دينا فتحي جمعة عبد العظيم
باحثة ماجستير، متخصصة في العلوم الاستراتيجية والأمنية
تقديم
تعد الصراعات المسلحة أحد أبرز الأسباب الرئيسية التي تتحوَّل بالدولة من طور الأمن والاستقرار والنظام العام إلى طور الانهيار، وعدم الاستقرار، والسيولة الأمنية؛ لأن الصراع إذا ما بدأ وتصاعدت وتيرته على النحو الذي قد يتحوَّل به إلى عنف مسلح يترتب عليه عدد من الحوادث التي تتسبَّب في عدد كبير من الوفيات؛ فإنه قد يتَّجه بالدولة لحدّ التداعي والانهيار، وكان النموذج الواضح لهذا الأمر دولة الصومال وإفريقيا الوسطى خلال الأعوام الماضية.
لذا يأتي دور مؤشر الصراع ليُسلِّط الضوء على الصراعات داخل الدولة؛ من خلال تتبُّع ورَصْد حجم تلك الصراعات، ومناطق ارتكازها، ومدى حجمها، وتحديد نوعها، ومِن ثَمَّ الوقوف على حجم خطورتها وتأثيرها على المجتمع، والنظام العام، والاستقرار، وبالتالي تحديد الدول الأكثر استقرارًا ضمن هذا المؤشر، والدول الأسوأ تقييمًا ضمن فئة الصراع. ثم الوقوف على عدد من النتائج والتوصيات التي من الممكن بصورة أو بأخرى أن تسهم في تسليط الضوء على المشكلة وعلى سُبُل حلها.
ولما كانت قارة إفريقيا جنوب الصحراء هي الأكثر تعرُّضًا للصراعات المسلحة بفعل التباينات العرقية والإثنية، والدينية، والصراع على السلطة، لذا كانت النموذج الأمثل لتحليل مستوى الصراع وحجمه وعدد الوفيات الناجمة عنه، والوقوف على موقع دول المنطقة في تقييم الصراع ومؤشراته الفرعية، وتحديد النماذج الأفضل من حيث انحسار الصراع والاستقرار، والنماذج الأسوأ من حيث انتشار الصراع، وارتفاع عدد الوفيات، وعدد حوادث العنف السياسي، وذلك من خلال تقسيم المؤشر إلى محورين؛ الأول يتناول منهجية المؤشر وأهدافه ومفاهيمه. والمحور الثاني يتناول قراءة موقع دول المنطقة ضمن هذا المؤشر كما يلي:
أولًا: مؤشر الصراع: دراسة في المنهجية والمفهوم
صدرت النسخة الأولى لمؤشر الصراع في يناير 2023م، في حين صدرت النسخة المحدّثة منهجيًّا في سبتمبر 2023م، والذي صدر عن مشروع “مواقع النزاع المسلح وأحداثه”، وهي منظمة أمريكية غير ربحية، تستهدف جَمْع البيانات والمعلومات المرتبطة بمواقع النزاع، وتحليلها، ورسم الخرائط للأزمات والنزاعات المسلحة للتعرُّف على مدى تأثير تلك المعارك على الدول والمجتمعات، كما أن المؤشر يجمع بيانات أكثر من 240 دولة ومنطقة حول العالم، وسجَّل أغلب أنشطة الصراع خلال هذا العام في نحو 167 دولة، هذا بالإضافة إلى تسجيل نحو 139 ألف حادثة عُنف سياسي في مختلف المناطق في العالم، ممَّا تسبَّب -وفقًا لتقديرات مؤشر الصراع- في نحو 147 ألف حالة وفاة.
ويأتي الهدف من صدور هذا المؤشر ليقيس مستويات الصراع؛ وذلك من خلال تحليل الصور المختلفة للعنف، كما يقوم المؤشر بتقييم الصراعات الناجمة عن العنف السياسي من خلال أربعة مؤشرات فرعية، تتمثل في: مؤشر القتل، والذي يرصد عدد الوفيات الناجمة عن الصراعات، إضافةً إلى مؤشر الخطر على المدنيين، ومؤشر ودرجة الانتشار الجغرافي للصراع، وعدد الجماعات أو الميليشيات شبه العسكرية؛ حيث يتم حساب قِيَم كل مؤشر لكل دولة أو إقليم، ويتم قياسها وتصنيفها؛ بحيث إن الدول ذات المراكز الأولى في التصنيف تشهد الصراعات الأكثر عنفًا وحدة من بين الدول الأخرى، كما تمَّ تسليط الضوء على الصور المختلفة للصراعات التي تصيب الدول. كما أن المؤشر يتناول كافة أنواع الصراعات العنيفة التي تُصيب الدولة، وخلص إلى نتيجة مفادها أن الدول التي يوجد لديها عدد مرتفع من الوفيات الناجمة عن الصراعات، هي ضمن مؤشر الإنذار العالي، أو يطلق عليها -وفقًا لمؤشر الصراع- الدولة المميتة أو العنيفة للغاية.
لكن هذا الوصف أو التقييم لا يتم بصورة فردية بمنأى عن رَصْد وتقييم العوامل الأخرى المحلية المُسبِّبة للصراع؛ لأن فكرة الحكم على حجم الصراع من خلال عدد الوفيات فقط، يُفرِّغ الصراع من مضمونه ومسبباته الفعلية، وآثاره على المجتمعات الواقع فيها.
وأشار المؤشر كذلك إلى محور مُهِمّ للغاية، يتمثل في أن الدول التي تشترك في ذات التقييم والتصنيف لمؤشر الصراع، لا يشترط أن تضمّ نفس أنواع الصراعات ودرجة الخطورة ذاتها، فعلى سبيل المثال: فإن كلًّا من هايتي والفلبين ذات تقييم موحد للصراع، وإجمالي عدد حوادث الناجمة عن الصراع تقارب الـ700 حادثة، ولكنَّ تأثيرها يختلف عن المجتمع الخاص بكلّ دولة؛ حيث إنّ درجة تأثُّر المواطن بالعنف السياسي في دولةٍ ما قد يُقابَل بالضِّعف في دولة أخرى.
1- منهجية المؤشر:
يقيس مؤشر الصراع حَجْم العنف والصراعات السياسية داخل الدولة من خلال أربعة مؤشرات فرعية؛ حيث يجيب كل مؤشر فرعي عن تساؤل معين يرتبط كل الارتباط بطبيعة المؤشر الفرعي، والهدف من وجوده ضمن دائرة التحليل والرصد والقياس، ويمكن تناول هذه المؤشرات كما يلي:
- مؤشر الموت الفرعي: يستهدف الإجابة عن تساؤل: ما هي درجة مخاطر العنف السياسي؟ وكانت دلالة الإجابة عن هذا التساؤل مرتبطة بأن حجم الوفيات الناجمة عن العنف السياسي من الممكن أن تُحدِّد بدرجة كبيرة مدى شدة الصراع وتأثيراته المختلفة؛ لذا فإن هذا المؤشر يوضح حجم الوفيات الناجمة عن الصراعات خلال 12 شهرًا، حتى موعد الانتهاء من مرحلة جمع البيانات لتُشكِّل نهاية عدد الوفيات بالنسبة للدولة الواقع فيها الصراع.
- مؤشر الخطر الفرعي:
يستهدف الإجابة عن تساؤل: كم عدد حوادث العنف السياسي التي تستهدف التأثير على المجتمع؟ لذا اهتم المؤشر بالصراعات ودرجة اختلافها؛ حيث تنتشر الصراعات ذات المعدل الأعلى للعنف المدني على نحو أكبر، وذلك بسبب استهدافها للمدنيين، وإن الجماعات المسلحة التي تلجأ لهذا النوع من العنف لا تلقى أيّ مقاومة من الضحايا المستهدفين؛ لأنهم عُزَّل بدون سلاح، على خلاف الصراعات العسكرية التي تُواجه فيها تلك الجماعات مقاومةً من جانب القوات المسلحة الخاصة بالدولة الواقع فيها الصراع.
- مؤشر الانتشار الفرعي:
يَستهدف الإجابة عن تساؤل: ما نسبة الدول التي تعاني موجات العنف جراء الصراعات؟ لذا كان تركيز هذا المؤشر على الصراعات التي تنتشر في دولة واحدة في توقيتات مختلفة، وأنها من المحتمل أن تسبِّب ارتفاعًا في بؤرة الصراع في العديد من الدول المناظرة، وقسَّم المؤشر كل دولة إلى شبكة مساحة تبلغ 10 كيلو مترات في 10 كيلو مترات، ويتم قياس الشبكة الجغرافية للصراع في دولة ما خلال شبكة المساحة تلك، وحتى يتم إدراج منطقة ما في دائرة الصراع، ينبغي على الأقل أن يكون الحد الأدنى لحوادث العنف داخل تلك المنطقة 10 حوادث عنف، وسيتم استبعاد الشبكات الجغرافية التي يقل فيها عدد الأفراد عن 100 شخص.
- مؤشر التجزئة الفرعي:
يستهدف الإجابة عن تساؤل: ما عدد الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة التي تنتشر في بؤر الصراع؟ لذا استهدف المؤشر التركيز على بيئة الصراع، والتي يتم تجزئتها إلى عدد من التهديدات تؤثر بصورة مباشرة على المجتمع ومؤسسات الدولة، كما أشار إلى التحديات السياسية التي تمثل فرصة لتشكيل الجماعات المسلحة، والتي من الممكن أن يكون تأثير جماعة واحدة بالغ الخطورة على الحكومة والدولة، وكلما كانت بيئة الصراع مجزأة من حيث التهديدات والجماعات المسلحة، كلما انخفضت نِسَب مجابهة تلك الصراعات وحلّها من خلال التفاوض بين أطراف النزاع، وبالتالي تحوُّله إلى صراع مُتعدِّد الأطراف والأنواع والتأثير كذلك، وبالتالي كان التعريف الأنسب لمؤشر التجزئة هو عدد الميليشيات المسلحة والمجموعات السياسية المتمردة، والمنظمات الناشطة، ويتم رصدها خلال 12 شهرًا في الدولة.
وبجانب تلك المؤشرات الفرعية التي تمثل جوهر منهجية مؤشر الصراع، هناك ثلاثة أسئلة تُعدّ من صميم إصدار مؤشر الصراع، وتقييم البيانات الخاصة بكل دولة على حدة، وتتمثل تلك الأسئلة فيما يلي: ما هو حجم الصراع الذي يحدث في دول العالم؟ وأين تقع بؤرة الصراع؟ وما مدى تحسُّن أو تفاقم الصراع؟ ويمكن تناول كل تساؤل على النحو الآتي:
- ما حجم الصراع الذي يحدث في دول العالم؟
يتناول المؤشر كافة أشكال الصراع فيما يقرب عن 240 دولة ومنطقة، وأشار إلى أن نحو 167 دولة مُهدَّدة بفعل الصراعات التي تصيبها، ويعتمد الإجابة عن هذا التساؤل على رصد المناطق والدول الأكثر تأججًا بالعنف، إضافةً لعدد حالات النزاع، وما يترتب عليه من وفيات، وبالفعل فقد تم تسجيل ما يزيد عن 139 ألف حالة عنف سياسي في مختلف أنحاء العالم، راح ضحيتها ما يزيد عن 147 ألف حالة وفيات، وبناء على البيانات التي يتم جمعها سنويًّا يتم تحديد مستوى الصراع وحدّته وتأثيره، إضافةً لدرجة انتشاره والمناطق الأكثر تعرُّضًا له، وبالتالي تكون الإجابة عن هذا السؤال قد تم الإيفاء بها بما يخدم المنهجية العامة للمؤشر.
- أين تقع بؤرة الصراع؟
يتضمن المناطق التي يحدث فيها الصراع بشكل مستمر، وتم تسليط الضوء على فكرة أن الصراع ينتشر في مختلف دول العالم، ولكن هناك نحو 50 دولة تمثل نسبة 97% من إجمالي الصراعات في العالم، وكافة أحداث العنف تحدث في تلك الدولة، وفعليًّا كانت دول إفريقيا صاحبة النصيب الوافر ضمن دول تلك المجموعة بنحو 19 دولة تم تسجيلها ضمن بؤرة الصراع والإنذار العالي، والعنيف، والمنخفض نسبيًّا، وسيتم التطرُّق لها تفصيلًا في موضع لاحق.
- ما مدى تفاقم أو تحسُّن الصراع؟
في هذا التساؤل يستهدف تحسُّن أو تفاقم الصراع في الدول على الأقل خلال خمس سنوات، ففي الفترة ما بين 2018-2023م شهدت نحو 19 دولة تحسنًا في بيئة الصراع وتقييماتها، وعلى النقيض تراجعت كذلك تقييمات الدول في بيئة الصراع خلال نفس الفترة لدى 19 دولة أخرى، وسيتم التطرق للإجابة عن هذا السؤال فيما يخص دول إفريقيا جنوب الصحراء في موضع لاحق.
2- مفاهيم المؤشر:
يتناول المؤشر عددًا من المفاهيم المحورية ذات الصلة بالهدف من إصدار المؤشر والمرتبطة بالصراع، وما يختلط به من مفاهيم، ولعل أبرزها: الكارتيل، الاغتيالات، الوفيات، العصابات، العصابات العنيفة، الميليشيات، عنف الغوغاء أو الثورة، العنف الإجرامي المنظّم، العنف السياسي، المتمردون، مثيرو الشغب، الحراس أو الغوغاء، العنف الذي يستهدف المدنيين، وتتمثل في الآتي:
- الكارتيلات: عبارة عن مجموعات مسلحة تستهدف الانقضاض على الأراضي بغرض تحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية غير المشروعة.
- الاغتيالات: استهداف النخب الحاكمة أو الشخصيات المهمة أو المعارضة أو القادة السياسيين بالقتل بغرض تصفيات سياسية لصالح بعض الفئات أو الأطراف.
- الوفيات: هي مجموعة الوفيات المسجَّلة ضمن قاعدة بيانات مؤشر الصراع، والمُبلَّغ عنها ضمن ضحايا العنف السياسي الناجم عن الصراعات الحادثة في الدول بمختلف المناطق والأسباب.
- العصابات المُسلَّحة: عبارة عن الجماعات الإجرامية المُنظّمة التي يكون لأعمالها وجرائمها الصدى السياسي، وذلك برغم أنها لا تحمل توجيهات سياسية علنية، ويتعاونون مع النخب الحاكمة الداخلية لأهداف خاصة، وعادةً ما يلجؤون لاستخدام العنف لتحقيق أهدافهم.
- التمرد: النشاطات العنيفة غير المشروعة التي تقوم بها مجموعة مسلحة غير تابعة للدولة ضد السلطة الحاكمة، وتختلف من حيث الحجم، الأيديولوجية، والنطاق الجغرافي.
- الميليشيات: تنقسم بدورها إلى ميليشيات سياسية، وميليشيات الهوية، وتتمثل في الآتي:
- الميليشيات المسلحة: مجموعات مسلحة مُنظَّمة لها أهداف سياسية، وتَستخدم العنف لتحقيق تلك الأهداف، ولا تَستهدف ضمن أهدافها الإطاحة بالنخبة الحاكمة أو تغيير نظام الحكم، وهو ما يُميزها عن الجماعات المتمردة، على الرغم من أن بعضها يمكن تشكيله لمعارضة نظام الحكم، ومن أمثلتها: ميليشا “باكاسي بويز” في نيجيريا.
- ميليشيات الهوية: هي عبارة عن مجموعات مسلحة تنشأ بهدف الدفاع عن جماعات عرقية أو إثنية أو دينية تحت مسمى حماية الهوية لأصحابها، والميليشا التي تم رصدها في نطاق مؤشر الصراع: الميليشيات القبلية، والعشائرية، وهناك ميليشيات محلية، واجتماعية، ومجتمعية، وميليشيات تهدف لتحسين مستوى المعيشة. ولذا فإن العنف الذي تُخلِّفه تلك المجموعات يسمى عنفًا مجتمعيًّا؛ لأنه بغرض الحفاظ على هوية بعض أفراد المجتمع، كما أنه قد يكون من ضمن أهدافها الوصول للسلطة، أو معارضة الأنظمة الحاكمة، ومن أمثلتها ميليشا “لو” العرقية في كينيا، وميليشا الفولاني العرقية في نيجيريا.
- عنف الغوغائية: هو عبارة عن المحاسبة عن الجرائم المرتكبة أو التي لم ترتكب بعد خارج نطاق القانون والجهات القضائية، وتستخدم بهدف القضاء على الأعمال الإجرامية التي يتم ارتكابها بما يخالف أعراف المجتمع، ومن أبرزها: عمليات الإعدام خارج القانون التي تُرتكب في جنوب إفريقيا، وهايتي.
- الجريمة المُنظّمة: هي عبارة عن العنف الإجرامي المنظّم مِن قِبَل مجموعات مُنظّمة تنظيمًا دقيقًا ومرتبًا، وذلك بسبب الحصول على منافع اقتصادية في أغلب الأحوال؛ سواء كانت من خلال السيطرة غير القانونية على الأسواق من خلال الاحتكار أو السيطرة على الموارد والمواد الخامّ الأولية مثل الماس أو المعادن أو الأخشاب أو حتى الاتجار في الممنوعات والمخدرات، وغالبًا ما يُطلق عليه مصطلح “مافيا”، مثل: “مافيا الألماس، ومافيا المخدرات، والمواد الخام”، وهكذا.
- العنف السياسي: استخدام القوة لأجل تحقيق أهداف سياسية، بما يصاحبه من عنف وضحايا إن تطلب الأمر ذلك، وعادةً ما يُرتكب ضد المدنيين، وقد يتَّسع نطاق العنف حدّ استخدام الأسلحة الثقيلة مثل المتفجرات.
- مثيرو الشغب: هم الأفراد الذين ينساقون إلى ارتكاب أعمال العنف أثناء التظاهرات أو أحداث العنف الغوغائي أو الفوضى العارمة جراء الاضطرابات الداخلية؛ سياسية كانت أم اجتماعية.
ثانيًا: تصنيف دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الصراع 2023م
من خلال هذا الموضع يتم تحليل وقراءة موقع دول المنطقة في مؤشر الصراع، ومؤشراته الفرعية، وتحديد درجة الصراع وحجمه، ومعدل الوفيات، وعدد حوادث العنف المسلح، وحجم المليشيات الموجودة في كل دولة، ويمكن تناوله على النحو الآتي بيانه:
الجدول (1)
تصنيف دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الصراع العالمي 2023م
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر الصراع لعام 2023م
يتناول الجدول السابق ترتيب دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الصراع العالمي لعام 2023م، والتي يمكن تقسيمها لدول متقدمة في مؤشر الصراع، ودول متوسطة، ودول متأخرة، ويمكن تناولها على النحو التالي:
الدول المتأخرة “الصراع مرتفع جدًّا وفي أعلى معدلاته”:
تمثل مجموعة الدول التي تتسم بمعدلات مرتفعة للصراع، ولذا فإنها متأخرة من حيث التقييم، ولكنها تقع في مقدمة الجدول، وهو ما يشير للدول التي يتأجج فيها الصراع بنسبة أكبر من غيرها ضمن دول العالم، ودول تلك المجموعة مقسمة لنوعين؛ الدول ذات المعدلات الأعلى للصراع وتمثلها “نيجيريا”، و”الكونغو الديمقراطية”، والثانية للدول ذات المعدل المرتفع للصراع، وتمثلها كل من جنوب السودان، وإفريقيا الوسطى، وبورندي، وأوغندا، وموزمبيق، وجنوب إفريقيا، وبنين، وتشاد، وغانا، ويمكن تناولها كما يلي:
أولًا: الدول ذات المعدل الأعلى للصراع:
وتمثلها دولة “نيجيريا” حيث تحتل المرتبة الخامسة عالميًّا ضمن أكثر المناطق تأثرًا بالصراعات المسلحة، ولا سيما المصاحبة للانتخابات؛ فنيجيريا لها تاريخ طويل من الصراعات السياسية المتزامنة مع الانتخابات والصراعات بين الأحزاب السياسية، فمنذ عام 1999م والدولة تدور في حلقة من الصراعات والنزاعات السياسية بين الأحزاب السياسية، ويتمخض عنها العنف حتى استخدام الأسلحة تحت مظلة العنف الطائفي أو العرقي، وبلغت موجات العنف ذروتها عام 2011م، حيث أدَّى الصراع السياسي بين حزب الشعب الديمقراطي وحزب المؤتمر إلى وفاة ما يتحاوز 800 فرد جراء انتخاب الرئيس “جودلاك جوناثان”، والأمر تكرر في الانتخابات التالية عام 2015م، و2019م، كما أنه قبل انتخابات 2023م تم الاتفاق بين قادة 18 حزب والمرشحين على توقيع اتفاق للسلام عام 2022م، وذلك نظير الحد من موجة العنف التي تصاحب تلك العملية، وتتسبب في سقوط ضحايا مدنيين، وخلال العام الماضي سجلت الدولة نحو 200 حادثة وأعمال عنف تمت عن طريق مؤيدي الأحزاب السياسية، راح ضحيتها نحو 100 شخص، وإن أغلب تلك الحوادث تقع في نطاق عنف ضد المدنيين، وعمليات الاختطاف، والعنف الغوغائي)[1](.
تليها دولة الكونغو الديمقراطية؛ حيث تحتل المرتبة التاسعة عالميًّا، وتعتبر من المناطق الساخنة المُؤجَّجة بالصراعات، ولا سيما العنف السياسي، والذي يترتب عليه ارتفاع أعداد الوفيات، ولا تختلف كثيرًا عن نيجيريا، فيأتي تقييمها 0.398 لهذا العام، فتعد الدولتان ضمن الدول الإفريقية الأكثر تأثرًا في جنوب الصحراء الكبرى بالصراعات.
ثانيًا: الدول الإفريقية ذات المعدل المرتفع للصراع:
تقع تلك الدول ضمن فئة الإنذار المرتفع للغاية بشأن خطورة الصراع وتأثيره على المجتمعات وتسبُّبه في حالة عدم الاستقرار السياسي، والأمن الداخلي، فقد احتلت بوركينا فاسو المرتبة 13 عالميًّا بتقييم 0.35، تليها دولة مالي بترتيب 15 عالميًّا بإجمالي تقييم 0.269، هذا بالإضافة إلى الصومال بترتيب 21 عالميًّا وبتقييم 0.369، والملاحظ في نموذج دولة الصومال تصاعُد العنف السياسي في منطقة “مدج” في سبتمبر 2023م وخاصة بعد إعلان الحكومة المرحلة الثانية لعملياتها لكبح التمرد ضد حركة الشباب الصومالية في الـ6 من أغسطس، وقد اشتبكت الحكومة مع الميليشيات المسلحة الموالية لحركة الصومال في 12 حادثًا مختلفًا في منطقتي “هوبيو”، و”زارارديري”، كما نفَّذت القوات الأمريكية هجمات ضد حركة الشباب، راح ضحيتها 200 شخص في مدج منذ أن بدأ النزاع عام 1997م.
تليها دولة “كينيا” التي تحتل المرتبة 22 عالميًّا بتقييم عام 0.18، وضمن دائرة الإنذار المرتفع للغاية، وبالإشارة إلى وضع كينيا يتضح أن العنف السياسي اتسم بالتنوع ما بين تزايد نشاط حركة الشباب وتوسُّع عملياتها في كينيا، ولا سيما في المقاطعات المتاخمة للصومال كأمثال: “مانديرا”، و”لامو”، و”غاريسا”، و”واجير”، وبالأخص مقاطعة مانديرا التي شهدت أعنف هجمات حركة الشباب؛ كونها الأكثر قربًا من الصومال، ويأتي الجزء الأكبر من نشاط حركة الشباب في قتالها مع قوات الأمن واستخدام الأسلحة ضد المجندين، وإطلاق القذائف والأسلحة النارية، أضف لذلك نشاط الميليشيات الرعوية؛ حيث مثَّلت تهديدًا أمنيًّا لاستقرار كينيا بسبب نشاط تلك الجماعات في منطقة وادي كيربو التي تضم عددًا من المقاطعات من أبرزها: مقاطعة “بوكوت”، ومقاطعة “بارينجو”، ومقاطعة “إلجيو ماراكويت”، ومقاطعة “توركانا”، ومقاطعة “لايكيبيا”، ونُسِبَ إليها 170 حالة عنف سياسية، أي زيادة مقدارها 139% عام 2022م، وتسبّب في نحو 193 حالة وفيات، كما سجلت ضمن أحداث العنف السياسي الغوغائية الناتجة عن الانتخابات وبلغ نحو 550 حادثة عنف غوغائي عام 2022م، وتعد الأكثر حدة ضمن قارة إفريقيا بأكملها، وأغلبها في مقاطعة “نيروبي”)[2]).
ثم تأتي “إثيوبيا” لتحتل المرتبة 25 عالميًّا، وبتقييم 0.226، ضمن فئة الإنذار المرتفع للغاية للصراع بسبب النزاعات السياسية والعرقية في إقليم تيغراي، وترتب على هذا الصراع بين إقليم تيجراي والحكومة الإثيوبية سقوط عدد من الضحايا قُدِّرت بالمئات منذ بدء الصراع.
الدول المتوسطة “ذات معدل الصراع العنيف”:
تتضمن مجموعة الدول التي تقع ضمن فئة الإنذار العالي، لكنه ليس في حده الأقصى، وتشمل كلاً من جنوب السودان، وإفريقيا الوسطى، وبورندي، وأوغندا، وموزمبيق، وجنوب إفريقيا، وبنين، وتشاد، وغانا.
والمُلاحَظ ضمن دول هذه المجموعة أنها تتسم بارتفاع النزاع والصراع، ولكنه ليس بذات الحدة التي تتضمنها دول المجموعة الأولى، وهنالك عدد من النقاط الملاحظة لتلك الدول يأتي في مقدمتها: دولة موزمبيق التي تحتل المرتبة 37 عالميًّا وبتقييم 0.062، حيث إنه في الفترة ما بين 2017م وحتى عام 2023م كان الصراع ضمن فئة الإنذار العنيف بإجمالي عدد حوادث العنف السياسي خلال تلك الفترة نحو 1652 حادثة، وترتب عليها عدد من الوفيات تجاوزت حد الـ4600 حالة وفاة، بالإضافة إلى أن العنف الموجَّه ضد المدنيين راح ضحيته نحو 2013 حالة وفاة.
أضف لذلك أن قوات الدفاع والأمن لدولة موزمبيق قد أعلنت الخطة التكتيكية لمكافحة التمرد على طول ساحل “ماكوميا”، وبالفعل أخطرت سكان القرى التابعة لمنطقة الساحل مثل قرية “بيكوي”، و”ميلامبا”، و”إنغواني”، و”كويتيراجو”، و”بانغاني”، وذلك في تاريخ 19 يونيو؛ لأجل القيام بعملية موسعة بالتعاون بين قوات الدفاع الوطنية والقوات الرواندية، وقوات جنوب إفريقيا لكبح جماع التمرد والحد من العنف.
وتم فرض إجراءات تقييدية على تلك المناطق، ومن ضمن تلك التدابير: فرض قيود على التمويل اللوجستي للمتمردين في منطقة “كيتيراجو”، كما تم منع كافة الرحلات إلى “موكوجو” من “ماكوميا”، كما تم تأكيد من خلال تقرير عن الأمم المتحدة أن هناك تواصلًا بين المتمردين في موزمبيق وتنظيم الدولة، ولا سيما العمليات التمويلية، أضف لذلك التواصل مع القوى الديمقراطية في الكونغو الديمقراطية.)[3](
ثم تأتي دولة بنين التي تحتل المرتبة 45 عالميًّا ضمن فئة الصراع العنيف، وبتقييم 0.0045، حيث تشهد توترات حدودية بينها وبين النيجر، فقد تم قطع التعاون الأمني بين البلدين؛ بسبب انقلاب النيجر في يوليو الماضي، وذلك في ظل اتهامات من جانب مجلس النيجر العسكري لبنين بأنها تسعى لفرض سيطرتها على النيجر من خلال دخولها في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إيكواس”، وهذا التوتر كان له تداعياته على المدنيين، فقد نشطت بعض الجماعات الإرهابية في شمال بنين قرب حدود النيجر، وعلى رأسها جبهة نصرة الإسلام والمسلمين، فقط ازدادت هجمات الإرهاب في مقاطعة إليبري وحالات الاختفاء القسري التي راح ضحيتها 9 مواطنين، هذا بالإضافة لاستهداف السلطات المحلية، بما فيها قوات الأمن، والمحليات، كما حاولت تلك التنظيمات الاستيلاء على معسكر باكو ماكا، ولكن تم دَحْر هذا الهجوم من جانب القوات المسلحة لبنين.)[4](
الدول المتقدمة “الصراع غير نشط/منخفض”:
وتشمل مجموعة الدول التي تحتل مراتب متأخرة في مؤشر الصراع العالمي 2023م، وهي تعني معدل منخفض للصراع، وبالتالي استقرار نسبي مقارنةً بدول المنطقة الأخرى، وتضم الدول التي يبدأ ترتيبها من التصنيف 57 بتقييم 0.048، وحتى تقييم 0 للمستقر، والملاحظ أن دولتين فقط ضمن جنوب الصحراء الكبرى التي جاء تقييمها بـ”صفر درجة” على اعتبار أنها الدول الإفريقية الأكثر استقرارًا هذا من جانب، وأن الصراعات غير نشطة فيها بمعنى أنها لا تؤثر حالة المجتمع، ولا يترتب عليها عنف سياسي أو حتى ضحايا، وتمثل تلك الدول “سيشل” في المرتبة 167، وكابو فيردي في المرتبة 167.
الجدول (2)
تقييم دول إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشرات الفرعية لمؤشر الصراع 2023م
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر الصراع 2023م
يوضح الجدول السابق تقييمًا لدول إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشرات الفرعية لمؤشر الصراع، وفي هذا المقام يكمن الحديث عن مؤشر الموت الفرعي لرصد عدد الوفيات جراء الصراع والعنف المسلح، إضافةً لمؤشر انتشار العنف السياسي الفرعي، وعليه تكمن أهم الملاحظات المرتبطة بكل مؤشر على حدة من خلال الآتي:
أولًا: مؤشر الموت الفرعي:
احتلت نيجيريا المرتبة الثالثة عالميًّا ضمن عدد الوفيات جراء العنف والصراعات المسلحة، كما أنها الأولى إفريقيا ضمن أكثر الدول في معدل الوفيات الناجمة عن العنف والنزاعات بإجمالي عدد وفيات 9120 حالة، تليها دولة الصومال التي تحتل المرتبة الرابعة عالميًّا بإجمالي عدد وفيات بلغت 8598 حالة، ثم احتلت بوركينا فاسو المرتبة السابعة عالميًّا ضمن فئة الدول الأكثر صراعًا والأكثر في عدد الوفيات بإجمالي عدد 6873 حالة، وإثيوبيا تحتل المرتبة الـ11 عالميًّا بإجمالي عدد وفيات 4784 حالة، هذا بالإضافة إلى مالي التي تحتل المرتبة الـ13 ضمن فئة الوفيات المرتبة بإجمالي عدد وفيات 3850 حالة، وأخيرًا تأتي الصومال كآخر نموذج لفئة هذه المجموعة من عدد الوفيات لتحتل المرتبة الـ16 بإجمالي عدد وفيات 3850 حالة.
وعلى الجانب الآخر لمجموعة الدول التي تتسم انخفاض عدد الوفيات حد الصفر، وتمثلها في التصنيف 125 بإجمالي عدد وفيات 0 حالة كل من: الجابون، وكابوفيردي، وسيشل، وغينيا بيساو، ثم ترتفع أعداد الوفيات عن الصفر إلى ما دون الـ10 وفيات لبعض الدول، ولكنها ما زالت في وضع الاستقرار وعدم تأثير الصراع على المجتمع لعدم نشاطه أو انخفاض وتيرته المتسارعة، وتمثلها كل من: موريشيوس بعدد وفيات “2”، و”3″ وفيات لكل من غامبيا، وناميبيا، وجزر القمر، و”4″ حالات وفيات في غينيا الاستوائية، و”5″ حالات وفيات لكل من بوتسوانا، وساتوامي وبرنسيبي، هذا بالإضافة إلى “6” حالات وفيات في ليبيريا، وإجمالي “8” وفيات في دولة السنغال، و”9″ وفيات في دولة ليسوتو.
ثم بالانتقال لفئة الدول المتوسطة في عدد الوفيات والتي تشملها الدول ما دون الـ100 حالة، وتمثلها كل من: رواندا بإجمالي عدد وفيات “12” حالة وفاة، تليها دولة سيراليون، وجيبوتي بنحو “14”حالة وفاة، و”13″ حالة وفيات لدولة زامبيا، و”21″ حالة وفيات لكل من تنزانيا، والكونغو، و”31″ حالة وفيات في غينيا، و”38″ حالة وفيات لزيمبابوي، و”40″ حالة وفيات لمالاوي، و”92″ حالة وفيات لدولة أنغولا، وأخيرًا فئة الدول ذات معدلات الوفيات المرتفعة، ولكنها دون الـ1000 حالة وفيات، وتمثلها كل من توغو بإجمالي عدد وفيات “145” حالة وفيات، و”177″ حالة وفيات لدولة غانا، و”212″ حالة وفيات لدولة بورندي، و”214″ حالة لدولة بنين، وغيرها من الدول الوارد ذكرها في الجدول السابق التي تراوحت عدد وفياتها وفق السياق الذي تم تحديده لدول المجموعة.
ثانيًا: مؤشر انتشار العنف السياسي الفرعي:
والملاحظ ضمن بيانات هذا المؤشر أن هناك عددًا من الدول تمثل النموذج الأسوأ لدول المنطقة في انتشار العنف السياسي؛ حيث احتلت إيسواتيني المرتبة الـ12 عالميًّا، وتعد الدول الأكثر انتشارًا للعنف السياسي ضمن دول المنطقة، تليها دولة بوركينا فاسو التي تحتل التصنيف الـ15 عالميًّا، والصومال في المرتبة الـ18 عالميًّا، ولكن على النقيض تحتل أكثر من نصف المجموعة المرتبة 59 عالميًّا ويعد ذلك التصنيف ضمن التقييم 0 لانتشار العنف السياسي، وبالتالي حتى وإن كان هناك صراع في تلك الدول إلا أنه لم يقع تحت طائلة الوتيرة المتسارعة لانتشاره ولا تخرج عن مجرد مناوشات أو ما دون ذلك، وتمثل تلك المجموعة كل من جمهورية الكونغو، ورواندا، وليبيريا، وغينيا بيساو، وغامبيا، وجيبوتي، وبوتسوانا، وموريشيوس، وساوتومي وبرنسيبي، وجزر القمر، والجابون، وليسوتو، وناميبيا، وغينيا الاستوائية، وإرتيريا، وكابو فيردي، وسيشل، برغم أن بعض منها تجاوزت عدد الوفيات الناجمة عن الصراعات لديها ما أكثر من 100 حالة لتصل لنحو 494 حالة وفيات كما في حالة مدغشقر، وهو تباين ملحوظ في بيانات الدولة ضمن المؤشرين الفرعيين، والأمر ينطبق كذلك على دولة تشاد التي بلغت إجمالي عدد الوفيات لديها نحو 437 حالة وفيات.
الجدول (3)
تقييم دول إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشرات الفرعية لمؤشر الصراع 2023م
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر الصراع 2023م
يتضح من خلال الجدول السابق، تقييم لدول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشري الخطر، والتجزئة الفرعي، وذلك من خلال الآتي:
أولًا: مؤشر الخطر الفرعي:
يشمل هذا المؤشر تحديد نطاق الخطر الناجم عن الصراع من خلال رصد عدد حوادث العنف، أو عدد المخاطر التي يتسبب فيها الصراع، وهناك عدد من الملاحظات ضمن هذا المؤشر تتمثل في:
سجلت دول إفريقيا جنوب الصحراء حالات عنف مهددة لأمن مجتمعاتها جراء ارتفاع وتيرة الصراعات في دول المنطقة، ولكن برغم ذلك هناك عدد قليل من الدول التي لم تسجّل حوادث عنف وبالتالي انعدام الخطر، وكانت أهمها كل من غينيا الاستوائية، وإرتيريا، وسيشل؛ حيث سجلت عدد حوادث 0 للعنف السياسي، أضف إلى ذلك دولة كابو فيردي التي سجلت حادثة عنف واحدة خلال عام 2023م، كما سجلت جيبوتي، وبرنسيبي حالتي عنف سياسي، و4 حالات عنف سياسي في ليسوتو، وسجلت ناميبيا 5 حالات عنف سياسي جراء الصراعات والنزاعات بين النخب الحاكمة، وسجلت الجابون 7 حالات عنف، و9 أحداث عنف لجزر القمر، وتعد تلك الدول النماذج الأقل تعرضًا للأزمات والنزاعات الداخلية التي يمتخض منها الصراع، والذي يترتب عليه العنف المسلح ضد المدنيين أو غير المدنيين.
ولكن على الجانب الآخر تأتي مجموعة الدول الأكثر تأثرًا من الصراعات، وذلك بارتفاع حوادث العنف السياسي، وباعتبارها الدول التي تقع في مقدمة مؤشر الخطر الفرعي بسبب الاستهدافات المتكررة المسلحة، وتمثل تلك المجموعة كل من: دولة نيجيريا حيث تحتل المرتبة الـ6 عالميًّا بإجمالي حوادث عنف سياسي بلغت نحو 2064 حادثة، تليها دولة الكونغو الديمقراطية التي تحتل المرتبة الـ11 عالميًّا بإجمالي عدد حوادث 1094 حادثة، و807 حالة لدولة مالي التي تحتل المرتبة الـ12 عالميًّا، كما سجّلت كينيا المرتبة الـ14 عالميًّا بإجمالي عدد حوادث 766 حادثة، واحتلت بوركينا فاسو المرتبة الـ15 عالميًّا بإجمالي 746 حادثة، والصومال بنحو 626 حادثة لتحتل المرتبة الـ18 عالميًّا، وأخيرًا سجّلت كل من الكاميرون 460 حادثة عنف سياسية، وإثيوبيا 481 حادثة، لتُختتم تلك المجموعة باعتبارها الأسوأ تقييمًا ضمن بؤرة الصراع وانتشار خطر العنف السياسي في مختلف أنحاء الدولة، إضافة لمقاربته مع مؤشر الموت لتضحى كذلك الأسوأ من حيث عدد الوفيات الناجمة عن تحول تلك الصراعات إلى صورتها المسلحة والعنيفة التي تؤثر بالتأكيد على استقرار وأمن مجتمعاتها، أما عن المجموعة الثالثة فتلك الدول التي تقع ما بين النموذج المنخفض لحوادث العنف، والنموذج المرتفع لوتيرة العنف السياسي كذلك، وتعبّر عنه الدولة المتبقية ضمن فئة مؤشر الخطر الفرعي.
ثانيًا: مؤشر التجزئة الفرعي:
يستهدف هذا المؤشر رصد انتشار الميليشيات المسلحة في دول إفريقيا جنوب الصحراء، والتي تعتبر جوهر تأجج الصراعات المسلحة داخل إفريقيا، باعتبارها السبب المباشر لارتفاع وتيرة العنف بمختلف أنواعه السياسي والطائفي والعرقي بين مواطني الدولة الواحدة أو المناوشات الحدودية بين عدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء. والملاحظ في هذا المؤشر أن الميليشيات المسلحة تنتشر على نحو كبير في المنطقة، فكانت الدول الإفريقية الأكثر احتواءً لتلك الجماعات الكونغو الديمقراطية التي تحتل المرتبة الخامسة عالميًّا بنحو 93 ميليشا مسلحة منتشرة في مختلف أرجاء الدولة، تليها دولة نيجيريا حيث تحتل المرتبة التاسعة عالميًّا بإجمالي 54 ميليشا مسلحة، و28 ميليشا مسلحة في كينيا، و20 ميليشا مسلحة في مالي، و18 ميليشا في الكاميرون، و13 ميليشا في إثيوبيا، و12 ميليشا منتشرة في إفريقيا الوسطى، وعلى الجانب الآخر تأتي مجموعة من الدول لتسجل 0 مليشيا مسلحة ضمن أراضيها، وتعتبر النموذج الجيد للمنطقة في مؤشر التجزئة الفرعي، وتمثلها كل من بوتسوانا، وموريشيوس، وجزر القمر، وليسوتو وناميبيا، وكابو فيردي وسيشل، أما النموذج المتوسط من الدول فتلك التي تقع بين العدد الأكبر لانتشار المليشيا في إفريقيا والحد الأدنى لها على نحو أو بآخر وفق ما تم عرضه في الجدول السابق.
الشكل (1)
يوضح تصنيف الدول في مؤشر الصراع لعام 2023م
المصدر: مؤشر الصراع العالمي 2023م
تشير النقاط المعروضة في الجدول السابق لتصنيفات الدول ضمن مؤشر الصراع لعام 2023م، حيث يمثل اللون الأحمر الغامق الصراعات في أعلى معدلاتها، واللون الأحمر الفاتح للصراعات المرتفعة للغاية، واللون الأزرق الغامق للصراعات العنيفة، والأزرق الفاتح للمنخفض، والملاحظ أن دول إفريقيا جنوب الصحراء ضمن فئة الحضور القوي لهذا التصنيف؛ حيث كانت نيجيريا ذات الإنذار المرتفع للصراع في أعلى معدلاته، كما تمثل الإنذار المرتفع باللون الأحمر الفاتح دولة الكاميرون، وإثيوبيا، ومالي، والصومال.
الخريطة (1)
توضح الدول الـ25 الأعلى في مؤشر الموت المتفرع من مؤشر الصراع 2023م
المصدر: مؤشر الصراع العالمي 2023م
تتضمن الخريطة الدول الـ25 الأعلى ترتيبًا عالميًّا ضمن تصنيف الدول في مؤشر الموت الفرعي، وكان لإفريقيا جنوب الصحراء نصيب أكبر في الحضور ضمن دولة هذه المجموعة بنحو 11 دولة من إجمالي 25 دولة، وتمثلها دول من غرب الساحل الإفريقي، والقرن الإفريقي، مثل: دولة مالي، ودولة النيجر، ودولة نيجيريا، ودولة بوركينا فاسو، والكاميرون، ودولة السودان، ودولة إثيوبيا، ودولة جنوب السودان، ودولة كينيا، ودولة الصومال، ودولة الكونغو الديمقراطية، وتعد تلك الدول كما سبقت الإشارة لها الأعلى في عدد الوفيات الناجمة عن الصراعات المسلحة والعنف السياسي، والطائفي، والعرقي في جدول سابق.
الخريطة (2)
توضح تصنيف الـ25 دولة الأعلى ضمن مؤشر الخطر المتفرع من مؤشر الصراع 2023م
المصدر: مؤشر الصراع العالمي 2023م
توضح الخريطة السابقة تصنيف الـ25 دولة ضمن مؤشر الخطر الفرعي الذي يرصد مخاطر الصراعات والعنف السياسي على المدنيين، وكانت دول إفريقيا جنوب الصحراء الممثل الوحيد لقارة إفريقيا ضمن فئة تلك الدولة بنحو 10 دول من إجمالي 25 دولة ذات تقييم سيئ في أحداث العنف السياسي وتأثيراتها الضارة على حياة المدنيين، وتمثلها كل من: دولة مالي، ودولة النيجر، ودولة نيجيريا، ودولة بوركينا فاسو، والكونغو الديمقراطية، والسودان، والصومال، وإثيوبيا، وكينيا، وتتشارك تلك الدول مع دول مؤشر الموت لتطابق الرؤى في المؤشرين فيما يتعلق بأن وتيرة العنف السياسي تتناسب طرديًّا مع معدل الوفيات في كل دولة على حدة.
وختامًا:
من خلال ما سبق عرضه من قراءة لبيانات دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الصراع 2023م، يمكن الوقوف على عدد من الملاحظات في هذا الإطار، تتمثل في:
- تعتبر قارة إفريقيا من أكثر القارات اضطرابًا في العالم بسبب انتشار الصراعات المسلحة لعدد من الأسباب السياسية، والعرقية، والإثنية وتصاعد وتيرة العنف كنتيجة لتلك الأعمال.
- تصنّف نحو 11 دولة من إفريقيا جنوب الصحراء ضمن مجموعة 25 دولة الأسوأ تقييمًا في مؤشر الموت الفرعي عالميًّا بسبب ارتفاع أعداد الوفيات جراء العنف السياسي، والصراعات المسلحة.
- تصنّف 10 دول ضمن فئة 25 دولة الأسوأ تقييمًا في مؤشر الخطر على المدنيين عالميًّا بسبب ارتفاع وتيرة حوادث العنف السياسي.
- تعتبر دولة نيجيريا هي النموذج المشترك في المؤشرات الفرعية لمؤشر الصراع، وتعد النموذج الأسوأ تقييمًا في مؤشر الصراع العالمي بسبب ارتفاع معدلات النزاعات والصراعات المسلحة المتنوعة ما بين سياسية، وعرقية، ودينية، وأدَّت لعدم الاستقرار داخل الدولة، ومنه لارتفاع حوادث العنف، وأعداد الوفيات التي تجاوزت الآلاف، وعلى غرارها تأتي الكونغو الديمقراطية، والصومال، ومالي وبوركينا فاسو، وإثيوبيا.
- تعتبر كل من كابو فيردي، وسيشل الدول الإفريقية الأكثر تقدمًا وتقييمًا في مؤشر الصراع ومؤشراته الفرعية؛ حيث تتسم بالاستقرار بعيدًا عن الصراعات المسلحة، كما أنها تسجل 0 وفيات وحوادث عنف سياسي، والأمر منطبق كذلك على الميليشيات المسلحة.
مزايا المؤشر:
رصدت الباحثة عددًا من الميزات أثناء قراءة وتحليل مؤشر الصراع العالمي تتمثل في:
- تركيز المؤشر في تناوله للصراعات المسلحة بمختلف أنواعها، بمعنى أنه لم يركز على نوع بعينه، ولكنها شملت كافة أنواع الصراع؛ سواء كان سياسيًّا، أو عرقيًّا، أو إثنيًّا، أو دينيًّا، وبالتالي هي ميزة أفضل وقاعدة بيانات أكبر لرصد حالة الصراع داخل الدولة.
- استُخدم المؤشر لتقييم موضع الدولة بشكل عام في مؤشر الصراع على أربعة مؤشرات فرعية؛ وهي تعطي قيمة أكثر دقة للدولة، كما أنها متكاملة لأنها لا تتتبع خارطة انتشار الصراع فقط، بل يتم رصد معدل الوفيات الناجمة عن الصراعات والعنف المسلح، إضافة لعدد حوادث العنف السياسي داخل الدولة، ورصد مدى خطورتها على المجتمع، وانتشار المليشيات المسلحة داخل الدول، للوقوف على مدى استقرار الدولة من عدمه، ومسببات الصراع، والجهات الفاعلة فيه، والمؤثرة في عملية تأجُّجه أو انحساره، لذا فتلك ميزة تدفع المؤشر نحو مزيد من التقييمات على مدار العام وفي كل نسخة على حدة.
- توجد ميزة أخرى للمؤشر أنه يجيب عن ثلاثة تساؤلات محورية تمثل جوهر الصراع في أي دولة والحكم على استمراره من عدمه، وتحدد مدى إمكانية كبح جماحه أو تفاقمه من جانب آخر، وتلك التساؤلات هي: أين يقع الصراع؟ ما حجم الصراع؟ وهل يتحسن الصراع أو يتفاقم من جانب آخر؟
يمكن الاستفادة من هذا المؤشر في الآتي: تحديد حالة الصراع في كل دولة من دولة المنطقة، من خلال الوقوف على مسببات الصراع، بالإضافة لتحديد حجم الخطورة التي يمثلها الصراع، وبالتالي تحديد نطاق انتشاره والجهات الفاعلة فيه، والجماعات المسلحة المتحكمة في سَيره، وبالتالي بدء عملية المعالجة الحقيقية لتلك الأزمات؛ سواء كانت مرتبطة بالصراع على السلطة أو الصراعات الدينية أو الصراعات العرقية أو الإثنية أو حتى القبلية، وبالتالي وضع خطط وبرامج وتدابير لأجل حصر تلك الصراعات والحد من انتشارها؛ من خلال تجفيف منابع التمويل للجماعات المشتركة في تأججها، ومراقبة العملية الانتخابية والصراع على السلطة، ومحاولة حصره فيما لا يخرج عن طائلة الانتقادات السياسية دون تحوُّله للعنف المسلّح من جانب آخر.
[1] _ Election Watch, Political Violence and the 2023 Nigerian Election, 22 February 2023, available at: .
[2]_Context Assessment: Increasing Security Challenges in Kenya, march 2023, available at: .
[3] _ Cabo Ligado Weekly: 19-25 June 2023, available at: .
[4] _ Regional Overview: Africa, September 2023, available at: .