مقدمة:
تُواجه إسرائيل عجزًا شديدًا في الأيدي العاملة منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023م، ولا سيما في قطاعي البناء والزراعة، وتبحث عن حلول عاجلة لتعويض هذا العجز، الذي نجم عن هجر المستوطنات اليهودية ونزوح قسم كبير من قاطنيها، إضافةً إلى مغادرة غالبية العمال الأجانب، ومنع أو تقييد عمل الفلسطينيين، سواء من الضفة الغربية أو قطاع غزة، في المستوطنات أو المدن الإسرائيلية، دون أن تجد حلًا جذريًّا.
وسعى وزير الاقتصاد والصناعة الإسرائيلي، رجل الأعمال نير باركات Nir Barkat لتلافي آثار الأزمة، حتى إنه أبدى استعدادًا لتحمُّل نفقات جلب مئات العمال من الهند؛ إلا أن جهوده تعثَّرت في ظل صعوبات وقيود، ولم يَتسنَّ تطبيقها على أرض الواقع، في وقتٍ كان قرابة 12 ألف مزارع وعامل بناء فلسطيني من قطاع غزة، يحملون تراخيص عمل بالمستوطنات، قبل أن تتوقف آلية استقدام العمال الفلسطينيين، ضمن إجراءات عقابية إسرائيلية من جانب، وفي إطار مراجعات للموقف ولتسهيلات كانت سلطة الاحتلال تدعي أنها تمنحها للفلسطينيين، بما في ذلك بالضفة الغربية.
قطاع الزراعة في إسرائيل اعتمد إلى حد كبير على العمال الفلسطينيين حتى سنوات التسعينيات، قبل أن تتبدَّل هذه النزعة، في ظل حملات قمع وإجراءات تعسفية ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية، وتقييد حرية عمل سكان الضفة خارج الأراضي المحتلة، هذا بخلاف كون قطاع غزة في تلك الفترة كان تحت الاحتلال، ولذا بدأت إسرائيل في البحث عن العمالة الزراعية في أماكن أخرى، ومن ثَم استقدمت آلاف العمال من تايلاند، على سبيل المثال.
وأدّت عملية طوفان الأقصى إلى نزوح جماعي للعمالة الأجنبية من إسرائيل، والذين كانوا يعملون في قطاعات مثل الزراعة وغيرها، ومن ذلك عمال من تايلاند ونيبال والصين، مع الإشارة إلى أن من بين الأسرى الذين أطلقت حركة حماس سراحهم بعد ذلك، ظهر عمال يحملون الجنسية التايلاندية، كانوا يعملون في مستوطنات غلاف غزة وقت العملية. ويُعد العمال من تايلاند هم الأكثر عددًا من بين العمال الأجانب في إسرائيل، وسط تقديرات بأن قرابة 10 آلاف مزارع أجنبي غادروا إسرائيل منذ بدء عملية طوفان الأقصى[[1]].
في هذه الأثناء، ظهر بقوة اسم جمهورية مالاوي، البلد الحبيس الواقع في جنوب شرق إفريقيا، بين موزمبيق وزامبيا وتنزانيا، كبديلٍ يمكنه أن يلبّي متطلبات الاقتصاد الإسرائيلي من الأيدي العاملة في مجال الزراعة، في ظل أزمة حادة أصابت هذا القطاع بالشلل، ودفعت إسرائيل لتكثيف عمليات استيراد المنتجات والمحاصيل الزراعية، من دول منها: تركيا والأردن ودول أوروبية، وغيرها. أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة إلى الضعف.
وفي الجانب الآخر، تعاني مالاوي حالة فقر شديدة، ويعيش مزارعوها في أدنى المستويات التي تُمكّنهم من مواصلة الحياة، لتعلن حكومتهم أنها أبرمت اتفاقًا لتصدير العمالة المزارعة إلى إسرائيل، الأمر الذي دفع الآلاف منهم لمحاولة الحصول على تأشيرة العمل في المستوطنات، دون حتى النظر إلى الوضع الأمني، وفي وقتٍ يغادر فيه نظراؤهم من بلدان أخرى بعد أن فقدوا الشعور بالأمن في إسرائيل.
إلا أن معلومات بدأت تتسرب حول ملابسات الصفقة، والتي دخلت حيّز التنفيذ بالفعل، بعد أن أقلت طائرة إسرائيلية عشرات العمال من مالاوي، في طريقهم إلى المستوطنات، وسط تساؤلات عديدة أعربت عنها المعارضة المحلية، بدت في بعض الأحيان وكأنها تحمل تلميحات إلى شبهات فساد واتهامات بالتضحية بهؤلاء العمال مقابل امتيازات، وإرسالهم للمستوطنات حيث سيلقون مصيرهم المحتوم.
أولًا: مالاوي ودوافع تصدير العمالة إلى إسرائيل
تُوصَف جمهورية مالاوي بأنها أكثر البلدان فقرًا حول العالم؛ إذ يعيش نحو 70% من سكان هذا البلد تحت خط الفقر، بقدرة على الإنفاق لا تتخطى دولارين يوميًّا. ويضرب الاقتصاد المالاوي أزمات عديدة، لا يُستثنى منها الأزمات المناخية، وبالتحديد كون هذا البلد يعتمد على الزراعة، ويعمل بها قرابة 80% من السكان. ومع أن الزراعة هي العمود الفقري للاقتصاد في مالاوي، إلا أنها أيضًا تُواجه أزمة انخفاض الإنتاجية الزراعية، ومحدودية الفرص في النشاطات غير الزراعية، وبطء النمو الاقتصادي في مقابل النمو السكاني السريع. وبحسب معطيات البنك الدولي واليونيسيف، يحصل نحو 11.4 فقط من السكان في مالاوي على الكهرباء[[2]].
في هذه الأثناء، صدر إعلان عن وزارة العمل في جمهورية مالاوي، في 29 نوفمبر 2023م، بأن مئات المزارعين الشباب غادروا إلى إسرائيل، للعمل في المزارع التي أصبحت مهجورة بسبب النزوح الجماعي الذي خلَّفته حرب غزة. الرحلة الأولى التي غادرت من الدولة الواقعة في جنوب شرق إفريقيا، لن تكون الأخيرة، فمئات المزارعين هناك يستعدّون للسفر إلى إسرائيل، لتعويض العجز الحادّ الناجم عن نزوح آلاف العمال الأجانب ممن كانوا يعملون في مزارع غلاف غزة.
وزير العمل في ملاوي، ويزي كايرا Wezi Kayira، أشار إلى أن إسرائيل كانت واحدة من عدة دول استهدفها برنامج حكومي لتصدير العمالة؛ الذي يهدف إلى إيجاد فرص عمل للشباب وتوفير النقد الأجنبي، الذي تعد مالاوي في أمسّ الحاجة إليه، عبر التدفقات النقدية التي ستنجم عن التحويلات الواردة من إسرائيل. وطمأن ذوي المزارعين المحليين بأن الاتفاق مع تل أبيب نصَّ على عملهم في بيئات مناسبة وآمنة[[3]].
وتجدر الإشارة إلى أن الخطوة التي أعلنتها ليلونغوي، تأتي في أعقاب حزمة مساعدات بقيمة 60 مليون دولار قدّمتها تل أبيب، قبل مغادرة الطائرة الأولى التي تُقلّ مزارعين محليين بأسبوعين فقط، ما يُؤشِّر على أن الحديث هنا يجري عن صفقة وليست منحة.
وفي المقابل، يبدو جليًّا مؤشر على انتهازية من جانب إسرائيل، التي استغلت حالة الفقر التي يعاني منها المزارعون المحليون في مالاوي، وبدأت في الترويج إلى أنهم بصدد الحصول على مبالغ كبيرة مقارنةً بوضعهم في بلدهم. تقارير عديدة رصدت ملابسات تكدُّس المزارعين في مالاوي أمام الجهات التي تُصدر التأشيرات، ورصدت اصطفاف مئات الأشخاص، من الرجال والنساء، أمام أحد فنادق العاصمة، والذي يبدو أنه خُصِّص مقرًّا للتقدم للحصول على فرصة للعمل في إسرائيل.
وعلى الرغم من أن العديد منهم أكدوا أنهم يشعرون بالقلق جراء الحرب، ولكنهم أكدوا أيضًا أنه لا يوجد ما يخسرونه؛ إذ تواجه مالاوي أزمة اقتصادية حادة ومشكلات اجتماعية عميقة، ومِن ثَم أصبح الآلاف من المواطنين على استعداد للعمل في المزارع الإسرائيلية التي تركها الصراع في غزة مهجورة.
وهناك تقارير أشارت إلى أن السلطات في ليلونغوي لديها خطة لتصدير قرابة 5 آلاف مزارع من حيث المبدأ إلى إسرائيل خلال الشهور المقبلة، ولا سيما أن السفير الإسرائيلي هناك مايكل لوتيم Michael Lotem تعهد بأن يحصل كل مزارع على 1500 دولار شهريًّا، في مقابل 60 دولار يحصل عليها المزارع في مالاوي شهريًّا. تلك المعادلة تعني أن سباقًا بين السكان في مالاوي لن يتوقف من أجل الحصول على تأشيرة عمل في مزارع إسرائيل، في وقتٍ تقول فيه تل أبيب: إنها في حاجة إلى 30 ألف عامل على الأقل لمزارعها المتعثرة بالأرض المحتلة[[4]].
ثانيًا: برنامج تصدير العمالة والحراك المعارض
من بين المبررات التي ساقها مسؤولون في مالاوي، يمكن رصد مبرر تشيكومبوتسو متومودزي Chikumbutso Mtumodzi، المسؤول الأول بوزارة الإعلام في مالاوي، والذي برَّر قرار تصدير العمالة الزراعية إلى إسرائيل بأن هؤلاء الشباب يسافرون إلى إسرائيل من أجل الانخراط في النشاطات الزراعية، ضمن برنامج تصدير العمالة، وهي مبادرة يقودها القطاع الخاص والحكومي كآلية تنظيمية للقضايا المتعلقة بالعمل. أما مايك تشينغامبا Mike Ching’amba، المُحاضِر في جامعة ليلونغوي للزراعة والموارد الطبيعية؛ فقد برَّر ذلك بأن هؤلاء الشباب ذهبوا للحصول على رواتب، وليس من أجل التدريب فقط[[5]].
لكن تلك المبررات وغيرها لم ترقَ إلى تطلعات شخصيات معارضة عديدة، ومن ذلك الانتقادات التي واجهتها الحكومة مِن قِبَل نشطاء حقوق الإنسان، ولا سيما فيما يتعلق بالطريقة التي سارت بها الأمور، وكيفية التعاطي الحكومي مع مسألة المنحة الإسرائيلية التي تُعدّ صفقة من جميع الزوايا.
وعلى الرغم من كونه كيانًا حكوميًّا؛ إلا أن ائتلاف المدافعين عن حقوق الإنسان (The Human Rights Defenders Coalition)، قرّر توجيه انتقادات للحكومة التي تعاملت بحالة من السرية والغموض بشأن ما بدت وأنها اتفاقية مع إسرائيل لتصدير العمالة، كما طالب الحكومة بتوفير ضمانات لحماية حقوق العمال الذين رحلوا إلى إسرائيل. وفي السياق ذاته، دعا غيفت ترابنس Gift Trapence، رئيس مركز تنمية حقوق الإنسان، الحكومة إلى الكشف عن تفاصيل اتفاقيات العمل مع إسرائيل أو أي دولة أخرى، فيما طالب ويليام كامبوانديرا William Kambwandira، المسؤول بمركز المساءلة الاجتماعية والشفافية بالكشف عن شروط وترتيبات تصدير العمالة من مالاوي إلى إسرائيل[[6]].
ووصف زعيم المعارضة في مالاوي، كوندواني نانكوموا Kondwani Nankhumwa صفقة تصدير العمالة بأنها “صفقة شريرة” بسبب التهديد الذي تُشكّله الحرب على حياة العمال. وطالبت جماعات حقوق الإنسان بمزيد من التفاصيل حول صفقة الحكومة مع إسرائيل حتى يكون الملاويون على دراية أفضل بالمخاطر. كما طالب الحكومة بمزيد من التفاصيل حول الصفقة مع إسرائيل، وأشار في تصريحات إعلامية إلى أن إرسال المزارعين المحليين إلى بلدٍ تُمزّقها الحروب مثل إسرائيل، في وقتٍ تسحب دول عديدة العمال الذين يحملون جنسيتها، يُعد أمرًا لم يشهده العالم من قبل[[7]].
انتقد نانكوموا الحكومة بسبب سرية الصفقة، كما أنها لم تُبلِّغ البرلمان إلا بخطة إرسال العمال إلى دولة لم يذكر اسمها يوم 22 نوفمبر. ومع ذلك رد ممثل الحكومة في البرلمان بأن لديها خططًا لتصدير العمالة المحلية ليس فقط لإسرائيل، ولكن لدول عديدة في إطار التزامها بتوفير فرص العمل وتمكين الشباب. كما بررت بأنها ستعمل من أجل ضمان أمن العمال والتيقن من أنهم سيعلمون في مناطق آمنة، فضلاً عن حصولهم على حقوقهم من تأمين صحي وأجور، وغير ذلك[[8]].
ثالثًا: ماهية العلاقات بين إسرائيل ومالاوي
قبل طوفان الأقصى بقرابة 15 يومًا، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوBenjamin Netanyahu رئيس مالاوي، لازاروس مكارثي تشاكويرا Lazarus McCarthy Chakwera، على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. أعقب الاجتماع تأكيدات بأن نتنياهو لن يتوانى عن تعزيز العلاقات مع دول إفريقيا، وأنه سيمضي في تقوية أواصر تلك العلاقات في مجالات الابتكار والزراعة والأمن والمياه. وأعرب عن استعداده للتعاون مع دول إفريقيا من أجل الاستقرار ورفاهية المجتمعات، كما تم توجيه الدعوة لرئيس مالاوي لزيارة إسرائيل[[9]].
ولم يأتِ الاجتماع بين نتنياهو ونظيره المالاوي من فراغ، فقد كانت إسرائيل قد قدّمت دعمًا في مجال الزراعة لمالاوي، وكانت من بين الدول الإفريقية الأولى التي أعلنت أنها بصدد تدشين سفارة لها في القدس، حسب إعلان صادر عن وزير خارجية مالاوي في حينه، أيزنهاور ماكاكا Eisenhower Mkaka، في نوفمبر 2020م، أكد خلاله أن بلاده تُخطِّط لفتح سفارة في القدس بنهاية عام 2021م.
وفي المقابل تعهدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن إسرائيل ستعزز مساعداتها لمالاوي في مجالات الأمن والزراعة. ونُظر لإعلان وزير خارجية مالاوي في وقته، على أنه سابقة إفريقية؛ إذ لم يقدم بلد إفريقي آخر في هذا التوقيت على طرح مسألة تدشين سفارة بالقدس، أسوةً بالموقف الأمريكي في حينه، ما دفَع الخارجية الإسرائيلية إلى إصدار بيان، جاء فيه أنها تثق بأن الزعماء الأفارقة الآخرين سيتبعون المسار الشجاع الذي مهَّد له رئيس مالاوي، وسوف يفهمون ذلك في ضوء التطورات الإيجابية في الشرق الأوسط والتوقيع على اتفاقيات أبراهام، وأن الوضع في الشرق الأوسط سيتغير[[10]].
وفي تلك الفترة، أعلن رئيس مالاوي أمام البرلمان أنه قرر تدشين أول بعثة دبلوماسية في إسرائيل، وعلى أن يكون مقر السفارة هو مدينة القدس، في وقت جمعت علاقات دبلوماسية بين البلدين منذ عام 1964م، لكن من دون أن تَرْق إلى مسألة تبادل السفراء. رئيس مالاوي تحدث عن حاجة بلاده إلى إصلاح وزارة الخارجية، ومن ذلك مراجعة الوجود الدبلوماسي، وطبيعة البعثات الدبلوماسية في دول منها: نيجيريا وإسرائيل. وفي تلك الفترة نظر إلى هذا الإعلان على أنه قد يعني أن مالاوي ستكون أول دولة إفريقية تتخذ هذه الخطوة، أي نقل السفارة إلى القدس، التي لم تكن قد أقدمت عليها سوى الولايات المتحدة وغواتيمالا فقط، وبقيت سفارات 87 دولة أخرى في منطقة تل أبيب[[11]].
وتعود العلاقات بين إسرائيل ومالاوي إلى فترة الستينيات من القرن الماضي، وقبل حصول مالاوي على استقلالها؛ حيث زار وزراء من هذا البلد الذي كان يسمى نياسالاند، حتى الاستقلال في عام 1964م. ووقتها ساهمت إسرائيل في بناء إحدى المدارس. وفور إعلان الاستقلال بنى البلدان علاقات دبلوماسية كانت في تلك الفترة تشذّ عن الموقف الإفريقي المُقاطِع لإسرائيل، وتميل للانحياز للسياسات الغربية. ووقتها أرسلت إسرائيل أطباء ومسعفين وأصبح الرئيس الأول لمالاوي، هاستينغز باندا Hastings Banda والذي بقي في منصبه حتى عام 1994م، صديقًا حميمًا لإسرائيل.
وتخلل تلك الفترة توقيع اتفاقيات للتعاون التجاري والاقتصادي، كما عُدَّ باندا أول رئيس دولة يزور إسرائيل عقب حرب يونيو 1967م، ويعد الوحيد أيضًا الذي أيَّد إسرائيل لتستمر علاقاتهما الدبلوماسية على خلاف دول إفريقيا الأخرى، بما في ذلك بعد حرب أكتوبر 1973م. واستمرت تلك العلاقات حتى شهدت طفرة بتعيين قنصل عام شرفي لمالاوي في إسرائيل عام 2020م، وفي العام ذاته أعلن الرئيس تشاكويرا عزمه تدشين سفارة بالقدس المحتلة[[12]].
تقدير الموقف
1- تعد جمهورية مالاوي البلد الإفريقي الوحيد (حتى الآن) الذي باشَر القيام بخطوة عملية لدعم إسرائيل في أحد القطاعات التي تُواجه كارثة كبرى، نجمت عن هجر المزارعين الأجانب للمستوطنات المحيطة بغلاف غزة في أعقاب هجوم حماس، الأمر الذي تسبَّب في فساد محاصيل زراعية أو عدم حصادها أو توقف الخطط المتعلقة بالموسم الزراعي، وكل ذلك رفع أسعار السلع الزراعية المستوردة من الخارج إلى الضعف أمام المستهلك الإسرائيلي، فضلًا عن القيود التي فرضتها إسرائيل على دخول المزارعين الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة.
2- لم يُعرَف لجمهورية مالاوي موقف سياسي أو دبلوماسي مؤثر بشأن العدوان الدائر على قطاع غزة، والذي نجم عن عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر، بيد أن القرار الذي اتَّخذته بتصدير الموجة الأولى من المزارعين إلى مستوطنات إسرائيل، يضعها على رأس الدول الداعمة للعدوان، مقارنةً حتى بالموقف السياسي الداعم الذي أعلنته نيروبي، ومِن ثَم يمكن النظر إلى مالاوي على أنها تتصدَّر فريق الدول الإفريقية الداعمة للسياسات الإسرائيلية.
3- لم يأتِ موقف مالاوي الداعم لإسرائيل من فراغ أو وفق متطلبات المرحلة، فهناك اتصالات تجري بين البلدين منذ فترة طويلة في إطار السياسات الإسرائيلية الرامية للانخراط في شؤون القارة الإفريقية، في مقابل توجُّه دول إفريقية لبناء منظومة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، على أمل الحصول على دعم أمريكي والاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في مجالات لا يُستثنَى منها التكنولوجيا الزراعية، مدفوعةً بالاتفاقيات الإبراهيمية التي يشوبها الغموض حاليًّا.
4- يمكن أن يُفهَم من وقوع اختار إسرائيل على المُزارع المحلي في مالاوي؛ لملء الفراغ الناجم عن هجرة الحقول في غلاف غزة، أنه ينمّ عن معرفة ودراسات عميقة للأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لدول إفريقيا؛ إذ يعمل غالبية سكان هذا البلد بالزراعة، وفي ظروف في غاية القسوة، ويعد التعهد بدفع رواتب جيدة للمالاويين حافزًا هائلًا ربما يدفع جموع هذا الشعب لمحاولة التوجه إلى إسرائيل؛ سواء بالطرق الشرعية المحددة، أو ربما بطرق غير شرعية على أمل العثور على فرصة هناك.
5- تثير قرارات الحكومة في ليلونغوي، والتي أفضت إلى إبرام صفقة لتصدير العمالة إلى إسرائيل؛ شبهات عديدة، تفسّر الحراك والزخم الواسع في مالاوي، والذي يطالب بكشف بنود الاتفاق؛ إذ جرى التوقيع عليه سرًّا، ولم تُنشر بنوده، كما لم يُحدَّد مصير المزارعين الذين سيعملون في مستوطنات إسرائيل، في ظل عدم الاستقرار الأمني، وإمكانية تعرّض المستوطنات لرشقات صاروخية، فضلًا عن أسئلة بشأن كيفية الإقدام على خطوة من هذا النوع، بينما تسحب دول أخرى عُمَّالها من المستوطنات.
6- تثير الخطة التي تباشرها حكومة مالاوي لتصدير العمالة أسئلة بشأن ما إذا كانت تعهداتها بتوفير فرص عمل للمواطنين ستكون من الآن فصاعدًا عبر تصديرهم إلى إسرائيل أو غيرها، دون الحديث عن إصلاحات اقتصادية داخلية من شأنها مكافحة البطالة ولو بالحد الأدنى، أو رفع قيمة الأجور.
7- تحمل حزمة المساعدات التي قدّمتها إسرائيل إلى حكومة مالاوي بالتزامن مع خروج أول طائرة في طريقها إلى إسرائيل، وعلى متنها مزارعون محليون، وهي المساعدات التي قُدِّرت بقرابة 60 مليون دولار، العديد من علامات الاستفهام بشأن المغزى من مصطلح “تصدير العمالة”، وإذا ما كان الأمر يحمل هنا استغلالًا أو نوعًا من الاتجار بالبشر؛ حيث يتعين التدقيق من النواحي القانونية ومواثيق العمل الدولية لمعرفة إذا ما كان المساعدات المالية الإسرائيلية على صلة بتصدير العمال، أم لعلها ذاتها ثمن الصفقة.
.[1] انظر: Joseph Ataman, Nic Robertson and Kocha Olarn, “srael’s farms need foreign labourers. The Hamas attacks triggered an exodus”, CNN (Atlanta, Georgia, USA), November 26, 2023: https://edition.cnn.com/2023/11/26/middleeast/israel-farms-foreign-workers-crisis-intl-cmd/index.html
[2]. منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم، ملف تعريفي-حالة مالاوي، (برمينغهام، المملكة المتحدة)، على الرابط:
https://www.islamic-relief.me/about-us/where-we-work/malawi
[3]. انظر: “Malawi Migrants Head to Israel as Farm Labor”, VOA Africa (Washington, D.C., USA), November 29, 2023: https://www.voaafrica.com/a/malawi-migrants-head-to-israel-as-farm-labor/7372493.html
[4]. انظر: “Unfazed by war, young Malawians queue to work in Israel”, The East African (Nairobi, Kenya), December 01 2023: https://www.theeastafrican.co.ke/tea/rest-of-africa/unfazed-by-war-young-malawians-queue-to-work-in-israel-4450782
[5]. انظر: “”Malawians Pursue Opportunities in Israel Amid Economic Challenges”, Africa News (Lyon, France), November 26, 2023: https://www.africanews.com/2023/11/30/malawians-pursue-opportunities-in-israel-amid-economic-challenges/
.[6] انظر: “Malawi Migrants Head to Israel as Farm Labor”, VOA Africa, Op. cit.
[7]. انظر: Unfazed by war, young Malawians queue to work in Israel”, The East African, Op. cit.”
[8]. انظر: “Malawi slammed for sending workers to Israel amid Gaza conflict”, Africa News (Lyon, France), November 26, 2023: https://www.africanews.com/2023/11/27/malawi-slammed-for-sending-workers-to-israel-amid-gaza-conflict
.[9] مكتب رئيس الوزراء. رئيس الوزراء نتنياهو التقى رئيس مالاوي لازاروس ورئيس جنوب السودان سيلفا كير (تل أبيب: 29 أيلول/ سبتمبر 2023م) بالعبرية على الرابط: https://www.gov.il/he/departments/news/event-meetings200923
[10]. نوعا لانداو، “مالاوي تعلن أنها ستدشن سفارة بالقدس أواخر 2021م”، صحيفة هآرتس (بالعبرية)، 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020م، على الرابط: https://www.haaretz.co.il/news/politics/2020-11-03/ty-article/0000017f-dbb2-df9c-a17f-ffbabb5f0000
.[11] انظر: Tovah Lazaroff, “Malawi to open its first diplomatic mission in Israel in Jerusalem”, The Jerusalem Post (Jerusalem City), September 6, 2020: https://www.jpost.com/israel-elections/malawi-to-open-embassy-in-jerusalem-641241
[12]. ويكيبيديا الموسوعة الحرة، “العلاقات الإسرائيلية مع مالاوي” (بالعبرية)، على الرابط المختصر: https://2u.pw/YlRoX04