حاوره :د. ربيع القمر الحاج
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله آل الشيخ من مواليد الرياض، وهو من أسرة عريقة في العلم والفضل وأحد الوجوه البارزة التي تهتم بالعمل الخيري والإنساني في قارة إفريقيا:.
– درس الشيخ عبدالرحمن في الكتاتيب حتى حفظ القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المدرسة المحمدية، وانتقل بعد السنة الرابعة إلى الدراسة في المعهد العلميّ في المملكة العربية السعودية عام 1370هـ، .
– كما درس على الشيخ عبدالعزيز السلمان في الفقه، والدكتور عبدالوهاب البنا في اللغة العربية، كما درس القرآن الكريم على الشيخ عبدالفتاح قاري.
– بعد إتمام الثانوية تقدّم إلى الدراسة في كلية التجارة قسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود (الرياض سابقاً)، وكانت كلية الحقوق وقتها مدموجة بكلية العلوم السياسية.
– تدرّج في العمل الحكومي حتى تقاعد عام 1425هـ، ثم تفرّغ بعدها للدعوة إلى الله تعالى، بجانب مشاركته في إدارة بعض الجامعات والقنوات الفضائية.
– فضّل – حفظه الله – أن يتوجه إلى العمل الدعوي في إفريقيا بعد التقاعد بعد أن رأى حاجة المسلمين الملحّة للخدمات العامّة، من المساجد إلى المدارس إلى المستشفيات، خصوصاً في ظلّ تعرّض المسلمون لفتنة التنصير ، فبدأ أعماله الدعوية بإنشاء مستوصفٍ لرعاية الأمومة والطفولة، ومن ثمّ توالت مشروعاته النوعية وجهوده الدعوية الأخرى.
وفيما يلي نص الحوار مع فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله آل الشيخ:
فضيلة الشيخ عبدالرحمن.. بوصفكم من المهتمين بالتاريخ الإسلامي، خصوصاً فيما يتعلق بعلاقات الإسلام بإفريقيا، لعلكم تتفضلون بذكر إشارات عن هذه العلاقة التاريخية؛ تكون مدخلاً لحديثنا عن الدعوة في إفريقيا.
أولاً.. إفريقيا جارةٌ للمنطقة العربية وقريبة، والأقربون أحقّ بالمعروف, وكانت السودان هي المعبر للإسلام قديماً وحديثاً, والسودان بلدٌ عربيٌّ مسلمٌ على ثغرٍ من ثغور الإسلام.. ومن خلال السودان انتقل الصحابة إلى القارة.في لقاءٍ جمعنا بالرئيس التنزاني جكايا كيكوِته قال لنا: إنكم مدعون إلى قضاء يومٍ فيها لتطّلعوا على الآثار الإسلامية في تنزانيا, وقد وجدنا منارةً كُتب عليها: «رممّت هذه في عام مائتين وثمانية (208هـ) »، فهذا دليلٌ ماديٌّ على أنّ الإسلام دخل مبكراً إلى القارة الإفريقية
قبل أن يأتي إليها المنصّرون, الحاكم المسلم هناك قلت له: الإسلام أقدم في دخوله إلى القارة قبل النصارى، فقال: نعم صحيحٌ.. الإسلام أقدم دخولاً إلى القارة الإفريقية.
ثم نأتي إلى أهمّ دليل، وهو المَعْلم الواضح على علاقة الإسلام بإفريقيا وسَبْقه إليها، وهو استقبال النجاشيّ لصحابة رسول الله رضوان الله عليهم, فقد أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالذهاب إلى الحبشة, ما قال لهم: اذهبوا إلى فارس أو الروم، وقد كان فيهما حضارات.. لكن قال صلى الله عليه وسلم: «لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ؛ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِي أَرْضُ صِدْقٍ؛ حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ لَكُمْ فَرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ» , والملك هو أصحمة, وقد اختلفت الأقوال في أصحمة رضي الله عنه، منهم مَن قال: إنه كان يتكلم اللغة العربية ولم يحتج إلى مترجمٍ مع الصحابة، حتى إنه ترجم للقساوسة عنده النقاشَ الذي دار بينه وبين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
عاش الصحابة والمسلمون في منطقةٍ معروفة في الحبشة إلى الآن، كان منها رئيس الوزراء السابق ملس زيناوي، تُسمّى: إقليم تيغراي، وتقع شمال إثيوبيا.
ثم تطور الوضع واعتنق كثيرٌ من أهل الحبشة الإسلام، وبرز منهم علماء وزعماء، وصارت الحرب سجالاً بينهم وبين بعض القبائل هناك, أحياناً ينتصرون، ويقولون: دولة الساحل كلها إسلامية, ويشهد التاريخ للمسلمين بالعدل والإنصاف والتسامح الديني، فما شهدت أرضُ الحبشة التسامحَ الدينيَّ إلا عندما حكمها المسلمون, والعكس عندما يستولي النصارى على الحكم ويقيمون دولتهم يسوقون المسلمين إلى المشانق، وفرضوا النصرانية بالقوة, والتهديد بالطرد.. إما المشنقة وإما التنصّر، كما حدث مع زعيم من زعماء المسلمين، لكنه وقف وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله, والله لا أبدلنّ ديني! فشنقوه، واسمه الحسين.
وإذا حكم المسلمون ساد الهدوء والتعايش السّلمي, وتسامحوا مع الطوائف الأخرى، حتى إلى الوقت الحاضر نرى أنّ أطفال النصارى يمكنهم دخول مدارس تعليم القرآن في كلّ مكان في الحبشة، وفي تنزانيا، لكن الكنيسة تحاول أن توجد الخلاف والشقاق بين النصارى والمسلمين.
خلال السنوات العشرين الماضية برزت عددٌ من الكليات والجامعات في القارة الإفريقية، أسّس معظمها خريجو الجامعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، من جامعات المملكة ومصر والسودان وباكستان وماليزيا وغيرها، كيف تنظرون إلى مسيرتها؟
هذه الكليات والجامعات، خلال تجوالي في إفريقيا، وجدت أثرها – ما شاء الله – قويّاً, ونفعها كبيراً، لكن بالرغم من ذلك؛ يوجد لها أثرٌ سلبيّ, حيث كانت تركّز على نوعٍ واحدٍ فقط من التعليم، وهو التعليم الديني، وتهمل التعليم المدني، وهذا في الحقيقة فيه أخطار؛ فالتعليم الدينيّ والتعليم المدنيّ بالنسبة للمسلمين يجب أن يكونا خطٍّين متوازيين لا يتقاطعان، وكما أننا في حاجة إلى فقيهٍ وإمامٍ وخطيبٍ وداعية؛ فنحن بحاجةٍ إلى طبيبٍ ومهندسٍ ومحامٍ وإعلامي, في حاجةٍ إلى مشغّل كمبيوتر ومبرمج.. إلى آخره, هذه الأمور كلها يحتاج المسلمون إليها.
ويقال: إنّ النصارى سكتوا وتغاضوا عن وجود هذه الكليات والمعاهد لهذا السبب!! فهم يقولون: هذا تعليم ديني.. تأثيره محدود، دعهم يشتغلون به عن غيره. لأنهم لا يريدون للمسلمين أن يتعلموا التعليم المدنيّ حتى لا يصلوا إلى مراكز صنع القرار, لا يريدون أن يصلوا مثلاً إلى منصب القيادة في اتحاد المحامين، أو اتحاد الأطباء، أو في البرلمان أو أجهزة الدولة، حتى لا يشاركوا في صنع القرار, برغم أنّ المسلمين في كثيرٍ من الدول الإفريقية يمثّلون الأغلبية، لكنهم أغلبية صامتة, أو مجهّلة ومغيّبة.
والخلاصة: أنهم لا يستطيعون منع تعليم الإسلام للمسلمين, لكنهم يحاولون ألا يتعلم المسلمون العلوم المدنية الأخرى حتى لا يصلوا إلى منطقةِ صنع القرار، فهذا سيزعجهم أكثر.
وفي الجانب الإيجابيّ لهذه الكليات والجامعات الإسلامية؛ فالحقيقة أنّ الله نفع بها، حيث تخرّج فيها الفقهاء والدعاة والأئمة، والحمد لله! انتشر التعليم الديني والتفقّه في الدين، وكان لهذا أثرٌ واضحٌ في إصلاح عبادات الناس، وانتشار السنّة، وكذلك في اندثار كثيرٍ من المظاهر السلبية المضادة للتوحيد، مثل زيارة القبور وزيارة الأولياء.
هل توضّح فضيلتكم كيف كان لهذه الكليات والجامعات الإسلامية أثرٌ في نشر التوحيد والعقيدة الصحيحة في إفريقيا؟
في إحدى رحلاتنا في منطقة الحدود الكينية مع دولةٍ إفريقيةٍ التقينا باحثاً، كان يتكلم اللغة المحلية، ويتكلم عدة لغات، قال: أنا من الدانمارك، أرسلني البابا لأدرس ظاهرة انتشار (الوهابية).
دراسة ظاهرة انتشار (الوهابية) – في دراسته -: أن يختار مكاناً فيه قبور الأولياء وقبور الصالحين ويراقب أعداد الزائرين لها, قال: حينما أتيت إلى هنا سابقاً كان هذا المكان يزوره في اليوم خمسمائة, الآن تقلّص العدد إلى خمسة أو ستة مسنّين يزورون المكان في الأسبوع مرة واحدة. يقول: على حسب دراستي أو بحثي وجدت أنّ بعضهم ذهبوا إلى مدارس إسلامية وتعلّموا في كليات إسلامية في باكستان والسعودية وفي مصر والمعاهد والكليات الإسلامية في إفريقيا، وعادوا وأنكروا على ذويهم، وكانت استجابتهم سريعة؛ أي استجابوا للتوحيد الخالص.
سألنا ذلك الباحث أهو مبشر؟ فقال: لا, أنا باحثٌ فقط، لست مبشّراً ولا رجل دين, إنما أنا أراقب الظاهرة، ووجدت أنها بدأت تختفي (يعني: ظاهرة زيارة قبور الأولياء).
حاولنا أن نتناقش معه فقال: لا, لا تناقشوني في ديني, إن كان هناك نقاشٌ دينيّ فأنا لا أحسنه, أنا جئت أرصد الظاهرة فقط.
وهل تنبهت المؤسسات الدعوية والمتبرعون لهذا التوجّه النوعي في التعليم، وما كان دوركم في هذا المجال؟
نعم! والحمد لله؛ حيث استدركت المؤسسات الإسلامية هذا الخلل، وأنشأت في إفريقيا كليات وجامعات تدرّس الطب، والكمبيوتر، والهندسة، وكانت هناك عقبات، لكن بالرغم من ذلك – والحمد لله – أُنشئت عدد من الجامعات والكليات في تنزانيا وكينيا وجزر القُمر.. وغيرها.
وإذا نظرنا إلى دور رجال الأعمال – جزاهم الله خيراً – نجد لهم دوراً فاعلاً في هذا الاتجاه، حيث أنشؤوا كليات لتعليم أبناء المسلمين، وكنت قد تحدثت إلى عددٍ من الإخوة عن أهمية إنشاء كليات الطب, أو معاهد الطب، من خلال التمويل الإسلامي، وقلت لهم: هذا النوع من التخصّص، يعني الطبيب المسلم أو مساعد الطبيب، هو الذي نعاني النقص فيه، وأرغبهم في ذلك التوجّه، وأقول لهم: الحمد لله! أنتم عندكم قيمٌ إسلامية إذا مُزجت بالعلم المدنيّ ستكون النتيجة – بإذن الله – تشرف كلّ مسلم.
هل لكم أن تقدّموا لنا مثالاً على ذلك؟
هناك في تنزانيا مثلاً – والحمد لله ربّ العالمين – وُفقنا في هذا الاتجاه، المسلمون، خصوصاً في إفريقيا، يحتاجون إلى طبيب مسلم ومساعد الطبيب (ممرض)، وهو مَن يتعلّم ثقافة إسلامية مكثفة ويدرس علوم الطب في الوقت نفسه، فيكون نصف داعية ونصف طبيب, هذا الطبيب المسلم لا يفرّق في العلاج بين المسلم وبين النصراني وغيره، الكلّ في نظره له حقّ العلاج, الطفل له حقّ العلاج، والعجوز له حقّ العلاج، والعاجز له العلاج, الجميع لهم حقّ العلاج.
وبذلك نحمي المسلمين من فتنة التنصير؛ بسبب الحاجة للعلاج، حيث ترفض كثيرٌ –بل غالب – مستوصفات النصارى؛ ترفض علاجَ المسلم حتى يغيّر إسمه إلى جون أو ميشيل وغيرها من أسماء النصارى.
لهذا ركزنا على إنشاء المستوصفات، وكانت الاستجابة – والحمد لله – واسعة ومشجّعة من أبناء المسلمين وبناتهم، حتى إنّ الكثير من الأطباء قالوا لنا: إنّا معكم في هذا المشروع. فساعَدونا في ذلك – جزاهم الله خيراً – وبدؤوا يعملون، ويُمنحون على ذلك الرواتب المجزية – إن شاء الله-, عملوا في مناطق المسلمين في المستشفيات، وفي كليات الطب.
فالآن – بحمد الله – صار هناك مستوصفات يقوم عليها مسلمون، وتقدّم المساعدة للجميع، الطب للجميع، والتعليم للجميع، فلا يمكن أن يستأثر بالتعليم طائفةٌ دون أخرى.
وبدأ المواطن المسلم هناك يشعر بالأمان؛ بسبب توفر المساعدة الطبية الإسلامية اللازمة له.
هل قدّمت المنظمات الدولية مساعدات لكم في هذه المشاريع؟
المنظمات الدولية يئسنا منها, لم تكن تساعدنا أبداً, وكانت هناك مبالغ مساعدات كبيرة حاول القائمون عليها توزيعها على المستحقين من خلال المنظمات الدولية, فكانت تأخذ 40% من التكلفة، والباقي يرسلونه إلى جمعيات نصرانية، ولا يأتي للمسلمين إلا القليل جدّاً!
هل يعني تعصّب تلك الجهات وجود انقسام في المجتمع الإفريقي؟
الأفارقة طيبون بطبعهم، فهم يتعاونون بعضهم مع بعض، وما عندهم تفرقة, حتى إنّ المسلم إذا طبخ يعطي جاره النصراني، وكذلك بعض النصارى، والكنيسة عندما تتدخل تفرّق بين الناس, لكن الحمد لله بدأ الوعي ينتشر.
نعلم أنّ لكم اهتماماً كبيراً بالشخصيات الإفريقية البارزة في مجال الدعوة وخدمة التعليم، ومن تلك الشخصيات الرئيس التنزاني السابق علي مويني، كيف تنظرون إلى شخصية الرجل، وماذا قدّم إلى بلاده ومجتمعه؟
الرئيس التنزاني السابق د. علي حسن مويني (1985م – 1995م) أكمل ولايتَين في رئاسة تنزانيا، وقاد تنزانيا إلى اقتصاد السوق، وكافح الاشتراكية، هذا البلد (تنزانيا) حباه الله من النعم الشيء الكثير, عندهم مزارع، وعندهم معادن، وسياحة، وكلّ شيء، ولكنه ابتُلي بالاشتراكية التي ساوت بين المواطنين في الفقر, ونزّلت الغني إلى فقير.
أول عمل أقدم عليه الرئيس مويني أنه فتح الباب على مصراعيه لتحرير الاقتصاد، وحرية الأفراد في نواحي الفكر والمعتقد والنشاط الاقتصادي، وقال كلمته المشهورة: «مهمّة الدولة هي الدفاع والأمن, أما الاستثمار وبقية المرافق فهي من حقّ المواطن»، فازدهرت البلاد في عهده ازدهاراً عجيباً جدّاً.
وهو – وفّقه الله – حافظٌ لكتاب الله تعالى، كان يؤمّ المسلمين, ويذهب إليهم ويصلّي بهم التراويح في رمضان, ويؤمّهم في الجُمع والأعياد.
والغريب أنه حين أُعيد انتخابه كان أكثر مَن صوّت له من غير المسلمين, وذلك لما رأوا حرية التعدد والتسامح وهذا الازدهار الذي شهدته البلاد في عهده، في بلد أغلبيته أو دعنا نقول: النصف, نصفها مسلمون، والنصف الآخر منهم وثنيون ومنهم مسيحيون، كان يساوي بين الجميع في التعامل.
وكانت تجربة د. علي حسن مويني – الرئيس الأسبق لجمهورية تنزانيا المتحدة – تجربةً رائعةً في تحسين أحوال المسلمين, لكن المؤاخذ عليه الشدّة في ذلك الوقت, حيث أراد هذا الرئيس أن يغيّر أوضاع المسلمين السيئة بالقوة السياسية، وخصوصاً في مجال التعليم والمناصب السياسية، لأنه رأى أنّ المسلمين محرومون من التعليم العصري، ومن ثمّ من دخول البرلمان، لأنّ المسلمين أكثر من نصف السكان, وبرغم ذلك لم تكن نسبتهم تبلغ في المجلس أكثر من النصف.
قويت علاقتي بهذا الرجل، وهو يستحق التقدير والتكريم، السودان كانت أفضل من قدّر عمل هذا الرجل, حيث كرّمته منظمة الدعوة الإسلامية – التي يرأسها المشير عبدالرحمن سوار الذهب – على جهوده في دعم مسيرة منظمة الدعوة الإسلامية والعمل الخيري والطوعي بإفريقيا، كذلك تمّ تكريمه في جامعة إفريقيا العالمية.. جزاهم الله خيراً.
لكم صلات جيدة ومتميزة بالمشير عبدالرحمن حسن سوار الذهب الرئيس السوداني الأسبق، ورئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية، ما أبرز ملامح شخصيته وعلاقتكم به؟
المشير عبدالرحمن سوار الذهب رجلٌ نادر، حينما أُرغم على حكم السودان حَدّد لهم فترة, قال: الفترة كذا وكذا, وبعدها نعود إلى ثكناتنا ونترك الحكم المدني.. إلى آخره, فكانوا دائماً يقولون: إن شاء الله يتمّ كلّ شيء.. وكذا، ويطمئنونه، ويقول: أنا ابتُليت بهذا.. لست راغباً فيه.
شارك في إنشاء منظمة (الدعوة الإسلامية)، التي تأسست في رجب 1400هـ الموافق لمايو 1980م، وكان أول رئيس لها مبارك قسم الله، وكانت ولا تزال من أنجح المنظمات العاملة في إفريقيا.
والمشير سوار الذهب رجلٌ منصفٌ وعادلٌ، توجّه باهتمامه وجهده للدعوة إلى الله بإخلاص، أسأل الله له الثبات وحسن الإثابة.
وعلاقتي به قوية، قائمة على التعاون على الخير وما ينفع المسلمين، ودائماً يدعمنا في كلّ المجالات التي نقوم بها, وهو صديقٌ عزيز، وشخصيةٌ متميزةٌ فريدة، وفّقه الله، وزاده منطقاً وسداداً.
فضيلة الشيخ أنتم من أعضاء مجلس إدارة قناة إفريقيا الفضائية التي تُبثّ بعددٍ من اللغات الإفريقية لمجتمعات المسلمين في القارة؛ كيف تنظرون إلى دور الإعلام وأهميته في نشر الثقافة والدعوة واللغة في الوقت الراهن؟
الإعلام يؤدي دوراً مهمّاً وخطيراً في حياة الأمم، وكثيرٌ من المسلمين في إفريقيا جنوب الصحراء عاشوا فترة محرومين من سماع البرامج الدينية؛ من دروس وخطب ومواعظ.. إلى آخره, وعندما فكّر الإخوة في إنشاء هذه القنوات – جزاهم الله خيراً-، ورشحوني لعضوية المجلس، اقترحت عليهم أن نبدأ باللغة الأمهرية.. ثم انطلقت بعد ذلك القنوات بعدة لغات.
كما قلت لهم: هذه أرضٌ مُقفرة تحتاج إلى المطر، تحتاج إلى شيء يرويها، لكن انتبهوا لخطابكم وإلا سيحتجّ الكارهون للدعوة عليكم ويقولون: هذه القناة كذا وكذا وتفرّق بين الناس، انتبهوا كونوا في خطٍّ حياديّ، والتزموا بالمنهج الوسطي، ولا تنشروا إلا ما جاء به الإسلام الصحيح، ولا تنحازوا لأحد، ولا تفرقوا بين المسلمين, ولا تنشروا الأخبار التي تؤدّي إلى ذلك.. حتى لو كان الخبر الذي قد يسبّب مشكلةً منشوراً بمجلات ومصادر رسمية من الدولة.. لا تتعرضوا له, والحمد لله! التزم الجميع بهذا المبدأ.
وفوجئنا فعلاً بخطابٍ من إدارة قمر عرب سات، قالوا فيه: إنّ هذه المحطة أُنشئت للتفريق بين المواطنين. فرددنا عليهم: نتحدّى إذا كانت قناة إفريقيا العالمية التي تنطق باللغة الأمهرية أذاعت خبراً أو نشرت تحقيقاً أو قابلت شخصاً تكلّم في السياسة أو.. إلى آخره، فسكت الجميع وخرس الأفاكون.
تلقينا – ما شاء الله تبارك الله – آلاف الرسائل من الإخوة وجميع المسلمين في المنطقة تعبّر عن فرحتهم بالقناة, وقالوا: إنّ للإسلام في الحبشة يومين بارزين؛ الأول: هجرة الصحابة إلى الحبشة، وعندما أتوا استقبلهم النجاشي، والثاني: افتتاح هذه القناة، وعندما جاءت استقبلها المسلمون استقبال الأرض العَطْشَى للمطر.
طبعاً السلطات المحلية تخشى أن تدعو هذه القنوات إلى التفرقة أو العنف, لكن الحمد لله ربّ العالمين.. خاب ظنّهم، واستمرت القنوات في أداء رسالتها، وجاءتنا الصور والتقارير التي تشهد بأنّ المسلمين في هذه المنطقة الإفريقية فرحوا بها فرحاً شديداً؛ ونفع الله بها نفعاً كثيراً.
فضيلة الشيخ: في أثناء عملكم الدعوي مرّت بكم مواقف كثيرة مؤثرة، ولها دلالات كبيرة، هلا ذكرتم لنا موقفاً من هذه المواقف المؤثرة؟
كما ذكرتم المواقف كثيرة ومتنوعة، ومن أبرزها موقف وقع لأحد الدعاة وحدثني به: أنّ امرأةً تُدعى: «الحاجة عائشة»، من مدينة (موروغورو) في تنزانيا، أُعيد تخطيط الحيّ الذي تسكن فيه؛ فصار منزلها يطلّ على شارعٍ رئيسٍ – تمّت سفلتته وإنارته-، فذهبت إلى هذا الداعية، وقالت له: أريد أن أقدّم بيتي ليكون مسجداً أو مدرسةً لتحفيظ القرآن. فسألها الداعية: وأنتِ أين ستسكنين؟ فقالت: هذا أمرٌ يخصّني، أنا أريد أن أقدّم هذا البيت، وهو كلّ ما أملك في هذه الدنيا.
ولمّا بحث الداعية عن عملها ومصدر رزقها وجده عملاً بسيطاً، وهو صنع الفحم في الغابة ثمّ بيعه، ولمّا علم المنصّرون برغبتها في التبرّع بمنزلها؛ أتوا إليها وعرضوا عليها استبدال بيتها ببيتٍ آخر – غير مطلٍ على الشارع-، ووعدوها براتب 100 دولار شهريّاً؛ على أن يأخذوا بيتها ليكون كنيسة، فقالت لهم: حاشا لله حاشا لله! لا يكون هذا أبداً؛ أنا أريد به بيتاً في الجنّة.
وعند ذلك ذهبتْ مسرعةً إلى صاحبنا الداعية، وقالت له: أريد أن أتنازل الآن وبدون تأخير! وفعلاً تمّ نقل الملكية في الجهات الرسمية، ثم تمّ تجهيزه مسجداً؛ ولمّا رُفع فيه الأذان بكت من شدة الفرح – رحمها الله-.
في رأيكم هل تستطيع الدعوة الإسلامية في إفريقيا مواجهة التنصير بالرغم من إمكانيات المنصّرين الكبيرة؟
المنصّرون يصيحون يقولون: المسلمون في دعوتهم لا يصرفون ربع ولا خمس ولا خمسة في المائة ممّا نصرفه، وبالرغم من ذلك الإسلام ينتشر أكثر منا!
وهذا يدلّ على قوّة الدعوة الإسلامية، وعمق أثرها في النفوس، وسهولة نشر الإسلام؛ لأنه دين الفطرة، والإنسان الإفريقي قريبٌ من الفطرة.
كيف ترون ما حدث في إفريقيا الوسطى، وما ينبغي عمله في مثل هذه الأحداث بالقارة الإفريقية؟
الحقيقة.. هذه الأحداث يجب ألا تدفعنا إلى اليأس، فأمّة محمّد – عليه الصلاة والسلام – مبتلاة، والابتلاء يأتي قبل النصر, لا بد من ابتلاء، لا بد من امتحان، ولا بد من الصبر والاحتساب, الله تعالى يقول: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة : 24].
ولكن على المسلمين قادةً وشعوباً ألا يتركوا هؤلاء يقتلون المسلمين, لا يصحّ أن يُقال ما نستطيع أن نقدّم أكثر مما قدمنا، لا.. يجب أن تساعدهم بالعمل، بالقول، ننشر ما يجري لهم، ولو أنّ المسلمين استعملوا مع فرنسا شيئاً من المقاطعة الاقتصادية لكان لذلك أثرٌ في نجدة المسلمين.
كلّ البلاء أتى من الجنود الفرنسيين, الجنود الفرنسيون هم الذين شجّعوا على قتل المسلمين.
تلك الأحداث هزت كلّ مسلم, وفي كلّ مكانٍ مثل هذا يتعرض المسلمون للأذى, وهذا من غياب المرجعية الدينية القوية، وغياب التعاون بين المسلمين, واللهُ قادرٌ على أن يُصلح الأمور, وأسأل الله – تعالى- أن يجعل لكلّ مسلمٍ مضطهدٍ فرجاً.
في ظلّ التحديات التي تواجه عالمنا الإسلامي كيف تنظرون إلى مستقبل الإسلام في إفريقيا؟
هذا دين الله، واللهُ سبحانه يقول: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة : 33].
الإسلام هو الدين الموعود، حتى في الغرب، يظلّ انتشار الإسلام شيئاً محيّراً في الغرب؛ بالرغم من أنهم ينسجون ضدّه القصص الكاذبة، ويحيكون المؤامرات, ولكن المواطن الغربيّ كلما أثاروا قضيةً ضدّ الإسلام زاد بحثه عن الإسلام فدخل فيه, وبعد أحداث 11 سبتمبر زاد عدد المسلمين في أمريكا وفي الغرب.
فهم – مثلاً – ينفّرون من الإسلام من مدخل: أنّ الإسلام يُنقص المرأة في حقوقها, والعجيب هنا أنّ الذي يُسلم في الغرب أكثرهم من النساء, ومَن يدخلون الإسلام في الغرب كثيرٌ منهم يخدمون الدعوة الإسلامية، فهذا دليلٌ على انتشار الإسلام، وسهولة تعلمه، وملائمته للفطرة البشرية.
فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله آل الشيخ.. نشكركم على هذا اللقاء الممتع، الذي حوى الكثير من العبر والدروس والفوائد، نرجو من الله تعالى أن يجعلها في ميزان حسناتكم، ونود في الختام أن نعرف رأيكم في مجلة قراءات إفريقية؟
حياكم الله! أنا سعدتُ بالحديث معكم, مجلة قراءات إفريقية مجلةٌ مرموقة، تنشر تحقيقات قيّمة عن المسلمين وغير المسلمين, وأنا بصفتي طُويلب علم ألجأ لها دائماً وأستزيد منها، وأنتم الآن صارت لكم مكانة في إفريقيا, وانتشر حيّز قراءة مجلة قراءات إفريقية، فهذه المجلة من النوادر على الساحة الدعوية، ولها مكانة متميزة في الإعلام الإفريقيّ والإسلامي, فجزاكم الله خيراً على ما قدّمتم وما ستقدمون في الدعوة للإسلام.
ونصيحتي لكم: أنّ الحياة دائماً يشوبها تعبٌ وإرهاقٌ ونقدٌ؛ فلا تلتفتوا إلى ما يُقال.. استمروا على نهجكم، ولا يجرمنكم قومٌ انتقدوكم أو قالوا فيكم ما قالوا، الحياة كلها كفاحٌ وجهاد، والإنسان كما يجاهد بالسلاح يجاهد بالكلمة أيضاً, الكلمة جهاد، الكلمة الصادقة التي يحتسبها العبد عند الله يُثاب عليها، كما في الحديث الشريف: «الكلمة الطيبة صدقة» ، الكلمة الصادقة لها مفعولها بين الناس، فاستمروا على هذا النهج الطيّب، أعانكم الله فيه، وجزاكم الله خيراً.