بقلم: شريف عثمان مبردكة
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
أثار وصول فيليكس تشيسكيدي إلى المنصب الأعلى في عام 2019م الكثير من الآمال؛ لأنه كان أول انتقال سلمي للسلطة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد الاستقلال.
سبب آخر لهذا الأمل لدى الشعب الكونغولي هو أن الرئيس الخامس هو ابن “الخصم التاريخي” والمُؤسِّس اللامع للاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي (UDPS)، إتيان تشيسيكيدي وا مولومبا. وفقًا لعالم السياسة غوشيه كيزيتو، الذي يدرس في جامعة غرابن الكاثوليكية، فإن “الابن استفاد وما يزال يستفيد من شعبية الأب”.
وكاستجابة لتوقعات هؤلاء المواطنين؛ قدم فيليكس تشيسكيدي بعد ذلك سلسلة من الوعود تتراوح بين الحد من البطالة، ومكافحة انعدام الأمن المتكرر في شرق البلاد، بما في ذلك مكافحة الفساد.
وبعد خمس سنوات، تدعو المعارضة إلى إعادة النظر في المشاريع الكبرى للرئيس تشيسيكيدي، قبل التفكير في إعادة ترشيحه لولاية ثانية.
محاربة الجماعات المسلحة:
في 24 يناير 2019م، أدى فيليكس تشيسكيدي اليمين الدستورية رئيسًا خامسًا لجمهورية الكونغو الديمقراطية.
ووعد في كلمته بهذه المناسبة باستعادة سلطة الدولة، ومكافحة الإفلات من العقاب، وبذل كل ما في وُسْعه من أجل حماية التراب الوطني وسلامته.
وبعد خمس سنوات، ألقى الرئيس تشيسيكيدي خطابًا آخر، هذه المرة، عن حالة الأمة. وعاد إلى تقييمه من خلال الإشارة -من بين أمور أخرى- إلى مسألة انعدام الأمن الذي يعصف بشرق البلاد.
وفي محاولة لإجبار الجماعات المسلحة النشطة في شرق البلاد على إلقاء أسلحتها؛ أعلن الرئيس فيليكس تشيسكيدي حالة الحصار في إقليمي إيتوري وشمال كيفو الشرقيين في عام 2021م. ومنذ ذلك الحين، حلَّ الجيش محل المدنيين في السلطة. في المناطق المعنية، من أجل الحصول على المزيد من القوة لتعقُّب رجال الميليشيات بشكل أفضل.
وفي مواجهة البرلمانيين، في 14 نوفمبر، صرّح المرشح الرئاسي أن حالة الحصار سمحت للسلطات بالكشف عن المتواطئين المزعومين مع الجماعات المسلحة، وخنق مصادر تمويل المتمردين؛ قائلاً: “لقد مكَّن هذا النظام الاستثنائي من تحسين الوضع الأمني في مناطق معينة من المقاطعتين المعنيتين، ولا سيما الحد من التعدين عبر الحدود والاحتيال الجمركي الذي يُؤجِّج الصراعات، والحدّ من التوترات بين الطوائف، وكذلك استقرار الإدارة من خلال إعادة بَسْط سلطة الدولة”؛ على حدّ تعبيره.
ورغم ذلك، انتقدت أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بشدة فعالية هذا الإجراء. ويعتبر مقياس كيفو الأمني (KST، Kivu Security Tracker) بمثابة منصة لرصد العنف في مقاطعتي إيتوري وشمال كيفو. وزعمت المنصة أنها رسمت خرائط لحالات العنف التي نفَّذتها قوات أمن الدولة والجماعات المسلحة في المحافظات الخاضعة لحالة الحصار.
وتزامنًا مع خطاب الرئيس تشيسيكيدي أمام البرلمانيين، أعلنت وكالة فرانس برس استعادة قرية كيشيشي من قبل متمردي حركة 23 مارس؛ حيث اتُّهموا بالفعل بارتكاب مذبحة في نهاية نوفمبر 2022م؛ خلَّفت حوالي 170 قتيلًا؛ وفقًا لـمنظمة الأمم المتحدة.
وانسحب المتمردون، الذين تدعمهم رواندا وفقًا لمصادر عديدة، رغم نفي كيغالي ذلك، من القرية في مطلع أبريل أثناء مغادرتهم مناطق أخرى في مقاطعة شمال كيفو التي استولوا عليها خلال “العام المنصرم”.
وبعد ستة أشهر من الهدوء النسبي، استُؤنفت الاشتباكات في بداية أكتوبر في شمال كيفو بين حركة 23 مارس المتمردة والجيش الكونغولي (القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية) المتحالف مع الجماعات المسلحة التي تقدم نفسها على أنها “وطنيون” من وازاليندو. وتسبّب تجدُّد العنف في نزوح نحو 200 ألف شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وفي إقليم بيني، نحو الشمال، يواصل الجيش الكونغولي والقوات الأوغندية مطاردة متمردي تحالف القوى الديمقراطية. ونجح التحالف بين جيشي البلدين في إبعاد المتمردين عن المراكز السكانية وتحرير مئات الرهائن. وعلى الرغم من أنَّ الهجمات التي تشنّها القوات الديمقراطية المتحالفة؛ لم يتم القضاء عليها بشكل كامل، إلا أن قدرتها على التسبّب في الضرر قد انخفضت بشكل كبير.
مجانية التعليم الابتدائي ورعاية النساء والولادة:
على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، يمكن لفيليكس تشيسيكيدي أن يتباهى بأنه قدم التعليم الابتدائي المجاني في سبتمبر 2019م. لقد كان في الواقع أحد الجوانب الرئيسية لمشروعه الاجتماعي.
ووفقًا له، ارتفع عدد الطلاب المسجلين بأكثر من 5 ملايين بفضل التعليم الابتدائي المجاني “لتحسين جودة التعليم وتوسيع التعليم الابتدائي المجاني، تم بناء 1230 مدرسة كجزء من برنامج التنمية المحلية في 145 إقليمًا”؛ على حد تعبيره. كما رحَّب فيليكس تشيسكيدي بإطلاق برنامج دعم التعليم المجاني تحت شعار “لا مدرسة بدون مقعد”.
وتشير الرئاسة إلى أنه لدعم مجانية التعليم، قامت الحكومة بزيادة الميزانية المخصصة للتعليم بنسبة 9.1% للأعوام 2021م إلى 2022م، وللعام 2022م إلى 2023م بنسبة 23.9%.
وأضاف “ارتفع متوسط راتب المعلم من 159,662.67 فرنك إفريقي إلى 408,689.67 فرنك خلال فترة السنوات الخمس”.
ورغم ذلك، فإن بعض المعنيين في مجال التعليم لديهم تحفُّظات على هذا البرنامج، مشيرين إلى اكتظاظ الفصول الدراسية في بعض الأماكن، وصعوبة استمرار المدارس في تحفيز المعلمين في أماكن أخرى.
وأدان تحقيق أجرته المفتشية العامة للمالية عام 2020م، وهي هيئة لمكافحة الفساد تخضع للسلطة المباشرة للرئاسة، الاحتيال في قطاع التعليم. وأدَّى ذلك إلى اعتقالات ومحاكمات لكبار المسؤولين.
وفي هذا السياق صرَّح جول ألينجيتي، رئيس المفتشية العامة للمالية، في مقابلة مع بي بي سي بالقول: “لقد أثبتنا أن هناك مدارس وهمية، وأن هناك موظفين وهميين، وأعتقد أن هذا العمل وصل إلى النهاية، وتم استجواب مسؤولي القطاع التعليمي مِن قِبَل المحاكم، وحُكم على بعضهم بالسجن 20 عامًا”، مضيفًا “إنهم ما زالوا في السجن”؛ على حد قوله.
وفقًا لعالم السياسة جوشر كيزيتو، يُعتبر التعليم الابتدائي المجاني أحد الأصول التي يمكن لرئيس الدولة استخدامها لاستعادة الكرسي الرئاسي. يُضاف إلى ذلك مئات الشباب المستفيدين من منحة إكسيلانسيا التي نظمتها مؤسسة السيدة الأولى دينيس نياكيرو تشيسيكيدي. وبفضل هذه المنحة، يدرس حوالي مائة شاب في المدارس في جميع أنحاء البلاد، بينما تم إرسال عشرات آخرين لمواصلة دراستهم في الخارج.
في سبتمبر 2023م، أطلق الرئيس فيليكس تشيسيكيدي الولادة المجانية في المستشفيات العامة. في بلد يتم فيه احتجاز العديد من النساء في المستشفيات مع أطفالهن بسبب صعوبات سداد التكاليف المالية، جاء هذا الإجراء بمثابة نسمة من الراحة.
ويطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان، في كل عام، أكثر من 7 ملايين دولار لدعم الحكومة في منتجات تنظيم الأسرة، وكذلك الأدوية التي تنقذ حياة النساء والأطفال حديثي الولادة.
وفي حين ترحب المنظمة بالإجراء الذي أطلقته الحكومة، فإنها تشير إلى أنه لا تزال هناك حاجة لتعزيز النظام الصحي في البلاد من خلال شبكات رعاية النساء والتوليد، ورعاية الأطفال حديثي الولادة في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى وجود موظفين مؤهلين وأكفاء للمتابعة.
ومن الضروري تعبئة موارد مالية ومادية وبشرية كبيرة لدعم هذه الخدمة المجانية. ولهذا السبب يدعو صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى تعزيز الموارد المخصصة لصحة الأمهات والمواليد والأطفال والمراهقين في جميع أنحاء جمهورية الكونغو الديمقراطية.
على الجانب الاقتصادي، بينما يشكو الكونغوليون من انخفاض قيمة الفرنك الكونغولي الذي كان له تأثير خطير على حياتهم اليومية، رحب الرئيس تشيسيكيدي مؤخرًا بالتحسن المتجدد في الاقتصاد الوطني.
“اسمحوا لي أن أؤكد لكم أن اقتصادنا في عام 2023م في حالة جيدة. لقد قطعنا شوطًا ملحوظًا منذ عام 2020م؛ حيث تغلَّبنا على التحديات التي فرضتها الجائحة لتحقيق معدلات نمو اقتصادي توحي بالثقة في المستقبل. وزاد معدل نمونا من واحد فاصل سبعة بالمئة في ألفين وعشرين إلى ستة فاصل اثنين بالمئة، وهو رقم مقدر لسنة 2023م الحالية”.
وحتى لو أدرك أنه ما يزال يتعين بذل الجهود في مجالات العدالة والحريات؛ فإن بديل جوزيف كابيلا في قصر الأمة يدعو إلى التصويت لصالحه في العشرين من ديسمبر الجاري.
“لذلك لدينا خيار بين البدء من الصفر أو تعزيز إنجازات هذا الزخم التقدمي من خلال المضي قدمًا جنبًا إلى جنب، برؤية واضحة وهدف مشترك، نحو مستقبل تُتاح فيه الفرصة لكل الكونغوليين للازدهار”؛ وعد جديد أو شعار يُطلق حملته الانتخابية.
حلفاء تشيسيكيدي الرئيسيون:
سيكون بمقدور فيليكس تشيسكيدي، بخصوص الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 20 ديسمبر الجاري، الاعتماد على دعم جان بيير بيمبا، نائب رئيس الوزراء الحالي والمسؤول عن الدفاع وفيتال كاميرهي، نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الاقتصاد.
جان بيير بيمبا
وعد أمير الحرب السابق جان بيير بيمبا ببذل كل ما في وسعه لتحقيق فوز الرئيس المنتهية ولايته. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفيّ عُقد يوم السبت 30 سبتمبر 2023م.
أما حزبه (حركة تحرير الكونغو MLC) فهو جزء من اتحاد الأمة المقدس، وهو تحالف الأحزاب السياسية الداعمة لترشيح الرئيس فيليكس تشيسيكيدي. وخلال مؤتمر حزبه السياسي الذي عُقد يوم السبت 30 سبتمبر 2023م؛ كشف جان بيير بيمبا عن دعمه لفيليكس تشيسيكيدي.
وقد أعلن جان بيير بيمبا جومبو، رئيس حركة تحرير الكونغو عن موقفه بالقول: “تؤكد حركة تحرير الكونغو من جديد عضويتها في الاتحاد المقدس للأمة، كشاهد متميز على رغبة رئيس الدولة فيليكس تشيسكيدي في إحداث تحول عميق في مجتمعنا لقيادة بلادنا نحو التنمية، وضمان أمنها وفرض السلام داخل حدودنا. ولهذا السبب قررت عدم تقديم ترشيحي لدعم شقيقنا فيليكس أنطوان تشيسيكيدي تشيلومبو”؛ على حد تعبيره.
فيتال كامرهي
فيتال كاميرهي يخاطب أنصار الاتحاد المقدس، وعلى غرار جان بيير بيمبا، يُعتبر فيتال كاميرهي أيضًا حليفًا رئيسيًّا للرئيس تشيسيكيدي.
وقد قرر اتحاد فيتال كاميرهي، في أغسطس المنصرم، الاتحاد من أجل الأمة الكونغولية (UNC) دعم ترشيح فيليكس تشيسيكيدي للانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2023م.
وفقًا لأعضاء UNC، من الضروري إكمال جميع إجراءات البرنامج المشترك المصمم مع UDPS. ومع ذلك، في عام 2018م، أبرم الطرفان اتفاقًا في نيروبي يقضي بموجبه بترشح فيليكس تشيسيكيدي في عام 2018م وكاميرهي في عام 2023م.
وأمام الصحافة خلال المؤتمر في 19 أغسطس الماضي، أوضح فيتال كاميرهي أن هذا “اختيار القلب والعقل، لأن قدرتنا الكبيرة على تغيير الأشياء تعتمد على إيماننا بالمستقبل”، مضيفًا: “نحن ندرك المهمة الهائلة التي تنتظر رئيس الجمهورية. لكننا نعلم أنه يمكننا الاعتماد على إصراره في حمل شعلة طموحنا الوطني إلى أعلى مستوى”.
لكن المحلل جوشر كيزيتو يرى أن القضية الأساسية للتحالف بين بيمبا وكاميرهي وتشيسيكيدي هي “تقاسم المناصب والمسؤوليات، خاصة على مستوى الفريق الحكومي” في حال الفوز. وهذا سيعتمد، بحسب قوله “على الثقل الذي سيمثله كل حزب سياسي من حيث عدد النواب ورؤساء البلديات”.
خلال مؤتمر عُقد في الأول من أكتوبر، أشاد حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي والحزب الحاكم والأحزاب الأعضاء الأخرى في “الاتحاد المقدس للأمة” بالرئيس المنتهية ولايته باعتباره حامل لوائهم.
ورغم ذلك، سُجِّل فيليكس تشيسيكيدي كمرشح مستقل في القائمة التي نشرتها اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة.
سيغادر فيليكس تشيسيكيدي ميدان الحملة مؤقتًا لتمثيل جمهورية الكونغو الديمقراطية في COP28. وفي غيابه، سيواصل مساعدو الاتحاد المقدس حملتهم في مختلف مقاطعات جمهورية الكونغو الديمقراطية على أمل الفوز بولاية ثانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط لمقال:
https://www.bbc.com/afrique/articles/ce9p2p04qj8o