مقدمة
يوجد ارتباط وثيق بين البيئة والتنمية المستدامة، فعندما تكون الممارسات البيئية غير مستدامة ويحدث التدهور البيئي يتم استنزاف الموارد الاقتصادية، ويصعب تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة والمستدامة.
وقد تزايدت اهتمامات بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بالتنمية البيئية في إطار الجهود التي تبذلها لتحقيق التقدم الاقتصادي والتنمية المستدامة؛ حيث سعت إلى استحداث الأُطُر المؤسسية لتحقيق التكامل بين متطلبات حماية البيئة وأهداف التنمية المستدامة.
غير أن أوضاع البيئة في تلك البلدان تتأثر بشكل مباشر بعدة عوامل؛ بعضها يعود للأوضاع الناجمة عن العوامل الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية، وبعضها الآخر للسياسات الاقتصادية المتبعة. فمن جانب تأثيرات العوامل الطبيعية والاقتصادية، فإن تدهور نوعية مياه الشرب، وتفاقم مشكلة التخلص من مياه الصرف الصحي والصناعي الملوث في المجاري المائية، وتدني كفاءة استخدام المياه في الزراعة، وتزايد التصحر؛ كلها عوامل تساهم في تدهور البيئة .وكذلك فإن النزاعات والحروب التي تعاني منها أدَّت أيضًا إلى تدهور الأوضاع البيئية.
وتُعد المؤشرات والتقارير البيئية أحد أهم الأدوات التي تدعم متَّخذي القرار في التخطيط السليم بهدف تحديد الأولويات في استغلال الإمكانيات والموارد المتاحة للحصول على الأهداف المنشودة؛ حيث تعكس تلك المؤشرات الوضع البيئي بصورة دقيقة، ومِن ثَمَّ اتخاذ كافة الإجراءات للحفاظ على البيئة من أجل توفير الحياة الآمنة والصحة الجيدة رغبةً في التوجُّه نحو تحقيق التنمية المستدامة.
ومن أهم هذه المؤشرات: مؤشر التلوث البيئي، ومؤشر الأداء البيئي، ومؤشر البصمة والقدرة البيولوجية؛ حيث يُسجّل عدد من الدول الإفريقية مراتب متأخرة في هذه المؤشرات، بما يُشير إلى التحديات التي تُواجه الأوضاع البيئة بها. ويعتبر مؤشر الأداء البيئي العالمي أهمّ وأشمل تلك المؤشرات.
وفي السياق التالي سوف نحاول تفنيد تطور مؤشر الأداء البيئي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وفقًا لآخر تقرير صادر في عام 2022م؛ حيث يصدر المؤشر كل عامين؛ وذلك من خلال المباحث التالية:
- المبحث الأول: مؤشر الأداء البيئي: النشأة والمنهجية.
- المبحث الثاني: تحليل مؤشر الأداء البيئي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2022م على مستوى المؤشر العام.
- المبحث الثالث: تحليل مؤشر الأداء البيئي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2022م على مستوى المحاور الفرعية.
- خاتمة ونتائج.
المبحث الأول:
مؤشر الأداء البيئي: النشأة والمنهجية
أولًا: نشأة وتطور مؤشر الأداء البيئي
هناك عشرات من مؤشرات استدامة البيئة، والتي أخذت في الظهور منذ عام 2003م، وبعضها على المستوى العالمي، وأخرى على المستوى الوطني أو الأقاليم والمقاطعات، أو في مجالات متعددة مثل تغيّر المناخ والتنوع الحيوي والغابات والبصمة البيئية. وتشمل هذه المؤشرات؛ تقرير التنمية المستدامة Sustainable Development Report، ومقياس داو جونز للاستدامة Dow Jones Sustainability Index، ومؤشر أداء التغير المناخي Climate Change Performance Index، والبصمة البيئية Ecological Footprint (EF)، ومقياس الكوكب الحي العالمي The global Living Planet Index التابع للصندوق العالمي للحياة البرية World Wildlife Fund([1]).
غير أن مؤشر الأداء البيئي يختلف عن المقاييس البيئية الكمية الأخرى في أنه يتناول مجموعة شاملة من القضايا البيئية ذات الأولوية، بما في ذلك استهلاك الموارد، واستنفاد الأصول البيئية، والتلوث وفقدان الأنواع المهددة، وموضوعات بيئية مهمة أخرى([2]).
ويُرتب مؤشر الأداء البيئي الدول على سُلّم استدامة البيئة بناءً على إجمالي قِيَم مُرجّحة لعدد من المؤشرات البيئية ذات العلاقة. ويستخدم طريقةً للقياس الكمي والرقمي للأداء البيئي لسياسات الدولة، ويُمثِّل مقياسًا تعريفيًّا جامعًا يُلخص 40 مؤشرًا لاستدامة البيئة حول الأداء البيئي الوطني باستخدام مجموعة من المؤشرات المشتقة من مجموعات البيانات الأساسية المتصلة بحفظ وحماية البيئة.
ويصنّف الدول على مؤشرات الأداء التي يتم رصدها وتقييمها من خلال مجموعة السياسات التي تتصل بالصحة العامة البيئية وحيوية النظام البيئي والتغير المناخي. وتستهدف هذه المؤشرات الحكومات الوطنية، وتوفّر مقياسًا لأداء الدولة تجاه أهداف هذه السياسات([3]).
وقد بدأ مؤشر الأداء البيئي في عام 2006م كمؤشر للاستدامة البيئية، بمبادرة من المنتدى الاقتصادي العالمي، وبالتعاون مع جامعة ييل من خلال مركز القانون والسياسة البيئية Yale Center for Environmental Law and Policy، وجامعة كولومبيا، من خلال مركز الشبكة الدولية لمعلومات علوم الأرض Center for International Earth Science Information Network ومركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية.
وقد استند مؤشر الاستدامة البيئية ESI على تحليل عدد كبير من المتغيرات البيئية (76)، باستخدام أساليب التحليل الإحصائية لتحديد 21 من المتغيرات الأكثر أهمية إحصائيًّا.
واستُخدمت هذه المؤشرات في تقرير مؤشر الاستدامة البيئية الأخير في عام 2005م، الذي ضم 146 دولة كأداة قياس مرجعية لـمقارنة الحماية الوطنية للبيئة بين الدول.
وجاء نشر مؤشر الأداء البيئي EPI التجريبي في عام 2006م الذي شمل 133 دولة، في ضوء الخبرة المكتسبة، والانتقادات الواسعة لأوجه القصور المنهجية في مؤشر الاستدامة. واستمر مؤشر الأداء البيئي في التطور من خلال الإصدارات اللاحقة؛ إذ زاد عدد المؤشرات إلى 25 بين عامي 2008 و2010م، وأعطي وزنًا أكبر لتغيُّر المناخ من 10% في عام 2006م إلى 24% في عام 2008م وحتى عام 2020م، بسبب بروز تغيّر المناخ كقضية عالمية وشاملة التأثير على قضايا سياسة النظام البيئي الأخرى([4]).
ثانيًا: منهجية مؤشر الأداء البيئي 2022م
يقوم مؤشر الأداء البيئي على ترتيب الدول على سلم استدامة البيئة بناءً على إجمالي قيم مُرجِّحة لعدد من المؤشرات البيئية ذات الصلة، باعتبار أن الاستدامة البيئية هي مفهوم متعدد الأبعاد. وتنشأ بعض التحديات البيئية من التنمية والتصنيع، أو من نضوب طبيعي للموارد، وتلوث الهواء ومجاري المياه، وتدمير النظام البيئي، مثل إزالة الغابات وتحديات التغير المناخي المتزايدة. وهناك تحديات تعود لعوامل التخلف ونضوب الموارد الناتج عن قصور التفكير بعيد المدى الناجم عن الفقر في الموارد المتجددة مثل الغابات والمياه، وقلة الاستثمار في بناء القدرات والبنية التحتية لضبط التلوث وحماية النظام البيئي.
وتعتمد منهجية ومبادئ مؤشر الأداء البيئي على تطوير مؤشرات مركبة للأداء في ضوء تعددية أبعاد استدامة البيئة، وتستخدم المؤشرات في تصنيف الأداء البيئي للدول من خلال حساب مقدار ما تبتعد به دولة معينة عن تحقيق هدف محدد. وتسمح هذه المؤشرات البيئية المركبة بالجمع بين معلومات معقَّدة في قيمة واحدة، الأمر الذي من شأنه خلق ونشر الوعي السياسي والإعلامي بالقضايا البيئية محليًّا وعالميًّا.
ولا تستخدم جميع المؤشرات في تصنيف جميع الدول (المشمولة بالتصنيف)؛ فالدول غير الساحلية لا يشملها مُتغيِّر الأسماك، أو مؤشر المناطق المحمية البحرية، وتوزع أوزانها على مؤشرات أخرى تتناسب معها.
وتسمح المنهجية المستخدمة والمؤشرات البيئية المختارة بتتبُّع الاتجاهات، وتحديد مشاكل التلوث الناشئة وقياس فعالية السياسات البيئية المنفذة، والتأكد من أن الاستثمارات في حماية البيئة تقدم أفضل العوائد ممكنة. ومن شأن المقاييس القائمة على تحليل أفضل البيانات المتاحة تعزيز وضع القرار البيئي بشكل موضوعي وتوجّه العالم نحو مستقبل أكثر استدامة.
ويعتمد مؤشر الأداء البيئي على البيانات المتصلة بحالة الاستدامة في جميع أنحاء العالم ويصنف 180 دولة في أدائها البيئي. ويقوم المؤشر على استخدام 40 متغيرًا أو مؤشر أداء، مجمعة في 11 فئة أو مجالًا للبيئة، ويتم تجميع فئات القضايا هذه بدورها في 3 أهداف ومحاور لسياسات حماية البيئة: تغير المناخ، والصحة البيئية، وحيوية النظام البيئي. كما يبينها الجدول رقم (1).
جدول (1)
أهداف ومحاور مؤشر الأداء البيئي وأوزانها النسبية
المصدر: تصميم الباحث من الموقع: https://alamarabi.com
ويجري تحويل قِيَم جميع المؤشرات التي تختلف في وحدات قياسها، إلى قِيَم معيارية، للحصول على قِيَم قابلة للمقارنة. وفي ضوء أوزان المؤشرات والمجالات والمحاور، ثم يتم تجميع الدرجات المعيارية لكل محور في درجة مركبة (جامعة) ومعيارية.
وفي خطوة أخيرة، تُحوّل القيم إلى مقياس من 0-100 من الأسوأ إلى الأفضل. وكلما كانت النقاط المحرزة التي حققتها الدول أعلى من 50، فإن ذلك يعني أن الدول في وَضْع جيد بالنسبة للمؤشر أو القطاع أو المحور الذي تمَّ تقييمه، وإذا كانت أقل من 50، فإن ذلك يتطلب من الدول العمل على معالجة نقاط الضعف وتحسينها.
ويدعم مؤشر الأداء البيئي 2022م سياسة صافي الانبعاثات الصفري. وتهدف هذه السياسة إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى أقرب مستوى ممكن من الصفر، مع إعادة امتصاص أي انبعاثات متبقية من الغلاف الجوي، عن طريق المحيطات والغابات على سبيل المثال. والهدف من هذه السياسة هو تجنُّب آثار تغير المناخ والحفاظ على كوكب صالح للعيش، وعدم زيادة درجة الحرارة العالمية 1,5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، الذي تم إقراره في اتفاق باريس، ووضع هدف خفض الانبعاثات (خاصة في قطاع الطاقة) بنسبة 45% بحلول عام 2030م، والوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050م. ولذلك، أصبح محور التغير المناخي الذي يتصل بمؤشرات الغازات الدفيئة وشدته والمعدل الفردي أحد محاور مؤشر الأداء البيئي 2022م، وأعطي وزن 38% من المؤشر.
كما شملت متغيرات مؤشر الأداء البيئي 2022م أربعة مؤشرات جديدة لجودة الهواء، ومقاييس جديدة تتصل بإعادة التدوير وإدارة النفايات، ومؤشرًا تجريبيًّا حول الاستخدام المستدام لمبيدات الآفات في مجال الزراعة.
المبحث الثاني:
تحليل مؤشر الأداء البيئي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء 2022م على مستوى المؤشر العام
أولاً: تحليل مؤشر الأداء البيئي لعام 2020م
وفقًا للجدول (2)، حقَّقت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء (33,24) نقطة على مقياس مؤشر الأداء البيئي لعام 2020م. وهي درجة مقبولة فهي أكبر من 30 وأقل من 50 درجة. وتلك الدرجة هي متوسط 47 دولة ذكرها التقرير في عام 2020م بعد إضافة دولة السودان التي صنَّفها التقرير ضمن بلدان الشرق الأوسط الكبير. مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ (46,44) نقطة.
واحتلت سيشل المرتبة (38) عالميًّا، المركز الأول في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء محققة (58,2) نقطة، وهي الدولة الوحيدة المحققة درجة أعلى من 50 في المنطقة، تلتها الجابون (76) عالميًّا في المركز الثاني، بدرجة (45,8). ثم موريشيوس (82) عالميًّا، والمركز الثالث إقليميًّا بدرجة (45,1). في حين احتلت جنوب إفريقيا المركز (98) عالميًّا والرابع إقليميًّا بدرجة (43,1). أما المركز الخامس إقليميًّا فكان من نصيب بتسوانا التي احتلت المركز (103) عالميًّا بدرجة (40,4).
في الوقت الذي تذيلت فيه ليبيريا المركز الأخير عالميًّا (180) بدرجة ضعيفة جدًّا (22,6).
جدول رقم (2)
مؤشر الأداء البيئي لعام 2020 في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
المصدر: تقرير الأداء البيئي لعام 2020م. https://envirocenter.yale.edu/2020-environmental-performance-index
ثانيًا: تحليل مؤشر الأداء البيئي لعام 2022م على مستوى المؤشر العام
جاءت الدول الخمس الأولى في تصنيف عام 2022م: الدنمارك والمملكة المتحدة وفنلندا ومالطا والسويد. واحتلت الهند المرتبة الأدنى بين 180 دولة، بعد فيتنام (178)، وبنغلاديش (177)، وباكستان (176). ويشكل تدهور نوعية الهواء والارتفاع السريع في انبعاثات الغازات الدفيئة تحديات مُلحَّة وفقًا للتقرير. ومعظم البلدان ذات الدرجات المنخفضة مثل ميانمار وفيتنام هي تلك التي أعطت الأولوية للنمو الاقتصادي على الاستدامة، أو تلك التي تعاني من الاضطرابات المدنية والأزمات الأخرى. ومن المتوقع أن تصبح الصين والهند أكبر وثاني أكبر مصدر لانبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي في عام 2050م، على الرغم من الوعود الأخيرة بالحد من معدلات نمو الانبعاثات. ([5])
وقد حققت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء (47) دولة (36,84) نقطة على مقياس المؤشر، وهي أيضًا درجة مقبولة، متقدمة 3,04 نقطة عن عام 2020م. محتلة المرتبة الرابعة بين المناطق السبعة المقسمة بالتقرير، ومتفوقة على مناطق؛ جنوب آسيا، وآسيا والمحيط الهادي، والشرق الأوسط الكبير. وذلك مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ (43,10) درجة. وبمعدل تغير خلال عقد بلغ 1,07% وأقل من التحسن العالمي خلال عقد والبالغ (3,47%). كما يبين الجدول (3) والشكل (1).
جدول رقم (3)
مؤشر الأداء البيئي في مناطق العالم المختلفة لعام 2022م
المصدر: الباحث؛ محسوب من تقرير مؤشر الأداء البيئي لعام 2022م.
شكل رقم (1)
مؤشر الأداء البيئي في مناطق العالم المختلفة لعام 2022م
المصدر: الباحث من بيانات تقرير مؤشر الأداء البيئي لعام 2022م.
وعلى المستوى القطري وفقًا للجدول (4)؛ فقد احتلت سيشل المركز (32) عالميًّا والأول إقليميًّا بدرجة (56,6)، وبتسوانا (35) عالميًّا، والثاني إقليميًّا بدرجة (54)، ثم ساوتومي وبرنسيب المركز(38) عالميًّا والثالث في المنطقة بدرجة (52,9) نقطة، ثم ناميبيا المركز(44) عالميًّا والرابع إقليميًّا بدرجة (50,9) نقطة، والجابون المركز (51) عالميًّا والخامس إقليميًّا محققة (49,7) نقطة؛ حيث حققت أربعة بلدان درجات جيدة أعلى من (50) في عام 2022م مقارنة بدولة واحدة عام 2020م.
وفي نفس السياق فقد تحسنت 24 دولة من أصل 47 في المنطقة شملها التقرير خلال عشرة سنوات، أبرزها تشاد التي تحسنت بمقدار 16,4%، وغينيا الاستوائية 15,3%، وجيبوتي 12,9%، جنوب إفريقيا 10,1%، وموريشيوس 10% خلال العقد المنصرم.
بينما تذيلت ليبيريا (174) عالميًّا بدرجة (24,9)، والسودان (171) عالميًّا بدرجة (27,6)، وغانا (17) عالميًّا بدرجة (27,7)، ومدغشقر (167) عالميًّا بدرجة (28)، وموريتانيا (165) عالميًّا بدرجة (28,1). ذيل الترتيب الإقليمي.
وفي ذات السياق أيضًا تراجعت 22 دولة خلال العقد المنصرم في الأداء البيئي كان أبرزها؛ بوروندي (13%)، وساحل العاج (8,2%) وزامبيا (6,9%)، ونيجيريا وغانا (6,1%).
جدول رقم (4)
مؤشر الأداء البيئي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2022م
المصدر: تقرير الأداء البيئي لعام 2022م. ص14.
المبحث الثالث
تحليل مؤشر الأداء البيئي في بلدان إفريقيا
جنوب الصحراء لعام 2022م على مستوى المحاور الفرعية الثلاثة
أولاً: محور تغير المناخ
التخفيف من آثار تغير المناخ: إن التقدم العالمي المُحرَز في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة غير كافٍ على الإطلاق لتحقيق أهداف صافي الصفر بحلول منتصف القرن، على النحو المنصوص عليه في ميثاق غلاسكو للمناخ لعام 2021. على الرغم من أن مؤشرات برنامج التحصين الموسع القائمة على الاتجاهات تظهر أن انبعاثات الغازات الدفيئة لا ترتفع بالسرعة التي كانت عليها قبل 10 سنوات، إلا أن العالم يسجل نتائج سيئة للغاية في مؤشر انبعاثات الغازات الدفيئة المتوقعة في عام 2050م.
وقد حققت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء (37,69) على مقياس المحور الفرعي بتراجع قدره 2,3% كمتوسط لعشرة سنوات. مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ (41,3) درجة والذي تحسن خلال عقد بمقدار 3%.
ويُعزى تراجع المنطقة في هذا المحور إلى أن التحسينات التي حصلت في المنطقة في أداء محور التغير البيئي كانت أقل من التراجعات فيه؛ حيث تحسنت 18 دولة أبرزها غينيا الاستوائية بمقدار 33,2% وناميبيا 29,5% وجيبوتي 22,3%. في حين تراجعت 29 دولة أبرزها بوروندي 37% والنيجر 25% والجابون 19%.
وقد جاءت جيبوتي (7) عالميًّا بدرجة (73,7) وإسواتيني (10) عالميًّا بدرجة (67,9) وناميبيا (15) عالميًّا درجة (64,6) وساوتومي وبرنسيب (17) عالميًّا بدرجة (63,2) وبتسوانا (18) عالميًّا، بدرجة (63,1) في المراكز الخمسة الأولى في أداء المؤشر الفرعي على مستوى المنطقة.
بينما احتلت النيجر وتشاد وموزمبيق وإثيوبيا ومالي المراكز الخمسة الأخيرة بالمنطقة بدرجات (17,9)، (18,5)، و(19,3)، و(19,9)، و(21,9) على التوالي. وفقًا للجدول التالي:
جدول رقم (5)
محور تغير المناخ في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام2022م
المصدر: تقرير الأداء البيئي لعام 2022م. ص 19.
ثانيًا: محور الصحة البيئية
جودة الهواء: يُعدّ سوء نوعية الهواء أحد أخطر مشكلات الصحة العامة العالمية، مما يؤدي إلى أكثر من 6 ملايين حالة وفاة مبكرة كل عام، ولا يزال أكثر من 99% من سكان العالم يتنفسون هواءً غير آمن. العديد من البلدان التي حصلت على درجات منخفضة في مؤشر الأداء الموسع الإجمالي تقع أيضًا بالقرب من أسفل فئة مشكلة جودة الهواء.
الصرف الصحي ومياه الشرب: يشرب أكثر من ملياري شخص حاليًّا مياهًا غير آمنة، ويفتقر ما يقرب من 3,6 مليار شخص إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية مثل معالجة مياه الصرف الصحي. وبدون المياه النظيفة، تظل معدلات الإصابة بالمرض والوفيات مرتفعة في العديد من مناطق العالم، وخاصة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا.
المعادن الثقيلة: يساهم التعرض للمعادن الثقيلة في نتائج صحية سيئة في العديد من المناطق، على الرغم من أن الجهود المتضافرة للتخلص التدريجي من استخدام الرصاص في الوقود والدهانات والسباكة قد نجحت في تقليل معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات على مستوى العالم.
إدارة النفايات: تفرض عبئًا كبيرًا على النظم البيئية، وتهدّد بتقويض الصحة العامة. هناك عدد قليل من فئات القضايا الأخرى التي تظهر انقسامًا صارخًا في الأداء بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية مثل إدارة النفايات. لم يحرز العالم سوى تقدم ضئيل للغاية في زيادة معدلات إعادة التدوير، وقد انعكس اتجاه المكاسب نحو تخفيف التلوث البلاستيكي في المحيطات بسبب ارتفاع استهلاك البلاستيك أحادي الاستخدام خلال جائحة كوفيد-19.
وقد حققت المنطقة في المتوسط (23,44) درجة على مقياس هذا المحور بتحسن قدره 1,58% خلال العشر سنوات المنصرمة، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ (42,85) والذي تحسن خلال نفس الفترة بنحو 3,69%.
ويُعزَى التحسن في مؤشر الصحة البيئية في المنطقة إلى تحسن 40 دولة، بينما تراجعت سبعة بلدان فقط. كانت أبرز التحسينات: جنوب إفريقيا 6,9%، وموريشيوس 6,3%، والجابون 6%. بينما كانت أبرز التراجعات الرأس الأخضر 1,6% وبوركينا فاسو 1% وتشاد 0,9%.
وقد احتلت موريشيوس (38) عالميًّا بدرجات (57,6)، وسيشل (45) عالميًّا بدرجة (54,2)، والرأس الأخضر (108) عالميًّا بدرجة (32,6)، وجزر القمر (12) عالميًّا بدرجة (31,1)، وساوتومي وبرنسيب (116) عالميًّا بدرجات (31) المراكز الخمسة الأولى في المنطقة في هذا المحور.
بينما تذيلت ليسوتو(180) بدرجات (10,9)، وإفريقيا الوسطى (177) بدرجات (13,1)، والكاميرون (171) بدرجات (14,3)، ونيجيريا (175) بدرجات (15,2)، وغينيا بيساو (172) بدرجات (16,6) المراكز الخمسة الأخيرة في المنطقة في محور الصحة البيئية؛ وفقًا للجدول التالي.
جدول رقم (6)
محور الصحة البيئية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2022م
المصدر: تقرير الأداء البيئي لعام 2022م. ص 17.
ثالثًا: محور حيوية النظام البيئي([6])
التنوع البيولوجي والموئل: حافظت البلدان الآن على 10% من المناطق الساحلية والبحرية في العالم، وهو ما يتجاوز هدف أيشي للتنوع البيولوجي رقم 11 في وقت سابق من هذا العقد. ومع ذلك، فشل العالم في تحقيق الهدف المصاحب المتمثل في الحفاظ على 17% من المساحات الأرضية بحلول عام 2020م.
خدمات النظام البيئي: يؤدي فقدان الغطاء الشجري المنتشر إلى ضعف الأداء العالمي في فئة مشكلات خدمات النظام البيئي. ويؤدي توسيع الأراضي الزراعية، وحرائق الغابات، واستهلاك الموارد الطبيعية إلى تدمير الغابات في جميع أنحاء العالم.
مصايد الأسماك: لا تزال صحة مصايد الأسماك العالمية سيئة. ويأتي ما يقرب من 75% من الصيد من مخزونات الأسماك المنهارة أو المستغلة، مما يُهدِّد بتقويض مصدر غذائي مهمّ للعديد من البلدان في العالم النامي.
المطر الحمضي: تتعافى النظم البيئية في أجزاء كثيرة من العالم المتقدم ببطء من التحمض الذي شهدته العقود السابقة، ومع ذلك يجب على المناطق الأخرى أن تبذل جهودًا أكبر للحد من انبعاثات سلائف المطر الحمضي. إن النتائج العالمية المرتفعة في معدلات نمو انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين تحجب التقدم العالمي غير المتكافئ.
الزراعة: يمكن أن يؤدي استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة في الأراضي الزراعية إلى زيادة إنتاجية المحاصيل وتقليل انتشار الآفات، ولكنَّ أنماط الاستخدام الحالية تُقوِّض صحة النظام البيئي عن طريق تلويث التربة والمياه بالمخلفات الكيميائية
الموارد المائية: يمكن أن يؤدي استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة في الأراضي الزراعية إلى زيادة إنتاجية المحاصيل والحد من انتشار الآفات، ولكنَّ أنماط الاستخدام الحالية تُقوِّض صحة النظام البيئي عن طريق تلويث التربة والمياه بالمخلفات الكيميائية.
وقد حققت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء متوسط درجات على هذا المحور بلغت (42,47) درجة بمتوسط تحسن خلال عشرة سنوات بلغ 3,91%، وهو أعلى من متوسط التحسن العالمي البالغ 3,7%، وبمتوسط درجات بلغ (44,86) نقطة.
ويُعزَى هذا التحسن في الأداء إلى تحقيق 36 دولة تحسنًا في المنطقة مقبل 11 تراجعًا. كانت أبرز التحسينات في: موريشيوس 17%، والنيجر 16,4%، وسيشل 14,3%. بينما كانت أبرز التراجعات في: زامبيا 4,5%، ونيجيريا 3%، وساحل العاج 3%.
وجاءت النيجر(13) عالميًّا بدرجات (64,7)، وزيمبابوي (19) عالميًّا بدرجات (61,7)، وبتسوانا (20) عالميًّا بدرجات (61,4)، وزامبيا (29) عالميًّا بدرجات (58,2)، وسيشل(34) عالميًّا بدرجات (57,8) في المراكز الخمسة الأولى في المنطقة في هذا المحور.
بينما جاءت ليبريا (174) عالميًّا بدرجات (20,9)، وليسوتو (170) عالميًّا بدرجات (23,5)، وأنجولا (162) عالميًّا بدرجات (28,6)، ومدغشقر (158) بدرجات (29,5)، وموريتانيا (157) عالميًّا بدرجات (30,2) في المراكز الأخيرة. وفقًا للجدول التالي:
جدول رقم (7)
درجات محور حيوية النظام البيئي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2022م
المصدر: تقرير الأداء البيئي لعام 2022م. ص 18.
خاتمة ونتائج
حققت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء خطوات مقبولة على مستوى الأداء البيئي، وإن كانت أقل من المتوسطات العالمية، غير أنها تتفوق على ثلاث مناطق في العالم. وقد كان التحسن في محورين من أصل ثلاثة يشملها مؤشر الأداء البيئي، بينما تراجعت في محور تغير المناخ خلال الفترة العقد المنصرم. وقد كانت التحسينات في محور حيوية النظام البيئي أكبر من التحسن العالمي في هذا المحور؛ وفقًا للجدول التالي:
جدول رقم (8)
مؤشر الأداء البيئي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ومحاوره الثلاثة لعام 2022م مقارنة بالعالم
المصدر: الباحث من بيانات تقرير الأداء البيئي لعام 2022م.
وبشكل عام؛ العالم ليس على الطريق الصحيح للوفاء بالتزاماته المتعلقة بالمناخ، لا يزال التقدم العالمي المُحْرَز في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة غير كافٍ لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن المحدد في ميثاق غلاسكو للمناخ لعام 2021م، وفقًا لمؤشر الأداء البيئي لعام 2022م. وباستخدام مسار الانبعاثات على مدى السنوات العشر الماضية كأساس لتوقعات الانبعاثات لعام 2050م، فمن المتوقع أن الغالبية العظمى من البلدان لن تحقق هدف صافي الصفر.
ومن المتوقع أن يكون عدد من الدول -بما في ذلك الولايات المتحدة- أقل بكثير من الهدف. ومن المتوقع أن تصل حفنة من البلدان فقط إلى حياد الغازات الدفيئة بحلول عام 2050م. كما يعكس التصنيف عالمًا منقسمًا بشدة حول كيفية الاستجابة للتحديات البيئية التي تؤدي إلى التقاعس بشأن القضايا الحاسمة مثل تغير المناخ.
وتشير توقعات مؤشر الأداء البيئي 2022م إلى أن أربع دول فقط، وهي الصين والهند والولايات المتحدة وروسيا، ستشكل أكثر من 50% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية المتبقية في عام 2050م إذا استمرت الاتجاهات الحالية. وهناك 24 دولة، هي الأكثر تلويثًا للبيئة، وسوف تمثل قرابة 80% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية عام 2050م ما لم يتمّ تطبيق سياسات مناخية أكثر فعالية، وتحسين مسارات الانبعاثات.
ومع أن تحليل النتائج يشير الى ارتباط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأداء البيئي، في ضوء توفر البنية التحتية اللازمة لتوفير مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي، والحد من تلوث الهواء المحيط، والسيطرة على النفايات الخطرة، والاستجابة لأزمات الصحة العامة. غير أنه من الصحيح أيضًا الإشارة إلى أنَّ السعي لتحقيق التنمية الاقتصادية، كثيرًا ما يعني المزيد من التلوث، ويضع مزيدًا من الضغوط على حيوية النظام البيئي. وتشير تجارب استدامة التنمية في بعض الدول إلى أن الدول لا تحتاج إلى التضحية بالاستدامة من أجل التنمية الاقتصادية أو العكس.
وتؤدي الحوكمة (الحكم الرشيد) إلى سياسات استدامة أكثر فعالية، والحد من الفساد ومن الالتفاف على الأنظمة والقوانين، وتوفّر حرية الرأي ووجود صحافة حرة، وتشجع المواطنين على دفع الهيئات التشريعية من أجل اتخاذ مزيد من التشريعات التي تصب في حماية البيئة، وضمان تطبيق القوانين البيئية بشكل موحد. ولذلك، ليس من قبيل الصدفة أن يكون الأداء البيئي ضعيفًا في الدول التي تعاني من الاضطرابات المدنية.
ويؤدي تعزيز خدمات التعليم إلى بناء مجتمع ملتزم مدنيًّا وصحِّيًّا. ويسهم وجود مجتمعات متعلمة وواعية في تفهُّم قضايا البيئة الحرجة بشكل أفضل، وإدراك أهمية تطبيق الأنظمة والتعليمات الناظمة لقضايا البيئة وتطويرها وفق مستويات التقدم.
ويتعين على المتقاعسين مضاعفة جهود الاستدامة الوطنية على كافة الجبهات. ويأتي عدد من البلدان المهمة في الجنوب العالمي، بما في ذلك الهند ونيجيريا، بالقرب من أسفل التصنيف. وتشير درجاتها المنخفضة في مؤشر الأداء البيئي إلى الحاجة إلى مزيد من الاهتمام بمجموعة متطلبات الاستدامة، مع التركيز على القضايا الحاسمة مثل جودة الهواء والمياه، والتنوع البيولوجي، وتغير المناخ. وتواجه بعض الدول المتقاعسة الأخرى، تحديات أوسع نطاقًا مثل الاضطرابات المدنية، ومن الممكن أن نعزو درجاتها المنخفضة إلى ضعف الحكم.
كما تتطلب التنمية المستدامة فهمًا عميقًا للبيئة وللتحديات البيئية المتزايدة التي تواجهها كل الدول. ويقوم مؤشر الأداء البيئي على ترتيب الدول على سُلّم استدامة البيئة بناءً على إجمالي قِيَم مرجّحة لعدد من المؤشرات البيئية ذات الصلة، والتي لا يمكن رَصْدها بشكل شامل وحصريّ.
وشملت الانتقادات تعديل أوزان بعض المتغيرات، الأمر الذي أدَّى إلى تخفيض وزن بعض المؤشرات التي كان أداء بعض الدول فيها جيدًا، كما لم يتم تضمين مؤشرات مثل التنوع البيولوجي الزراعي، والحفاظ على إنتاجية التربة، وفقدان الغذاء وهدره، على الرغم من أن هذه المؤشرات قد تكون حاسمة بالنسبة للدول النامية التي تضمّ عددًا كبيرًا من السكان الزراعيين.
[1] ) https://alamarabi.com/2022/06/%D9%85%D8%A4%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A6%D9%8A-2022/
[2] ) Idem.
[3] ) Wendling, Z. A., et al. (2022). 2022 Environmental Performance Index. New Haven, CT: Yale Center for Environmental Law & Policy. epi.yale.edu
[4] ) Wendling, Z. A., et al.Op.cit
[5] ) https://www.clearias.com/environmental-performance-index/#significance-of-environmental-performance-index-epi
[6] ) bankexamstoday, Environment Performance Index 2022.at:
https://www.bankexamstoday.com/2018/01/environmental-performance-index.html