إيمان الشعراوي
باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقية- جامعة القاهرة
تحمل الانتخابات الرئاسية التي ستُجرَى في فبراير عام 2024م أهميةً خاصةً في تجربة التحول الديمقراطي بدولة السنغال، ولعل لذلك الاهتمام ما يبرّره؛ حيث بدأت تُطرَح العديد من التساؤلات حول مستقبل ما أُطلق عليه “استمرار هيمنة الحزب الحاكم (التحالف من أجل الجمهورية Alliance for the Republic) على الساحة السياسية في السنغال”، بعد استبعاد المرشح المعارض سونكو من خوض الانتخابات الرئاسية، ومدى انعكاس ذلك على التجربة الديمقراطية في الدولة بوجه عام، خاصةً بعد إعلان الرئيس ماكي سال عدم ترشحه لولاية ثالثة، فضلًا عن دعم المرشح الأقرب للفوز في هذه الانتخابات في ظل حالة الاستقطاب السياسي من جهة، والتخوفات من اندلاع عنف يصاحب الانتخابات من جهة أخرى، والدور الفرنسي في تقديم الدعم لأحد المرشحين دون غيره؛ لضمان الحفاظ على مصالحها.
وعلى الصعيد الداخلي تشهد الفترة السابقة للانتخابات، إطلاق العديد من الحملات المنادية بالتغيير، وذلك في ظل تراجع أداء الحزب الحاكم في السنوات الماضية، وهو الأمر الذي انعكس بوضوح على موقف الجماهير من الحزب خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، وذلك مقارنةً بأداء الحزب في الانتخابات السابقة عليها.
وفي هذا الإطار تُعنَى هذه الدراسة بتحليل ودراسة الانتخابات الرئاسية السنغالية القادمة عام 2024م، ومدى ارتباطها بإمكانية الحديث عن تداول سِلْمي للسلطة، وفي محاولة للإجابة عن التساؤلات سالفة الذكر؛ تعتمد الدراسة في إطارها النظري على استخدام هيكل الفرص السياسية كمدخل تحليلي في دراسة النظام السياسي عمومًا؛ باعتباره أحد أنسب المناهج لدراسة وتحليل الظواهر السياسية، ومنها الانتخابات وما يرتبط بها من تداعيات على مستقبل النظام السياسي، وذلك باعتبار أن كل نظام سياسي لديه هيكل مؤسسي يتمتع بخصائص محددة، وتُتاح الفرص السياسية للقوى الفاعلة بالمجتمع ومنها الأحزاب نتيجة وجود تغيرات تطرأ على الهيكل السياسي للنظام، ولكنَّ درجة هذا التغير تختلف من دولة لأخرى، وذلك وفقًا لمدى انفتاح النظام السياسي ومدى ديمقراطيته وإتاحته لفرص المشاركة السياسية للقوى الفاعلة بالمجتمع.
كما تنقسم الدراسة لخمسة أجزاء رئيسة، يُعنَى القسم الأول بعرض ظروف البيئة الداخلية التي ستُجْرَى الانتخابات في إطارها، وما تحمله من سمات قد تؤثر على توجهات الناخبين لصالح هذا الطرف أو ذاك في الانتخابات. أما القسم الثاني فيعرض أبرز المرشحين ومدى إمكانية فوز أحدهم في الانتخابات الرئاسية. وفي القسم الثالث من الدراسة يتم التركيز على المواقف الإقليمية والدولية من هذه الانتخابات، لا سيما ما يتعلق بالدور الفرنسي. أما القسم الرابع فيُعْنَى بالحديث عن فُرَص المعارضة في التوحُّد خلف مرشح واحد في ظل ترشح عدد كبير منهم. ويختتم القسم الخامس والأخير للدراسة بعرض السيناريوهات المستقبلية لهذه الانتخابات.
أولًا: الظروف الداخلية للانتخابات
تشهد البيئة المحلية للسنغال جملةً من الأحداث السياسية والاقتصادية الداخلية، التي يُتوقع أن يكون لها تأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة، ولعل من أبرز السمات التي يمكن رصدها في هذه الدراسة ما يلي
1-تراجع شعبية الحزب الحاكم
يشهد الحزب الحاكم في السنغال “التحالف من أجل الجمهورية” الذي يتزعمه الرئيس ماكي سال تراجعًا في شعبيته، وذلك وفق ما أظهرته نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في يوليو عام 2022م؛ فلم يستطع تحالف (متحدون من أجل الأمل: Benno Bokk Yakaar) الذي يتزعمه الحزب الحاكم الفوز بالأغلبية([1])؛ حيث فقد الحزب أغلبيته المريحة في البرلمان؛ إذ حصل الحزب الحاكم على 82 مقعدًا من أصل 165، أي أقل بمقعد واحد من 83 مقعدًا المطلوبة للحصول على الأغلبية المطلقة، في حين حصل تحالف ائتلافي المعارضة يووي أسكاني وي ووالو السنغال على 80 مقعدًا.([2])
ويرجع ذلك لتراجع الأداء الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة؛ حيث إنه على الرغم من تمتُّع السنغال بعقود من الاستقرار السياسي مقارنةً بجيرانها، إلا أنها لا تزال تُواجه تحديات تنموية كبيرة؛ حيث يعيش أكثر من ثلث السكان تحت خط الفقر([3]). كما يعاني 75% من الأُسَر من الفقر المدقع، وينتشر انعدام الأمن الغذائي بشكل خاص في المناطق الريفية في شمال وشرق وجنوب البلاد، كما تهيمن زراعة الكفاف على قطاع الزراعة؛ إذ يساهم الاعتماد على الممارسات التقليدية غير المستدامة -بما في ذلك الرعي الجائر وحرائق الغابات- في تدهور الأراضي، ويرتبط تغير المناخ أيضًا ارتباطًا وثيقًا بتدهور الاقتصاد؛ فنظرًا لأن 70% من المحاصيل تعتمد على مياه الأمطار، فإن هذا القطاع مُعرَّض بشدة للصدمات المناخية، التي لها آثار شديدة على توافر الغذاء وأسعاره، هذا بالإضافة لارتفاع معدلات البطالة بين الشباب؛ كل هذه الأسباب ساهمت في تراجُع شعبية الحزب الحاكم، وانضمام الشباب السنغالي للمعارضة الذين يُقدّمون لهم الكثير من الوعود السياسية بمستقبل سياسي واقتصادي أفضل.([4].
2-منع “سونكو” من الترشح في الانتخابات.. واستهداف المعارضة
تواجه المعارضة في السنغال تضييقًا مِن قِبَل السلطة السنغالية؛ حيث تمَّ توجيه تُهَم للمرشح المعارض عثمان سونكو، اعتبرتها المعارضة تُهَمًا سياسية تهدف لاستبعاده من الترشح في الانتخابات، وقد واجه سونكو تُهمَتين رئيسيتين؛ الأولى: في مارس 2021م، باتهامه باغتصاب إحدى الفتيات، ولكن فيما بعد تم تبرئته منها، والثانية: في يونيو 2023م، وهي تهمة إفساد الشباب؛ حيث تمَّ الحكم عليه بالسجن لمدة عامين، كما قامت الحكومة السنغالية عقب هذا الحكم بحل حزبه المعارض “باستيف”.([5])
وعثمان سونكو هو أكثر الوجوه السياسية شعبيةً وتشددًا في معارضة النظام والنخبة الحاكمة، لا سيّما في صفوف فئة الشباب، وعلى هذا الأساس، فإنه كان من أكثر المعارضين المرشحين للرئاسة حظوظًا في الفوز، وهو أيضًا أكثرهم استهدافًا من قِبَل السلطة([6]). خاصةً أن المسار السياسي الذي سلكه يختلف عن أغلب بقية رموز المعارضة والسلطة، ذلك أن الرجل قادم من خارج دوائر الحكم، ومن أطراف المجتمع والنُّخب، وكانت بداياته ضمن العمل الطلابي، ثم في الأوساط النقابية عندما كان يعمل مفتشًا للضرائب.([7]) كما ذاعت شهرته للمرة الأولى عندما حلَّ في المرتبة الثالثة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2019م؛ إذ لقي شعاره الداعي إلى “محاربة الفساد” ومواجهة عمليات اختلاس أموال الدولة صدًى كبيرًا، لا سيما لدى الشباب السنغالي، ويجب الإشارة إلى تحوُّل سونكو لرمز من رموز الحرية بين الشعوب الإفريقية والذين أعلنوا تضامنهم معه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.([8])
وعلى الرغم من مطالبة اللجنة الانتخابية السنغالية بإعادة سونكو إلى القوائم الانتخابية بعد شَطْبه منها، إلا أن وزارة الداخلية رفضت ذلك، وهو ما يُعرقل ترشُّحه في الانتخابات حتى الآن؛ وذلك لأن اللجنة لا تستطيع إجبار وزارة الداخلية على السماح له بالترشح.([9])
3- إعلان ماكي سال عدم الترشح في الانتخابات
يعتبر تنظيم ماكي سال الانتخابات الرئاسية المقبلة بصفته رئيسًا منتهية ولايته، هي سابقة تُعدّ الأولى من نوعها في تاريخ السنغال؛ حيث يعتبر أول رئيس لجمهورية السنغال يُنظِّم انتخابات رئاسية وهو ليس عضوًا فيها بعد انتهاء فترتي ولايته، وترك السلطة دون الهزيمة في الانتخابات أو الإجبار على الاستقالة، هذا الاعلان عزَّز من فُرَص الحديث عن الديمقراطية في السنغال وإمكانية تداول السلطة سلميًّا وسط محيط إقليمي مضطرب في منطقة غرب إفريقيا التي تعاني من الانقلابات العسكرية والتعديلات الدستورية مِن قِبَل الرؤساء لضمان استمرارهم في السلطة.
4- انتشار العنف الانتخابي والاضطرابات
شهدت الفترة السابقة قبل الانتخابات السنغالية المزيد من التوترات السياسية، ولعل من أبرز المؤشرات على هذا المناخ غير المستقر أن هناك ما لا يقل عن 15 شخصًا قتلوا في أعمال عنف بسبب الاشتباكات بين أنصار سونكو الرافضين لتوجيه التُّهَم له والحكم عليه([10]). والمطالبين بالإفراج عنه والسماح له بالترشح في الانتخابات الرئاسية وبين قوات الأمن، وكانت هذه الأعمال استكمالًا لأعمال عنف سابقة قبيل إعلان الرئيس ماكي سال عدم ترشحه في الانتخابات؛ حيث اندلعت التظاهرات بسبب غموض موقف الرئيس من الترشح للانتخابات والتخوفات من أن يترشح مرة ثالثة، هذه الحالة من الاستقطاب السياسي لم تتوقف، وتنذر بأن الانتخابات الرئاسية القادمة سوف يشوبها أعمال عنف، ولكن مع ذلك لن يؤثر هذا العنف على الخروج بنتائج نهائية وإعلان المرشح الفائز.([11])
ثانيًا: مَن هو رئيس السنغال القادم.. أبرز المرشحين في الانتخابات
يتنافس في الانتخابات الرئاسية للسنغال مجموعة من المرشحين، الذين يتفاوتون عن بعضهم البعض، سواء من حيث تاريخ نشأتهم، أو من حيث توجهاتهم، أو من حيث القاعدة الجماهيرية التي تحظى بها الأحزاب التي ينتمون لها في مختلف الأقاليم والمدن.
1- أمادو با.. مرشح التحالف الحاكم
على الرغم من إعلان الرئيس السنغالي ماكي سال عدم ترشحه لولاية رئاسية ثالثة إلا أنه أعلن دعمه لرئيس الوزراء الحالي أمادو با بصفته المرشح الرئاسي للتحالف الحاكم، وطالب جميع أعضاء التحالف بدعمه وعدم تقديم مرشحين آخرين لتجنُّب تفتيت الأصوات([12])، وبعد استبعاد عثمان سونكو يعد أمادو باه المرشح الأقرب للفوز في الانتخابات بسبب الدعم الكبير الذي يحصل عليه مِن قِبَل الحزب الحاكم، الذي ما يزال يسيطر على مؤسسات الدولة، إلا أن أمادو يواجه الكثير من العراقيل؛ أهمها أنه لا يحظى بإجماع كل قادة التحالف الحاكم، ما قد يتسبب في موجة استقالات لاحقة، كما أن داعمي ماكي سال، قد لا يدعمون بالضرورة المرشح الذي اختاره لخلافته، لذلك يواجه صعوبة بإقناع مختلف مكونات التحالف بدعم ترشحه للرئاسة، وفضلاً عن ذلك، فإن منع سونكو من الترشح قد يأتي بنتائج سلبية على النظام، فيختار الناخبون السنغاليون أحد مرشحي المعارضة رئيسًا للبلاد كنوع من أنواع التصويت العقابي، حتى إذا لم يكونوا على رضًا كامل بقدرته على أداء مهام المنصب الرئاسي.
2- إدريسا سيك… صاحب الخبرة السياسية والمهنية
بمجرد أن أعلن إدريسا سيك عن ترشحه في الانتخابات الرئاسية، أقاله الرئيس السنغالي ماكي سال من منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ويُعدّ المسار السياسي والمهني للوزير الأول السابق -إدريس سيك- مسارًا ثريًّا، فهو يستند إلى مسيرة أكاديمية، وخبرة في العمل المؤسساتي، تختلف عن مسارات غيره من رجال السياسة في السنغال، فضلًا عن انخراطه في عمل الدوائر الحكومية، واضطلاعه بمسؤوليات وزارية، وهناك أيضًا مشاركته في الشأن البلدي والجهوي، إلى جانب عمله ضمن مؤسسات القطاع الخاص، والسلك الدولي، علاوةً على اضطلاعه بالعمل العام، انطلاقًا من القاعدة الحزبية والنشاط الجمعوي الأفقي، واقترابه من المؤسسة الدينية الطُّرُقية. ومن هذا المنطلق فهو يعد أحد أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية لعام 2024م، كما أن إدريس سيك كان قد شارك في الانتخابات الرئاسية السابقة لعام 2019م، واحتل المرتبة الثانية بعد الرئيس الحالي ماكي سال. كما سبق له أن خاض غمار السباق الرئاسي مرات عديدة. وهو يرأس حزب “رَوْمي” (REWMI) أي: “البلاد”.([13])
وعلى الرغم أن إدريس سيك، كان حريصًا طوال مسيرته السياسية، على البقاء ضمن الأغلبية الحاكمة، والعمل من داخل النظام السياسي القائم، والانتماء إلى مؤسسات الدولة الفاعلة، لذلك فمن الطبيعي أن نراه في بعض المناسبات الانتخابية يغادر النخبة الحاكمة، ثم يدخل معها في منافسة، ثم يتجاوز مرحلة الخلافات، ويتجه نحو البحث عن أرضية للالتقاء معها، لكي يعود من جديد إلى دوائرها في السلطة، لكنَّ هذه الاستراتيجية أفقدته كثيرًا من القدرة على استقطاب الناخبين، وأنها على الرغم من وجاهتها قد حدَّت بعضًا من مصداقيته.([14])
3- خليفة سال… عمدة داكار
يتمتع خليفة سال بخبرة ومعرفة بأعمال الحكومة، وقد تم انتخابه عدة مرات عضوًا في البرلمان وعمدة لبلدية وعمدة للعاصمة داكار، وتم تعيينه وزيرًا للجمهورية مرتين”.([15]) ويتشابه اسمه مع الرئيس ماكي سال، ولكن لا توجد علاقة قرابة بينهما، لكن كان هناك بعض العراقيل في حياته المهنية؛ حيث سُجن بتهمة الفساد في عام 2018م بتهمة اختلاس 1.8 مليار فرنك إفريقي (3 ملايين دولار) من الأموال العامة، وحُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، لكن الرئيس سال عفا عنه في عام 2019م، وعلى الرغم من أن إتقان سال للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تجعله أحد المرشحين المُهمّين في الانتخابات الرئاسية في فبراير 2024م”، إلا أن فُرصه في الفوز في الانتخابات ضعيفة بسبب قضايا الفساد الذي اتُّهم بها في السابق، والتي أساءت له عند كثير من السنغاليين.([16])
4- أميناتا توري.. المرأة الحديدية
أميناتا توري هي إحدى المرشحات للانتخابات الرئاسية السنغالية، وهي سياسية سنغالية شغلت منصب رئيسة وزراء السنغال في الفترة من 1 سبتمبر عام 2013م إلى 4 يوليو عام 2014م، كانت ثاني رئيسة وزراء للسنغال بعد مامي ماديور بوي، وقد شغلت منصب وزير العدل من عام 2012م إلى عام 2013م، وقد أُطلق عليها لقب “المرأة الحديدية” في الصحافة؛ بسبب حملتها لمكافحة الفساد، كما عملت من أجل حقوق المرأة في مناصبها المهنية السابقة، وكانت أميناتا توري من ضمن أعضاء التحالف الحاكم “متحدون من أجل الأمل”، وفي الانتخابات البرلمانية لعام 2022م، قادت الحملة الانتخابية للتحالف، ومع ذلك، في 25 سبتمبر، أعلنت أميناتا توري أنها ستنسحب منه، متهمةً الرئيس سال بترقية أمادو مامي ديوب كرئيس للجمعية الوطنية، بسبب “الروابط العائلية”، دون مراعاة لمصلحة السنغال العليا.([17])
وعلى الرغم من مسيرة أميناتا توري السياسية والمهنية، إلا أنه من المُستبعَد فوزها في الانتخابات؛ وذلك لاعتبارات ثقافية متعلقة بطبيعة الشعب السنغالي الذي لن يَقبل أن تحكمه امرأة من جهة، فضلًا عن أن بعض المواطنين عزا موقفها داخل البرلمان والانسحاب من التحالف الحاكم بسبب مصالحها الشخصية وعدم حصولها على المنصب السياسي الذي كانت تطمح له، وليس بسبب عدم الرضا على ممارسات التحالف والعمل من أجل مصلحة السنغال.
ثالثًا: المواقف الإقليمية والدولية من الانتخابات
تمثلت المواقف الإقليمية والدولية من الانتخابات الرئاسية في السنغال، في موقفين رئيسين؛ الأول: الترحيب بإعلان الرئيس ماكي سال عدم ترشحه في الانتخابات لولاية ثالثة، ووصف ذلك بأنها خطوة في سبيل تحقيق الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.([18])
حيث وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش هذا القرار باعتباره دليلًا قويًّا على الحنكة السياسية والقيادة لسال ونموذجًا مهمًّا لبلاده والعالم، كما أشاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بهذا القرار مؤكدًا أن الانتخابات وتداول السلطة الحرة والنزيهة تؤدي إلى مؤسسات أقوى ودول أكثر استقرارًا وازدهارًا، وأن بيان الرئيس سال الواضح الذي أعلن فيه عدم ترشحه يُشكِّل نموذجًا للمنطقة، على عكس أولئك الذين يسعون إلى تقويض احترام المبادئ الديمقراطية، بما في ذلك تحديد فترات الولاية، كما رحَّبت فرنسا بهذا القرار، وكذا عدد من الدول والمنظمات الدولية الكبرى.([19])
أما موقف الاتحاد الإفريقي فلم يختلف كثيرًا؛ حيث رحَّبت لجنة الحكماء بالاتحاد بهذا القرار، وأكدت أن السنغال لطالما كان نموذجًا للحكم الديمقراطي في إفريقيا ومصدر إلهام للكثير من الأشخاص في القارة وحول العالم، وبما أن القواعد والقيم الديمقراطية تخلق بيئة مواتية للسلم والازدهار للجميع، يجب على السنغال أن ترعى باستمرار تعزيز الديمقراطية التي تم إرساؤها في البلاد منذ عام2000م([20]).
والثاني: الموقف الفرنسي المتمثل في التخوف من وصول سونكو للرئاسة، وانتهاجه نفس ممارسات أسيمي جويتا رئيس المجلس العسكري في مالي، وإبراهيم تراوري رئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو، وعبدالرحمن تشياني رئيس المجلس الانتقالي في النيجر في رفض الوجود الفرنسي العسكري والسياسي والاقتصادي والعمل على إنهائه؛ وذلك بسبب موقف سونكو الواضح المناهض للحضور الفرنسي في السنغال، وانتقاد الاعتماد على الفرنك الفرنسي وذلك في الوقت الذي لم يَعُد عملة رئيسية في فرنسا، وسعيه لتحرير السنغال من التبعية لفرنسا وهيمنتها.
لذلك قامت فرنسا بدعم السلطة السنغالية بشكل غير مباشر في محاولات إقصاء سونكو من الترشح في الانتخابات من جهة، وتقديم الدعم لمرشح الحزب الحاكم أمادو باه من جهة ثانية، والذي يُتوقع أن ينتهج سياسات مشابهة لماكي سال الذي عزَّز الوجود الفرنسي في السنغال.([21])
رابعًا: فرص المعارضة في التوحد خلف مرشح واحد
إذا لم ينجح سونكو في الدخول في المنافسة الانتخابية، فإن المعارضة بدَوْرها ستجد صعوبة في اختيار مرشح موحَّد لها خَلفًا له لمنافسة مرشح التحالف الحاكم أمادو باه، وسوف يكون هناك أكثر من مرشح، مما سيترتب عنه تشتيت وتفتيت الأصوات خلال السباق الرئاسي لصالح باه، وعلى الرغم من أن المعارضة من دون عثمان سونكو لن يكون لها تأثير كبير في المشهد الانتخابي، ولكنَّ السنغاليين اعتادوا أن يختاروا معارضًا لخلافة رئيسهم حين تنتهي فترة حكمه القانونية والدستورية، خاصةً أن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أُجريت ولم يحصل فيها الحزب الحاكم على أغلبية مطلقة، تُعزّز معطى أن خيار ماكي سال خليفة له، قد لا يكون خيارًا لدى الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية2024م.
ورغم أنه لم تتبلور بعدُ أسماء المرشحين في صفوف المعارضة، وأيهما الأقدر لأن يكون بديلاً لسونكو؛ فإن هناك عددًا من الأسماء المعارضة البارزة؛ منهم كريم واد نجل الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد وزعيم الحزب الديمقراطي السنغالي، والذي إلى الآن لم يترشح للانتخابات؛ بسبب عدم وجود خطاب رسمي يسمح له بالترشح، وذلك على الرغم من السماح للمُدَانين السابقين بالترشح للرئاسة، وكان كريم واد قد حُكم عليه في السابق بالسجن 6 سنوات بتهمة “اكتساب ثروة بطريقة غير مشروعة”، وفي حالة السماح لكريم واد بالترشح فإنه ستكون له فرص قوية في الحصول على جزء كبير من أصوات المعارضة.
خامسًا: السيناريوهات المستقبلية
من خلال ما سبق يمكن عرض عدد من السيناريوهات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية السنغالية عام 2024م.. والتي تتمثل فيما يلي:
السيناريو الأول: استبعاد عثمان سونكو بشكل نهائي
حيث ستستمر السلطة الحاكمة في منع سونكو من الترشح للانتخابات الرئاسية، وذلك على الرغم من قرار اللجنة الانتخابية بالسماح له بالترشح، ومن شأن هذا السيناريو أن يُحْدِث أمرين؛ الأول: تأجيج التوترات السياسية والعنف قبل الانتخابات وفي أثنائها مِن قِبَل أنصاره بالشكل الذي سيترتب عنه سقوط المزيد من القتلى، وحرق عدد من المنشآت والممتلكات، والآخر: تعزيز فرص مرشح التحالف الحاكم أمادو باه في الفوز في الانتخابات؛ وذلك بسبب عدم قدرة المعارضة على الالتفاف حول مرشح واحد مما سيساهم في تفتيت الأصوات.
السيناريو الثاني: فوز أمادو باه مرشح التحالف الحاكم
يترتب على هذا السيناريو رفض النتائج مِن قِبَل المعارضة والتشكيك في شرعية الانتخابات الرئاسية، واندلاع العنف الانتخابي بعد إعلان النتائج مباشرة، إلا أنه سوف تستمر هذه الحالة من التوترات لفترة قصيرة بعد الانتخابات، ثم سرعان ما ستدخل المعارضة مع السلطة الجديدة في تفاهمات لوقف العنف.
السيناريو الثالث: فوز أحد مرشحي المعارضة
على الرغم من إعلان عدد من رموز المعارضة ترشحهم في الانتخابات الرئاسية؛ إلا أنه من المُستبعَد أن يفوز أحدهم بعد استبعاد سونكو بسبب عدم وجود شعبية كبيرة لأحدهم تُؤهّله في الفوز في الانتخابات، فضلًا عن تفتيت الأصوات مع مرشحي المعارضة الأخرى.
السيناريو الرابع: تدخل المؤسسة العسكرية
قد يترتب على تأزم الوضع السياسي وانزلاق البلاد نحو أزمة سياسية هيكلية، تحرُّك المؤسسة العسكرية بإحداث انقلاب عسكري، على غرار ما وقع في بعض دول غرب إفريقيا المجاورة، خاصةً بعد تكرار اللجوء إلى الجيش لحفظ النظام، ونزوله إلى الشارع، وهو ما قد يدفع بعض أبناء هذه المؤسسة للمبادرة من أجل حماية استمرارية الدولة، في مواجهة نُخَب سياسية غير قادرة على الاتفاق على حلول توافقية، تحمي مكتسبات الدولة الوطنية، وتضمن استقرارها، إلا أن هذا السيناريو قد يكون مُستبعَدًا لعدم وجود سوابق محلية قامت فيها المؤسسة العسكرية بدور سياسي في السنغال، فضلًا عن أن إعلان ماكي سال عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية لولاية ثالثة أغلق الباب أمام أيّ محاولات لحدوث تغييرات غير دستورية في السلطة.
وختامًا.. يمكن القول بأن الانتخابات الرئاسية السنغالية 2024م تحظى باهتمام داخلي وخارجي، ربما لم تحظَ به انتخابات سابقة عليها، لا سيما على المستويين الإقليمي والدولي؛ وذلك لما تعكسه هذه الانتخابات من تعزيز الديمقراطية في محيط إقليمي يعاني من الانقلابات العسكرية من جهة، فضلًا عمَّا سيترتب عن نتائجها من استمرار النفوذ الفرنسي في السنغال من عدمه وسط مطالبات جماهيرية سنغالية بالتحرُّر من الهيمنة الفرنسية، كما أن استمرار السلطة السنغالية في استبعاد عثمان سونكو من المشاركة في الانتخابات الرئاسية يؤثر على شرعية هذه الانتخابات ونتائجها، ويضع السنغال في إطار حالة من عدم الاستقرار السياسي، قد تُنْذِر في المستقبل بظهور دور للمؤسسة العسكرية في الحياة السياسية على غرار ما حدث في دول جوار السنغال في غرب إفريقيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] Senegal’s ruling coalition loses parliamentary absolute majority, africanews, August 4; 2022, URL
https://www.africanews.com/2022/08/04/senegals-ruling-coalition-loses-parliamentary-absolute-majority/
[2] Diadie Ba, Senegal ruling coalition loses comfortable majority, reuters, August 5, 2022, URL
https://www.reuters.com/world/africa/senegal-ruling-coalition-loses-parliamentary-majority-electoral-commission-2022-08-04/
[3][3] Emma Wallis, Senegal: Is political crisis pushing more migrants to depart?, infomigrants, 17July2023, URL
https://www.infomigrants.net/en/post/50407/senegal-is-political-crisis-pushing-more-migrants-to-depart
[4] WFP Senegal Country Brief June 2023, World Food Programme, report(Roma: World Food Programme, 2023),P.1.
[5] Fanny Pigeaud, Le président du Sénégal réduit l’opposition au silence, mediapart, 29 août 2023, URL
https://www.mediapart.fr/journal/international/290823/le-president-du-senegal-reduit-l-opposition-au-silence
[6]Bamba Ndiaye, Gatsa-Gatsa: Ousmane Sonko and Senegal’s politics of retaliation, africanarguments, MAY 15, 2023, URL
https://africanarguments.org/2023/05/gatsa-gatsa-ousmane-sonko-and-senegals-politics-of-retaliation/
[7] محمد السبيطلي، مخاطر احتدام التنافس في الانتخابات الرئاسية السنغالية (دبي: مركز تريندز للبحوث والاستشارات، 2023م).
[8] Moussa Ngom, Is Sonko really out of the running for Senegal’s presidential election?, lemonade, August 9, 2023, URL
https://www.lemonde.fr/en/international/article/2023/08/09/senegal-is-ousmane-sonko-really-out-of-the-running-for-the-february-2024-presidential-election_6085790_4.html
[9] Senegal: Ousmane Sonko will not be able to re-register on the electoral rolls, africanews, 2October2023, URL
https://www.rfi.fr/en/africa/20231101-senegal-s-authorities-refuse-to-reintegrate-sonko-on-electoral-lists
[10] Senegal: after the pro-Sonko violence, Macky Sall delays, africanews, 9June2023, URL
https://www.africanews.com/2023/06/09/senegal-after-the-pro-sonko-violence-macky-sall-delays/
[11] Associated Press, Death toll in Senegal protests rises to 15 as opposition supporters clash with police, June 3, 2023, URL
https://www.npr.org/2023/06/03/1180013963/senegal-protests-sonko-opposition-leader
[12] Macky Sall Backs His Prime Minister, Amadou Bah, for 2024 Presidency, fulaninewsmedia, SENEGAMBIA Macky Sall Backs His Prime Minister, Amadou Bah, for 2024 Presidency
Sep 10, 2023, URL
https://fulaninewsmedia.com/macky-sall-backs-his-prime-minister-amadou-bah-for-2024-presidency
[13] محمد السبيطلي، مرجع سبق ذكره.
[14] نفسه.
[15] Ignatius Annor, Who are the Front-Runners for Senegal’s Presidential Elections?, voaafrica, 17 July 2023, URL
https://www.voaafrica.com/a/who-are-the-frontrunners-for-senegal-s-presidential-elections-/7179202.html
[16] Sofia Christensen, Corruption Trial Underway for Ambitious Dakar Mayor, voanews, January 25, 2018, URL
https://www.voanews.com/a/corruption-trial-dakar-mayor/4224851.html
[17] https://thepoint.gm/africa/gambia/headlines/aminata-toure-to-run-for-2024-senegal-presidency,
[18]Secretary-General Salutes Senegalese President’s Decision Not to Run in Election, Calling It ‘a Strong Demonstration’ of Statesmanship, Leadership, United Nations, 4 JULY 2023, URL
https://press.un.org/en/2023/sgsm21863.doc.htm
[19]US Praises Senegal’s President for Bowing Out of 2024 Election, voanews, July 04, 2023,URL
https://www.voanews.com/a/us-praises-senegal-s-president-for-bowing-out-of-2024-election-/7166086.html
[20] Marième Soumaré, Senegal: Praise for President Macky Sall’s decision not to run for third term, theafricareport, July 6, 2023, URL
https://www.theafricareport.com/314798/senegal-praise-for-president-macky-salls-decision-not-to-run-for-third-term/
[21] Caroline Roussy, Le Sénégal à un point de bascule. Une lecture politique(Paris:Institut de Relations Internationales et Stratégiques, 2023).