بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لاتفاق بريتوريا للسلام الذي وقّعته الحكومة الإثيوبية مع جبهة تحرير التيجراي في نوفمبر 2022م، والذي وضع حدًّا للحرب الأهلية التي شهدتها أديس أبابا([1]) تثير التوترات المتزايدة حاليًّا في إقليم “الأمهرة” -ثاني أكبر الأقاليم الفيدرالية في البلاد، والتي يبلغ عدد سكانه حوالي 35 مليون نسمة تقريبًا- حالةً من القلق بشأن احتمالات انزلاق الحكومة الإثيوبية في حرب أهلية جديدة خلال الفترة المقبلة، لا سيما بعدما تمكنت بعض المليشيات المسلحة من السيطرة على بعض المدن الكبرى في الإقليم في أغسطس الماضي.([2])
صراع جديد-قديم:
أعلن المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة “سيف ماجانجو”، في 17 نوفمبر الماضي، أن هناك عشرات المدنيين قُتلوا مؤخرًا في إقليم الأمهرة الإثيوبي؛ بسبب الاشتباكات المسلحة بين القوات الحكومية والمليشيات الموجودة هناك، ما أثار قلقًا دوليًّا عبَّر عنه وزير الخارجية الأمريكي “أنطوني بلينكن” في المباحثات الهاتفية التي أجراها في اليوم ذاته مع رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد”؛ حيث أكَّد الوزير الأمريكي على ضرورة الحوار من أجل تسوية الصراع الجاري([3]).
وفي هذا الإطار يمكن عرض أبعاد التوترات الجارية في إقليم الأمهرة على النحو التالي:
1- انهيار التحالف الهشّ:
على الرغم من دَعْم إقليم الأمهرة والمليشات الموجودة هناك، لا سيما مليشيات “فانو”، للحكومة الفيدرالية الإثيوبية في حربها السابقة ضد جبهة تحرير التيجراي، بيد أن هذا التحالف الهشّ يبدو أنه قد بدأ في التصدّع منذ اتفاق السلام الذي وقَّعته أديس أبابا وجبهة تحرير التيجراي؛ حيث اعتبرت كثير من التقديرات أن هذا التحالف الهشّ قد اعتمد آنذاك على وجود عدوّ مشترك، لذا بمجرد غياب هذا العدو، أو على الأقل تجمّد الصراع معه، انتفى الغرض من التحالف، وبدأ في التصدع التدريجي، بل وصل حد اندلاع اشتباكات مسلحة بين طرفيه([4])؛ حيث نظر الأمهريون إلى اتفاق السلام باعتباره خيانة مِن قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” لتحالفهم القائم، بل واتهامه بإهمال مصالح الأمهرة مقابل تقديم بعض التنازلات للتيجراي، بما في ذلك الأراضي المتنازَع عليها بين التيجراي والأمهرة، والتي تمكَّنت الأخيرة من السيطرة عليها خلال الحرب الأهلية الأخيرة.([5])
كما أن ثمة مظلومية تاريخية يستند إليها الأمهريون في تمردهم الحالي ضد الحكومة المركزية، تتمثل في المعاملة التميزية والمجازر المستمرة التي تستهدف عناصر الأمهرة في مختلف الأقاليم الإثيوبية، بما في ذلك العاصمة أديس أبابا؛ حيث يزعم كثير من الأمهرة أن هناك حملة اعتقالات ممنهجة تتبناها الحكومة الفيدرالية ضد عناصر الأمهرة في العاصمة الإثيوبية، مع غضّ الطرف عن الانتهاكات التي يتعرَّض لها الأمهريون في إقليم أوروميا وغيره من الأقاليم.([6])
2- إشكالية حل القوات شبه العسكرية:
شكَّلت تطلُّعات “آبي أحمد”، في أبريل الماضي، لحلّ القوات شبه العسكرية في الأقاليم الإثيوبية المختلفة القضية الرئيسة التي فجَّرت الخلافات الكامنة بين أديس أبابا والأمهرة؛ حيث رفضت القوات شبه العسكرية والمليشيات الموجودة داخل إقليم الأمهرة الأوامر الفيدرالية بحلّ قواتها، وانضمت بعض هذه القوات شبه العسكرية لمليشيا “فانو”، وهي المليشيا الرئيسة داخل إقليم الأمهرة.([7])
3- تصعيد مطرد:
شهد إقليم الأمهرة توترات متزايدة خلال الأشهر الأخيرة، بلغت حدد اندلاع مواجهات مسلحة مباشرة بين القوات الحكومية ومجموعة من المجموعات المسلحة بقيادة مليشيات “فانو”، بالإضافة إلى عناصر منشقة عن القوات الخاصة بإقليم الأمهرة، فقد انشق نحو 50% من القوات الخاصة الإقليمية، وانضموا لمليشيات “فانو”، وقد تمكنت هذه المليشيات من السيطرة على بعض البلدات الكبرى في إقليم الأمهرة، بما في ذلك عاصمة إقليم الأمهرة “بحر دار” وبعض المدن الكبرى في الإقليم، على غرار “جوندار” و”لاليبيلا”.
وعلى الرغم من نجاح الحكومة الإثيوبية في استعادة السيطرة على هذه المناطق، بيد أن عناصر المليشيات تراجعوا نحو المناطق الريفية؛ حيث باتوا متمركزين هناك ومتحصنين داخل هذه المناطق، ولا يزالون يشكلون تهديدًا لبقية المناطق داخل إقليم الأمهرة وسيطرة الحكومة الفيدرالية هناك، كما استهدفت هذه العناصر عددًا من القيادات المحلية في الإقليم، كان أبرزهم الرئيس الإقليمي للحزب الحاكم في أمهرة “جيرما يشيتيلا”؛ حيث بدأت هذه المليشيات في تبنّي حرب العصابات.([8])
في المقابل، لجأت الحكومة الفيدرالية نحو توسيع الاعتقالات الجماعية والقتل خارج نطاق القضاء، وفرض حالة من الطوارئ وحجب الإنترنت والخدمات الرئيسة عن الإقليم؛ فقد شنَّت أديس أبابا ثلاث حملات متتالية ضد إقليم الأمهرة، ركَّزت الأولى على مواجهات محدودة ضد عناصر مليشيات “فانو” في منطقتي “شوا” و”جوجام”، ثم تلتها حملة أخرى في أعقاب مقتل الرئيس الإقليمي للحزب الحاكم في أمهرة، منتصف أبريل الماضي. لكن مع تنامي القوة العسكرية والتنظيمية لمجوعة “فانو”، بداية من يوليو 2023م، واضطرار الحكومة الإقليمية التابعة لحزب “الازدهار” الحاكم إلى الفرار نحو أديس أبابا؛ شنَّت الحكومة الفيدرالية موجة ثالثة من العمليات العسكرية الأكثر ضراوة، وإعلانها لحالة الطوارئ في الإقليم.([9])
4- تأرجح مُربك للتفاعلات العرقية:
يستند الصراع الجاري في إقليم الأمهرة إلى تاريخ طويل من العلاقات المتشابكة والمتأرجحة بين العرقيات الرئيسة داخل إثيوبيا، بدايةً من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالنظام الإمبراطوري في إثيوبيا عام 1974م، بعد هيمنة هذا النظام على الحكم لعدة قرون؛ حيث تشكّل في أعقابه نظام “الدرق”، بيد أن الأخير ما لبث أن انهار في عام 1991م بسبب الانتفاضات العرقية والقومية في الداخل الإثيوبي، والتي قادتها الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي؛ حيث بدأت الأخيرة في ترسيخ نظام جديد قائم على التحالفات العرقية (عُرف لاحقًا باسم الفيدرالية الإثنية).
بيد أن هذا التصور الفيدرالي لاقَى معارضة مِن قِبَل منظور آخر؛ تمثل بالأساس في نخبة الأمهرة؛ الذين كانوا يشكلون أساس النظام الإمبراطوري الذي انهار منتصف السبعينيات، واعتبروا أن التيجراي يستهدفون بالأساس تقويض السلطات السابقة للأمهرة التي اكتسبوها إبَّان حقبة الأباطرة، كما ظهرت معارضة أقل نسبيًّا داخل قومية الأورومو، والتي تُشكّل أكبر عرقية في الداخل الإثيوبي.
غير أن منظور الأورومو في معارضتهم لنظام الفيدرالية الإثنية الذي أسَّسه التيجراي اختلف كثيرًا عن المقاربة الأمهرية في هذا الإطار، فبينما ترى الأخيرة أن هذه الفيدرالية هدفها إنهاء سيطرة هيمنتها السابقة على السلطة المركزية في البلاد، كان هناك ترحيب مِن قِبَل الأورومو بالفيدرالية الإثنية، لكنها اعتبرت في الوقت ذاته أن سيطرة جبهة تحرير التيجراي لا يتناسب مع حجم هذه العرقية في الداخل الإثيوبي، وبالتالي ضرورة حصول الأورومو، باعتبارها أكبر عرقية، على دور أكبر في هذا النظام.([10])
ورغم اتفاق الأورومو والأمهرة –النسبي- في انتقاد هيمنة جبهة تحرير التيجراي على المشهد بعد عام 1991م، غير أن ثمة خلافات بينهما أكثر تجذرًا حالت دون توحُّد موقفهما في مواجهة التيجراي، قبل أن يقرر الفريقان أن يتجاوزا هذه الخلافات لتحقيق هدف مشترك وهو الإطاحة بجبهة التيجراي؛ حيث ارتبط هذا الموقف بالأساس بوفاة الزعيم الإثيوبي الأسبق “مليس زيناوي”، وقد مهَّدت الاحتجاجات التي اندلعت في أوروميا وأمهرة إلى اختيار الائتلاف الحاكم لـ”آبي أحمد” رئيسًا للوزراء، والذي عمد بشكل تدريجي إلى تقويض سيطرة التيجراي على مفاصل الدولة الإثيوبية؛ ما دفَع جبهة تحرير التيجراي للتمركز داخل إقليمها بشكل أساسي، قبل أن تندلع حرب أهلية بين الجبهة من ناحية، والحكومة الفيدرالية وحلفائها الداخليين، لا سيما الأمهرة، وبدعم إريتري، من ناحية أخرى، وذلك بداية من نوفمبر 2020م.([11])
وعلى الرغم من تحالف الأمهرة مع “آبي أحمد” في حربه ضد جبهة تحرير التيجراي، بيد أن هذا التحالف ظل هشًّا في الواقع، خاصةً في ظل الشكوك المستمرة مِن قِبَل النخبة الأمهرية في القوميين الأورومو وتطلعاتهم لتعزيز نفوذهم الداخلي، كما بات لدى الأمهرة قناعة راسخة بأن “آبي أحمد” يدعم مصالح الأورومو في مقابل الأمهرة، خاصةً في ظل التوترات الجارية بين القوميتين الأكبر في البلاد، الأمهرة والأورومو، والاشتباكات المتكررة بين مسلحي القوميتين على الحدود المشتركة بينهما.([12])
سياقات داخلية وخارجية معقّدة:
تأتي التوترات المتزايدة في إقليم الأمهرة في إطار جملة من المتغيرات الراهنة التي تهيمن على المشهد الداخلي في إثيوبيا، ناهيك عن المتغيرات الخارجية، وهو ما يَفرض مزيدًا من التعقيد على الأزمة؛ حيث يمكن عرض هذه المتغيرات الداخلية والخارجية على النحو التالي:
1- دعم داخلي للمليشيات المتمردة:
تحظى المليشيات المسلحة داخل إقليم الأمهرة، لا سيما مليشيا “فانو”، بدعم واسع مِن قِبَل النخبة العليا في هذا الإقليم، ناهيك عن الروابط العرقية القوية مع المجتمعات هناك، ما يزيد من صعوبة تعامل الحكومة المركزية مع هذا التمرد، ويجعل المسار العسكري أكثر تكلفةً وأقل فاعليةً في التعاطي مع هذه الأزمة، ورغم حالة التشتت وغياب القيادة المركزية داخل هذه المليشيات في بداية الأمر، بيد أن الدعم المحلي المتنامي لها عزَّز من قوتها، وساعَد في استقطاب مزيد من المقاتلين في صفوفها، بل ولا تزال هناك مجموعات مسلحة جديدة معادية للحكومة المركزية تتشكل بشكلٍ مستمرّ داخل إقليم الأمهرة، على غرار “جبهة أمهرة الشعبية”.([13])
2- تطلعات آبي أحمد لتأسيس دولة مركزية قوية:
منذ وصوله للسلطة عام 2018م، هناك تطلعات واضحة لدى رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي “آبي أحمد” لتعزيز سلطة الحكومة المركزية في مواجهة السلطات الإقليمية، بيد أن هذه الرؤية تصطدم فعليًّا مع هيكل الاتحاد العرقي الذي رسَّخته جبهة تحرير التيجراي منذ تسعينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من الدعم الداخلي الواسع الذي حظي به “آبي أحمد” في البداية، بيد أن ثمة اتفاقًا بين التقارير المختلفة على وجود تراجع ملحوظ في مستويات الدعم الداخلي له في الوقت الراهن.([14])
3- الطابع العقائدي للصراع:
شكَّل البُعد العقائدي أحد ملامح الأزمة القائمة في الداخل الإثيوبي، وقد تجسَّد هذا البعد بشكل واضح في فبراير 2023م، عندما عمدت مجموعة من رجال الدين من الأورومو للانفصال عن الكنيسة الأرثوذوكسية الإثيوبية؛ في محاولة للتخلص من هيمنة الأمهرة على مؤسسة الكنيسة في البلاد، وإقامة الشعائر الدينية بالأورومو كبديل عن اللغة الأمهرية، ورغم تدخل الحكومة الفيدرالية بالتوسط لتسوية الأزمة، بيد أن الأمهرة شعرت بقلق متزايد بسبب الدعم الضمني مِن قِبَل حكومة رئيس الوزراء “آبي أحمد” للأورومو.([15])
4- تنامي العلاقة بين إريتريا والأمهرة:
أفضت الحرب التي اندلعت بين الحكومة الإثيوبية وحلفائها من ناحية، وجبهة تحرير التيجراي من ناحية أخرى، إلى بلورة علاقات وثيقة بين الأمهرة وإريتريا، فكلاهما كان من الداعمين الرئيسيين للحكومة الإثيوبية، وفي هذا الإطار، أشارت بعض التقارير إلى أن هناك كثيرًا من العناصر المسلحة في إقليم الأمهرة تلقوا تدريباتهم مِن قِبَل إريتريا، وقد حافظوا على علاقات قوية بأسمرة، وهو الأمر الذي يُثير حفيظة الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا. وفي هذا السياق، ربطت بعض التقديرات بين العلاقات المتنامية بين الأمهرة وإريتريا بالجمود الراهن الذي يهيمن حاليًّا على علاقة أسمرة وأديس أبابا؛ حيث شهدت الفترة الأخيرة توترات في علاقة إثيوبيا وإريتريا.([16])
انعكاسات محتملة:
هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تتمخض عن التوترات الجارية في إقليم الأمهرة، وهي التي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- تفاقم الصراعات العرقية داخل إثيوبيا:
تعد الصراعات العرقية أحد أبرز سمات المشهد الداخلي في إثيوبيا، بيد أن وتيرة هذه التوترات العرقية بدأت في التصاعد بشكل ملحوظ منذ وصول رئيس الوزراء الحالي “آبي أحمد” للسلطة في عام 2018م، لا سيما التوترات بين أكبر عرقيتين داخل إثيوبيا، وهما الأمهرة والأورومو، وفي ظل انتماء “آبي أحمد” للعرقية الأخيرة، تفاقمت حالة عدم الثقة بشكل مطَّرد بين الأمهرة ورئيس الوزراء الإثيوبي، بل واتهامه بتقديم الدعم الكامل للأورومو في مواجهة الأمهرة، ودعم رجال الدين الذين عمدوا إلى الانفصال عن الكنيسة الأرثوذوكسية الإثيوبية.([17])
وفي هذا الإطار، حذرت كثير من التقارير الغربية من التصاعد المستمر والمتزايد في حالة الاحتقان الداخلي بين العرقيات الرئيسة في إثيوبيا، لا سيما بين الأمهرة والتيجراي من ناحية، والأمهرة والأورومو من ناحية أخرى، مع عدم استبعاد انخراط عرقيات أخرى في الصراع؛ الأمر الذي يمكن أن يدفع بالبلاد إلى صرعات عرقية طويلة الأمد، حال عدم التوصل لتسوية شاملة وسريعة.
2- تزايد احتمالات تفكك الدولة:
ذهبت بعض التقديرات للإشارة إلى أن المليشيات التي تتحدَّى سيطرة الحكومة الفيدرالية في إقليم الأمهرة لا تمتلك –حاليًا- تطلعات لتوسيع مواجهاتها مع القوات الحكومية والتمدد باتجاه العاصمة الفيدرالية أديس أبابا، لكنَّ الدعم الشعبي الذي تَحْظَى به هذه العناصر داخل إقليمها يُرسِّخ التخوفات التقليدية من إمكانية تَفكُّك وحدة الدولة الإثيوبية، من خلال دَفْع هذه المليشيات باتجاه الانفصال عن أديس أبابا، وهو ما قد يُشكِّل مقدمة نحو انفراط عقد بقية الأقاليم الإثيوبية، خاصةً وأن لدى بعضها تطلعات فعلية وتقليدية للانفصال.([18])
في المقابل، طرحت بعض التقارير الأمريكية رؤية مغايرة، مفادها أن غياب الفاصل الجغرافي بين إقليم الأمهرة والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، على عكس حالة إقليم التيجراي، يجعل إمكانية بقاء الحكومة المركزية على المحك، حال تفاقم المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية والمليشيات الأمهرية.([19])
3- تصاعد وتيرة الصراع في الأمهرة:
حذَّرت كثير من التقارير من احتمالية تصاعد حدّة المواجهات المسلحة خلال الفترة المقبلة بين القوات الحكومية والمليشيات المسلحة، مع استمرار الأخيرة في تبنّي حروب العصابات، وفي ظل وجود مجموعات مسلحة متعددة من المليشيات المعادية للحكومة الفيدرالية داخل إقليم الأمهرة، مع تزايد أعداد المقاتلين المنضمين لهذه المجموعات، يمكن أن يضفي هذ الأمر مزيدًا من التعقيد على المشهد الميداني داخل إقليم الأمهرة، ويزيد من صعوبة التوصل لاتفاق سلام حقيقي وشامل.([20])
4- تأزم مشروع “الدولة المركزية” لآبي أحمد:
باتت تطلعات رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” لاستبدال الفيدرالية الإثنية القائمة منذ مطلع التسعينيات بدولة مركزية قوية على المحكّ؛ حيث تشهد علاقة حكومة “آبي أحمد” توترات متفرقة مع العرقيات الرئيسية في البلاد، الأمهرة والأورومو والتيجراي، وحتى في ظل الدعم النسبي مِن قِبَل الحكومة المركزية للأورومو، بيد أن السياسات التي انتهجتها أديس أبابا في هذا الإقليم خلال السنوات الأخيرة قوَّضت كثيرًا من الدعم السابق لآبي أحمد هناك، رغم الجهود الراهنة مِن قِبَل الحكومة الإثيوبية لتسوية التوترات السابقة مع “جيش تحرير أورومو” OLA؛ حيث التقى قادة الأخير بممثلين عن الحكومة الإثيوبية، في 7 نوفمبر الجاري، في تنزانيا، لمواصلة مباحثات السلام، كما لا يزال السلام مع جبهة تحرير التيجراي هشًّا، وهو ما يفرض تحديات متزايدة أمام الحكومة الإثيوبية، في ظل صعوبة التوصل لمبادرة شاملة تنهي الطبيعة الصفرية للصراعات العرقية التقليدية في البلاد.([21])
5- التحول لأزمة إقليمية:
لم تستبعد بعض التقارير احتمالية تفاقم الأوضاع الأمنية في إقليم الأمهرة لتمتد نحو السياق الإقليمي المحيط في منطقة القرن الإفريقي المضطربة بالفعل، حال استمرار الصراع دون التوصل لتسوية سريعة، وتستند هذه التقارير في ذلك إلى القرب الجغرافي لإقليم الأمهرة من السودان، وكذا إريتريا، لا سيما أن القوات الإريترية لا تزال متمركزة في بعض المناطق داخل إقليم التيجراي، ناهيك عن الخلافات التي لا تزال راكدة وقابلة للانفجار في أيّ وقت بين التيجراي والأمهرة، بدعم إريتري للأخيرة، فيما يتعلق بملف المناطق الحدودية المتنازع عليها، خاصةً منطقة “ويلكيت”.([22])
وفي الختام، تعكس المعطيات الميدانية والتاريخية أن المقاربة العسكرية لن تكون كافية بمفردها لتسوية الأزمة الراهنة في إقليم الأمهرة، بل على العكس ربما يؤدي تمسك الحكومة الإثيوبية بهذا المسار إلى تفاقم المواجهات المسلحة مع المليشيات المسلحة داخل الإقليم، وربما إعادة تكرار الحرب الأهلية في التيجراي، وعلى الرغم من ضعف القدرات والخبرات العسكرية لهذه المليشيات مقارنةً بجبهة تحرير التيجراي، بيد أنها لا تزال تُمثِّل تهديدًا لأديس أبابا، وسلطة رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد”، بل وكذا لوحدة وتماسك الدولة الإثيوبية.
…………………………………..
[1] – عام على اتفاق بريتوريا، هل حل السلام على تيغراي؟، دويتش فيليه، 2 نوفمبر 2023م، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/akbah
[2] -Why Ethiopia’s Amhara militiamen are battling the army, BBC, 16 August 2023.
[3] -Dozens Killed in Recent Clashes in Ethiopia’s Amhara Region, UN Says, Voice of America, November 17, 2023.
[4] -Patrick Vinck, Tadesse Simie Metekia, Geoff Dancy, Kathryn Sikkink, and Phuong N. Pham, Can Justice Bring Peace to Ethiopia? How to Heal Divisions After Decades of War, Foreign Affairs, November 15, 2023.
[5] -Ethiopia’s Ominous New War in Amhara, Crisis Group, 16 NOVEMBER 2023.
[6] -Yohannes Gedamu, Ethiopia’s Amhara crisis: Abiy’s political failures threaten a return to war, The Conversation, August 24, 2023.
[7] -Ethiopia’s Ominous New War in Amhara (Crisis Group Africa Briefing N°194. 16 November 2023), ReliefWeb, OCHA, 16 Nov 2023.
[8] -Dozens Killed in Recent Clashes in Ethiopia’s Amhara Region, op.cit.
[9] -Adane Tadesse, A Reflection on the Conflict in the Amhara Region of Ethiopia, Wilson Center, September 29, 2023.
[10] -Patrick Vinck, Tadesse Simie Metekia, Geoff Dancy, Kathryn Sikkink, and Phuong N. Pham, op.cit.
[11] -Ethiopia’s Ominous New War in Amhara (Crisis Group Africa Briefing N°194. 16 November 2023), op.cit.
[12] -Ibid.
[13] -Ethiopia’s Ominous New War in Amhara, op.cit.
[14] -Ethiopia’s Ominous New War in Amhara (Crisis Group Africa Briefing N°194. 16 November 2023), op.cit.
[15] -Ibid.
[16] -Isaac Kaledzi, Ethiopia and Eritrea: Is a new war looming?, DW, 11/14/2023November 14, 2023.
[17] -Ethiopia’s Ominous New War in Amhara (Crisis Group Africa Briefing N°194. 16 November 2023), op.cit.
[18] -Ethiopia’s Ominous New War in Amhara, op.cit.
[19] -Adane Tadesse, op.cit.
[20] -Martina Schwikowski, Is Ethiopia on the brink of a new war?, DW, September 28, 2023.
[21]– Ethiopia’s Ominous New War in Amhara, op.cit.
[22] – Adane Tadesse, op.cit.