تمهيد:
نشرت مؤسسة “كونراد إديناور/ Konrad Adenauer Stiftung” الألمانية(1) تقريرًا مطولًا أعدّه أولاف ليسينج(2)، رئيس برنامج الساحل الإقليمي في مالي، يتناول إرهاصات الانقلاب العسكري في النيجر وتداعياته على المصالح الغربية، وما يُشكّله من تهديدات في ظلّ ما يتوقعه مراقبون بشأن تصاعد النفوذ الروسي والصيني، بشكل غير مسبوق، في النيجر، خاصةً وأن التداعيات السياسية المتوسطة وطويلة المدى لم تتضح بعد، إلا أن القراءات الأولية لعدم الاستقرار في غرب إفريقيا ترجّح تهديدًا لا يقبل الشك للمصالح الغربية، خاصة الفرنسية، في القارة الإفريقية.
بقلم/ أولاف ليسينج
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر من الانقلاب المفاجئ في النيجر، عزَّز الجيش سلطته في الدولة الواقعة في منطقة الساحل، فيما لم تتمكّن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) من إقناع الجنرالات بالاستسلام للعقوبات والتهديد بالتدخل العسكري.
ولا تزال أوروبا مترددة في الاعتراف بالحكومة الجديدة لهذا البلد، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة لأوروبا في الحرب ضد الجماعات المسلحة، واحتواء الهجرة غير الشرعية؛ الأمر الذي يمنح روسيا الفرصة لتقديم نفسها شريكًا جديدًا.
وكان قائد الحرس الرئاسي، عبد الرحمن تياني، قد أطاح بالرئيس المنتخب، محمد بازوم، في نهاية يوليو 2023م، فيما لا تزال الملابسات الدقيقة غير واضحة. ويرى بعض المحللين والدبلوماسيين في نيامي أن الانقلاب كان بمثابة “حادث أو ردّ فِعْل”؛ حيث دافع تياني عن نفسه ضد إقالته الوشيكة مِن قِبَل بازوم، ثم تصاعدت الأوضاع في البلد الهشّ.
ويبدو أن الرئيس السابق قبل محمد بازوم (مامادو إيسوفو)، كان متورطًا أيضًا في الانقلاب؛ لأنه تدخل مرارًا وتكرارًا في السياسة، ما أثار استياء بازوم، بحسب ما تردد في نيامي. وقام إيسوفو، ذات مرة، بتعيين قائد الانقلاب تياني قائدًا للحرس، وهو يرفض، حتى يومنا هذا، إدانة الانقلاب بوضوح.
لقد استخدم تياني بذكاء الوضع الفوضوي للانقلاب من أجل إثارة المشاعر ضد مجموعة “إيكواس”، والقوة الاستعمارية السابقة الفرنسية لكسب الشعب إلى صفه. وبالفعل انضمت إليه وحدات الجيش الأخرى التي ترددت في دعمه في البداية خلال الأيام الأولى للانقلاب.
والواقع أن هناك الكثير من التفاصيل التي بدت على المحك بالنسبة لأوروبا؛ خاصةً وأن النيجر، باعتبارها دولة العبور الرئيسة للمهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط وشريكًا للغرب في الحرب ضد جماعات العنف في منطقة الساحل، تُعدّ ذات أهمية استراتيجية تفوق كلاً من بوركينا فاسو ومالي، والمتحالفتان أيضًا مع روسيا.
لقد كانت النيجر مستقرة نسبيًّا حتى وقت قريب، ولكنَّ الوضع تفاقم وأصبح حرجًا على نحو متزايد. وفرضت “إيكواس” عقوبات اقتصادية صارمة، وأغلقت حدودها مع النيجر. كما أوقفت نيجيريا المجاورة إمدادات الكهرباء، فيما تشهد أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا هائلًا، كما أن السيولة النقدية آخذة في النفاد؛ حيث تم تجميد احتياطيات البنك المركزي في النيجر في الخارج كجزء من الاتحاد النقدي الإفريقي. كما تواجه الحكومة صعوبة في دفع رواتب القطاع العام. والآن يتدهور الوضع الأمني؛ لأن الحكومة العسكرية تحشد قواتها في العاصمة من أجل الحماية الذاتية. علاوة على ذلك، قامت الدول الغربية بتجميد التعاون، بينما استغلت الجماعات المسلحة ذلك الوضع، وهاجمت الجيش عدة مرات في المنطقة الحدودية مع مالي وبوركينا فاسو مؤخرًا.
شعب النيجر يدعم الانقلاب:
لا يزال ما سيحدث بعد ذلك غير واضح تمامًا. فلم تكن هناك محادثات بين مُدبِّري الانقلاب ومجموعة إيكواس منذ أن هدّد رئيس الكتلة -الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو- بتوجيه ضربة عسكرية في بداية الانقلاب في حال لم يتم إعادة بازوم إلى منصبه في غضون أسبوع.
وكان هذا خطأ تكتيكيًّا؛ لأنه -وفقًا لخبراء أمنيين- لا تملك “إيكواس” القدرات اللازمة كي تشنّ مثل هذه العملية العسكرية. وبناءً عليه، تبخرت المهلة دون نتيجة. واستغل مُدبرو الانقلاب و”المؤثرون” الموالون لروسيا هذا التهديد على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشروا شائعة مفادها أن فرنسا تريد مهاجمة النيجر بالتعاون مع إيكواس. والكثير من الناس، بما في ذلك أنصار بازوم، آمنوا بالهجوم الوشيك واحتشدوا خلف مُدبري الانقلاب. وكان العديد من شعب النيجر قد رفضوا، بالفعل، تعاون بازوم الوثيق مع فرنسا وعودة القوات الفرنسية إلى بلادهم بعد الانسحاب من مالي في عام 2021م.
وعندما طالبت الحكومة العسكرية بعد ذلك بسحب 1500 جندي فرنسي (الرقم أكبر من ذلك بكثير بحسب تقديرات بعض الدبلوماسيين) والسفير الفرنسي، لامس ذلك وترًا حساسًا لدى العديد من النيجريين.
كما أجَّج الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المزاج العام برفضه الامتثال لهذا الطلب على مدار أسابيع. فكانت النتيجة: تغيُّر المزاج في البلاد أكثر فأكثر لصالح الانقلابيين؛ حيث أُقيم مخيم احتجاجي أمام القاعدة الفرنسية في مطار نيامي، وأُعيد تسمية الساحة أمامه بـ”ساحة المقاومة”. والآن أحكم الانقلابيون قبضتهم أكثر، وحتى أنصار بازوم لم يعودوا يطالبون بعودته.
محاولة روسيا توسيع نفوذها:
ومنذ ذلك الحين، تحصَّن تياني في قصره؛ حيث يُحتجز بازوم أيضًا في جناح آخر مع عائلته؛ كورقة مساومة من الحكومة العسكرية للمفاوضات المستقبلية، وكضمان ضد التدخل العسكري لمجموعة إيكواس. والواقع، يصعب قراءة الكثير حول هذا الجنرال، الذي نادرًا ما يلقي خطابات ولا يستقبل إلا عددًا قليلًا من الزوار؛ حيث استثنى السفير الروسي و”النجم المؤثر” الموالي لروسيا “كيمي سيبا”، وهو مواطن من بنين يحمل جواز سفر فرنسيًّا، والذي انتقد علنًا فرنسا والغرب في تجمع حاشد. والواقع، تأمل موسكو في ضم النيجر، وهي دولة أخرى في منطقة الساحل من المعسكر الفرنسي السابق، إلى منطقة نفوذها.
وبحسب دبلوماسيين، فإن موسكو تعرض بسخاء عقود الأسلحة ومرتزقة فاجنر، كما فعلت في مالي. كما أحضر السفير معه مِنحًا دراسية روسية للطلاب النيجريين. كما تتبع روسيا نفس الاستراتيجية التي اتبعتها بعد الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو.
نعم، لا يوجد دليل على تورط موسكو المباشر في الانقلاب في النيجر، لكن منذ اليوم الأول -عندما كان مصير بازوم لا يزال غير واضح-؛ دعم “سيبا” وغيره من “المؤثرين” قادة الانقلاب على وسائل التواصل الاجتماعي، وحاولوا إظهارهم للعامة بأنهم يمثلون حركة مناهضة للاستعمار وفرنسا.
كما قامت منظمة موالية لروسيا بتوزيع الأعلام الروسية أمام السفارة الفرنسية خلال الانقلاب. كذلك ساعدت روسيا في إنشاء تحالف دفاعي مع مالي وبوركينا فاسو، والذي جاء مباشرة بعد زيارة نائب وزير الدفاع الروسي إلى باماكو. وفي المقابل، ابتعد تياني ونظيره البوركيني، الرئيس إبراهيم تراوري، عن الحفل في مالي ووقَّعا الوثيقة في عاصمتيهما لأسباب أمنية.
ضبابية التعاون مع أوروبا في الوقت الراهن:
بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة، كانت النيجر بمثابة الأمل الأخير لتحقيق قدر ضئيل من الاستقرار في منطقة الساحل، حتى وقع الانقلاب. وفي عهد بازوم، أحرزت البلاد تقدمًا في الحرب ضد الجماعات المسلحة، وذلك أيضًا بفضل التعاون متعدد المستويات مع الجيوش الغربية.
وعلى الرغم من صعوبة الوضع الأمني أيضًا، إلا أنه كان لا يزال أفضل بكثير مما كان عليه في مالي وبوركينا فاسو؛ حيث تتصاعد أعمال العنف منذ الانقلابات. ومنذ الانقلاب في النيجر، توقف التعاون مع الجيوش الغربية. وكذلك اتبع الاتحاد الأوروبي خُطى فرنسا، التي تجد صعوبة في التكيف مع خسارة حليفها الرئيسي في منطقة الساحل. فلا توجد محادثات رسمية، على الرغم من أن بعض سفراء الاتحاد الأوروبي سعوا إلى إجراء لقاءات غير رسمية مع رئيس الوزراء ووزراء مختلفين.
وتدفع بلدان جنوب أوروبا، بشكل خاص، مثل إيطاليا، باتجاه استئناف العلاقات؛ فهي تخشى ألا تتمكن النيجر من مواصلة تنفيذ المعاهدة المبرمة لمناهضة الهجرة غير الشرعية. ففي عام 2015م، وتحت ضغط من الاتحاد الأوروبي، أغلقت البلاد طريق العبور إلى ليبيا وتلقت مساعدات واسعة النطاق لهذا الغرض. وفي أغادير، الواقعة شمال النيجر ومركز التهريب السابق، توجد الآن ضغوط لإعادة فتح الطريق؛ لأن العديد من النيجريين يتجهون إلى تهريب البشر، مرة أخرى، بسبب نقص البدائل الاقتصادية.
ومن الواضح أن الحكومة العسكرية ترفض أي تعاون مع باريس؛ فالضغط الذي يمارسه الشعب كبير للغاية. وفي محادثات غير رسمية، أشار الرجل الثاني في المجلس العسكري، وزير الدفاع، ساليفو مودي، إلى أن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى؛ مثل ألمانيا، لا تزال موضع ترحيب. ويعتمد الدبلوماسيون الأوروبيون على مودي لأنه أحد أصدقائهم القدامى منذ فترة التعاون العسكري الوثيق مع الأوروبيين. وسافر إلى باماكو في الأيام الأولى من الانقلاب والتقى بممثلي مجموعة فاجنر بالإضافة إلى القيادة العسكرية في مالي.
لكن المجلس العسكري لا يزال مترددًا في “فعل الكثير” مع روسيا، بحسب رؤى الدبلوماسيين والخبراء. ومن الواضح أن مبادرة “التآخي” بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو جاءت من البلدين الأخيرين؛ وكان رئيسا دولتيهما غويتا وتراوري قد التقيا في وقت سابق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سان بطرسبرج. وسبق أن حصلت النيجر على أسلحة وذخيرة وطائرات هليكوبتر من روسيا، ولكن فيما عدا ذلك، لا تزال العلاقات الثنائية محدودة. وكانت البلاد دائمًا متحالفة مع فرنسا. ولا توجد حتى سفارة روسية في نيامي، ولا يوجد تعاون عسكري طويل الأمد كما هو الحال مع مالي.
حظر “إيكواس” والانفجار الاجتماعي:
بحسب خبراء في نيامي، يُعد أحد أسباب تردد الجنرالات في الانفصال عن الغرب هو العقوبات وتصاعد معدلات التضخم. لقد أعطت القيادة العسكرية نفسها فرصة لالتقاط الأنفاس بطرد فرنسا، وراحت تحتفل بهذه الخطوة.
لكن هذا التصور الإيجابي يمكن أن يتبخر سريعًا إذا تفاقمت الأزمة الاقتصادية، وإذا لم تعد الحكومة قادرة على دفع رواتب القطاع العام في غضون أسابيع قليلة. لقد تم تعليق مشروعات التعاون التنموي الدولي، ما ينذر بأن موجة من الانفجار الاجتماعي بدأت تلوح في الأفق. كما يعد الحظر الذي تفرضه “إيكواس”، بدءًا من حظر الطيران إلى الحظر التجاري، أكثر صرامة أيضًا من الحظر المفروض على مالي في عام 2021م؛ لأن استيراد الغذاء والدواء ليس مسموحًا به هذه المرة.
وفي ذلك الوقت، تمكنت مالي أيضًا من الاعتماد على موانئ غينيا وموريتانيا التي لم تتأثر بالحصار. أما بالنسبة للنيجر، فلا يوجد لديها هذا الخيار. وعلى الرغم من أن البلاد متحالفة مع بوركينا فاسو، التي لا تلتزم بالحظر الذي تفرضه إيكواس، إلا أن الوضع الأمني هناك مأساوي للغاية؛ لدرجة أن عبور البضائع عبر البلاد تعتريه خطورة بالغة. لذلك تعتمد النيجر على بنين من خلال ميناء كوتونو التابع لها في الحصول على الواردات التي تشتد الحاجة إليها، ولكنها أغلقت حدودها مع جارتها الشمالية.
شمال مالي ينفجر… فهل تواجه النيجر المصير ذاته؟
من المؤكد أن تردد النيجر في الانفصال عن الغرب يرتبط بحقيقة مفادها أن الوضع في مالي المجاورة يخضع للمراقبة المشددة؛ وهنا تفاقم الوضع بشكل كبير منذ انتهاء التعاون العسكري مع الجهات الفاعلة الغربية والدولية. كما أن هناك معارك شبه يومية في الشمال بين القوات الحكومية والمتمردين الطوارق وجماعات العنف، وكلهم يحاولون ملء الفراغ الناجم عن انسحاب كامل لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) (والتي تضم أيضًا جنودًا من الجيش الألماني).
لقد طالبت مالي البعثة بمغادرة البلاد بحلول نهاية ديسمبر 2023م. وقد حافظت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على سلامٍ هشّ منذ عام 2013م بعد أن طرد الجيش الفرنسي المسلحين من الشمال، كما جرى انتقادها مرارًا وتكرارًا باعتبارها لم تكن فاعلة بالقدر المطلوب.
ولكن يبدو الآن أن البعثة الكاملة -باعتبارها مؤسسة محايدة لها قواعدها- قدمت مساهمة مؤثرة في الحفاظ على الأمن، واستطاعت الإبقاء على الفصل بين أطراف النزاع. والآن يحاول المتمردون والجيش السيطرة على القواعد التي تم التخلي عنها بالفعل. وسبق أن تعرض الجيش المالي لانتكاسات عديدة، لكنه يحاول حاليًّا السيطرة على معقل المسلحين في كيدال بمساعدة مرتزقة فاجنر.
ومن غير المرجح أن يتمكن الجيش المالي من الحفاظ على سيطرته، على المدى الطويل، على هذه المدينة النائية دون سحب قواته إلى مكان آخر. ولا يستطيع أيّ من الطرفين أن ينتصر في الصراع الدائر في الشمال، لكن القتال سيجلب موجات جديدة من اللاجئين إلى النيجر؛ حيث تهدد الصراعات الناجمة عن ذلك بمزيد من زعزعة الاستقرار في الدولة المجاورة.
وعلى الجانب الآخر من الحدود المشتركة مع مالي، نفّذ المسلحون في النيجر حوالي اثني عشر هجومًا ضد الجيش منذ الانقلاب، ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 جندي؛ وذلك بسبب الحكومة العسكرية في نيامي وعلى الحدود مع بنين (بسبب التهديد بتدخل مجموعة إيكواس) تتجمع الوحدات وتسحب فرنسا جنودها من النيجر. وقدم الفرنسيون الدعم الجوي والمشورة التكتيكية، فيما يتوقع دبلوماسيون أن يتزايد العنف في النيجر خلال الأشهر المقبلة مع توقف التعاون الغربي وجعل الحكومة من بقاءها أولوية قصوى.
وساطة الجزائر.. وقرارات صعبة للغرب:
تأمل الدول الغربية أن تتفاوض الجزائر، الجارة الشمالية للنيجر، مع مُدبِّري الانقلاب حتى يوافقوا على فترة انتقالية والعودة إلى حكومة منتخبة؛ إذ تتمتع الحكومة في الجزائر، بطبيعة الحال، بعلاقات جيدة مع الجيش والسياسة في النيجر، واقترحت في البداية مرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر.
في بداية الانقلاب، عارضت الجزائر التدخل العسكري من جانب إيكواس. ولكن في الآونة الأخيرة، تعطلت العلاقات الثنائية؛ حيث تقوم الجزائر بترحيل عدد كبير من المهاجرين عبر الحدود البرية الجنوبية إلى النيجر، بما في ذلك أولئك الذين لم يدخلوا البلاد على الإطلاق، مثل الماليين.
ولذلك كان رد فعل النيجر، في البداية، حذرًا على عرض الجزائر للوساطة، لكنه لم يرفض المحادثات بشكل أساسي. كما تتمتع الجزائر، الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، بالمصداقية؛ لأنها ليست قريبة من فرنسا.
وكلما طال أمد الأزمة في النيجر، كلما تعاظم خطر زعزعة استقرار البلاد وأجزاء أخرى من منطقة الساحل على نحو متزايد. ومن المؤكد أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى موجات هجرة جديدة عبر البحر الأبيض المتوسط. وبحسب دبلوماسي غربي في نيامي: “الأمر يتعلق كثيرًا بعلم النفس الآن. ويجب علينا بناء جسر للمجلس العسكري لاستئناف المحادثات مع إيكواس. فلا يزال أمامنا وقت قصير للتصالح مع الحكام الجدد، وإلا سوف نخسر دولة أخرى في منطقة الساحل لصالح روسيا”.
كذلك يشير خبراء التعاون التنموي إلى أن المشروعات في مالي وبوركينا فاسو لم يتم تجميدها بالكامل، كما هو الحال الآن في النيجر. لقد كانت البلاد محور التعاون التنموي الألماني والأوروبي في السنوات الأخيرة. وعادة ما تُصَمَّم المشروعات لتدوم سنوات عديدة، ولم تكن قد اكتملت بعد عندما وقع الانقلاب؛ فقد تم تجميد الأموال، لدفع مستحقات شركات الانشاءات، وتوقفت مشاريع البناء.
ومن أجل عدم التراجع عن العمل الذي تم إنجازه في السنوات القليلة الماضية، قامت بعض الدول الأوروبية؛ مثل ألمانيا وبلجيكا حاليًّا بإحضار الفِرق التي تم إجلاؤها بعد الانقلاب إلى نيامي من أجل الانتهاء على الأقل من المشاريع شبه المكتملة. وهذه خطوة صحيحة؛ فالمزيد من الفقر في النيجر من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الهجرة إلى البلدان المجاورة وأوروبا، فضلًا عن المزيد من التطرف. فلا توجد إجابات سهلة بشأن الموقف المعقد في النيجر، ولكن يتعين على أوروبا أن تتحلى بالمرونة الآن حتى لا تنزلق البلاد والمنطقة بالكامل إلى مستنقع عدم الاستقرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
(1) مؤسسة كونراد إديناور: هي مؤسسة غير ربحية، مقرها برلين، منبثقة من جمعية العمل التعليمي المسيحي الديمقراطي، تعمل في مجال السياسات الاجتماعية والاقتصادية بهدف المساعدة في تعزيز التكامل ودعم أواصر العلاقات بين ألمانيا ودول المنطقة وتحفيز الحوار الأوروبي المشترك، ولها 16 مكتبًا إقليميًّا، كما تنشط المؤسسة في أكثر من 120 دولة.
(2) أولف ليسينج: هو رئيس برنامج الساحل الإقليمي في مالي. عمل في السابق ولمدة 13 عامًا مراسلاً أجنبيًّا ورئيس مكتب وكالة رويترز للأنباء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، ويركز على أحداث الربيع العربي والصراعات والمهام العسكرية والتحولات السياسية والإرهاب والهجرة والاقتصاد وتغير المناخ. قام بتأليف كتاب عن الصراع في ليبيا. كما درس التاريخ والدراسات الإسلامية والاقتصاد في هامبورج ولايبزيج والكويت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط التقرير: