتكَبة ضد المدنيين”.[15]فضلاً عن الحِراك الداخلي الداعم لفلسطين سياسياً واجتماعياً، ودعوات المقاطعة واستهجان الاعتداءات المستمرة بحق المدنيين في قطاع غزة، وصولاً لانتقاد مجلس الأمن الدولي لعدم قدرته حتى الآن على استصدار أية قرارات فعّالة بسبب الاستخدام المفرط لحق الفيتو؛ وكذلك فتحها خطوط تواصل مباشرة مع حركة حماس، حتى ولو كانت مُدرجة بصفة أساسية ضمن مسألة تنسيق إدخال المُساعدات الإنسانية.
ويمكن ملاحظة بعض نقاط أساسية في موقف جنوب إفريقيا، ومن بينها قراءتها الأكثر شمولاً لما جرى باعتباره حلقة ضمن صراع طويل ممتد تسببت فيه إسرائيل نتيجة طول أمد احتلالها وعدم استجابتها لأية مساعي تسوية سلمية لهذا الصّراع طوال العقود الماضية. ومن بينها كذلك أن الموقف الجنوب إفريقي المُتجدد والمناوئ بصورة متواترة لإسرائيل، مدعاه ليس فقط عدالة القضية الفلسطينية ولكن ما ترى جنوب إفريقيا أنه تاريخ أسود لإسرائيل بدعمها سياسياً وعسكرياً نظام الفصل العنصري البائد في جنوب إفريقيا ما قبل تسعينيات القرن الماضي، وهو ما جعلها تدعو إلى إعلان إسرائيل دولة فصل عنصري في يوليو 2022.[16]
وبغض النّظر عن عرض الوساطة الذي يصعب أن تقبل به إسرائيل بسبب مواقف جنوب إفريقيا المعارضة لها وأهمية حيدة الوسيط وتجرده تجاه القضية التي سيتوسّط في سبيل حلحلتها وحلّها إذا ما استطاع ذلك؛ إلا إن موقف جنوب إفريقيا يظلّ موقفاً بنّاءً، بقدر ما يُساند القضية الفلسطينية فإنه يُساند في الوقت نفسه قضية نضاله الطويل ضد العنصرية بعدم تأييد أيّ قوى إقليمية أو دولية تسير على ما كانت تسير عليه قبل المصالحة الوطنية في بداية تسعينيات القرن الماضي، وذلك خلافاً لبعض الدول الإفريقية التي عانت من ويلات الاحتلال والعنصرية ورغم ذلك تؤيد إسرائيل صراحةً في طول أمد احتلالها للأراضي الفلسطينية؛ حتى ولو كان تأييدها في باطِنه محاولة لكسب رضا الولايات المتحدة.
- دول انحازت صراحةً لصالح إسرائيل
على النقيض من الاتجاه السابق، انحازت بعض الدول بصورة غير مسبوقة لصالح إسرائيل، بحيث أنكرت كُليةً وجود احتلال ممتد منذ عقود، وبالتالي رأت عملية طوفان الأقصى بمثابة اعتداء وهجوم غير مُبرر على إسرائيل. ويأتِ على رأس هؤلاء الدول كل من غانا وكينيا، الأولى باعتبارها عضواً غير دائم في التشكيل الحالي لمجلس الأمن الدولي رفضت التصويت لصالح مشروع قرار برازيلي يقضي بوقف إطلاق النار في غزة وأدانت في وقت سابق العملية النوعية طوفان الأقصى. والثانية قامت باستجابة عكسية وصفت من خلالها عملية طوفان الأقصى بالإرهابية وحضّت على ملاحقة مُرتكبيها وداعميها على حد سواء، وذلك من خلال تدوينة للرئيس الكيني ويليام روتو على منصة التواصل الاجتماعي X (تويتر سابقاً)، من بين ما جاء فيها:
“تنضم كينيا إلى بقية دول العالم في التضامن مع دولة إسرائيل بشكل لا لبس فيه نتيجة الإرهاب والهجوم على المدنيين الأبرياء في البلاد. لا يوجد أي مبرر على الإطلاق للإرهاب، الذي يُشكّل تهديداً خطيراً للسلم والأمن الدوليين، لذا يجب على المجتمع الدولي أن يحشد طاقته لمحاسبة مُرتكبي هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية المُشينة، ومُنظّميها ومُموليها وداعميها ورعاتها ومُمكّنيها وتقديمهم جميعاً إلى العدالة الناجزة”.[17]
ويُمكن ملاحظة بعض نقاط أساسية من البيان الرئاسي الكيني على وجه التحديد، وهي أنها ليست فقط غير معترفة بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عقود، ولكنّها كذلك ينطلق موقفها من قراءة مُجافية للواقع، مبناها أنّ هناك حالة من السّلام ولو بصورة نسبية (Negative Peace) كانت سائدة قبل العملية النوعية طوفان الأقصى، وأن العملية هي ما أججت الأوضاع وانتهجت سبيل العنف والإرهاب ضد الأبرياء على حد قول روتو، ومثل هذه القراءة لا تصنف فقط بأنها غير عادلة ولكنها أيضاً غير منطقية، فلا يمكن الانطلاق من يوم السابع من أكتوبر الماضي، لأنه طالما أن هناك احتلال ففرضية اندلاع عنف وعمليات نوعية من شأنها حلحلة القضية الأُم، وهي قضية التحرير وبناء دولة مستقلة ذات سيادة، سيظلّ قائماً سواءً أحدث ذلك من خلال عملية طوفان الأقصى أو أية عملية أخرى لاحقة. حتى ولو تم تبرير مثل هذا الموقف لاعتبارات تاريخية كما أوردها المؤرخ الكيني صمويل كيبتو، بأنّ كينيا وإسرائيل ترتبطان بعلاقات ثنائية قوية، وأنّ ما يجري في إسرائيل يشغل بال كينيا كثيراً، بالنظر لسابقة تعرض نيروبي للهجوم عام 1998 ومبادرة إسرائيل بالظهور اللافت والإسهام بفعالية في إنقاذ الأرواح من تحت الأنقاض[18]على حد قوله.
الاتجاه الثالث: على مستوى الفعالية/التأثير
يُسلّط هذا الاتجاه الضوء على نتاج المستويين السابقين، كيف كانت الاستجابة الإفريقية لمُستجدات الأوضاع في القضية الفلسطينية من حيث التصوُّر، وكيف أصبحت من حيث الأداء، وإلى أيّ مدى يمكن وصفها بأنها استجابة بنّاءة من حيث الفعالية والتأثير؟ في الواقع، لم تأتي الاستجابة الإفريقية على وتيرة واحدة، وبالتالي مستوى فعاليتها وتأثيرها لم يكن هو الآخر على ذات الوتيرة.
على سبيل المثال، يمكن النظر للاستجابة الإفريقية المؤسسية الصادرة عن مفوضية الاتحاد الإفريقي بأنها كانت بنّاءة وتصب في صالح القضية الفلسطينية وفي صالح تعزيز العلاقات الإفريقية-العربية من منظور أوسع، فهي لم تشجب فقط العدوان الإسرائيلي ولكنها أتت لتُذكّر بأن طول أمد الاحتلال الإسرائيلي للقضية الفلسطينية هو الداعي الأساسي على تجدد العمليات المقاوِمة مثل العملية النوعية طوفان الأقصى وغيرها كسبب هيكلي يتعلق بجذور الصراع وليس فقط بما بدى منه منذ السابع من أكتوبر. لم تكتفي الاستجابة الإفريقية المؤسسية بهذا القدر، بل استمرت في وتيرتها ليس فقط في بيان المفوضية الثاني ولكن أيضاً في المشاركة الفعّالة لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي ووفده الممثل عن الاتحاد في قمة القاهرة للسّلام، وتأكيده مرة أخرى على ما ذُكر في بياني مفوضية الاتحاد، وأن حل الدولتين وإنهاء الاحتلال طويل الأمد هو المسار الأسلم لجميع الأطراف بما يحقق السلم والأمن الإقليميين. الأمر الذي كان له تأثير على بناء حالة من الزخم العالمي لصالح القضية الفلسطينية، حيث يمثّل الاتحاد الإفريقي ما مجموعه 55 دولة بما في ذلك الصحراء الغربية، أو 54 دولة بحسب التعداد الأُممي غير المعترِف بالصحراء الغربية كدولة حتى الآن.
أمّا الاستجابات الإفريقية أُحادية الجانب، فقد كان بها قدر كبير من التباين، حيث جائت استجابة الغالبية العُظمى لدول المنطقة بطريق الامتناع عن استصدار أيّة ردود أفعال حتى ولو كانت محايدة. وهي بذلك تخالف تصور الاستجابة التي أوضحت أن أقل المتوقع في هذه الحالة هو إعلان الحياد، فضلاً عن مخالفة بعض الاستجابات مثل استجابة كينيا وغانا لتصور الاستجابة سالف الذكر، حيث اتخذتا استجابةً عكسية لصالح إسرائيل، سواءً في السلوك التصويتي أو في الإدانة الأحادية لحركة حماس ووصف ما قامت به في السّابع من أكتوبر بأنه “عمل إرهابي تم توجيهه لمدنيين أبرياء” غاضّين الطرف عن عقود من الاحتلال وكأن ما حدث في السّابع من أكتوبر جاء من دولة مستقلة ذات سيادة ضد دولة مستقلة ذات سيادة، خلافاً للواقع الذي لا يمكن إغفاله أو التقليل منه بأن عملية طوفان الأقصى ما هي إلا محطة من محطات الصراع ليس أكثر، لكنها ليست بداية الصراع بصورة لا شك فيها. وحتى الاستجابات التي اتخذت شكل الحياد وتمسّكت بمسك العصا من المنتصف فهي كذلك جاءت وفق تصور الاستجابة المأمول بناءً على رسوخ العلاقات الإفريقية العربية وجذورها الممتدة بين الجغرافيا والتاريخ.
أما الاستجابات التي فاقت حد التصوُّر فكانت استجابة دولة جنوب إفريقيا على وجه التحديد، حتى على الرغم من ربط جنوب إفريقيا بين ماضيها الأليم في الفصل العنصري وما تقوم به إسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية منذ عقود، لذا لم ترد استجابات لأيّ من دول إفريقيا جنوب الصحراء مماثلة أو حتى قريبة الصلة والشبه باستجابة دولة جنوب إفريقيا. وفي هذا الصدد تفتح استجابة جنوب إفريقيا الباب نحو مزيد من مد أواصر التعاون المتحتمل بينها والعرب، سواءً بصورة مؤسسية من خلال جامعة الدول العربية أو بصورة أُحادية من خلال تعزيز وتنسيق المواقف السياسية المشتركة والتعاون الاقتصادي مع بعض الدول العربية ولو على سبيل المثال الدولتين اللاحقتين عليها في ترتيب حجم اقتصادات القارة للعام الجاري، 2023، جنوب إفريقيا جائت في المرتبة الثانية قارياً بعد نيجيريا، وأتت بعدها كل من مصر في المرتبة الثالثة والجزائر في المرتبة الرابعة.[19]
من زاوية أكثر اتساعاً، الاستجابة الإفريقية الحالية ليست منفصلة عن سابقتها؛ حيث اتسمت المواقف الإفريقية من القضية الفلسطينية تاريخياً بوصفها حركة تحرر وطني، بالتعقّد والتغيّر وعدم التجانس. بما في ذلك وجود بعض متغيرات لها دلالة كبيرة عبر العقود الماضية، منها على سبيل المثال ارتباط العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية وتأثرها بالعلاقات العربية-الإفريقية، وهو ما أدى إلى النظر إلى القارة الإفريقية بوصفها ساحة تنافس وصراع بين إسرائيل والدول العربية.[20] وهو ما يعني أن أي توطيد للعلاقات العربية-الإفريقية سيرتب بطبيعة الحال تأثير ما على العلاقات الإفريقية-الإسرائيلية، والعكس صحيح، بحيث يصعب عملاً، الجمع بين علاقات وطيدة ثلاثية تجمع العرب والأفارقة وإسرائيل معاً في آن واحد.
ولعلّ ما درج على تسميته بـ”الاتفاقات الإبراهيمية” في عام 2022 بين إسرائيل وبعض دول عربية؛ قد شجّع دولاً إفريقية على إعلان علاقتها مع إسرائيل دون أن تشعر بالحرج أو تخشى تأثر علاقتها بجوارها العربي نتيجة تلك الاتفاقات التي أظهرت علاقات عربية-إسرائيلية في العلن بصورة غير مسبوقة إلى حد الإعلان عن مشروعات استثمارية ثنائية بين بعض دول عربية وإسرائيل في بعض البلدان الإفريقية ومنها على سبيل المثال إثيوبيا. مثل هذا التغيّر، شجّع بعض الدول الإفريقية على محاولة كسب رضا الولايات المتحدة من خلال التقرب إلى إسرائيل وتوطيد علاقتها معها؛ ليس فقط لأهداف اقتصادية بل وسياسية كذلك بسبب تنامي حجم عدم احترام حقوق الإنسان والتداول السّلمي والسلس للسلطة في العديد من الدول الإفريقية؛ وهو ما يجعلها بحاجة مستمرة لغطاء دولي على مد فترات حكم طويلة ومتعاقبة لقادتها[21] فضلاً عن حُمّى التغييرات غير الدستورية للحكومات في إفريقيا بصفة عامة، وغرب إفريقيا منها على وجه التحديد، والتي تمثل في مجموعها العدد الأوفر من التغييرات غير الدستورية للحكومات في العالم، وهو ما يؤكد على أهمية الغطاء الدولي والحماية، من وجهة نظر تلك الدول.
وفي هذا الصّدد، يمكن التأكيد على أمرين أساسيين:
الأمر الأول: ما جرى في السابع من أكتوبر من خلال العملية النوعية طوفان الأقصى، يدخل ضمن دائرة أوسع وهي قضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وعدم قبول حل الدولتين، بل والتماهي في زيادة الرقعة الاستيطانية إلى حد السير تدريجياً في خطة يبدو وكأنها خطة إجلاء طويلة الأمد؛ حيث لا ترغب إسرائيل فقط في طيّ صفحة القضية من خلالها ولكن قد يكون الهدف هو تفريغ ما لا يقل عن مليوني إنسان في قطاع غزة بحيث يتم تهجيرهم قسرياً إلى سيناء ومناطق أُخرى، وهو ما يُضيف بُعداً جديداً على الصّراع الفلسطيني-الإسرائيلي بحيث يمكن اعتباره بجِد، أمراً مُهدداً للسّلم والأمن الإقليميين بالنظر لاحتمالية نشوب أية مواجهات عنيفة في أيّ وقت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي من قِبل جزء أو كل الدول المرتبطة بحدود تاريخية مع فلسطين، مصر ولبنان والأردن وسوريا، وليس مستبعداً أن يمتد ذلك إلى الجوار الإقليمي من خلال إيران على سبيل المثال.
لأجل هذا، لا يمكن اعتبار القضية الفلسطينية شأناً داخلياً بين دولة الاحتلال ودولة أخرى تناضل من أجل الحصول على سيادتها على أرضها المحتلة منذ عقود، وهو ما يجعل أيّ استجابة إفريقية تغضّ الطرف عن ما يجري؛ استجابة في غير موضعها وتؤخذ على الدول التي تنتهج مثل هذا المسلك.
الأمر الثاني: على الرغم من أهمية عدم اعتبار القضية الفلسطينية شأناً داخلياً لا يشغل بال الأفارقة، إلا إنه ينبغي تصور أن تكون المصالح هي المُحرك الرئيسي لمختلف دول المنطقة، حتى ولو تعارضت في بعض الأحيان مع صلات جيوستراتيجية راسخة مع العرب. ومن ذلك الموقف الكيني الذي يتأسس على رِهان ويليام روتو على الغرب “Look West” بوتيرة أكبر من أيّ إدارة كينية سابقة؛ بحثاً عن تعزيز النمو الاقتصادي ولعب دور إقليمي مغاير بالمنطقة[22] وهو ما سيُفضي حتماً إلى مواقف دعم راسخة وغير مسبوقة لصالح إسرائيل.
يُضاف إلى ذلك الطموح المشروع لدى العديد من الدول الإفريقية في ظل تلاحق الأزمات العالمية والتي أثرت وتؤثر على حاضرها ومستقبلها مثل جائحة كورونا في عام 2020 وانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية في 2022 وتداعياتهما جنباً إلى جنب مع استمرار وتيرة الصراعات الداخلية وتداعياتها الإقليمية مثل الصّراع السوداني وقضية اللاجئين المفاقمة في دول الجوار، وهو ما ينعكس على دفعها لضريبة اقتصادية أعلى تعرقل مساعي التنمية في تلك البلدان. موزمبيق على سبيل المثال بدأت تصدير شحنات غاز طبيعي منذ فترة وجيزة وتريد مواصلة ذلك، وزامبيا تتطلع لتتحوّل إلى عاصمة تكنولوجية مالية إفريقية، وأنجولا تُعوّل على تدشين الممر البري الذي يُشبه إلى حد بعيد مشروع الممر الهندي-الأوروبي، والذي متوقع أن يربطها بجاراتها من ناحية الشرق[23] وهو ما يجعلها تحسب مواقفها تجاه مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية بمفهوم الربح والخسارة على المدى المتوسط والبعيد.
ختاماً، أتت الاستجابة الإفريقية لمُستجدات الأوضاع في القضية الفلسطينية مُتباينة إلى حد عدم التجانس وصعوبة الوقوف على منطق واحد يجمعها، وبدهيّ أن تكون كذلك بدرجة معينة، حتى على مستوى الدول التي اتخذت ما يمكن تسميته بـ”الاستجابة العكسية” التي هي على خلاف المشتركات التاريخية والجغرافية بين العرب والأفارقة؛ مواقفها تفتح لنا الباب أمام بحث مسألة الرصيد الذي يمكن أن ينفد، فلا يمكن للتاريخ العربي الإفريقي المُشترك أن يظل وحده محل رهان في قضايا كبرى كقضية الدعم في مثل هذه القضية، ومن الممكن كذلك أن يكون للجغرافيا دور مؤجّج في العلاقات الدولية إذا لم يُحسَن تنمية علاقة الجوار وجعلها تصب بصفة أساسية لصالح جميع الأطراف بما يحقق الكسب المُشترك (Win-win Situation) وليس تجاه أطراف بعينها.
وبالتالي ينبغي على الدول العربية قبل أن تحاول التعرف إلى أبعاد ومحددات الاستجابة الإفريقية لقضية كُبرى تعنيها كالقضية الفلسطينية، عليها أولاً مراجعة أبعاد ومحددات استجابتها هي لقضايا كبرى إفريقية ذات صلة وشأن، ومنها على سبيل المثال معضلة عدم الاستقرار السياسي في إقليم غرب إفريقيا، ومنها كذلك المستوى غير المسبوق من التهديد في جانب الأمن الغذائي وصولاً لانعدام الأمن الغذائي الحاد واقتراب المجاعة في منطقة القرن الإفريقي شرقيّ القارة، حتى تلك الدول التي تمثّل في ذاتها قاسماً مشتركاً بين العرب والأفارقة مثل السودان وصراعه الذي لم يجد بعد الاستجابة المأمولة؛ وغيرها من التحديات التي تُكابدها القارة ولا تجد معين لها بصورة جادة؛ لذا ستبقى القارة الإفريقية ساحة مفتوحة لمختلف القوى والأقطاب الدولية الفاعلة حتى ولو كانت تلك القوى والأقطاب متناحرة فيما بينها، ولا أدلّ على ذلك من التنافس المحتدم بين روسيا وفرنسا على دوائر النفوذ في غرب إفريقيا، وتنامي شركات الأمن الخاصة والشركات العسكرية الخاصة من خارج القارة وتداعياتها على السّلم والأمن القاريَّين.
…………………………………………………………..
[1] What is Sub-Saharan Africa? (The Economist: March 7, 2019) https://www.economist.com/the-economist-explains/2019/03/07/what-is-sub-saharan-africa
[2] التقسيم الثلاثي للاستجابة، على سبيل التصور والأداء والفعالية، ورد كمُقترح على لسان د. محمد عاشور مهدي- أُستاذ العلوم السياسية بكُلية الدراسات الإفريقية العليا، في سيمنار تسجيل رسالة الماجستير للباحث، 24 سبتمبر 2023.
[3] د. فاطمة بنداري، “العلاقات العربية الإفريقية بعد مرور 40 عاماً“، (المركز العراقي الإفريقي للدراسات الاستراتيجيّة: مجلة الدراسات الإفريقية والعربية، تقرير المؤتمر السنوي الأول للجمعية العلمية للشؤون الإفريقية، 29 مايو 2018) https://afroar.com/العلمية-للشئون-الأفريقية-تعيد-إحياء-ق/
[4] Saifaddin Galal, “Distribution of the population of Sub-Saharan Africa as of 2020, by religious affiliation“, (Statista: July 6, 2023) https://www.statista.com/statistics/1282636/distribution-of-religions-in-sub-saharan-africa/
[5] أماني ربيع، “العمارة الإفريقية التقليدية.. تراث ثقافي يُجاهد للبقاء“، (مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجيّة: 30 سبتمبر 2022) https://pharostudies.com/?p=11830
[6] د. طلال صالح بنّان، “العرب وإفريقيا: امتداد جغرافي.. صلات تاريخية.. عمق استراتيجي“، (مجلة آراء حول الخليج: 28 يونية 2016) https://araa.sa/index.php?view=article&id=3804:2016-06-28-11-22-51&Itemid=172&option=com_content
[7] كريبسو ديالو، “محمد علي دوس.. الرائد الشرق إفريقي للبان أفريكانزم“، (المركز العراقي الإفريقي للدراسات الاستراتيجية: 19 مايو 2018) https://ciaes.net/محمد-علي-دوس-الرائد-الشرق-أفريقي-للب/
[8] Communiqué of the Chairperson of the AUC regarding the Israeli-Palestinian war, (AU: October 7, 2023) https://au.int/en/pressreleases/20231007/communique-chairperson-regarding-israeli-palestinian-war
[9] Joint statement by the African Union Commission and the General Secretariat of the League of Arab States on the Grave Situation in Gaza, (AU: October 15, 2023) https://au.int/en/pressreleases/20231015/african-union-and-league-arab-states-issue-joint-statement-gaza-crisis
[10] كلمة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقيه خلال قمة القاهرة للسلام، (القناة الأُولى المصرية: 21 أكتوبر 2023) https://www.youtube.com/watch?v=H9907YVV4DI
[11] Isaac Mugabi, “Israel-Hamas Conflict divides opinion in Africa“, (DW: October 12, 2023) https://www.dw.com/en/israel-hamas-conflict-divides-opinion-in-africa/a-67074671
[12] James Kwen, “Nigeria Reacts to Israel, Palestine Hostilities, Calls for De-escalation“, (Leadership newspaper: October 7, 2023) https://leadership.ng/nigeria-reacts-to-israel-palestine-hostilities-calls-for-de-escalation/
[13] Nigeria adds Voice to Calls on Israel to allowed Aid into Gaza (TRT Afrika: October 29, 2023) https://www.trtafrika.com/africa/nigeria-lends-voice-to-calls-on-israel-to-allow-aid-into-gaza-15597354
[14] Victoria Audu and Wale Lawal, “The Popularity Contest of War: How African States have Responded to the Israel-Hamas War“, (The Republic: October 15, 2023) https://republic.com.ng/africa-2/africa-israel-palestine-conflict/
[15] Isaac Mugabi, Ibid.
[16] Victoria Audu and Wale Lawal, Ibid.
[17] The official account of the president of Kenya on X, William Samoei Ruto, PhD, (X: October 7, 2023) https://twitter.com/WilliamsRuto/status/1710724946719080837
[18] Isaac Mugabi, Ibid.
[19] Pallavi Rao, “Visualizing the $105 Trillion World Economy in One Chart“, (Visual Capitalist: August 9, 2023) https://www.visualcapitalist.com/visualizing-the-105-trillion-world-economy-in-one-chart/
[20] د. حمدي عبدالرحمن حسن، “المواقف الإفريقية من القضية الفلسطينية.. الدوافع والمسارات“، (قراءات إفريقية: 14 ديسمبر 2017) https://qiraatafrican.com/3802/المواقف-الإفريقية-من-القضية-الفلسطين/
[21] روضة علي عبدالغفار، “إسرائيل وإفريقيا: عودة حقيقية أم شعارات واهية؟“، (قراءات إفريقية: 13 أكتوبر 2022) https://qiraatafrican.com/4582/إسرائيل-وإفريقيا-عودة-حقيقية-أم-شعار/
[22] Martin K.N Siele, “African Countries walk diplomatic line in Response to Hamas attack on Israel“, (Semafor: October 10, 2023) https://www.semafor.com/article/10/10/2023/africa-responds-to-hamas-attack-on-israel
[23] ربيع محمد يحيى، “من التطبيع إلى دبلوماسية الحرب.. ما مدى تأثر إفريقيا جنوب الصحراء بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟“، (قراءات إفريقية: 29 أكتوبر 2023)