نهال أحمد السيد
باحثة ماجستير – كلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة
تعالت المُطالَبات الصومالية بإرجاء انسحاب 3000 جندي من قوات “أتميس” التابعة للاتحاد الإفريقي، ثلاثة أشهر -والتي كان من المقرر انسحابها سبتمبر الماضي- لحين إعادة تنظيم صفوف القوات الصومالية، وتأهيلها للتصدي لأيّ تهديدات، بعدما شهدت البلاد جُملةً من التوترات الأمنية، عقب المرحلة الأولى من انسحاب قوة “أتميس” خلال شهر يونيو الماضي؛ حيث شنَّت حركة شباب المجاهدين سلسلة من الهجمات استهدفت مسؤولين حكوميين، ومؤسسات حيوية، مما دفَع مجلس الأمن لإصدار قرار في منتصف نوفمبر يقضي ببقاء القوات ثلاثة أشهر؛ استجابةً للمطلب الصومالي. الأمر الذي يثير تساؤلات حول ماهية الوضع الأمني في الصومال حاليًّا، وما ستؤول إليه الأمور مستقبلًا، عقب الانسحاب الكامل لأتميس.
أولاً: أسباب تأجيل انسحاب “أتميس”
أصدر مجلس الأمن في 15 نوفمبر 2023م، قرارًا بإرجاء انسحاب القوات التابعة للاتحاد الإفريقي لمدة 90 يومًا، بناءً على مطالب من الحكومة الصومالية المركزية([1]).
ويرجع تأجيل انسحاب القوات لجُملة من الأسباب، نذكر منها التالي:
1- احتمالية حدوث فراغ أمني:
تخشى الحكومة الصومالية من حدوث فراغ أمني في حالة انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي؛ الأمر الذي يؤدي لفقد سيطرتها على المناطق التي تمكَّنت من استعادتها، مما يعني احتمالية عودة نفوذ حركة الشباب مجددًا، ناهيك عن الأزمات السياسية التي يمكن أن تعصف بالبلاد لمصير مجهول، مع احتدام الصراع بين العشائر المختلفة، وانقسامهم حول دعم الحكومة المركزية، كما أن الأزمات الاقتصادية التي تواجهها البلاد يمكن أن تؤدي لحالة من الغضب الشعبي إزاء النظام الحاكم، وما سيعزّزها بشكل كبير انخفاض مستوى الأمن العام.
2- تنامي طموح القاعدة:
يسعى تنظيم القاعدة إلى توسيع رقعة انتشاره عبر أذرعه المختلفة، ومن ضمنها حركة شباب المجاهدين، وقد انعكس ذلك على وتيرة العمليات الإرهابية، وما أسفر عنها من قتلى وجرحى، فوفقًا لتقديرات أُممية بلغ عدد القتلى في صفوف المدنيين، جرّاء العمليات الإرهابية، منذ بداية العام الجاري إلى 1289 صوماليًّا([2]). ومن جهة أخرى؛ فإن ازدياد وتيرة العمليات الإرهابية يتطلب توجيه اقتصاد البلاد للدعم التسليحي والعسكري، وهو ما سينعكس بالسلب على قدرة الدولة على تلبية احتياجات مواطنيها، وهو الأمر الذي سيعزز من موجة الغضب في ظل مجتمع تتصاعد فيه النعرات القبلية والإثنية، وهو ما سيؤدي لتصاعد معدلات العنف وعدم الاستقرار.
3- تهديد المصالح الدولية:
تخشى الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من تهديد مصالحها الاستراتيجية بالإقليم، ويُستدلّ على ذلك من الاتهامات التي وجّهتها الأمم المتحدة لإيران بدعم وتمويل نشاط حركة الشباب، الأمر الذي يعني ضرورة مدّ فترة التمركز العسكري الدولي، لمنع سيطرة إيران، وتحكُّمها في المشهد السياسي الصومالي، وكان ذلك سببًا في استجابة مجلس الأمن السريعة لمطلب الحكومة المركزية بإرجاء انسحاب القوات.
4- التنافس الراديكالي:
يشهد إقليم الساحل والصحراء تنافسًا محمومًا، بين تنظيمي القاعدة وداعش؛ حيث يسعى كلٌّ منهما لتوسيع رقعة نفوذه، الأمر الذي يؤدي لمواجهات مستمرة فيما بينهما، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على سياسات التنظيمين في الحشد، وتوفير مصادر التمويل المختلفة؛ لضمان استمراريته، لذا سيسعى تنظيم القاعدة ممثلًا في حركة الشباب نحو دعم استراتيجيته المتعلقة باستقطاب مزيد من العناصر لصفوفه، مستغلين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الهشَّة، وهو ما تخشى الحكومة الصومالية المركزية من حدوثه.
5- التأثيرات المناخية:
تُواجه البلاد تغيُّرات مناخية شديدة الصعوبة، فهناك موجات من الجفاف أثرت على المحاصيل الزراعية، فيما شهدت أقاليم جنوب غرب البلاد موجات فيضانات مفاجئة، أدَّت إلى غرق بعض القرى، ونزوح أكثر من 700000 مواطن، الأمر الذي أدَّى لتهديدات متفاقمة للأمن الغذائي للبلاد، وانتشار المجاعات، وهو ما من شأنه تعميق الأزمة([3]).
ثانيًا: مستجدات الأوضاع الأمنية
تتصدر حركة شباب المجاهدين قائمة التنظيمات الإرهابية المتمركزة شرق إفريقيا؛ فخلال عام 2022م ارتبطت الحركة بنحو 2553 عملية إرهابية، أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 6225 شخصًا، ما يعني زيادة قدرها 120% عن الهجمات منذ عام 2019م، كما شهدت الفترة التي أعقبت الانسحاب الأول لقوات الاتحاد الإفريقي يونيو الماضي تصاعدًا في وتيرة الهجمات والعمليات الانتحارية، التي قامت بها حركة شباب المجاهدين، ويعتبر شهر سبتمبر الماضي الأعلى في حصيلة العمليات منذ عام 2006م؛ حيث نفّذت الحركة أكثر من 14 عملية انتحارية عن طريق تفخيخ السيارات والمركبات، مما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 70 شخصًا، كما استهدفت تلك العمليات مواقع يتردد عليها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وبعض المسؤولين الحكوميين، إلى جانب مناطق أخرى تشهد تجمعات لمدنيين([4]).
ووفقًا لتقرير صادر عن “مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة”، وقع أكثر من 20 هجومًا مسلحًا خلال الفترة من 27 مايو إلى 23 يونيو من العام الجاري، مما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 700 شخص، كما شهدت المناطق المحيطة بالعاصمة مقديشيو تزايدًا في معدلات الهجمات، التي استهدفت بعثة الاتحاد الإفريقي “أتميس”، ففي أواخر مايو الماضي، شنَّت الحركة هجومًا على قاعدة بولومرير، تضمّ جنودًا أوغنديين على بُعْد 130 كم من العاصمة؛ حيث أسفر الهجوم عن مقتل 54 جنديًّا، وفرار باقي الجنود، مما أدى لسيطرة حركة الشباب على القاعدة، والمواقع المحيطة بها، ويعتبر هذا الهجوم هو الأسوأ خلال 2023م؛ حيث جاء بالتزامن مع المرحلة الأولى لانسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية([5]).
وفي يوليو تمَّ شنّ هجوم على مركز للعمليات في غريلي بولاية جوبالاند، كانت تضم جنودًا كينيين، ومع ذلك تمكَّنت القوات الصومالية من إحباط الهجوم، وفي أغسطس شنَّت الحركة هجومًا واسعًا بمنطقة عوسيوني وسط الصومال؛ حيث تتمركز قوات خاصة صومالية كانت قد تلقَّت تدريبات مكثفة بتركيا، وتمكَّنت الحركة من تكبيدهم خسائر فادحة، كما كشف تقرير عن الأمم المتحدة أن حركة الشباب تسعى باستمرار نحو تطوير أسلحتها ومعداتها؛ حيث كشفت الهجمات الأخيرة على مواقع حكومية، عن استخدامهم صواريخ الكاتيوشا.
من جهة أخرى، سعت الحركة نحو تمديد أنشطتها؛ حيث قامت باستهداف مواقع حدودية، فعلى سبيل المثال؛ تم استهداف خمسة مدنيين في مقاطع لامو الكينية على الحدود مع الصومال، الأمر الذي دفع السلطات الكينية لإعلان إرجاء فتح الحدود المشتركة مع الصومال([6])، كما شنَّت الحركة هجومًا على بلدة دولو على الحدود المشتركة مع إثيوبيا؛ حيث تسعى حركة الشباب من وراء ذلك لتحذير دول الجوار من الاشتراك في أيّ جهود تسعى للقضاء على الحركة.
مما سبق نصبح بصدد عدة ملاحظات، تتعلق بطبيعة نشاط حركة الشباب خلال الفترة الأخيرة، والذي بدا جليًّا تأثُّره بالظروف السياسية والاقتصادية للبلاد، نذكر منها ما يلي:
1- استهداف المؤسسات الحكومية:
شهدت الفترة الأخيرة استهدافًا مكثفًا للمؤسسات الحكومية، ومناطق تردُّد المسؤولين، كما حدث في يناير الماضي بعد استهداف مواقع بالقرب من القصر الرئاسي بقذائف هاون، مما أسفر عن وقوع عدد من القتلى والإصابات، وفي فبراير الماضي تم استهداف حي يقع وسط العاصمة مقديشيو؛ ويضم عددًا من المقار الحكومية بخمس قذائف هاون، وفي يناير 2022م نجا مستشار رئيس الوزراء الصومالي محمد إبراهيم معلمو من محاولة اغتيال، نفَّذها انتحاري من حركة الشباب، وتدحض هذه العمليات مزاعم القوات الصومالية بشأن قدرتها على القضاء على الحركة، والتغلب عليها وفقًا للخطة التي وضعها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، منذ وصوله لسُدّة الحكم، والتي قام خلالها بوضع هدف القضاء على الحركة نهاية 2024م باعتباره أولوية استراتيجية.
2- استهداف المواقع والقواعد العسكرية:
شهدت الفترة الأخيرة استهدافات متتالية للقواعد العسكرية، ونقاط تمركز الجنود، ولعل استهداف قاعدة بولومرير كان الأصعب خلال هذا العام، وتهدف الحركة من وراء ذلك لإظهار قدرتها على إحداث اختراقات أمنية، واستغلال ذلك في الترويج لقدراتها العسكرية، والضغط على الدول المشاركة ضمن تحالف للقضاء عليها.
3- استهداف المناطق السياحية:
أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مرارًا على قدرة القوات الصومالية على حفظ الأمن العام، وأن بلاده قادرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في البلاد والقضاء عليها؛ لذا قامت حركة الشباب بوضع الفنادق والمناطق السياحية ذات الحراسة المشددة ضمن أهدافها، في محاولة للتشكيك في القدرات العسكرية الصومالية في حفظ الأمن. فعلى سبيل المثال استهدفت عناصر من الحركة فندق بيرل بيتش يوليو الماضي، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا، وقاموا أيضًا بمحاصرة فندق الحياة في 19 أغسطس الماضي، مما أسفر عن مقتل 30 شخصًا، وإصابة 117 آخرين، بينهم مدير أمن المخابرات([7]).
4- تنويع مصادر التمويل:
تسعى الحركة باستمرار للبحث عن مصادر تمويل؛ بغية ضمان استمراريتها، وقدرتها على مواصلة التمركز والانتشار، فوفقًا لتقارير؛ تقوم الحركة بتحصيل 100 مليون دولار سنويًّا، تنفقهم على تدريب وتسليح ما يقرب من 10 آلاف مقاتل، ناهيك عن تجنيد شبكة من النشطاء والعملاء.
وتُعدّ الإتاوات المفروضة على سكان المناطق التي تسيطر عليها الحركة ضمن المصادر الرئيسة للتمويل؛ حيث تفرض الحركة على الموطنين دفع 2.5% من ممتلكاتهم سنويًّا، ويتم التحصيل بواسطة الذراع الاستخباراتي للحركة، ومن يمتنع عن الدفع يتم عقابه. وتقوم الحركة بجمع الإتاوات من 10 مناطق من أصل 18 منطقة في الصومال، كما شرعت الحركة في تجنيد موظفي بعض البنوك لنقل التمويلات، عبر الحسابات المصرفية، في صورة تحويلات للزكاة، وجمع الصدقات، ووفقًا لتقرير صادر عن معهد هيرال المعني بالدراسات الأمنية، يُعدّ الميناء البحري في مقديشيو مصدرًا رئيسًا لتمويل الحركة، فرغم سيطرة الحكومة الصومالية عليه، إلا أن الحركة تفرض ضرائب على الواردات التي تمر خلاله إجباريًّا([8]).
5- توظيف قبائلي:
تعاني الصومال، كحال باقي الدول الإفريقية، أزمة اندماج وطني؛ لذا تستغل الحركة تلك المعضلة، وتقوم باستقطاب القبائل التي تمتلك خلافات مع الحكومة، كعشيرة «هوية» التي ينقسم زعماؤها بين مؤيدين للحكومة، وآخرين داعمين لحركة الشباب، من جهة أخرى تشعل الحركة صراعات عشائرية، في محاولة لتحييد جهودهم عن مساندة الحكومة.
6- توسيع أنشطتها:
سعت الحركة إلى تمديد أنشطتها الإرهابية لدول الجوار، لا سيما تلك التي ترتبط بحدود مشتركة مع الصومال؛ ككينيا وإثيوبيا، ففي 8 يونيو الماضي شنَّت الحركة هجومًا بعبوة ناسفة على قاعدة مانديرا شمال كينيا، مما أدى لإصابة شرطيين، وفي 7 يونيو الماضي تم شنّ هجوم على قاعدة عسكرية تضم قوات إثيوبية ببلدة دولو، عبر سيارتين مفخختين، ناهيك عن استهداف قاعدة عسكرية تضم جنود أوغنديين، ويرجع الهدف من وراء تلك الاستهدافات إلى الضغط على دول الجوار لسحب قواتها، وتوقف الحرب الشاملة للقضاء على الحركة.
7- دعم راديكالي:
تتسم العلاقة بين التنظيمات المسلحة داخل القارة الإفريقية وخارجها بالتشابكية، ويُعدّ ذلك ضمن السمات الجديدة التي طرأت على طبيعة الإرهاب الدولي؛ حيث حظيت العمليات التي تقوم بها حركة الشباب بدعم كبير من تنظيمات أخرى، فقد أثنى تنظيم القاعدة على العملية التي شنَّتها الحركة على قاعدة سيمبا في خليج ماندا الكيني، ضمن سلسلة هجمات تحت مسمى «القدس لن تهود»، على خلفية تنامي العلاقات الكينية الإسرائيلية، كما قامت الحركة أيضًا بدعم بعض الجماعات بالقارة، كجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في عملياتها ضد القوات الفرنسية.
ثالثًا: أبرز السياقات
تأتي مستجدات الوضع الأمني الصومالي في خِضَم جُملة من التطورات، التي يمكن إبرازها على النحو التالي:
1- طبيعة الأوضاع السياسية:
قد يبدو للوهلة الأولى أن الأوضاع السياسية شهدت قدرًا من الاستقرار، منذ تولي حسن شيخ محمود، الحكم، منتصف مايو 2022م، لا سيما بعدما وضع مهمة إعادة الاستقرار، والقضاء على حركة شباب المجاهدين على رأس أولوياته، وسعى جاهدًا للحصول على دعم إقليمي ودولي لتنفيذ تلك المهمة، ورغم ذلك فما أحرزته سياساته يتسم بالمحدودية، مقارنةً بوَضْع حركة الشباب، التي لا تزال تسيطر على مناطق واسعة، ناهيك عن عدد من المشكلات الجذرية التي تعاني منها البلاد؛ فعلى سبيل المثال هناك أزمة ثقة قائمة بين الحكومة المركزية، والحكومات المحلية، كما تصاعدت أزمة العشائر، بعدما شهدت الفترة الأخيرة حالةً من الانقسام بين زعماء القبائل المختلفة، فيما يتعلق بالدعم المقدم لجهود مكافحة الإرهاب، من جهة أخرى هناك تأثير مباشر للتطورات العالمية على الوضع الداخلي الصومالي؛ كتداعيات جائحة كورونا، وتأثيرها على الاقتصاد، كذلك أزمة المناخ التي أدَّت لانتشار الجفاف، فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية يحتاج أكثر من نصف الصوماليين لمساعدات إنسانية عاجلة، من جهة أخرى أدت الحرب الروسية الأوكرانية لتداعيات اقتصادية خطيرة، لا سيما في ظل الوضع الهشّ للاقتصاد الصومالي.
2- تأرجح نتائج جهود مكافحة الإرهاب:
رغم الإنجازات الميدانية الملموسة التي حققتها المرحلة الأولى من الخطة الأمنية العسكرية، التي أطلقتها الحكومة الصومالية أغسطس 2022م؛ حيث نجحت خلالها في القضاء على 3000 عنصر، واعتقال ما يقترب من 700؛ إلا أن المرحلة الثانية من الخطة، والتي بدأت أغسطس 2023م، شهدت تراجعًا وبطئًا ملحوظًا فيما أحرزته ميدانيًّا، لا سيما بعد انسحاب ألف جندي من قوات بعثة الاتحاد الإفريقي؛ تمهيدًا لانسحاب باقي البعثة خلال سبتمبر الماضي، وقد أدّى ذلك إلى طلب الحكومة الصومالية إرجاء انسحاب البعثة الإفريقية لمدة 90 يومًا، وهو ما وافق عليه مجلس الأمن؛ الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن أسباب تراجع جهود مكافحة الإرهاب، وما ستحمله الأيام القادمة، بعد تمركز قوات البعثة 3 شهور إضافية([9]).
3- تمدد النشاط الإرهابي في عموم القارة:
وفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي، شهد إقليم الساحل والصحراء أعلى معدلات للهجمات الإرهابية خلال الفترة من 2012-2022م؛ حيث شهدت الصومال زيادة في معدلات الهجمات بنسبة 96%، فيما بلغت الزيادة في موزمبيق بمقدار 40 ضعفًا، كما بلغت الوفيات في الدولتين 52% من إجمالي الوفيات الناتجة عن أعمال إرهابية بالإقليم خلال العقد الأخير([10]).
4- تنوع تكتيكات الحركة:
منذ بداية المرحلة الثانية من العملية العسكرية في أغسطس 2023م، بدأت الحركة في تنويع تكتيكاتها؛ حيث تبنَّت أسلوب الكرّ والفرّ، وشنّ الهجمات المتقطعة، من جهة أخرى بدأت الحركة توسيع أنشطتها خارج الحدود الصومالية، فقامت بشنّ هجمات في كينيا وإثيوبيا، في محاولةٍ لتوسيع قاعدة نفوذها، واستقطاب عناصر جديدة.
رابعًا: دلالات عدة
تشير التطورات الأخيرة في نشاط حركة شباب المجاهدين لعدة دلالات، نذكر منها ما يلي:
1- تسعى الحركة من وراء الاستهدافات المتتالية للمسؤولين، والمؤسسات الحكومية، إلى إحراج الحكومة المركزية الصومالية، وإرباك خطتها، وإيضاح قدرة الحركة على إحداث اختراقات أمنية. ومن جهة أخرى يعكس استهداف الحركة للمدنيين إلى إضعاف ثقتهم بقدرة الحكومة المركزية على حمايتهم، وترهيبهم، بغية استقطابهم، مستغلين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشَّة، التي تدفع البعض لتفضيل خيار الانضمام للحركة.
2- أما على صعيد توسيع الاستهداف ليشمل دول جوار ككينيا وإثيوبيا؛ فهي تسعى من وراء ذلك للضغط عليهم، بغية تخلّيهم عن دعم الحكومة الصومالية، مستغلة الأوضاع الأمنية والاجتماعية المتأزمة، التي تمر بها تلك البلاد.
3- تسعى الحركة لاستعادة بعض المناطق التي تمكنت القوات الصومالية من السيطرة عليها، كإقليم جلجدود وغلدمج، منعًا لسيطرة الجيش على مناطق كاملة وسط البلاد، الأمر الذي يؤثر على إمكانية تواصل الحركة مع أعضائها في باقي الأقاليم، وقد تبلور هذا التوجه بعد انطلاق المرحلة الثانية من العملية العسكرية أغسطس الماضي.
4- يعكس تصاعد معدلات العمليات الانتحارية خلال الشهرين الماضيين، إمكانية تعرُّض الحركة لأزمة فيما يتعلق بالحصول على الدعم اللوجستي وإمدادات السلاح، على خلفية الحصار الذي فرضته قوة الاتحاد الإفريقي، إلى جانب تحركات الحكومة الصومالية باتجاه تجفيف منابع التمويل منذ أغسطس 2022م، وهي التطورات التي دفعتها لتبني النهج الانتحاري مؤقتًا، كونه أقل تكلفة، ولا يشكل ضغطًا على ميزانية الحركة.
خامسًا: أبرز السيناريوهات
في خضم ما تناولناه، تصبح الأوضاع الأمنية الصومالية بصدد سيناريوهين رئيسين:
- السيناريو الأول: الاستفادة من وجود قوات أتميس:
يرتكز هذا السيناريو على استفادة الحكومة المركزية من استمرار تمركز قوات أتميس في البلاد، واستئناف المرحلة الثانية، من العملية العسكرية التي بدأتها القوات في أغسطس 2022م، ومِن ثَم تحقيق العديد من الإنجازات، عبر فرض السيطرة على مناطق كاملة وسط البلاد، والعمل على تجفيف منابع تمويل الحركة، ومع ذلك يظل هذا السيناريو مرتهنًا بالتكتيك الذي ستتبنَّاه حركة شباب المجاهدين؛ حيث يمكن أن تعيد الحركة هيكلة إستراتيجياتها، بما يتوافق مع المستجدات الميدانية، عبر تبنّي نهج الهجمات المتقطعة، وتنفيذ العمليات الانتحارية؛ حتى لا تُستنزف مواردها، وهو ما شرعت الحركة في تنفيذه مؤخرًا، وتمكنت من إحداث اختراقات في البُعْد الأمني للقوات الصومالية.
- السيناريو الثاني: الانتظار لحين الانسحاب التام لقوات أتميس:
يرتكز هذا السيناريو على تهدئة خط المواجهة، وتراجع الحركة ميدانيًّا، لحين انسحاب القوات الأجنبية بشكل كامل، وحينها تبدأ الحركة التموضع مرة أخرى، واستعادة نفوذها، مستفيدةً من الدعم الذي تتلقاه من القاعدة، ويُعتبر هذا السيناريو ضعيفًا نسبيًّا؛ لأن الحركة ستخشى أن تؤدي حالة السكون في أنشطتها، إلى خسارة مناطق تمركزها، وفقد الدعم القبائلي لها، كذلك تُمكّن الحكومة من تجفيف منابع التمويل اللازمة لاستمرار نشاط الحركة.
وأخيرًا؛ فإن مسألة اقتلاع حركة الشباب أمر بالغ الصعوبة، يرتهن بعدة عوامل؛ لعل أبرزها: استمرارية الدعم الذي تتلقاه القوات الصومالية من الخارج، وتدعيم قدراتها القتالية، وتطوير منظومتها التسليحية، ناهيك عن إنجاح محاولات رأب الصدع الداخلي، والتفاف العشائر المختلفة حول هدف وطني واحد، وهو القضاء على حركة الشباب، بعيدًا عن حالة الاقتتال الداخلي، التي أفسحت المجال لتمركز وانتشار التنظيمات الإرهابية.
…………………………………………………….
[1] Security Council Extends Authorization of African Union Transition Mission in Somalia, Unanimously Adopting Resolution 2710 (2023),UN,15/11/2023, available at: https://2u.pw/PpZsfMS
[2] Somalia: Insecurity worsens, civilians pay the price UN,19/10/2023, available at: https://2u.pw/Jam0t8M
[3] Somalia flash floods kill dozens, leave hundreds of thousands homeless, France 24,21/11/2023, available at: https://2u.pw/dVdbSUy
[4] Global Terrorism Index 2022, available at: https://reliefweb.int/report/world/global-terrorism-index-2022,
[5] Somalia: Political Turmoil Threatens the Fight Against Al-Shabaab, ACLED,30/6/2023, available at: https://2u.pw/WFyUVCI
[6] Struggling in Somalia, al-Shabaab Increasingly Targets Kenya,ADF, 15/8/2023, available at: https://2u.pw/vw943vm
[7]– عبير مجدي، هل تتصاعد عمليات «شباب المجاهدين» في دول جوار الصومال؟، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 30/7/2023م، متاح على: https://2u.pw/4wq1P9z
[8] Wendy Williams, Reclaiming Al Shabaab’s Revenue,Africa center for strategic studies,27/3/2023, available at: https://2u.pw/U0B19I
[9]– زياد زكريا، الخروج من المأزق: دوافع توسع حركة الشباب في تنفيذ العمليات الانتحارية، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، 15/10/2023م، متاح على: https://2u.pw/Kb34OMN
[10] Global Index Terrorism 2023,available at: https://u.pw/j6rxgQU