نهال أحمد السيد
باحثة ماجستير – كلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة
أدَّت الأزمات الاقتصادية التي شهدتها دول العالم خلال العقدين الماضيين إلى ترسيخ معدن الذهب باعتباره الملاذ الآمن للاستثمارات؛ الأمر الذي أدَّى إلى تحوُّل مناجم الذهب إلى ساحات للصراعات الداخلية والتنافس الدولي، وكان للقارة الإفريقية النصيب الأكبر من تلك الصراعات؛ نظرًا لاستحواذها على 25% من إجمالي الإنتاج العالمي للذهب، وفقًا لإحصائيات صادرة عن مجلس الذهب العالمي، فخلال عام 2021م بلغ إجمالي إنتاج القارة من الذهب قرابة ثلاثة آلاف طن([1])، لتحتل بذلك المرتبة الثانية بعد الصين.. كل ما سبق عزّز من حدّة التكالب الدولي على القارة الإفريقية؛ مما أدَّى إلى تداعيات مختلفة ألقت بظلالها السلبية على أمن دول القارة واستقرارها.
أولًا: نماذج لاشتعال الصراع على الذهب
يصنّف الإقليم الغربي للقارة الإفريقية باعتباره واحدًا من أهم المناطق العالمية إنتاجًا لمعدن الذهب؛ حيث كشفت بيانات صادرة عن مجلس الذهب العالمي عن تصدُّر عدد من دول القارة قائمة الدول الأكثر إنتاجًا للذهب خلال الأعوام الثلاثة الماضية؛ حيث بلغ إنتاج الذهب لغانا خلال عام 2020م قرابة 138,7 طنّ، بينما بلغ إنتاج دولة جنوب إفريقيا 99,2 طنّ، وجاءت مالي بإنتاج يبلغ 93,8 طنّ، يعقبها بوركينا فاسو 93,4 طن، ثم السودان 83,8؛ لتمثل بذلك الدولة العربية الأكثر إنتاجًا للذهب خلال عام 2020م، بينما احتلت المرتبة الـ13 عالميًّا([2]).
المصدر: موقع العين الإمارتية
ونظرًا للتكالب الدولي على ثروات الذهب كان دَعْم عَدم الاستقرار الآلية الرئيسة للتغلغل الدولي داخل القارة، مستغلين هشاشة الحكومات، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتدنّي المستويات المعيشية، وتصاعد معدلات الغضب الشعبي إزاء الأنظمة الحاكمة، ممَّا دفَع الكثيرين للتعاون مع شركات التنقيب الكبرى بشكل غير قانوني مقابل نظير مادي؛ مما ساهم في تحوُّل دول القارة إلى ساحة للاقتتال الداخلي ووجهة للتنافس بين الدول الكبرى.
وهناك العديد من الأمثلة التي تؤكد حالة الصراع على الموارد الطبيعية، كدولة مالي التي تعد واحدة من النماذج التي تعكس شراسة المنافسة الدولية على موارد القارة، والتي تعززت بشكل واضح بعد تمركز القوات الفرنسية منذ 2013م بزعم مواجهة التنظيمات الإرهابية، بينما يرجع ذلك التمركز لرغبة فرنسية في الاستيلاء على الموارد الطبيعية للدولة لا سيما بعد الاكتشافات الأخيرة للنفط والذهب، وتعاني تشاد ذات المصير لا سيما في المناطق الحدودية مع ليبيا والنيجر والجزائر؛ حيث تضم تلك المناطق احتياطات هائلة من الذهب، الأمر الذي أدَّى لتحولها إلى بؤر توتر وصراعات قبلية دامية، لا سيما بين قبائل التبو والحساونة والطوارق والكفرة والزوية؛ نتيجةَ تصاعُد معدلات التنقيب غير القانوني.
بينما يكشف لنا الصراع في السودان عن فاعلية مورد الذهب في خلق الصراعات الداخلية؛ كالصراع الحالي بين قوات الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان من جهة وقوات الدعم السريع التي تسيطر على مناجم هامة للذهب من جهة أخرى، والتي مكّنتها من الصمود حتى الآن في مواجهة قوات الجيش؛ حيث كشفت تقارير استخباراتية عن استغلال دقلو عائدات الذهب لتمويل ميليشيات يتم استغلالها على مدار عقود لقمع الاحتجاجات القبلية وحركات التمرد، ومؤخرًا تم استخدامها ضد قوات الجيش.
فالسودان يعاني على مدار العقود السالفة من سرقة عوائد الذهب، ورغم تصدره المرتبة الـ13 بين الدول الأكثر إنتاجًا للذهب؛ إلا أن خزينة الدولة لم تستفد سوى بنحو 20% من عوائد صادراته، فوفقًا لتقارير غربية تبلغ عائدات الذهب السودانية 5,5 مليارات دولار سنويًّا، في حين لم تَستفد الحكومة السودانية سوى من 1,5، بينما يتم نهب الباقي لصالح ميليشيات وشركات أمن أجنبية كفاغنر الداعم الأبرز لقوات الدعم السريع؛ حيث كشف تقرير عن وزارة الخزانة الأمريكية توقيع عقود بين فاغنر ومناجم الذهب التابعة لحميدتي مقابل تقديم الدعم العسكري في مواجهة قوات الجيش([3]).
وكشفت تقارير أممية أيضًا عن فقد السودان أكثر من 206 أطنان من الذهب خلال الفترة من 2013 – 2018م؛ بسبب عمليات التنقيب غير القانوني والتهريب بواسطة شركة فاغنر الروسية التي تفرض سيطرتها على أكثر من 80% من المناجم السودانية، فيما يُستدل على الهيمنة الروسية على معدن الذهب داخل دول القارة من مضاعفة احتياطي الذهب الروسي أربع أضعاف منذ عام 2010م، مع بداية التغلغل الروسي بإفريقيا([4]).
ولا يمكن الفصل بين حالة الاقتتال الداخلي والصراعات القبلية المتصاعدة بين القبائل حول مناجم الذهب من جهة، والأزمات الداخلية التي تواجهها دول القارة من جهة أخرى، والتي يأتي على رأسها ضعف الحكومات وفقد القدرة على السيطرة الكاملة على أقاليم الدولة، ناهيك عن انتشار الفساد، وإعلاء المصالح الخاصة على المصلحة العامة، الأمر الذي هيَّأ المناخ لتغلغل الدول الكبرى لاستغلال موارد القارة، فوفقًا لتقارير دولية تهيمن الدول الصناعية الكبرى على عمليات التعدين في القارة مستغلة النصوص القانونية والتشريعية غير الحازمة فيما يتعلق بذلك القطاع؛ الأمر الذي أسفر عن ارتدادات سلبية على عدد من الدول الإفريقية.
فعلى سبيل المثال، نجد دولة غانا رغم تصدُّرها قائمة الدول الإفريقية المنتجة للذهب وتصنيفها ضمن أكثر عشر دول إنتاجًا للذهب عالميًّا، إلا أن تصاعُد عمليات التنقيب غير الشرعي أدَّى إلى استنزاف 35% من إنتاجها بشكل غير قانوني عبر شركات التنقيب التي تعمل في الظل نتيجة للسياسات الضريبية المتصاعدة التي تفرضها الدولة والتي أدَّت لهروب المستثمرين؛ مما دفعهم للالتفاف بشكل غير مباشر للاستفادة من موارد الدولة عبر استقطاب عمال المناجم للعمل بشكل غير قانوني، وقد أدت عمليات التنقيب غير القانونية إلى انتشار التلوث المائي بنسبة 60% للمسطحات المائية، نتيجة عدم وجود ضوابط تعدينية سليمة تمنع انتشار الملوثات الناتجة عن عمليات التنقيب([5]).
فيما أسفرت العمليات غير الشرعية للتنقيب في غينيا وتشاد إلى حوادث أودت بحياة كثير من العمال؛ نتيجة عدم وجود إجراءات احترازية تضمن أمن عمال التعدين وسلامتهم، ناهيك عن الاشتباكات التي تحدث بين العمال، والتي كان آخرها في مايو 2022م بعدما لقي 100 شخص مصرعهم، وأصيب 40 جراء اشتباكات بين العمال في أحد المناجم الواقعة شمال تشاد([6]).
وتمثل إفريقيا الوسطى نموذجًا لاستخدام القوة مِن قِبَل الشركات لاستنزاف مورد الذهب، فنجد أن شركة فاغنر قد شنَّت هجمات عسكرية على مناطق اواندجل في مارس 2022م، وفرضت سيطرتها الكاملة على مناجم الذهب والماس في غياب واضح للقبضة الأمنية الحكومية، ونتيجة انتشار الفساد والرشاوي تمكنت الشركة الروسية من الحصول على حق امتياز للتنقيب في البلاد، وفي تقارير صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تبلغ إجمالي معدلات الذهب المستخرجة بشكل غير قانوني 50 طنًّا بما يعادل ملياري دولار سنويًّا، الأمر الذي يعكس هشاشة الأوضاع وفقد سيطرة الدول على مواردها الطبيعية([7]).
المصدر: موقع بلومبرج
ثانيًا: آليات التدخل الدولي لاستنزاف مورد الذهب
تؤثر التطورات العالمية في تحركات الدول الكبرى فيما يتعلق بالاستثمارات الخارجية، سواء كانت تخضع لبنود واتفاقات قانونية، أو ما يتعلق بتحركات الظل والباطن عبر كيانات أخرى، ومن ضمن تلك التحركات ما يتعلق بالتنقيب عن الذهب، فقد أدَّت جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وما أسفر عنهما من اختلالات اقتصادية، إلى لجوء الدول للسيطرة على أكبر احتياطي ممكن من الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا لحماية أوضاعهم الاقتصادية في ظل موجات الركود التضخمي المرتفعة؛ لذا تصاعدت حدة المنافسة بين الدول الصناعية الكبرى والشركات متعددة الجنسيات للهيمنة على أعلى قدر ممكن من الإنتاج الإفريقي للذهب عبر مجموعة من الآليات، يمكن إيضاحها على النحو التالي:
- استغلال أزمات دول القارة: تعاني الدول الإفريقية من مشكلات عدة داخلية وإقليمية ودولية؛ حيث أدى تشابك تلك المشكلات وتعقدها إلى إتاحة الفرصة لتغلغل القوى العظمى داخل دول القارة، وانتهاج كافة السبل لاستغلال انشغال حكومات الدول بمشكلاتها الداخلية والمُضي نحو استنزاف موارد القارة، وتتعدد المشكلات الداخلية التي تعاني منها دول القارة ما بين أزمات إنسانية وصراعات عرقية وقبلية أدَّت لتفاقم الأوضاع الأمنية، ناهيك عن الصراعات بين القبائل المختلفة على حِصَصهم التمثيلية في الحكومات، مما أدى لارتفاع معدلات الاحتقان الشعبي على خلفية سوء الإدارة والتهميش؛ كل ما سبق سهَّل مهمة استقطاب المواطنين واستغلالهم في الأعمال غير المشروعة كأنشطة التعدين والتنقيب عن الذهب.
- استغلال فساد النُّخَب المحلية: هناك عدد من أوجه القصور الذي تعاني منه الدول الإفريقية، لعل أبرزها ضعف النخب المحلية وفسادها، ليصبح ذلك مدخلًا لتغلغل الدول الكبرى، وسيطرتها على القطاع التعديني بمختلف الطرق؛ حيث تقدم تلك الدول نفسها باعتبارها داعمة للتنمية ومساهمة في تعزيز مشاريع البني التحتية والطاقة، لكن واقعيًا تعمل تلك الكيانات على استغلال وجودها للسيطرة على ثروات الذهب، حيث كشفت معلومات عن القيام بأنشطة تعدينية غير قانونية في كينيا بمنطقة ميجوري داخل مناجم ومصانع تابعة لمسؤولين كينين رفيعي المستوى، كما كشفت تقارير دولية عن إتمام اتفاقات بين شركة فاغنر الروسية وعدد من الدول الإفريقية كمالي وبوركينا فاسو للحصول على امتيازات وصلاحيات تتعلق بالتنقيب عن الموارد النفيسة كالذهب والماس، وتسهيل عملية دخول المعدات المتعلقة بهذا النشاط مقابل الخدمات الأمنية والعسكرية التي تقدمها الشركة للأنظمة العسكرية في تلك الدول([8]).
وفي زيمبابوي تم رصد اتفاقات بين شركات صينية مع حزب “زانو بف” الحاكم وعدد من القيادات العسكرية بالجيش تضمن الحصول على تراخيص وتسهيل التعاون بين البلدين في قطاع التعدين، مقابل حصول الصين على النسبة الأكبر من الأرباح؛ بزعم امتلاكها معدات أكثر تقدُّمًا في هذا القطاع، بينما كشفت تقارير غربية عن زيارة سرية لرئيس شركة نورد غولد الروسية، “جورجي سميرنوف” لقائد المجلس العسكري البوركينابي، “إبراهيم تراوري” برعاية شركة فاغنر بهدف إبرام اتفاق بين الطرفين يقضي بتخصيص منجم ييميوغو مقابل خدمات أمنية تقدمها فاغنر للمجلس العسكري([9]).
- دور الجاليات الأجنبية بالدول الإفريقية: تمتلك الجاليات الأجنبية دورًا كبيرًا فيما يتعلق بالسيطرة على إنتاج الذهب؛ فنظرًا لتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر وتراجع القوة الشرائية الإفريقية، تمكَّن الأجانب من السيطرة على إنتاج الذهب نظرًا لقدراتهم المالية المرتفعة، ووفقًا لتقارير تمكنت الجاليات الأجنبية الصينية والهندية من التأثير في صناع القرار في كينيا عبر استخدام نفوذهم المالي والسيطرة على قطاع صناعة الذهب. وفي السودان تمكَّنت جاليات أجنبية من شراء كميات هائلة من خام الذهب. كما كشفت تقارير عن إنفاق رجال أعمال صينين خلال عام 2020م ما يُقدر بنحو 452 مليون دولار للسيطرة على مناجم للماس والذهب في إفريقيا([10]).
- استراتيجية التوجه الانتقائي: تحرص الدول الكبرى على انتقاء الدول الإفريقية الأعلى إنتاجًا للذهب، والتوجه نحو تعزيز أواصر العلاقات معها بشتى السُّبل؛ سواء عبر تعزيز العلاقات متعددة المستويات أو دعم الأنظمة الحاكمة رغم ديكتاتوريتها أو الإطاحة بالأنظمة الرافضة للوجود الأجنبي، وتنفذ الدول الأجنبية استراتيجيتها الانتقائية في خمس دول تُصنّف باعتبارها الأعلى إنتاجًا للذهب على مستوى القارة، تأتي على رأسها غانا التي تُصنّف في المرتبة الأولى على مستوى القارة بإنتاج يصل إلى 138.7 طنّ خلال عام 2021م لتحتل بذلك المرتبة السادسة عالميًّا، بينما تأتي جنوب إفريقيا في المرتبة الثانية إفريقيًّا بإجمالي إنتاج يصل إلى 100 طن؛ حيث تضم الدولة حوالي 86 منجمًا للذهب، لعل أبرزهم منجم حوض ويتواترسراند الذي يُصنّف باعتباره أعلى مناجم العالم إنتاجًا، فيما يحتل السودان المرتبة الثالثة بإنتاج يبلغ 93 طنًّا؛ حيث ترتكز مناجم الذهب في شمال كردفان، بينما تأتي مالي في المرتبة الرابعة بإنتاج يبلغ 63.4؛ حيث تضم قرابة 350 موقعًا تعدينيًّا للذهب، ويُعد هذا القطاع مصدرًا أساسيًّا للعمالة؛ نظرًا لاعتماد أكثر من مليوني شخص عليه، وتأتي بوركينا فاسو في المرتبة الخامسة؛ حيث تصل معدلات إنتاجها لنحو 45 طنًّا، وتضم قرابة 440 منجمًا للذهب([11]).
ثالثًا: تداعيات الصراع على مورد الذهب
أسفرت حالة التنافس الدولي والصراعات القبلية على مورد الذهب بالدول الإفريقية إلى عدد من التداعيات التي أثرت بشكل مباشر في أمن تلك الدول واستقرارها، والتي يمكن إبرازها على النحو التالي:
- تصاعد معدلات العنف الداخلي: تسلك القوى العظمى شتى السبل بغية تحقيق مصالحها وأهدافها حتى لو كان على حساب استقرار دول بأكملها، وظهر ذلك جليًّا فيما يتعلق بالتنافس الدولي على مورد الذهب بدول القارة؛ حيث انتهجت بعض الدول نهج إثارة الفتن وتعزيز حدة الانقسامات بين القبائل وتقديم الدعم للقبائل المسيطرة على مناجم الذهب بغية تحقيق أكبر قدر من المكاسب، ودائمًا ما نجد ارتباطًا بين ثنائيتي العنف والاتجار غير المشروع للذهب؛ ففي جنوب السودان ارتبطت أعمال القتل والعنف بالتجارة غير المشروعة للذهب، كما حدث في مارس 2022م؛ حيث لقي 13 عاملًا حتفهم في منجم ذهب بجنوب ولاية كردفان على خلفية اشتباكات عنيفة بين العمال أدَّت لانهيار المنجم([12])، وفي يناير 2019م قُتل 15 عاملًا بأحد مواقع التعدين بمنطقة جوروم على خلفية هجمات تم شنَّها من ميليشيات جبهة الخلاص الوطني بزعم تخليص المنجم من سيطرة قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، وبالتوازي شهدت زيمبابوي هجمات متبادلة بين فصائل شعبية خلال عام 2019م أدَّت لمقتل ما يزيد عن 105 أشخاص بمنطقة كادوما، كما شهدت النقاط العسكرية والشرطية هجومًا من فصائل مسلحة بغية إضعاف القبضة الأمنية على مناطق التعدين، بينما كشفت تقارير سرية أن تلك الهجمات تحظى بدعم وتمويل خارجي حتى تتهيأ الأوضاع لسيطرة الشركات متعددة الجنسيات على مناطق التعدين.
- تصاعد نفوذ التنظيمات الإرهابية: أدت حالة الفراغ الأمني الذي تواجهه دول القارة بجانب ضعف الحكومات المركزية وفساد النخب السياسية إلى تهيئة المناخ لتصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية، فمنذ عام 2016م اعتمدت تلك الجماعات نهج الاستجابة المرنة للتغيرات والتكيف مع المستجدات لضمان تماسكها واستمراريتها عبر تنويع مصادر تمويلها، وكان من ضمن تلك المصادر السيطرة على مناجم الذهب والماس مستغلة حالة الصراعات الداخلية والانفلات الأمني في محيط المناجم، فنجد سيطرتهم على غالبية مناجم الذهب المتمركز بإقليم كابو ديلجادو شمال موزمبيق، كذلك التنسيقات السرية مع رموز سياسية بالإقليم الشرقي للكونغو الديمقراطية، وعمل اتفاق ضمني يتم بموجبه تسهيل الأوضاع لسيطرة الجماعات على المناجم الموجودة شرق الكونغو مقابل حصة من الأرباح، وبالرغم من ضعف القبضة الأمنية؛ إلا أن القوات الأمنية نجحت في إحباط بعض من محاولات زعزعة الأمن؛ ففي ديسمبر 2020م صادر الإنتربول 40 قطعة ديناميت تم ضبطها على امتداد الحدود البرية بين مالي وتشاد وكوت ديفوار وبوركينا فاسو كانت مخصَّصة لأعمال تعدين غير قانونية.
- انتهاكات حقوقية: دائمًا ما ترتبط عمليات التنقيب غير القانوني بانتهاكات حقوقية لسكان الأقاليم الأصليين، فخلال العام الماضي شنت شركة فاغنر الروسية عدة هجمات على المناطق الحدودية بين السودان وإفريقيا الوسطى؛ حيث توجد مناجم الذهب، الأمر الذي أدَّى لمقتل المئات ونزوح الآلاف، ووفقًا لتقرير ميداني صادر عن مجلة ديلي بيست تخطف فاغنر الأطفال وترسلهم للعمل في المناجم، كما تقوم بالتجنيد القسري للعمال مستغلةً حالة الفقر والوضع الاجتماعي المتدني الذي يعاني منه المواطنون فتجبرهم على العمل مدة طويلة ليصبح مصيرهم الموت أو الفرار.
- أضرار بيئية: أسفرت أنشطة التعدين غير القانوني عن أضرار بيئية كبيرة لا سيما في ظل انعدام الاحتياطات الصحية، فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن التعرُّض المباشر للزئبق المستخدم في أعمال التعدين يُشكِّل خطرًا جسيمًا على الصحة المناعية للإنسان، ووفقًا لتقارير بحثية يواجه 15% من إجمالي السودانيين مخاطر صحية نتيجة التعرض لمخلفات التعدين المختلطة بالزئبق؛ حيث يصل معدل المخلفات لنحو 450 ألف طن تنتشر بشكل رئيس في ولاية نهر النيل، وفي زيمبابوي تسمح الحكومة بمنح موافقات للتعدين في المناطق والمحميات الطبيعية بل ووسط المناطق السكانية كمنطقة ماتوبو وأومفورودزي دون اتخاذ أي تدابير بيئية وصحية.
مجمل القول: إن حالة التنافس الدولي والاقتتال الداخلي بين القبائل على الموارد الطبيعية، على رأسها الذهب، تشهد تناميًا واضحًا؛ فكلا الطرفين يسعى لتعظيم مكاسبه من العمليات غير القانونية للتنقيب عن الذهب، لنصبح بذلك أمام جريمة دولية عابرة للحدود تتعلق باستنزاف مورد قارة، ودعم حالة التناحر الداخلي لتهيئة الأوضاع لتغلغل شركات التعدين؛ لذا أصبح لزامًا على دول القارة تعزيز التعاون في مجال تبادل المعلومات الخاصة بعمليات التهريب، كذلك وضع أُطُر قانونية تُقنِّن من دور الشركات الأجنبية والفواعل الخارجية، مقابل تعزيز دور الشركات الوطنية في قطاع التعدين، واقتصار دور الفواعل الخارجية على الاستفادة من خبراتهم واستيراد تكنولوجيا المستخدمة في مجال التنقيب، من جهة أخرى لا بدَّ من تفعيل دور الاتحاد الإفريقي فيما يتعلق بوضع صياغات قانونية تتعلق بحماية البيئة والتشديد على المحاذير البيئية والصحية أثناء الأنشطة التعدينية، وضرورة أن تصبح تلك الصياغات ملزمة للدول الأعضاء.
[1] – د. محمود زكريا، صراع الموارد: لماذا تصاعد التنافس الدولي على الذهب في إفريقيا؟، موقع انترريجونال للتحليلات السياسية، بتاريخ 28/2/2023م، متاح على الرابط: https://cutt.us/W7otN
[2] – Landry Signé ,Africa’s Mining Potential: Trends, Opportunities, Challenges and Strategies ,policy center for the new south, available at: https://www.policycenter.ma/sites/default/files/2022-01/PP-10-21-Landry-Signe.pdf
[3] – السودان: كيف يموّل الذهب حرب البرهان وحميدتي وما الجهات الأجنبية المستفيدة منه؟، موقع فرنسا 24، 2/6/2023م، متاح على: https://cutt.us/aoaJ1
[4] – ذهب السودان في أتون اشتباكات طاحنة.. قصة شائكة عن “الكنز”، العين الإخبارية، 25/4/2023م، متاح على: https://cutt.us/t6wS0
[5] -The illegal gold mines killing rivers and livelihoods in Ghana, BBC,11/8/2021, available at: https://cutt.us/oGtWX
-[6] اقتتال بين عمال مناجم للذهب في تشاد يخلف عددًا كبيرًا من القتلى، موقع روسيا اليوم، 30/5/2022م، متاح على: https://cutt.us/fOc6M
[7] -Catrina Doxsee ,How Does the Conflict in Sudan Affect Russia and the Wagner Group?, Center for Strategic and International Studies (CSIS),20/4/2023, available at: https://cutt.us/cZNj8
[8] – نهال أحمد السيد، تهديدات متصاعدة.. كيف أثر التنوع القبلي على الأوضاع الأمنية بإفريقيا؟، مركز المسبار للدراسات والبحوث،11/1/2023م، متاح على: https://cutt.us/e7Lwd
[9] – سيناريو محتمل: هل تتجه فرنسا للانسحاب من بوركينا فاسو مع وصول “فاجنر”؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 18/1/2023م، متاح على: https://cutt.us/tJgZG
[10] WHERE ARE AFRICA’S BILLIONS?, Transparency International,11/7/2019, available at: https://cutt.us/CL1mE
[11]– د. محمود زكريا، مرجع سبق ذكره.
[12] Sudanese officials say 14 workers dead in gold mine collapse ,AP News,31/3/2023, available at: https://cutt.us/04O2U