مع الارتفاع الرهيب في أسعار النفط وتعاظم قوة دول النفط يجدر السؤال : هل حانت اللحظة لاستغلال الدول الأفريقية لهذا السلاح الرهيب المتحكم في اقتصاديات العالم للضغط بطريقة أو أخري للحصول علي اهتمام عالمي أكثر بالقضايا الأفريقية المهملة ومنها قضية الفقر والتخلف وضعف التنمية وإهمال دور أفريقيا كقوة سياسية في العالم ، حيث لا يوجد منها دولة واحدة عضو في مجلس الأمن بصورة دائمة بينما هناك 3 دول غربية ؟!.
هناك في الغرب في مراكز الأبحاث التابعة لحكومات ومنظمات عالمية ، يطرحون هذه التساؤلات حول “الاستخدام السياسي” المحتمل لسلاح النفط الأفريقي خصوصا مع مؤشرات نضوب النفط العربي وتصاعد أسهم النفط والموارد المعدنية في إفريقيا خصوصا “نفط المسلمين” ، حيث الجزء الأكبر من النفط الأفريقي يقع في بلدان أفريقية غالبية سكانها مسلمين مثل نيجيريا والسودان وغينيا وتنزانيا وغيرها .
ثروة إفريقيا من النفط
وفقا لإحصاءات عالمية ، تمتلك الدول العربية المنتجة للبترول 643.1 مليار برميل من البترول الخام بنسبة 62.1% من الاحتياطي العالمي، وتنتج نحو 21 مليون برميل يوميًا بنسبة 31.5% من الإنتاج العالمي، وتصدر نحو 17.5 مليون برميل من هذا الإنتاج يوميًا .
وإذا أضفنا إيران إلى الدول العربية، فإن الاحتياطي النفطي يرتفع إلى 733.1 مليار برميل بما يوازي 70.8% من الاحتياطي العالمي، ويصل الإنتاج إلى 24.6 مليون برميل يوميًا بنسبة 36.7% من الإنتاج العالمي، ويرتفع التصدير إلى نحو 20 مليون برميل يوميًا .
وهذا غير دول إسلامية أفريقية وأسيوية أخرى تملك احتياط نفطية متوسطة، مثل: نيجيريا، وإندونيسيا، وماليزيا، .
وقد بدا البترول الأفريقي المنتج من بعض دول إسلامية (السودان – غينيا) يلعب دورا في الساحة العالمية ، فالتوقعات الرسمية الأمريكية أن تعتمد الولايات المتحدة علي حوالي 20% من احتياجاتها النفطية منه خلال العقد المقبل، ويتوقع “مجلس المعلومات القومي الأمريكي” أن ترتفع هذه النسبة إلى 25 % العام المقبل 2015م .
بل أن الإحصاءات الصادرة من الإدارة الأمريكية لشؤون النفط والطاقة تؤكد عمل كافة الترتيبات لرفع نسبة الاستيراد الأمريكي من النفط الأفريقي إلى 50 % من مجموع النفط المستورد بحلول العام 2015 .
علما أن الولايات المتحدة أكبر مستورد للنفط في العالم؛ حيث شكلت وارداتها حسب البيانات الأمريكية عن النصف الأول من عام 2001م نحو 63.2% من إجمالي الواردات الدولية من النفط، وتستورد وحدها يوميًا نحو 12 مليون برميل يوميًا .
وهناك تقديرات حديثة (عام 2008) تؤكد أن الولايات المتحدة لديها 21 مليار برميل احتياطي نفطي وهي تحتاج إلى 17 مليون برميل يوميًا في حين يبلغ إنتاجها سبعة ملايين برميل يوميًا، مما يعني أنها ومع حلول عام 2020 ستستورد 66% من احتياجاتها النفطية البترول وهو ما يفسر حالة اللهفة والاحتياج لبترول الشرق الأوسط وخاصة بترول العراق .
وهو ما يعني مستقبلا دورا أفريقيا كبيرا في التأثير علي السياسات الدولية ، ومن باب أولي رفع المظالم عن أفريقيا في العديد من القضايا ذات الطبيعة الاقتصادية والعنصرية.
البحث عن النفوذ الغائب في أفريقيا بسلاح النفط !
عندما وصف مسلمو تنزانيا (بوش) بأنه ” لص النفط” خلال المظاهرة التي استقبلوا بها الرئيس الأمريكي في مستهل جولته الأفريقية التي زار خلالها بنين ورواندا وغانا وليبيريا ، لم يخطئوا كبد الحقيقية (!) .. فجولات الرئيس السابق جورج بوش في إفريقيا كان غرضها الأساسي هو النفط والسعي للحصول علي قواعد عسكرية للقوة الأمريكية الجديدة لأفريقيا (أفريكوم) ، وما عداها من تقديم مساعدات لمشروعات ظاهرها إنساني ، ليس سوي “تخديم” علي هذا الهدف الأمريكي الاستراتيجي في وقت تؤكد فيه تقارير أمريكية رسمية أنه من المخطط الاعتماد علي 25% من النفط الأفريقي خلال العقد المقبل !.
ويتوقع مجلس المعلومات القومي الأمريكي أن ترتفع نسبة استيراد النفط من أفريقيا إلى 25 % بحلول عام 2015 ، بل أن الإحصاءات الصادرة من الإدارة الأمريكية لشؤون النفط والطاقة تؤكد عمل كافة الترتيبات لرفع نسبة الاستيراد الأمريكي من النفط الأفريقي إلى 50 % من مجموع النفط المستورد بحلول العام 2015 ! .
عين أمريكية علي “نفط” أفريقيا
ولو تابعنا أي زيارة لأي مسئول أمريكي أو حتى إسرائيلي سوف نلحظ أن أي جولة لا تخلو من المصالح الإستراتيجية طويلة الأجل التي لا تخطئها العين ، وكل ما يتردد علي لسان المسئولين الأمريكيين من أن جولتهم لها أهداف إنسانية وأن “أمريكا ترأف بالأفارقة” هو مجرد قنابل دخان لإخفاء أغراض الزيارة الرئيسية أو علي الأقل توفير الأجواء الملائمة للوجود الأمريكي هناك وتهيئة الساحة الأفريقية للنفوذ الأمريكي القادم بقوة وعينه علي نفط وثروات أفريقيا .
أما الجانب الأخر غير الظاهر من الزيارات الأمريكية عموما لأفريقيا فهو ضمنا محاربة ومنافسة النفوذ الأوروبي والصيني ، بل والإيراني في أفريقيا في مجال استغلال ثروات القارة السمراء من الطاقة والموارد المعدنية .
أهداف خيرية تخدم مصالح إستراتيجية
وقد لوحظ حرص الرئيس السابق بوش علي زيارة أفريقيا مرتين في 2001 و2008 ، وكذا حرص الرئيس الحالي أوباما علي زيارة أفريقيا عام 2013 ، وذكر تقارير غربية أن النفط هو سبب رئيسي من أسباب الزيارة .
والأغرب أنهم في هذه الزيارات يقدمون مبادرات للدول الأفريقية – كما قال دونالد كابيروكا رئيس البنك الأفريقي للتنمية – للتركيز على زيادة استفادة أبناء القارة من الطاقة الكهربائية المستدامة والرخيصة مثل التي تأتي من بناء السدود ، فيما يعقدون الصفقات للحصول علي النفط اللازم لمحطات الطاقة .
ويرصد مراقبون أن زيارة أي رئيس أمريكي لأفريقيا لا تتزامن فقط مع تقديرات لخبراء الاقتصاد الدوليين من أن اقتصاد القارة سيكون هو الأسرع نموا على مستوى مناطق العالم خلال الأعوام القادمة ، بل تتزامن أيضا مع اهتمام الولايات المتحدة بالاستثمار في المجال النفطي بالقارة التي اكتشف النفط في عدد غير قليل من بلدانها مثل تنزانيا والكونغو وأنجولا وأوغندا وغانا وجنوب السودان، بالإضافة إلى منتجي النفط الرئيسيين في القارة مثل ليبيا ونيجيريا والجزائر واكتشافات اليورانيوم الهائلة في تنزانيا، ومن ثم زادت أهمية القارة في معادلة المصالح الأمريكية .
أيضا خلال زيارو سلفه بوش وكبار مساعديه حرص علي تغليف زيارته الأفريقية بطابع إنساني ، وسعوا لإظهار بوش وأمريكا بصورة إيجابية متواضعة وركزوا علي الحديث عن “شراكة متساوية” مع الأفارقة ، ولم ينسوا التلميح للغرض الذي من أجله قدموا المساعدات بأن “اليأس هو المسبب للهجمات المتطرفة” .
وقدمت حكومة بوش برامج محددة في إطار شراكة أميركية- إفريقية بشأن : (مكافحة الإيدز) أو “بيبفار” بتخصيص 30 مليار دولار إضافية لأفريقيا خلال السنوات الخمس القادمة، و(مبادرة الملاريا) بميزانية تبلغ 1,2 مليار دولار ، و(مبادرة التعليم في إفريقيا) التي تؤمن 600 مليون دولار على امتداد 8 سنوات للتعليم الأساسي ، و(مبادرة مكافحة الجوع) عبر مساعدات غذائية لـ 23 مليون نسمة في 30 بلد عام 2007 ، ومبادرة “إلغاء الديون” .
وهذا غير خطط (تعزيز أنظمة الحكم الديمقراطية الشفافة الخاضعة للمساءلة والمحاسبة في دول العالم النامي من خلال هيئة تحدي الألفية)، التي وافقت منذ العام 2004 على اتفاقات تزيد قيمتها على 5,5 مليار دولار مع 16 دولة شريكة، الكثير منها دول إفريقية ، و(توسعة التجارة وفتح الأسواق) ، ولكن الهدف الأمريكي هنا هو تغيير أنماط التعامل الأمريكي مع القارة خدمة لمصالحها .
وما لم يقله المسئولون الأمريكيون أن الهدف الأمريكي هو (تعبيد) الطريق في أفريقيا عبر سلسلة من المشروعات التنموية والإنسانية سوف تكلف أمريكا بعض الملايين من الدولارات ، ولكنها ستؤمن مستقبلا المليارات للمصالح الأمريكية في القارة الأفريقية !.
لهذا من المهم أن يبدأ قادة الدول الأفريقية في البحث عن دور سياسي أكبر لأفريقيا مستفيدين من سلاح النفط الأفريقي كسلاح سياسي ، وألا يسمحوا بعودة الاستعمار الغربي مرة أخري في صورة إنسانية أو اقتصادية ، والاستفادة من هذا النفط في دور تنموي وسياسي قوي في عالم اليوم .