نهاد محمود
باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة
تُعدّ الهند واحدة من أبرز القوى العالمية الناشئة التي تلعب دورًا بارزًا على صعيد بُلدان إفريقيا جنوب الصحراء، ذلك الدور الذي لم يكن وليد الوقت الراهن فقط، بل إنه امتلك تاريخًا طويلًا من روابط التعاون والتضامن المُمتدَّة على مستوى القارة ككل. والتي تعود إلى أوائل عشرينيات القرن العشرين، عندما كانت كلتا المنطقتين (الهندية والإفريقية) تُقاتلان ضدّ الحُكام الاستعماريين. كما أن الآباء المُؤسِّسين للهند هُم مَن دعَّموا الزعماء الأفارقة لكسر روابط الاستعمار وأنظمة الفصل العنصريّ. وعليه، انضموا لزعماء القارة ضد القوى المهيمنة خلال الحرب الباردة في ظلّ حركة عدم الانحياز.
وبعد عقودٍ من الاستقلال عادت الهند من جديد للقارة الإفريقية لاسترجاع علاقاتها بشتى أنواعها، مع التركيز على العلاقات التجارية منها؛ لتراجعها بين الجانبين، ورغم تواضع التبادل التجاري بادئ الأمر بينهما، إلا أنه شهد تصاعدًا ملحوظًا في أعقاب تحسُّن الأوضاع بالهند واكتساب الاقتصاد المحلي زخمًا أكبر، فضلًا عن التخلُّص من السياسات الحمائية والعزلة الصارمة التي كانت مفروضة على نيودلهي.
عقب ذلك شهدت التجارة الهندية-الإفريقية تصاعدًا ملحوظًا حتى تجاوزت 70 مليار دولار في الفترة من 2012- 2013م، ودفعت هذه الطفرة بعض المتخصصين للقول بأنه لولا وجود الصين داخل القارة لكانت الهند أكبر شريك تجاري لإفريقيا. كما أنها في عام 2017- 2018م تجاوزت تجارتها بسهولة الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين الرئيسيين لإفريقيا بحوالي 63 مليار دولار.[[1]]
بناءً عليه تسعى هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على الدور الهندي بالقارة الإفريقية، من حيث بداياته ودلالات صعوده، وأسباب اهتمام الهند من الأساس بالقارة الإفريقية، خاصةً ببُلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وصولًا إلى رؤية تقييمية تشمل عددًا من التحفظات والمآخذ بشأن التوجُّه الهندي إزاء القارة.
أولًا: التحركات الهندية تجاه إفريقيا.. النشأة والدلالات
حرصت الهند على تسجيل حضورها الإفريقي الأول خلال محاولات بلدان إفريقيا لحصولها على الاستقلال؛ حيث أصبحت صوتًا رائدًا في دعم إنهاء الاستعمار الأوروبي لإفريقيا داخل أروقة الأمم المتحدة، وعلى الرغم من معاناة الهند من الفقر المدقع بعد قرنين من الاستغلال الاستعماري؛ إلا أنها تُصَرِّح دائمًا بحرصها على تقاسم مواردها المحدودة مع البلدان الإفريقية تحت راية التعاون فيما بين بلدان الجنوب. وفي عام 1964م أطلقت الهند في هذا السياق برنامجًا للتعاون التقني والاقتصادي الهندي ITEC لتقديم المساعدة التقنية من خلال تنمية الموارد البشرية إلى البلدان النامية الأخرى مع البلدان الإفريقية وبرنامج الكومنولث الخاص للمساعدة الإفريقية SCAAP.[[2]]
وقد تنوّع انخراط الهند داخل إفريقيا عبر مناحي عدة؛ بين أدوار سياسية وأمنية (المشاركة بعمليات حفظ السلام)، واقتصادية (استثمارات هندية شارك فيها القطاعان العام والخاص)، وثقافية (المِنَح الدراسية المُقدَّمة للطلاب الأفارقة(، وتنموية )مساعدات الإغاثة الإنسانية). كان هذا الحال منذ أكثر من نصف قرن حين عُقِدَ مؤتمر باندونج عام 1955م، بغرض ترسيخ التعاون فيما بين بلدان الجنوب؛ ذلك المؤتمر الذي جمع بين الدول المستقلة حديثًا في إفريقيا وآسيا؛ حيث التجربة المشتركة في النضال ضد الاستعمار الأوروبي، فضلًا عن التحديات التنموية المشتركة.[[3]]
وبصورة عامة يُمكن إيجاز أبرز مظاهر انخراط نيودلهي بإفريقيا على النحو التالي:
1- تأسيس منتدى الهند-إفريقيا:
في إطار حرص الهند على إضفاء الطابع المؤسسي على علاقاتها مع إفريقيا؛ أطلقت منتدى يجمعها بالقارة، وتم الإعلان عن أول قمة عام ٢٠٠٨م، والتي جاءت عقب أربعين عامًا من مؤتمر باندونج سالف البيان، وعُقِدَت قمة 2008م، وقمة لاحقة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام ٢٠١١م، وقمة ثالثة بنيودلهي عام ٢٠١٥م. فيما تأجَّلت القمة الرابعة لدواع جائحة (كوفيد-19).[[4]]
وقدّ تمحوّرت هذه القِمَم حول مجالات عدّة بهدف التعاون لدفع الشراكة بين الهند وإفريقيا في المجالات الرئيسة ذات الاهتمام المشترك؛ كالزراعة والأمن الغذائي والصحة والتعليم وتكنولوجيا المعلومات والتغيُّر المُناخي والاقتصاد الأزرق، وذلك بحضور رؤساء دول ووفود وزارية رفيعة المستوى.[[5]]
2- زيارات هندية موجّهة للقارة:
تجلّى ذلك خلال سفر مسؤولي الهند إلى إفريقيا في مناسبات عديدة؛ كزيارة رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” عام 2018م إلى أوغندا ورواندا، خلال إعلانه عن حملة دبلوماسية ضخمة وقَّع خلالها عددًا من مذكرات التفاهم بشأن الزراعة والدفاع والطاقة الخضراء. كما حضر “سوبراهمانيام جايشانكار” وزير الخارجية الهنديّ، اجتماعًا لوزراء خارجية بريكس واجتماعًا آخر لأصدقاء وزراء خارجية بريكس في جنوب إفريقيا بين 1 و3 يونيو 2023م، عقب ذلك زار ناميبيا في الفترة من 4 إلى 6 يونيو 2023م. إضافةً إلى زيادة عدد السفارات الهندية في القارة من 29 إلى 47 سفارة، حتى وإن لم يُعَيَّن ببعضها سفراء. ما يؤكد في الأخير رغبة نيودلهي في تأسيس علاقات أكثر جدّية مع إفريقيا.[[6]]
3- حِفظ السِّلم والأمن:
يرى بعض المراقبين أن مُشاركة الهند في عمليات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام بشكل عام أمر لا مثيل له؛ فقد كانت واحدة من أكبر المساهمين في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وتكبَّدت أكبر عدد من الضحايا بهذه العمليات. على صعيد إفريقيا شاركت الهند بأغلب عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وحتى عام 2015م أشارت التقديرات إلى وجود 80% من قوات حفظ السلام الهندية بقارة إفريقيا، كما وقع 70% من إجمالي الضحايا بين جنودها بالبُلدان الإفريقية.[[7]]
على الصعيد ذاته وخلال عام 2017م، أكدت جيبوتي على دور الهند المهم في الحفاظ على السلم والاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي، خاصةً في ظل تعاون البلدين من أجل التكاتف للقضاء على مخاطر المدّ الإرهابيّ بالقرن الإفريقي. كان ذلك خلال زيارة الرئيس الهندي السابق “رام ناث كوفيند” للقاء نظيره الجيبوتي “إسماعيل عمر جيله”، في حدثٍ كان هو الأوّل من نوعه؛ من حيث قيام رئيس هندي بزيارة لدولة جيبوتي. وخلال الزيارة وقَّعت الدولتان اتفاقًا لإقامة مشاورات مُنتظمة على مستوى وزارة الخارجية، وأقرّ الجانبان على الدور المهم لجيبوتي وأهميتها الاستراتيجية، وكذلك دور الهند المحوريّ داخل المنطقة.[[8]]
4- تدفُّق الاستثمارات الهندية إلى إفريقيا:
زادت استثمارات نيودلهي في إفريقيا، سواء مِن قِبَل القطاع العام أو الخاصّ، زيادةً كبيرةً خلال العقد الماضي. في هذا السياق نشير إلى نتائج دراسة قدَّمت تحليلًا مُفصلًا لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الهندي إلى إفريقيا خلال الفترة (2008 -2016م)، وقد توصّلت إلى ثلاث نتائج رئيسة:
أولًا: تَركَّز الجزء الأكبر من الاستثمارات الهندية في إفريقيا بموريشيوس (كما سيوضح الشكل التالي)، التي تُمَثِّل نحو 19% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى العالم، نتيجة لنظام ضريبي بموريشيوس جاذب للاستثمار الأجنبي عزَّزه اتفاق لمنع الازدواج الضريبي تم توقيعه بين الجانبين عام 1983م، وأُعيد التفاوض بشأنه في 2016م. وربما يعود ذلك أيضًا إلى زيادة أعداد الجالية الهندية هناك والتي تقترب من مليون شخص، بنسبة تتجاوز ٦٠% من إجمالي سكان موريشيوس، كما سنتطرق لاحقًا بشيء من التفصيل بشأن الشتات الهندي بإفريقيا. أما تدفقات الاستثمار الهندي المباشر إلى موريشيوس فقد بَلغت في الفترة (2008 – 2016م) حوالي 47.6 مليار دولار أمريكي، فيما ذهب 5 مليارات دولار فقط إلى بقية إفريقيا التي تُمَثّل 2% فقط من الاستثمار الهندي العالمي المباشر.
ثانيًا: كان أمن الطاقة عاملًا رئيسًا وراء استثمارات القطاع العام الهندي في إفريقيا.
ثالثًا: استثمر القطاع الخاص الهندي في مجموعة من القطاعات غير المتعلقة بالطاقة، كالتصنيع.
وفي الأخير، خلصت الورقة إلى أن العلاقة بين مبادرات الهند التعاونية الإنمائية واستثماراتها في إفريقيا ضعيفة في الوقت الحالي. وأوّصت بضرورة إنشاء أداة مؤسسية لتشجيع الاستثمارات الهندية المواتية للتنمية في إفريقيا.[[9]]
شكل رقم (1)
حصة إفريقيا من إجمالي تدفقات الاستثمار الهندي المباشر في الفترة (2008- 2016م)
(مقسّمة بين موريشيوس مقارنة ببقية دول القارة)
Source: Malancha Chakrabarty, “Indian Investments in Africa: Scale, Trends, and Policy Recommendations”,
Published paper in Observer Research Foundation (ORF), Feb 2018, p.7, on: https://shorturl.at/fiLWY
5- تقديم الدعم خلال تعرُّض البُلدان الإفريقية للكوارث الطبيعية:
مثال ذلك في أكتوبر 2020م غادرت السفينة البحرية الهندية (Airavat) ميناء مومباي مُحمَّلة بالمساعدات الغذائية لعدد من بُلدان القرن الإفريقي التي تعرَّضت للجفاف، والتي قُدِّرَت بحوالي 270 طن ما بين الأرز ودقيق القمح والسكر، والتي اشتدَّت الحاجة إليها بكل من السودان، جنوب السودان، جيبوتي، إريتريا. كما قامت السفينة بإجراء اتصالات مع الموانئ هناك (ميناء مصوع بإريتريا وبورتسودان في السودان، ومومباسا في كينيا) في إشارة إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية، وألا يقتصر الأمر فقط على مجرد تقديم المساعدات ثم المغادرة. وكانت المهمة الإنسانية الثانية أطلقتها البحرية الهندية خلال عام 2020م، حين أرسلت مهمة إغاثية في أبريل ومايو خلال ذروة جائحة كوفيد-19، أُطلِق عليها Mission Sagar، وتضمنت توفير 580 طنًّا من المواد الغذائية والإمدادات الطبية إلى دول جزر المحيط الهندي في جزر المالديف وموريشيوس ومدغشقر وجزر القمر وسيشل. وتؤكد جهود الهند في الإغاثة خلال حالات الكوارث -كالتي تم إطلاقها لموزمبيق 2019م، ومدغشقر 2020م- على تنامي قدرة الهند واستعدادها للاضطلاع بمهام بَحْرية، ودعم الجوار الإقليمي بمنطقة المحيط الهندي الكبرى، كما أنها أظهرت الدور المتنامي للهند كلاعب رئيس يُمكنه تحقيق أهدافه، لا سيما الخارجية والاستراتيجية المتعلقة بتمديد مناطق نفوذه.[[10]]
6- جهود دبلوماسية وعسكرية:
بدأت الهند منذ عام 2017م بافتتاح سفارات لها بكل من جيبوتي وإريتريا. كما قام الرئيس الهندي “رامناث كوفيند” بزيارة إلى جيبوتي وإثيوبيا لتعزيز التعاون معهما، شملت توقيع اتفاقيات دعم لوجستي لضمان وصول بحري أكبر في المنطقة. كما تُجْري الهند محادثات مع اليابان للسماح بدخول السفن البحرية الهندية إلى القاعدة اليابانية في جيبوتي. من جهة أخرى، سعت الهند إلى تأسيس قاعدة عسكرية في سيشل لتعزيز وجودها البحري في غرب المحيط الهندي.[[11]]
استمرارًا لتلك المساعي؛ عُقِدَت مناورات عسكرية مشتركة بين الهند وإفريقيا في مارس 2023م، استمرّت تسعة أيام بمشاركة قوات من 23 بلدًا إفريقيًّا. وكان قد سبق ذلك اجتماع جمَع بين الهند وقادة جيوش ومسؤولين يمثلون 31 بلدًا إفريقيًّا، عرضت خلاله الهند بمدينة بونا، مركز الصناعات الدفاعية الهندية في غرب البلاد، بنادق هجومية وقذائف مدفعية ونماذج صاروخية. وذلك خلال مساعي نيودلهي لبيع المزيد من عتادها المُصَنَّع محليًّا إلى بلدان أخرى، خصوصًا تلك الفقيرة غير القادرة على تحمّل معدات عسكرية غربيّة بتكلفة أعلى.[[12]]
7- تعاون أمني مشترك:
يحتل التعاون الأمني مكانة خاصة في العلاقات الهندية الإفريقية، ويتجلّى ذلك في العمل المشترك لمواجهة الإرهاب وأعمال التطرف، وضمان الأمن السيبراني، وإجراء التدريبات العسكرية المشتركة والمُشاركة في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة.[[13]]
على سبيل المثال، في شهر مايو 2022م؛ صرّح وزير الشؤون الخارجية الهندي، “د. سوبراهمانيام جايشانكار”، بأن الهند تحرص على التعاون مع البلدان الإفريقية لمواجهة التهديدات المتزايدة التي يُشكلها التطرف والإرهاب على مجتمعاتها. على الصعيد ذاته، فقد ساعدت الهند في إنشاء كليات وأكاديميات عسكرية في نيجيريا وإثيوبيا وتنزانيا، كما أرسلت فِرَق تدريب إلى بوتسوانا وناميبيا وأوغندا وليسوتو وزامبيا وموريشيوس وسيشيل وتنزانيا وغيرها.[[14]]
8- حضور ثقافي-خدمي:
على الصعيد الثقافي وفي إطار المجلس الهندي للعلاقات الثقافية وبرنامج CV-RAMAN للزمالة الدولية للباحثين الأفارقة، تم تقديم 900 منحة دراسية للطلاب الأفارقة سنويًّا منذ عام 2008م. فضلًا عن المساعدات الطبية التي جعلت الهند موردًا رئيسًا للأدوية الجنيسة -أدوية بديلة للأدوية الأصلية بأسعار أقل-، كما أنه يتم علاج غالبية الأفارقة المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية بمضادات الفيروسات القهرية العامة بأسعار معقولة مصنعة في الهند. [[15]]
واستمرارًا للخدمات الهندية الموجهة للقارة؛ فقد أعلنت نيودلهي في 26 فبراير 2009م عن مشروع “شبكة الربط الإلكتروني لعموم إفريقيا” The Pan African e-network برعاية شركات الرعاية الصحية والاتصالات الهندية الخاصة، مع الجهات الفاعلة الحكومية، والذي تم الإعلان عنه خلال القمة الهندية الإفريقية لعام 2008م بهدف سدّ الفجوة الرقمية بين البُلدان الإفريقية والهند؛ من خلال توفير كافة الخدمات الإلكترونية غير المتوفرة، والتي شملت تسهيل عملية التعليم عن بُعْد، وكذلك مُمارسة الطب عن بُعْد وربط عدد من المستشفيات الهندية بإفريقيا تُمكِّن المرضى من الاتصال بها عن بُعْد، وكذلك تسهيل إمكانية حضور المؤتمرات العلمية للكوادر الطبية والعلمية عبر الإنترنت، وغيرها من الخدمات الرقمية ذات الصلة. [[16]]
9- إرث غاندي واستغلال القوة الناعمة:
تحاول الهند عبر الحزب الحاكم “بهاراتيا جاناتا” (BJP) Bharatiya Janata Party إقامة علاقات أوثق مع المناطق التي تضم أعدادًا كبيرة من الشتات الهندي كمناطق شرق وجنوب إفريقيا[[17]]؛ بما يُعزِّز نفوذ الدولة هناك، خاصة مع وجود تلك الجاليات في حوالي 46 دولة إفريقية، وهو ما يُمَثِّل 12.37% من إجمالي الشتات الهنديّ بالعالم.[[18]]
وتوجد أكبر تجمعات للجالية الهندية في إفريقيا كما يلي: يتركّز بجنوب إفريقيا حوالي 1.5 مليون هندي، تليها موريشيوس (855,000)، ثم ريونيون (220,000)، كينيا (100,000)، تنزانيا (100,000)، وأوغندا (90,000). ويُلاحظ أن الشتات يُمَثِّل نسبة ليست بالقليلة من إجمالي السكان لا سيما في جُزر المحيط الهندي. كما في موريشيوس؛ حيث تزيد نسبة السكان من أصل هندي عن 60%. وفي ريونيون 31%، وفي سيشيل حوالي 6%.[[19]]
بشكل مُوازٍ؛ تعمل الهند على استغلال إرث ومكانة المهاتما غاندي ببعض بلدان إفريقيا، والتي لا يزال “غاندي” رمزًا لمُناهضة الاستعمار خاصةً بساحل العاج والسنغال وتنزانيا، لكنه في الوقت نفسه لا يَحْظى بالمكانة ذاتها ببُلدان إفريقية أخرى؛ حيث يتم التشكيك بإرثه ببلدان كجنوب إفريقيا وملاوي[[20]]، وغانا التي أزالت تمثالًا له عام 2018م من حَرم جامعة غانا -التي تم تأسيسها عام 1948م- بعد طلب بعض الأساتذة هناك بسَحْبه من ساحة الحرم، زاعمين عُنصريّته إزاء الأفارقة، مقابل وصفه للهنود بأنهم أفضل من الأفارقة، ما تم اعتباره إهانةً عُنصرية شديدة للأفارقة.[[21]]
ويدفع ذلك الهند إلى عدم تبنّي نهج واحد مع كافة بُلدان إفريقيا، بل تبنّي المقاربة الأكثر ملاءمة وفقًا للسياق السياسي والإرث الثقافيّ السائد لدى كل دولة، بما يضع في الاعتبار احترام وتفهُّم خصوصية الآخر.[[22]]
ثانيًا: التوجّه الهندي صَوب إفريقيا.. دوافع ومصالح مُحرِّكة
يقترن التوجه الهندي تجاه القارة الإفريقية، كغيره من القوى الدولية المتنافسة بالقارة، بجُمْلة من المصالح التي تسعى نيودلهي لتحقيقها خلال تعاونها مع بُلدان إفريقيا، والتي تتراوح ما بين المصالح السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتجارية، وغيرها، كما سنعرض على النحو التالي:
1- استمالة الكتلة التصويتية الكبيرة التي تمتلكها إفريقيا بالمحافل الدولية:
كسائر القوى الكبرى الأخرى صاحبة النفوذ بالقارة (الصين وروسيا) تهدف الهند من تعميق تعاونها مع البلدان الإفريقية، لضمان الأصوات التي تُمثّلها القارة الإفريقية خلال القرارات الصادرة بالمحافل الدولية، لا سيما الأمم المتحدة. وتتمكّن الهند من الترويج الجيد لوجودها عبر إبراز السمات المشتركة بينها وبين الجانب الإفريقي، والتركيز على القضايا التي تُدْرِك جيدًا أنها ستَلْقَى قبولًا لدى القادة الأفارقة؛ كإعلانها عن رغبتها في نظام عالمي أكثر إنصافًا. تلك الدعوة التي وجدت صداها لدى العديد من الرؤساء الأفارقة الذين أُصيبوا بخيبة أمل من النظام الغربي الليبرالي.
وربما يعزّز من هذا التقارب الإعلان خلال قمة بريكس -التي انعقدت أغسطس 2023م بمدينة جوهانسبرج الجنوب إفريقية- عن توسيع مجموعة بريكس (المُكَوّنة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) وقبول 6 دول جُدد شملت دولتين إفريقيتين (مصر وإثيوبيا)، إضافة إلى دول من خارج القارة (الإمارات والسعودية والأرجنتين وإيران)، على أن تُفعَّل عضوياتهم بدءًا من يناير 2024م المقبل.
وبشكل عام كانت الهند حاسمة في التأكيد على ضرورة وجود تمثيل أكبر للأفارقة في الهيئات متعددة الأطراف، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ حيث كانت الهند صوتًا مؤثرًا مُعبِّرًا عن دعمها لإجماع إزولويني في إفريقيا المَعنيّ بزيادة التمثيل الإفريقي بمجلس الأمن. كما أن هناك أيضًا أوجُه تشابه في الموقف المُعلَن من الهند إزاء قضايا المناخ؛ حيث ترفض الهند والدول الإفريقية أن تكون كَبش الفِداء المُتحمِّل لفاتورة تقدُّم الغرب. وغيرها من القضايا المشتركة التي تعمل الهند على الترويج لها بشكل جيد؛ بغية تقريب وتعميق شراكتها مع الجانب الإفريقي.[[23]]
2- تقديم بديل مناوئ للنموذج الصيني:
تحاول الهند تقديم نفسها، وبخاصة على الصعيد الاقتصادي، كبديل أفضل من الصين للقارة الإفريقية، ويؤكد بعض المختصين على ذلك؛ حيث إن النهج الذي تتبعه نيودلهي يُعد أكثر نفعًا لإفريقيا على المدى الطويل، فهو يعطي الأولوية للإنتاجيَّة المحلية، كما أنه أكثر شفافية ويُعزّز المهارات التي تحتاجها إفريقيا، على عكس نهج بكين القائم على “الموارد مقابل النقد”.[[24]]
3- مُزاحَمَة النفوذ الأوروبي:
تحاول الهند استغلال المتغيرات الدولية لصالحها من أجل تحقيق أهدافها، لا سيّما فيما يتعلق بكسب المزيد من النفوذ على حساب الأطراف الدولية الأخرى المُنافِسة لها بالقارة كبكين والقوى الغربية. على سبيل المثال خلال جائحة كورونا أطلقت دبلوماسية الرعاية الصحية، وتبرعت بلقاحات للعديد من بُلدان القارة في وقتٍ كانت فيه القوى الغربية تكتنز هذه اللقاحات، ما أكسب الهند نفوذًا وقبولًا بالداخل الإفريقي.[[25]]
4- تأمين الوجود الهندي بالقرن الإفريقي:
تحاول الهند تكثيف وجودها بمنطقة القرن الإفريقي لتأمين مصالحها بالمحيط الهندي، في ظل تصاعد النفوذ الصيني هناك؛ حيث توجد الصين بحريًّا بمنطقة القرن منذ عام 2008م من خلال جيش التحرير الشعبي الصيني، بزعم القيام بعمليات لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، حتى إنها أرسلت غواصات نووية إلى المنطقة، وقامت بإجراء مناورات بحرية مع القوات البحرية الروسية والإيرانية. تُوِّج ذلك بافتتاح الصين لأُولى قواعدها العسكرية الخارجية لها في المنطقة في جيبوتي عام 2017م، مؤكدة نفسها لاعبًا رئيسًا بمنطقة القرن الإفريقي.[[26]]
في ظل هذا التصاعد المتلاحق لبكين، تحاول نيودلهي تأمين وجودها بالمنطقة من خلال استغلال مناسبات عدَّة، كإرسال المساعدات الغذائية والطبية لبعض بُلدان القرن الإفريقي خلال الكوارث التي تعصف بهم من فيضانات ومجاعات، ليس فقط لمساعدة البُلدان بمواجهة تلك الكوارث، ولكن لما لها من مكاسب وحسابات جيوسياسية لنيودلهي، في ظل الوجود اللَّافت للصين.[[27]]
5- تلبية الاحتياجات الهندية من الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة:
تسعى الهند إلى تنويع إمداداتها النفطية بعيدًا عن الشرق الأوسط، ويمكن لإفريقيا التي تضم ناميبيا والنيجر اللذين يُعدَّان من أكبر عشرة منتجين بالعالم لليورانيوم، إضافة إلى جنوب إفريقيا التي تُعدّ أكبر مُنتِج في العالم للبلاتين والكروم، أن تلعب دورًا مهمًّا في تلبية هذه الاحتياجات لنيودلهي.[[28]]
ونظرًا لاحتياجات الهند المتزايدة من مصادر الطاقة يُعدّ النفط أكبر وارداتها من إفريقيا، والتي يأتي معظمها من نيجيريا، إلى جانب واردات الذهب والماس، والتي يأتي أغلبها من جنوب إفريقيا؛ حيث تُشَكِّل الموارد الطبيعية غالبية تجارة الهند مع إفريقيا.[[29]]
جدير بالذكر أن إجمالي التجارة في قطاع المعادن والتعدين بين الهند وإفريقيا منذ عام 2001م قد بلغ 43.13 مليار دولار أمريكي، بنسبة تصدير 22.7% واستيراد بنسبة 77.3%، ما جعل الهند مستوردًا صافيًا في هذا القطاع.[[30]]
وكعادة الدول الكبرى المُستفيدة من الموارد الإفريقية في صورتها الأولى “الخام” وإعادتها مرة أخرى مُعالَجة للقارة بأسعار مضاعفة؛ فإنه بعد وصول النفط الإفريقي إلى الساحل الغربي للهند، ومعالجته في مصافي التكرير بمانجالور وأماكن أخرى، يتم إرساله مباشرةً إلى إفريقيا كديزل ووقود ذي قيمة مضافة، واللذين يُعدّان من أكبر صادرات الهند إلى القارة.[[31]]
6- منافع تجارية وسوق ضخمة:
بالنسبة للهند تُمثل إفريقيا سوقًا ضخمة غير مُستغلَّة بَعدُ على النحو الأمثل مِن قِبَل الشركات الهندية، وخاصة بالنسبة لتصنيع السلع والمنسوجات والأدوية والسيارات والآلات الخفيفة. كما تحمل إفريقيا لنيودلهي فرصًا في قطاعَي الموارد والطاقة اللذين كانا تقليديًّا من القطاعات التي تعاني من العجز بالنسبة للهند.[[32]]
ثالثًا: الوجود الهندي بإفريقيا.. مآخِذ وتحفُّظات
رغم ما يُرتِّبه الحضور الهندي بالقارة من منافع متبادلة للجانبين؛ إلا أنه لم يَخْلُ من عدد من التحفظات، سواء على الصعيد السياسي، الاقتصادي، التنموي، البيئي، ويُمكن أن نُجْمِل أبرزها فيما يلي:
1- على الصعيد السياسي تأتي الملاحظة الأبرز التي تُؤخَذ على نيودلهي خلال شراكتها مع القارة والمتعلقة بتعاملها غير المشروط -كروسيا والصين- مع الأنظمة الاستبدادية أو غير المُنتخَبة ديموقراطيًّا ببُلدان إفريقيا جنوب الصحراء، كما في السودان والجابون، مُضْيفةً بذلك شرعيةً على تلك الأنظمة القمعية. [[33]]
2- فيما يتعلق بدور الهند بعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة: كان هناك جدل متزايد حول هذا الدور. وتساءل كثيرون عن الفوائد التي تعود على الهند من استثمارها الكبير في القوى البشرية والموارد العسكرية، خاصة مع تسليط الضوء على العمليات سيّئة التجهيز والتفويض والإدارة التي تُميِّز عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، كما أن المشاركة المستمرة لا تتناسب مع المردود الذي تنتظره الدولة الهندية، وبخاصة فيما يتعلق بالحصول على “مكانة القوة العظمى”.
علاوة على ذلك، ومع ملاحظة أن عمليات حفظ السلام تتم في الأغلب بواسطة قوات من البلدان النامية، فإنهم يزعمون أن وجود الهند مع هذه الرفقة يعني أنها لا يمكن أن تُؤخَذ على محمل الجد باعتبارها قوة عظمى قائمة بذاتها في الأمم المتحدة.
وكان التحفظ الأخير حول هذا الدور بحفظ السلام هو الدعاية السيئة التي نشأت عن حالات سوء السلوك الجنسي والفساد التي يُزْعَم أن بعض قوات حفظ السلام الهندية ضالعة ببعضها، وكذلك الادعاءات بفشلها في توفير الحماية الكافية للمدنيين. لكن ننوّه إلى أن هذه الانتقادات ليست محل اتفاق، وخاصة فكرة ما يُحدّد “القوة العظمى”، إلا أنها تُوفِّر فرصًا لمناقشة مستقبل عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ودور الهند بشكل خاصّ في حفظ الأمن والمشاركة بعمليات حفظ السلام في إفريقيا.[[34]]
3- على الرغم من كون الهند بلدًا يواجه تحديات داخلية هائلة، إلا أنها اضطلعت بدور مُهمّ في بناء القدرات الإفريقية عبر المبادرات والشراكات القائمة على النفع المتبادل مع القارة الإفريقية في مجالات عدة متنوعة؛ إلا أن ذلك لا ينفي النقد لنموذج الهند التعاوني الإنمائي الموجه لإفريقيا والذي يراه البعض بأنه يفتقر إلى وجود استراتيجية واضحة المعالم، فلا يزال خطاب نيودلهي الموجَّه للقارة هو ذاته الموروث منذ عهد نهرو-أحد زعماء حركة الاستقلال بالهند وأول رئيس وزراء بعد الاستقلال- والذي لا يُسفر إلا عن مزايا ضيقة مقارنة مع فاعلين رئيسين منافسين للهند كالصين التي تمتلك رؤية واضحة تجاه القارة، سواء سياسيًّا أو أمنيًّا وعسكريًّا أو فيما يتعلق بالاستثمارات وما يتصل بها من بنية تحتية، وما يرتبط بالاستغلال الأمثل للقوة الناعمة وما يتضمنه من تسخير لوسائل الإعلام للترويج للنموذج الصيني. وهو ما تفتقره إلى حد كبير نيودلهي، التي تُولي اهتمامها الأكبر للإرث الذي تمتلكه داخل القارة منذ الاستعمار وفي السنوات الأولى للاستقلال، إضافة لإرسال بعض المساعدات وتدشين بعض المبادرات خلال القمة الهندية الإفريقية. نعم حدَّد رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” عام 2018م المبادئ التوجيهية العشرة للمشاركة بين الهند وإفريقيا، والتي غالبًا ما يُنظَر إليها على أنها رؤية الهند لإفريقيا، لكن يصعُب النظر لها كرؤية شاملة تجاه القارة؛ حيث إنها تُمَثِّل استمرارية للمبادئ التقليدية للشراكة بين الجانبين دون رؤى جديدة وخطط مُحددة تلاءم متطلبات الطرفين.[[35]]
4- استكمالًا لما يتعلق بالجانب الإنمائي، يُؤخَذ على الجهات المنوطة بتنفيذه عدم التنسيق فيما بينهم، خاصة البرامج المتعلقة بالمِنَح وبناء القدرات؛ حيث تعمل وكأنها أدوات قائمة بذاتها ومُنفَصِلة عن بعضها، ما يؤدي إلى التركيز على بعض المهام وإغفال البعض الآخر تمامًا، بما يؤدي لغياب الروابط فيما بينهم، وينتج عنه في الأخير تضاؤل الأثر الإنمائي المُقدَّم من الهند لإفريقيا.[[36]] وفيما يتعلق بالبعثات والمِنَح المُقدَّمة من الهند للطلاب والباحثين الأفارقة، فرغم الإشادة التي اقترنت بها، لكن ذلك لا ينفي الحوادث المتفرقة تجاه الأفارقة المُبتعثين للهند التي وُصِفَت بالعُنصريَّة، وأضرَّت بسُمْعة الهند في هذا الإطار.[[37]]
5- على صعيد الاستثمار والشركات الهندية الناشطة داخل إفريقيا جنوب الصحراء؛ يمكننا الإشارة إلى النقاط التالية:
أ- بالمقارنة مع جمهورية الصين الشعبية؛ فإن الاستثمار الهندي يُعدّ محدودًا للغاية من حيث التعاون بين الجنوب والجنوب؛ حيث بلغت في الفترة من 2008 – 2018م حوالي 56 مليار دولار. تذهب معظم الاستثمارات إلى “موريشيوس”، التي لديها نظام ضريبي خاصّ كما ذكرنا سلفًا. إضافة إلى موزمبيق وجنوب إفريقيا أكبر المتلقّين للاستثمار. وتواجه العديد من الشركات الهندية المهتمة بالاستثمار في إفريقيا عقبات تجعل من الصعوبة بمكان القيام بأعمال تجارية؛ حيث يلاحظ المستثمرون نقص المعلومات حول الأسواق الوطنية ذات الصلة في إفريقيا، ونقص البنية التحتية، وارتفاع تكاليف النقل، وسوء مناخ الأعمال والفساد وغيرها، مما يؤثر في الأخير على تدفق الاستثمارات الهندية للقارة.[[38]]
ب- تعرّضت بعض الشركات الهندية خلال تدقيق أعمالها للتهرب الضريبي، وانتهاك اللوائح البيئية وتجاهل قوانين العمل. كما تعرّضت بعض شركات الأعمال الهندية التجارية والزراعية والمتعلقة بالتعدين لانتقادات بسبب الاستيلاء على الأراضي وتشريد السكان المحليين. على سبيل المثال في إثيوبيا عام 2017م تم فسخ التعاقد مع بعض الشركات الهندية التي قِيل بأنها تضرّ بالمجتمعات المحلية والنظم البيئية؛ كشركة “جلوبال كاروتوري” -Karuturi Global المتخصصة بالزهور المقطوفة بعدة بلدان، منها إثيوبيا، والتي انتقدت قرارًا يقضي بإلغاء عقود إيجارها لمساحة 100 ألف هكتار (247105 فدان) بمنطقة جامبيلا الغربية -الإثيوبية، مؤكدة أن القرار ينتهك شروط اتفاقها مع الحكومة.
وفي هذا السياق، انتقد متخصصون الحكومة الإثيوبية والشركة الهندية على حد سواء بأنهما لم يتطرقا إلى المُعضلة الأكبر والأهم في هذا الأمر والمتعلقة بترحيل عدد كبير من السكان الأصليين وصغار المزارعين الإثيوبيين بالقوة من أراضيهم التي ورثوها عن أجدادهم دون تشاور أو تعويض يُذكَر.
وبشكل عام، مع تزايد هذه المخاوف فقد باتت صفقات شراء الأراضي للشركات الأجنبية في إفريقيا تخضع للمزيد من التشديد والتدقيق؛ نتيجةً لهذه الخروقات التي تُرتَكب من قِبَل تلك الجهات، لا سيما الشركات الهندية، على أن يُؤخَذ في الاعتبار مراعاة هذه الشركات لحقوق المجتمعات المحلية وتحقيق التنمية المنشودة التي تعود عليهم بالنفع، وألا تتسبب بأيّ أضرار تجاههم.[[39]]
ج- من جهة أخرى، تعتمد الهند في بعض قطاعات الطاقة بإفريقيا على نماذج النمو عالية الكربون، خاصة مع صعود الطبقة الوسطى في الهند والتمدن السريع الذي أدَّى إلى ارتفاع سريع في الطلب على الطاقة، وما صاحَبه من عمليات الاستخراج السريع للمعادن بالقارة، وما اقترن به من مخاطر بيئية وصحية على السكان المحليين بالداخل الإفريقي.[[40]]
د- يُعاب على الطرفين (الشركات الهندية، والإدارة الإفريقية الموروثة عن المُستعمر) البيروقراطية الشديدة، والتي تُعَرقِل الكثير من المهام، على سبيل المثال: فإن الأموال لا يتم صرفها في الوقت المحدد، ما يبطِّئ من تنفيذ مشاريع البنية التحتية الحيوية في إفريقيا.[[41]]
في الأخير تقترح الدراسة عددًا من التوصيات التي ربما تُسهِم بشكل أو آخر في تعزيز حضور الهند داخل القارة، والتي يتمثل أبرزها في ضرورة تأسيس استراتيجية واضحة الرؤى، تضمن التركيز على المجالات الأكثر إلحاحًا للقارة، وغيرها من النقاط ذات الصلة، والتي نُفصّلها على النحو التالي:
1- الحاجة لاستراتيجية واضحة للتنمية الإفريقية:
على عكس الصين والقوى الغربية، لا تمتلك الهند موارد وفيرة لدعم إفريقيا. لذلك، ينبغي أن تُعِدّ استراتيجية مُركّزة لإفريقيا للعقد القادم وتحدياته المتوقعة، وأن تُركّز على المجالات الأكثر إلحاحًا من أجل تعاون أوثق. فاستهداف بعض المجالات المهمة كالأمن الغذائي والصحي وتَغيُّر المناخ والمساواة بين الجنسين سيساعد على تحسين نتائج التنمية، ويجعل برنامج التعاون الإنمائي الهندي لإفريقيا أكثر فعاليّة.
2- مواصلة التركيز على بناء القدرات:
لا ينبغي توجيه كافة الجهود للبنية التحتية بالداخل الإفريقي، بل يُعدّ الاستثمار في رأس المال البشري ركيزة التنمية في إفريقيا. يتماشى التركيز الحالي على بناء القدرات مع احتياجات إفريقيا بالنظر إلى حجم الشباب المتزايد في القارة، الذين يحتاجون إلى المهارات والوظائف.[[42]]
3- وجوب الاستغلال الأمثل لمنظمات المجتمع المدني والشتات الهندي:
تلعب العديد من منظمات المجتمع المدني الهندية والمنظمات غير الحكومية دورًا مُهمًّا على مستوى القاعدة الشعبية. كما تلعب بعض المنظمات الهندية مثل Pratham – Barefoot College دورًا مُهمًّا في إفريقيا، لذا على الحكومة الهندية استكشاف مجالات تعاون أكبر مع هذه المنظمات لتنفيذ مشروعات التنمية في إفريقيا بتكاليف منخفضة بما يُعزِّز الوجود الهندي بالقارة.
4- تعزيز الاستثمارات الهندية التنموية:
نما وجود الشركات الهندية في إفريقيا سريعًا خلال العقدين الماضيين. بالنظر إلى التركيز على المنفعة المتبادلة في استراتيجيتها، يجب أن يتماشى التعاون الإنمائي الهندي مع مصالحها التجارية في إفريقيا. لذا يجب على الهند محاولة دعم الشركات الهندية التي تقوم بالاستثمار في مشاريع صديقة للتنمية من أجل إعلاء المنافع المتبادلة.
5- الانتهاء من المشروعات في التوقيت الملائم وحسب الخطط الموضوعة:
على الرغم من تلمُّس بعض التحسن في تنفيذ المشروعات الهندية بالقارة في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال المردود الكلي ضعيفًا مقارنةً بالصين على سبيل المثال، لذا يجب بذل الجهد لتسريع الانتهاء من المشروعات، كما يجب الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي تمتلك سجلًا أفضل في تنفيذ المشروعات. [[43]]
6- معالجة المخاوف لدى المبتعثين الأفارقة إلى الهند:
على نيودلهي بَذل المزيد من الجهود لتحسين تجارب الأفارقة الدارسين والعاملين لديها؛ عادةً ما تكون الحكومة الهندية سريعةً في الرد على حالات طلابها الهنود الذين يواجهون حوادث عنصرية بالدول الأجنبية. لذا يجب أن تستجيب لحالات المضايقات والاعتداء على الطلاب الأفارقة بالسرعة ذاتها. وبخاصة أنّ حوادث الهجمات العرقية على المواطنين الأفارقة في الهند قد أضرَّت كثيرًا بالدولة الهندية على صعيد الداخل الإفريقي والشتات الإفريقي لدى الهند. ولذا على الحكومة الهندية التأكد من أن الأفارقة الذين يدرسون أو يعملون لديها آمنين، ويتمتعون بإقامة جيدة. كما ينبغي بذل الجهود لإكساب الهنود المعرفة اللازمة حول إفريقيا لمزيد من تعميق الروابط بين شعوب المنطقتين.[[44]]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والإحالات:
[[1][ Luke Patey, “To Balance Chinese Influence, India Needs to Ensure Its Africa Gaze is More Constant” (Diplomacy, Sep 2018) accessed in Aug 2023, on: https://shorturl.at/eyMPS
[[2]]Malancha Chakrabarty, “India-Africa relations: Partnership, COVID-19 setback and the way forward” (Observer Research Foundation (ORF), Apr 2021) on: https://rb.gy/jlly7
[[3]]Meera Venkatachalam, Renu Modi, “A look at how India’s Africa strategy is working” (The Conversation, Mar 2019) on: https://shorturl.at/fqr28
[[4]] Gurjit Singh, “Why the fourth India-Africa forum summit should happen during Delhi’s G20 presidency”, Indian Express, Jun 6, 2023, on: https://shorturl.at/uvO18
[[5]]Meera Venkatachalam, Renu Modi, Op.cit.
[[6]] Hakeem Alade Najimdeen, “In its quest for more engagement with the continent, Can India match China in Africa?” (Aljazeera Studies, Jul 2023) on: https://rb.gy/hv3mr
[[7]] Anit Mukherjee, “At the crossroads: India and the future of UN peacekeeping in Africa”, Brookings Institution, Oct 2015, on: https://rb.gy/4u6jr
[[8]]The Indian Express,“Djibouti lauds India’s role in maintaining peace in Horn of Africa (Indian Express Journal, Oct. 2017) available on: https://shorturl.at/oEGVZ
[[9]]Malancha Chakrabarty, “Indian Investments in Africa: Scale, Trends, and Policy Recommendations”, Published paper in Observer Research Foundation (ORF), Feb 2018, p.2, on: https://shorturl.at/fiLWY
[[10]]Sankalp Gurjar, “Understanding Indian ties with Horn of Africa countries”, Deccan Herald, Oct 2020, on: https://shorturl.at/ixKLY
[[12]] “الهند تعرض على دول إفريقية عتادًا عسكريًّا بأسعار معقولة” (سكاي نيوز عربية، 29 مارس 2023م) على الرابط: https://shorturl.at/biBR2
[[13]]Irina Kolgushkina, “Indian Policy in Africa”, Valdi Discussion, May 2023, on: https://rb.gy/mfh65
[[14]] Anurag Sharma, “India-Africa Counter-Terrorism Cooperation” (Vivekananda International Foundation, Oct 31, 2022 ) on: https://rb.gy/gsemt
[[15][Meera Venkatachalam, Renu Modi, Op.cit.
[[16]] للمزيد حول مشروع شبكة الربط الإلكتروني لعموم إفريقيا؛ يرجى الاطلاع على الرابط التالي: https://www.mea.gov.in/Portal/ForeignRelation/Pan-Project-March-2012.pdf
[[17]Meera Venkatachalam, Renu Modi, Op.cit.
[[18]] Hakeem Alade Najimdeen, Op.cit.
[[19]]Abdessalam Jaldi, “The Indian Diaspora in Africa: An instrument of New Delhi’ Soft Power in the Continent”, Policy Centre for the New South, Oct 2021, on: https://shorturl.at/buxzZ
[[20]Meera Venkatachalam, Renu Modi, Op.cit.
[[21]] Hakeem Alade Najimdeen, Op.cit.
[[22]]Meera Venkatachalam, Renu Modi, Op.cit.
[[24]] Ronak Gopaldas, “A new chapter in India-Africa relations?”, Institute for Security Studies (ISS), Oct 2022, on: https://shorturl.at/dlGM9
[[28][ “India-Africa Partnership: Achievements, Challenges, and Roadmap 2030”, Jul 2023, on: https://rb.gy/ji92v
[[29][ Luke Patey, Op.cit.
[[30][ “Unlocking Opportunities: India-Africa Partnerships and Investment Avenues”, Jul 2023, on: https://shorturl.at/efX07
[[31][ Luke Patey, Op.cit.
[[32]] Ronak Gopaldas, Op.cit.
[[33]]Ankit Kumar, Joshua Kirshner, Lata Narayanaswamy and Enora Robin “India’s Role in Sub-Saharan Africa: COP -26 Expectations” (Building & Cities, Oct 2021) on: https://rb.gy/rnxqz
[[34]] Anit Mukherjee, Op.cit.
[[35]]Malancha Chakrabarty, “India-Africa relations: Partnership, COVID-19 setback and the way forward”, Op.cit.
[[37]]Meera Venkatachalam, Renu Modi, Op.cit.
[[38]]Irina Kolgushkina, Op.cit.
[[39]] Rina Chandran, Tom Gardner, Thomson Reuters Foundation, “Calls to end Africa’s ‘horrific’ land deals after Indian firm’s fallout” (Reuters, Oct 2017), on: https://shorturl.at/rxHP2
[[40]]Ankit Kumar, Joshua Kirshner, Lata Narayanaswamy and Enora Robin, Op.cit.
[[42]]Malancha Chakrabarty, “India-Africa relations: Partnership, COVID-19 setback and the way forward”, Op.cit.