مقدمة
استحوذت جنوب إفريقيا على اهتمام أصحاب الرأي والكُتّاب الإسرائيليين خلال الأسابيع الماضية، ومنذ عملية “طوفان الأقصى” التي شنَّتها فصائل المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023م، وما تَبِعها من تطورات عسكرية، خلَّفت دمارًا هائلاً وغير مسبوق في قطاع غزة، في ظل غياب أُفق الحل وغياب المؤشرات الدالة على قرب العودة إلى الحياة الطبيعية ووقف هذا العدوان المشهود.
وأصبحت جنوب إفريقيا بين عشية وضحاها بؤرة اهتمام المراقبين الإسرائيليين للمشهد الإفريقي (جنوب الصحراء)؛ كونها البلد شبه الوحيد الذي اتَّبع خطوات سياسية واضحة وقاطعة ضد العدوان الإسرائيلي، حتى قبل إطلاق القذيفة الأولى إيذانًا ببدء عدوان “السيوف الحديدية” على قطاع غزة.
ومِن ثَم كان من الطبيعي أن يبحث المفكرون والمراقبون في إسرائيل عن سند قويّ لكَيْل الاتهامات لبريتوريا، ومِن ثَم لم يجدوا أفضل من ورقة اللعب المفضَّلة لديهم؛ أي إيران. وربط بعض هؤلاء الكُتَّاب بين مواقف جنوب إفريقيا الرسمية الصريحة إزاء حقوق الفلسطينيين ورفضها للعدوان الإسرائيلي وللاحتلال برُمّته وبين ما يدَّعون أنها علاقات مُتشعِّبَة بينها وبين إيران وحركة حماس.
وفي الجانب الآخر، ثمة كُتَّاب في دولة الاحتلال رصدوا الواقع على الأرض هناك؛ في محاولة لرسم صورة ذهنية مزعومة تترك انطباعات بأن الشارع الجنوب إفريقي ذاته تأثَّر بالمواقف السياسية للحزب الحاكم، ومِن ثَمَّ بات من الممكن رؤية حالة من العنف لم تكن موجودة من قبل ضد كلّ ما هو يهودي أو صهيوني، استنادًا إلى روايات لا يمكن البناء عليها.
وفي الأخير، ثمة اهتمام بدأ في الظهور تدريجيًّا بجوانب أخرى بعيدة عن العدوان على غزة، ولا سيما ما يجري الحديث عنه من إبادة يشهدها إقليم دارفور تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدها هذا الإقليم الواقع غربي السودان في مستهل عام 2000م، في ظل حديث عن إنجازات تحققها ميليشيا الدعم السريع على حساب الجيش، راصدة شهادات لشهود عيان فرّوا إلى تشاد، رأوا بأُمّ أعينهم كيف أن الجثث تتناثر على الطرق، وسط مخاوف من كارثة إنسانية.
من هنا يركز المقال الأول على منظومة العلاقات بين إسرائيل وجنوب إفريقيا، والتي أصبحت على مسار الصدام منذ بدء الحرب على غزة، ويرى أن البلد الواقع في أقصى جنوب القارة الإفريقية لم يصدر إدانة ضد حماس، ولديه علاقات ممتدة مع الحركة، وألقى باللوم على إسرائيل، كما طالبت خارجيته بمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب، مع أن ثمة مخاوف هناك من ردّ الفعل الأمريكي ومن الجالية اليهودية.
ويُسلِّط المقال الثاني الضوء على الوضع في جنوب إفريقيا على الأرض، وهو البلد الذي يصفه كاتبان إسرائيليان بأنه واحد من أكثر الدول عداءً لإسرائيل، وكيف أن عشرات المحتجّين الذين حاولوا التعبير عن موقفهم الداعم لإسرائيل ضُرِبُوا ونُكِّلَ بهم بواسطة متظاهرين داعمين لفلسطين، وسط طَرْح مُبالَغ فيه ربما لا أساس له من الصحة، ولا سيما وأن المجال مفتوح أمام الحراك الداعم لإسرائيل لطرح كل الروايات، والتي تترك صورة ذهنية سلبية ضد حكومة جنوب إفريقيا، وبشكل يبدو وكأنه ممنهج.
ويعالج المقال الثالث ملفًا آخر، يتعلق بالحرب في السودان وعودة صورة الفظائع والانتهاكات في إقليم دارفور، ويقول: إنه بعد 7 أشهر من الحرب الأهلية الشرسة في السودان، ثمة شهادات عن فظائع تُرتكَب في دارفور غربي البلاد، ويرصد الوضع الميداني بين قوات التدخل السريع وبين الجيش السوداني، وما قال إنها إنجازات تُحققها قوات حميدتي.
جنوب إفريقيا: الصديقة الأقرب لإيران وحماس والتي تبحث قطع العلاقات مع إسرائيل[1]
استهل الكاتب الإسرائيلي إيتمار آيخنر، مقالته بصحيفة يديعوت أحرونوت المنشورة بتاريخ 14 نوفمبر 2023م، والتي تحمل عنوان “جنوب إفريقيا: الصديقة الأقرب لإيران وحماس، والتي تبحث قطع العلاقات مع إسرائيل”، بقوله: إن العلاقات بين إسرائيل وجنوب إفريقيا لم تكن يومًا علاقات جيدة بشكل استثنائي، بيد أنها في هذه الأيام دخلت إلى مسار الصدام.
فمنذ بداية الحرب على غزة تؤيد جنوب إفريقيا بشدة حركة حماس، وتدين إسرائيل، وتبحث قطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، وطرد السفير الإسرائيلي، كما دعت وزيرة الخارجية ناليدي باندور، بشكل علني إلى محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
الكاتب أشار إلى أن باندور ذاتها كانت قد تحدثت مع زعماء حماس أثناء الحرب، وأعلنت في وقت لاحق تأييدها لـ “طوفان الأقصى”، وقال: إن هذا هو الاسم الذي أطلقته حماس على الهجوم “الإرهابي” القاتل الذي وقع في السابع من أكتوبر، مشيرًا إلى أن جنوب إفريقيا هي الدولة الوحيدة في العالم، ربما باستثناء إيران، التي أصدرت بيانًا رسميًّا بعد الهجوم، بأن 1400 جندي ومستوطن قد قُتلوا، مستنكرًا هذا الطرح وهذا الوصف.
ويرصد الكاتب محطات شهدتها العلاقات بين إسرائيل وبين جنوب إفريقيا، ومنها على سبيل المثال ما حدث في عام 2018م حين أعادت جنوب إفريقيا سفيرها من إسرائيل، ومنذ ذلك الحين لم يَعد لها سفير في تل أبيب، وذهب إلى أنه في الأسبوع الماضي، استدعت جنوب إفريقيا جميع بعثتها الدبلوماسية في إسرائيل؛ احتجاجًا على الهجمات في غزة، وأعلنت أنها تدرس عدم استمرار العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
وأضاف: إن جنوب إفريقيا تمتلك علاقات جيدة مع إيران، وأن وزيرة خارجيتها زارت طهران قبل ثلاثة أسابيع فقط، كما أنها كانت من بين الدول التي تحمَّست إلى انضمام إيران إلى مجموعة “بريكس” التي تُعدّ مظلة اقتصادية لدول هي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، قبل أن يتقرر أخيرًا ضمّ ست دول أخرى إليها، منها إيران.
ويعتقد آيخنر أن النظام السياسي في جنوب إفريقيا، يُخْفِي صراعًا بين المعسكر المعتدل نسبيًّا في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) الحاكم، برئاسة الرئيس سيريل رامافوزا، والمعسكر المتطرّف برئاسة وزير الخارجية ناليدي باندور، وأن هذا المعسكر هو الذي يدفع إلى قطع العلاقات مع إسرائيل.
ويعيش في جنوب إفريقيا حوالي 60 مليون نسمة، ويتراوح عدد السكان المسلمين بين 5 و7 ملايين نسمة، وتقوم السياسات الخارجية هناك بناءً على أيديولوجيات حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، بوصفه حركة للتحرر الوطني، ومِن ثَم تلك السياسات قريبة بشكل أساسي من الفلسطينيين وكوبا وفنزويلا وإيران، وهذا ما يراه الكاتب.
ويشير إلى أن جنوب إفريقيا تحافظ على نظام اقتصادي رأسمالي، يعتمد بشكل كبير على التعاون المستمر مع الغرب، ومِن ثَم تحرص على عدم الارتباط بشكل علني بما أسماه “محور الشر”؛ خشية خسارة الدعم الأمريكي، في وقتٍ تحصل فيه على ميزات اقتصادية بموجب برنامج قانون النمو والفرص في إفريقيا (AGOA) الذي يسمح للدول بتصدير السلع إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدون تعريفة جمركية أو على الأقل برسوم جمركية مُخفَّضة. ومن بين البلدان الإفريقية، يُعدّ هذا البرنامج مفيدًا لجنوب إفريقيا بشكل خاص. ولفت الكاتب إلى أن الولايات المتحدة تعاملت دائمًا مع جنوب إفريقيا بعين الريبة، لكنها في الحقيقة فضَّلت عدم كسر القواعد.
ووجد أن نقطة تحوُّل مهمة كانت قد حدثت في عام 2015م؛ حيث استقبلت بريتوريا وفدًا من حماس بدعوة من الرئيس في حينه جاكوب زوما، ووقتها غضبت إسرائيل وغضب رئيس السلطة الفلسطينية على حدٍّ سواء. كما بيّن أن كيب تاون تستضيف مكتبًا خاصًّا بحركة حماس على الرغم من النفي الرسمي هناك.
ويرى الكاتب أنه منذ اندلاع الحرب، يمكن وصف سلوك جنوب إفريقيا في كلمة واحدة “العار”، ويقول: إنه في السابع من أكتوبر نشرت وزارة الخارجية في بريتوريا إعلانًا صادمًا يلقي بالمسؤولية على عاتق إسرائيل، وفي اليوم التالي أصدر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم بيانًا يدين إسرائيل دون أيّ ذِكْر لحماس.
وتابع أنه بعد أسبوع من اندلاع الحرب، وبعد احتجاجات قوية مِن قِبَل الجالية اليهودية، حاول الرئيس رامافوزا إحداث توازن نسبي، وخرج ببيان أدان “القتل الوحشي للمدنيين على يد حماس”، لكنَّه أعرب في الوقت ذاته عن تعاطفه مع الشعب الفلسطيني “المضطهد”.
وقبل بضعة أيام، يقول الكاتب، نشرت وزارة الخارجية في بريتوريا بيانًا دعت فيه إلى إطلاق سراح المختطفين، وأعربت عن أسفها للقتلى الإسرائيليين، لكنها أشارت إلى أن عددهم 1400 “جندي ومستوطن”، وهذا الوصف يُزعج الكاتب على ما يبدو.
من جانبها أدانت الطائفة اليهودية والصهيونية في جنوب إفريقيا الحكومة بشدة، ودعتها إلى إدانة حماس. وأعادت جنوب إفريقيا بعثتها الدبلوماسية من إسرائيل للتشاور، وأعلنت أنها تدرس قطع العلاقات وطرد السفير إيلي بلوتسركوفسكي، كما استدعت وزارة الخارجية في بريتوريا السفير لتوبيخه في أعقاب ما وصفته بـ “تصريحاته الساخرة من الحكومة”.
الكاتب الإسرائيلي مضى قائلًا: إنه “منذ اندلاع الحرب، أجرت وسائل الإعلام في البلاد مقابلات متكررة مع السفير الإسرائيلي في بريتوريا، والذي عرض موقف إسرائيل، وحرص بشدة على عدم الإشارة إلى موقف حكومة جنوب إفريقيا. لكنَّ مقابلاته المتلفزة تلك أزعجت حكومة جنوب إفريقيا بشدة، فزعمت أنه كان يتحدث باستخفاف ويهاجم الحكومة، فيما أعلنت الخارجية الإسرائيلية دعمها الكامل للسفير”.
ووفق ما ذكره الكاتب الإسرائيلي “تفكر جنوب إفريقيا الآن في طرد السفير وقطع العلاقات مع إسرائيل، ولكنها تخشى بشدة رد فعل الجالية اليهودية من جانب، ورد فعل الولايات المتحدة الأمريكي من جانب آخر؛ إذ تسود تقديرات في بريتوريا بأن خطوة من هذا النوع ستعني رَدّ فعل أمريكي حادًّا، يمكن أن يشمل إخراجها من برنامج قانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا)، في وقت يعمل فيه عشرات الآلاف من المواطنين في جنوب إفريقيا في مصانع يملكها أمريكيون، وهناك استثمارات أمريكية كبيرة هناك”.
وختم بقوله: إنه “على الرغم من سياسة الحكومة، من المهم التأكيد على أن قطاعات من الجمهور في جنوب إفريقيا تدعم إسرائيل، بمن في ذلك أعضاء الكنائس الإنجيلية السوداء، كما تتلقى السفارة الإسرائيلية هناك عبارات داعمة من المواطنين، فيما تصدر عن أحزاب المعارضة، التي تشكل 120 مقعدًا من أصل 460 مقعدًا في البرلمان، تصريحات داعمة لإسرائيل ومعادية لحماس”، على حد قوله.
لا مكان للصهاينة في جنوب إفريقيا: متظاهرون داعمون لإسرائيل تعرضوا للهجوم في كيب تاون[2]
يرصد الكاتبان الإسرائيليان، أرييل كاهانا ونيطاع بار عبر مقالهما المشترك بصحيفة يسرائيل هايوم بتاريخ 13 نوفمبر 2023م ما ذكرا أنه تعرُّض العشرات من المتظاهرين الذين عبَّروا عن دعمهم للدولة اليهودية، للضرب والاعتداء مِن قِبَل المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، ومِن ثَم الطريقة التي تعاملت بها الشرطة مع من أسموهم “المهاجمين”، في إطار إبراز أحد أوجه التعاطي الرسمي في جنوب إفريقيا مع الوضع الميداني على الأرض والمتعلق بالحرب الدائرة على غزة.
ورسم الكاتبان صورة درامية للمشهد هناك، فالمتظاهرون الداعمون لإسرائيل يتعرَّضون هكذا لهجوم في واحدة من أكثر الدول المناهضة لإسرائيل في العالم. ولدينا هنا حشود تضم ما يقرب من مئات المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين يشنّون هجومًا في نهاية الأسبوع (مع مراعاة تاريخ النشر) على مسيرة صغيرة تدعم إسرائيل في أحد منتزهات مدينة كيب تاون. وهكذا يتعرض أحد داعمي إسرائيل للطعن، ما استدعى تقديم الرعاية الطبية له خلال ما قالا إنها أعمال الشغب، دون أن يفسرا كيف يمكن لهجوم بهذا الوصف أن يُخلِّف مصابًا واحدًا مطعونًا تطلبت حالته الصحية تقديم الرعاية العاجلة.
ووجد الكاتبان ضالتهما في تقرير نشره موقع محلي يحمل الاسم “نيوز 24″، تحدث بدوره عن العشرات من المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل، معظمهم من أعضاء الكنائس البروتستانتية المحلية، جاءوا للتعبير عن الدعم والتضامن مع إسرائيل، في وقت وصل ما يقرب من مائة متظاهر مؤيد للفلسطينيين إلى مكان الحادث وبدأوا بالسباب وجلبوا الضوضاء بالقرب من موقع المسيرة الداعمة لإسرائيل، قبل أن يمزقوا لافتات التأييد، بل وأزعجوا أحد أنصار إسرائيل، رجل لديه إعاقة يجلس على كرسي متحرك، قبل أن تصل الشرطة إلى الموقع وتدفع بقوات كبيرة، وتطلق خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين.
وبعد أن رسم الكاتبان تلك الصورة الذهنية قالا: إن الأب باري يتسحاق، أحد منظمي التظاهرة الداعمة أخبر وسائل إعلام محلية، أن الشرطة التي هرعت إلى الموقع إنما جاءت بناء على اتصال البلدية وليس بمبادرة من المتظاهرين الداعمين، وذكر أنه أمر بنفسه بإلغاء المسيرة ليغادر المتظاهرون المؤيدون لإسرائيل المكان في الحافلات، وتلك كانت الصورة الذهنية الثانية التي أراد الكاتبان أن تترسخ بشأن داعمي إسرائيل قليلي الحيلة، كما أرادا أن يفهم القراء.
أفيدا آدامز، وهي عضوة في منظمة حملة التضامن الفلسطيني، أبلغت الموقع المحلي المشار إليه أن التظاهرة الموالية للفلسطينيين “لم تكن مخططة بشكل مسبق، بل كانت عفوية ونابعة من مشاعر قوية، فقد كان رد فعل الناس على الملصقات والمنشورات الخاصة بالمظاهرة المؤيدة لإسرائيل سببًا في التظاهرة المضادة؛ حيث يسود شعور قوي بأنه من الصعب ترك هذا النوع من الصهيونية هنا، لا مكان للصهيونية في كيب تاون أو جنوب إفريقيا بأسرها”، على حد قول آدامز، وهو القول الذي استغله الكاتبان كعنوان للمقال.
وذهب الكاتبان الإسرائيليان إلى أنه قبل التظاهرة بأيام قليلة، شارك عشرات الآلاف في فعَّالية داعمة للفلسطينيين في المدينة ذاتها، ونقلاً عن أحد المتحدثين قوله: “نعرف من أين يأتي القتل الإسرائيلي، يأتي من مدرسة هرتزيليا”، ويقصد هذا المتحدث، إن صدقت رواية الكاتبين، مدرسة يهودية في مدينة جنوب إفريقية، يبدو أن المواطنين هناك لديهم شعور بأنها تُلقِّن الأطفال موادّ تحريضية.
أمَّا عمدة كيب تاون، غوردين هيل لويس، فقد دعا المتظاهرين إلى “الحفاظ على التسامح”، وأكد أن من حق مؤيدي إسرائيل التعبير عن رأيهم بشكل قانوني وديمقراطي. ونقل عنه الكاتبان قوله: “للأسف، شهدنا أعمال شغب عنيفة ضد مسيرة سلمية لدعم إسرائيل، يتعين إدانة هذا العنف مِن قِبَل جميع سكان كيب تاون، هؤلاء الذين يكنون التقدير لحرية التعبير في ظل ديمقراطيتنا المنفتحة”.
وقد ساهم فرع السفارة المسيحية الدولية ICEJ في جنوب إفريقيا، وفق الكاتبين، في تنظيم تلك المسيرة المؤيدة لإسرائيل، وكان من المتوقع أن يشارك فيها ثلاثة آلاف مسيحي وعدد من اليهود؛ بغية إقامة الصلوات من أجل السلام في إسرائيل، لكنَّ الشرطة ألغت المسيرة بعد التهديدات العنيفة بمظاهرة مضادة غير مصرح بها. ولم يتورع الكاتبان عن هذا الادعاء على الرغم من أنهما أشارا آنفًا إلى أن الأب باري يتسحاق هو من أمر بالإلغاء.
وختما باقتباس عن فيفيان مايبورغ، وهي المديرة الوطنية للسفارة المسيحية الدولية في جنوب إفريقيا، وحقيقة لا سند لما سيرد لاحقًا، حتى بما في ذلك ما أوردته الصحيفة الجنوب إفريقية؛ إذ نقل الكاتبان عن مايبورغ قولها: “صُدمنا حين شاهدنا مستويات التهديد والعنف اليوم. لقد كانوا يبحثون عن يهودي، وهو أمر نادر أن نرى مثل هذه الكراهية والتهديدات هنا، إن موقفهم هذا مدعوم بموقف حكومة المؤتمر الوطني الإفريقي، والجالية اليهودية المحلية حاليًّا في صدمة كبيرة جدًّا”.
يموتون مثل الحشرات: المتمردون في السودان يتقدمون، والفظائع تعود إلى دارفور[3]
في مقاله الذي خرج بشكل نادر عن إرهاصات العدوان الإسرائيلي على غزة، ربما للمرة الأولى منذ عملية “طوفان الأقصى”، يرصد الكاتب الإسرائيلي جاي إيلستر، عبر مقاله المنشور بتاريخ 17 نوفمبر 2023م بموقع واللا العبري، الأوضاع الراهنة في السودان في ظل الحرب الأهلية الدائرة هناك بين القوات الحكومية وبين قوات الدعم السريع، وما آلت إليه الأوضاع في إقليم دارفور.
وذهب الكاتب إلى أن “قوات الدعم السريع حققت أخيرًا مكاسب مهمة في الحرب المستمرة منذ سبعة أشهر، لكن سكان الإقليم غير العربي (دارفور)، الذي شهد إبادة جماعية في بداية الألفية يتعرض مرة أخرى لمجازر وحشية، ويتعرض بعض السكان للتعذيب والعنف الجنسي، في وقت يشعر فيه الكثيرون بأن العالم المنشغل بالحرب في غزة قد أدار ظهره لهم”، تلك هي المقدمة التي استهل بها إيلستر مقاله، والذي وجد أيضًا فرصة لذكر اسم قطاع غزة والحرب الدائرة فيه كما يبدو.
ومرت سبعة أشهر على الحرب الأهلية الوحشية في السودان، لتبدأ أدلة جديدة على وقوع فظائع في منطقة دارفور غربي البلاد في الظهور، كما يقول الكاتب، الذي أشار إلى أن الأسابيع الأخيرة شهدت سلسلة من الانتصارات حققتها ميليشيا الدعم السريع ضد الجيش النظامي، والتي تضمَّنت الاستيلاء على ثلاث من العواصم الإقليمية الخمس.
إحدى هذه المناطق هي مدينة الجنينة، التي استولى عليها الدعم السريع في 4 نوفمبر، ويقتبس عن الدكتور رضوان مصطفى، الذي فرَّ من المدينة مع عائلته إلى تشاد، بعد أن اتهمته ميليشيا الدعم السريع بتقديم المساعدة الطبية لقوات الجيش: إن الجثث كانت متناثرة على طول الطريق، كما كان مخيم اللاجئين فارغًا ومحترقًا، وهناك أعضاء مبتورة على الأرض، وقال: “كانت رائحة الموت في كل مكان”.
ورغم أن الاحتلال الأخير لدارفور رجّح كفّة الحرب لصالح المتمردين، وقائدهم الفريق محمد حمدان، المعروف بـ “حميدتي”، إلا أن مسؤولين أفارقة وغربيين على قناعة بأن الطرفين غير قادرين على تحقيق نصر عسكري واضح. ويقول الكاتب: إنه في ظل هذا المأزق تتفاقم معاناة المدنيين، كما أن مكاسب قوات الدعم السريع الأخيرة تأتي لتفاقم العنف العرقي، الذي يُذكِّر بالإبادة الجماعية التي وقعت في دارفور قبل عقدين من الزمن.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: إن أكثر من 800 شخص لقوا حتفهم في وقت سابق من هذا الشهر، عندما استولى المتمردون والمقاتلون العرب الذين يدعمونهم على قاعدة عسكرية في مدينة الجنينة؛ إذ دُمرت المنازل ونُهبت مستودعات الأمم المتحدة، وفرَّ الجنود السودانيون يجرون أذيال الهزيمة عبر الحدود إلى تشاد حاملين مخازن الذخيرة.
ورصد المقال فظائع تحدَّث عنها عمال الإغاثة وشهود العيان الذين قالوا: إن أعمال عنف جنسي وتعذيب وقتل ضد قبيلة “المساليت” قد وقعت، وهي مجموعة عرقية إفريقية لديها صراع طويل الأمد مع السكان العرب في المنطقة، ناقلًا عن أحمد شريف، وهو مُعلِّم فرَّ بدوره من مدينة الجنينة سيرًا على الأقدام لمدة 13 ساعة إلى حدود تشاد: “لقد جاءوا هنا لذبحنا”.
أما فيليبو غراندي، رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد ذكر أنه “قبل 20 عامًا، أُصيب العالم بصدمة جراء الفظائع التي ارتُكِبَت في إقليم دارفور، ونخشى أن تتطور ديناميكية مماثلة الآن”. كما قال: إن الطريق إلى الحدود مع تشاد تكتظّ بالجثث الملطخة بالدماء لمن فشلوا في الفرار في الوقت المناسب.
ويرى الكاتب أن الوضع الصعب اليوم لم يَرْقَ بعدُ إلى ما حدث في دارفور مطلع عام 2000م، ووقتها استخدمت الميليشيات العربية تكتيكات الأرض المحروقة في جميع أنحاء الإقليم، ما دفَع المحكمة الجنائية الدولية حينذاك إلى توجيه اتهامات بالإبادة الجماعية ضد القادة السودانيين، بما في ذلك الدكتاتور عمر البشير، الذي أُطيح به في انقلاب عسكري عام 2019م.
واستند إلى تقديرات الدبلوماسيين والمعلقين بأن العنف العرقي هذه المرة هو نتيجة ثانوية للصراع القومي بين القوات الموالية لقائد الجيش والزعيم الفعلي للسودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والجنرال حميدتي، وليس موجة قتل مُنسَّقة، فقد كان الاثنان حليفين في النظام العسكري المؤقت الذي تأسَّس بعد الانقلاب، لكنهما أصبحا عَدُوّين بسبب الخلاف حول كيفية نقل السلطة إلى أيدي مدنية، ودور الجيش في السياسة؛ على حد قوله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
- إيتامار آيخنر “جنوب إفريقيا، الصديقة الأقرب لإيران وحماس، والتي تبحث قطع العلاقات مع إسرائيل”، صحيفة يديعوت أحرونوت (بالعبرية)، 14 نوفمبر 2023م، على الرابط: https://www.ynet.co.il/news/article/hyasfbena
- نيطاع بار وأريئيل كاهانا، “لا مكان للصهاينة في جنوب إفريقيا: متظاهرون داعمون لإسرائيل تعرّضوا للهجوم في كيب تاون”، صحيفة يسرائيل هايوم (بالعبرية)، 13 نوفمبر 2023م، على الرابط:
https://www.israelhayom.co.il/news/world-news/other/article/14817867
- جاي إيلستر، “يموتون مثل الحشرات: المتمردون في السودان يتقدمون، والفظائع تعود إلى دارفور”، موقع واللا (بالعبرية)، 17 نوفمبر 2013م، على الرابط: https://news.walla.co.il/item/3623215