تعد إفريقيا أقدم المناطق المأهولة بالسكان على وجه الأرض، لكن لم يكن يسكنها قديماً (مثلها مثل القارات الأخرى) أمة ذات استقرار، وإنما كان يسكنها جماعات من الصيادين والرحّـل في الصحراء، والتي تحولت مرة أخرى لتكون وادياً أخضر خصباً، وعاد السكان الأفارقة من المرتفعات الداخلية والساحلية إلى جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا.
تقع إفريقيا (ومعناها: أرض الشمس المشرقة) في وسط قارات العالم من الناحية الجغرافية, وتبلغ مساحتها أحد عشر مليون ميل مربع، وهي بهذا ثاني أكبر مساحة بعد قارة آسيا, وتأتي كذلك في المرتبة الثانية بعدها من ناحية التعداد السكاني، حيث يقطنها أكثر من مليار نسمة, ينتشرون في أكثر من خمسين دولة, ويتحدثون أكثر من ألف لغة محلية. أما من الناحية الاقتصادية فإفريقيا غنية جداً بثرواتها الطبيعية في أكثر أرجائها, حيث تنتشر فيها البحيرات والأنهار وتكثر فيها المياه الجوفية, وتمتد فيها الأرض الخصبة, وتتنوع فيها المحصولات الزراعية والحيوانية والمعدنية والغابية والبحرية, كما تمتاز القارة بموقع استراتيجي يتحكم في التجارة العالمية(1).
إفريقيا قبل الإسلام:
سادت عبادةُ الأصنام والظواهر الطبيعة قارةَ إفريقيا قبل الإسلام, كعبادة الشمس والرعد والبرق والكواكب وتقديس أرواح مجهولة، مع الإيمان بوجود كائن أعلى مجهول مسيطر على الكون, يُتقرب إليه بتقديس تلك الظواهر والأرواح, ولا يعني دخول كثير من الإفريقيين في الإسلام انقراض هذه الوثنية, فما زال كثير منهم يدينون بها(2).
القارة الإفريقية بعد الإسلام وقبل الاستعمار:
انتشر الإسلام في الشمال الإفريقي بما في ذلك السودان الحالي بعد الفتوحات الإسلامية على يد عبد الله بن أبي السرح وعقبة بن نافع وعبد الله بن نصير، وكذلك انتشر في غرب إفريقيا في السنغال ونيجيريا ومعظم دول غرب إفريقيا من موريتانيا حتى ناميبيا، وفي شرق إفريقيا في كل من الصومال وتنزانيا ونصف سكان أثيوبيا وبدرجة أقل في كينيا وموزنبيق.
أما في جنوب إفريقيا فلم ينتشر الإسلام مثل بقية النواحي, ويرجع ذلك إلى قسوة الطبيعة وتفشي الأمراض خصوصاً في منطقة البحيرات العظمى, حيث بقي السكان على دياناتهم الوثنية, ثم بدأ الإسلام ينتشر في ربوع إفريقيا عن طريق الممالك الإسلامية التي قامت في غانا ومالي ونيجيريا, إلى أن جاء الاستعمار وأضعف من شأنها.
وأفسد هذا النفوذ الاستعماري الزاحف المجتمع الإفريقي, وقضى على عوامل الازدهار فيه بقضائه على الممالك الإسلامية ووضع البلاد الإفريقية تحت الوصاية، وحرص الاستعمار على طمس معالم الحضارة الإسلامية والتراث الإسلامي في إفريقيا حتى يقطع صلة الأجيال بالإسلام، وتصدق دعواه بأن هذه البلاد كانت مجهولة وغير متحضرة، كما استهدف القضاء على مقومات المسلمين بوسائل مختلفة؛ أهمها القضاء على اللغة العربية والثقافة الإسلامية والتراث الإسلامي, والتمكين للتوجّه الثقافي الغربي، والتنصير.
ويمكن القول بأن الغزو الاستعماري في إفريقيا حمل لواء ثلاث عمليات خطيرة:
1 – عملية تجارة الرقيق.
2 – عملية التنصير.
3 – عملية الاستيلاء على الأرض بإدخال جماعات بيضاء بأعداد كبيرة(3) .
العقلية الأوروبية ودورها في نشأة الفكر الاستعماري:
لا توجد حضارة سعت لإفناء الشعوب الأخرى واستئصالها مثلما فعلت الحضارة الغربية, فقد جعلت فكرة الانتقام الحضارة الغربية في مواجهة مستمرة لباقي شعوب الأرض, وظهرت هذه الفكرة عند الغرب عبر ثلاث مراحل مختلفة, فقد أعطت الحضارة الإغريقية, وهي أقدم حضارة أوروبية، بعداً فكرياً تأصيلياً للصراع, ثم جاءت الدولة الرومانية لتضفي المشروعية السياسية على حرب الآخرين والقضاء عليهم, ثم منحت «المسيحية» المحرَّفة – التي اعتنـقها الرومان وتوارثها الغربيون بعد ذلك – هذه الروح العدائية مرجعية أخلاقية، وأعطتها صكاً شرعياً بالعدوان على الآخرين، وهو ما عُرف بنظرية (الحرب العادلة) التي أثّرت في العقلية الغربية، ونمّـت فيها الفكر العدواني تجاه الآخرين.
إن استعمال الغرب للعنف لفرض ثقافتهم على غيرهم لم ينته بنهاية القرون الوسطى, وإنما