شهدت الأيام الماضية في نيجيريا تطورات مهمة حول الانتخابات العامة المقبلة، وخصوصًا بعد إعلان الرئيس محمد بخاري أنه سيسعى لولاية ثانية في المنصب الرئاسي.
وفي حين يوجد عشرات من الذين أكَّدُوا عزمهم على خوض السباق, إلا أنَّ إعلان بخاري أمس الاثنين يُنهي شهورًا من التكهنات بشأن ما إذا كان الزعيم البالغ من العمر 74 عامًا يُخطِّط للترشُّح لهذه لانتخابات.
وتفاعلت وسائل الإعلام الاجتماعية مع قرار الرئيس بردود أفعال متباينة, ما بين من يرى ضرورة الولاية الثانية كي يكمِّل الرئيس برامجه, وبين من توقع (ويطالب) منه عدم الترشح؛ (أ) لما قاله بخاري في مقابلة أجراها مع صحيفة “صنداي تراست” قبل أربع سنوات من فوزه بالولاية الجارية بأنه سيخوض فترة ولاية واحدة فقط بسبب شيخوخته؛ و (ب) “لحالته الصحية” و (ج) “لفشله في التعامل مع بعض الملفات الشائكة”. وهناك فريق آخر حائر بين اختيار بخاري أو التصويت لغيره من المترشحين الأصغر سنًّا.
وستكون هذه الانتخابات المقررة في 16 فبراير 2019م, السادسة من نوعها منذ نهاية الحكم العسكري في عام 1999م؛ حيث يُنْتَخَب فيها الرئيس والجمعية الوطنية. ومن المرجَّح أن تُجرَى الانتخابات التمهيدية الرئاسية خلال الأشهر القادمة.
المعلنون نيتهم للترشح:
كان في نيجيريا 40 حزبًا سياسيًّا مسجلاً في انتخابات عام 2015م. وقبل عام 2019م، زادت الأحزاب إلى حوالي 68 حزبًا، مع وجود أكثر من 33 حزبًا في طريقها للتسجيل.
ومع ذلك, لا تزال الاهتمامات تتركز على أكبر الحزبين في البلاد في هذه الانتخابات القادمة؛ حزب مؤتمر كل التقدميين (APC) الذي تم إنشاؤه قبل عام 2015م عبر دمج ما كان آنذاك أكبر أربعة أحزاب معارضة في البلاد. وتعززت صفوفه بشكل متزايد عندما انتقلت إليه عدة شخصيات من حزب الشعب الديمقراطي (PDP) الموجود في السلطة وقتذاك.
وفي انتخابات 2015م, انتصر حزب “مؤتمر كل التقدميين” انتصارًا تاريخيًّا؛ إذ أنهى الهيمنة السياسية لـ”حزب الشعب الديمقراطي” منذ عام 1999م, ثم ظهرت المنافسة والصراعات الداخلية التي منعته من الظهور مجدّدًا كقوة متماسكة معارضة.
بينما لا يزال حزب “مؤتمر كل التقدميين” يُواصل عمله كتحالف من أجل المصالح التي أُسِّسَت لأجلها، مع ظهور النزاعات على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات، والتي أدَّت إلى توقُّع انشقاقات قبيل الانتخابات القادمة مِن قِبَل أعضاء لديهم طموحات خارج صندوق الحزب.
ولخوض هذه الانتخابات (في 2019م), أعلن منذ شهور عدة شخصيات نيجيرية من خلفيات مختلفة عن ترشُّحهم للمنصب الرئاسي. وبالنظر إلى هؤلاء المعلنين والمترشحين المحتملين, فإن كل أعداد المنافسين في الوقت الحالي تبلغ حوالي 30 فردًا, مما قد يجعلها أكثر الانتخابات ضراوةً حتى اليوم في نيجيريا.
وعلى الرغم مِن ثِقَل موازين بعض هؤلاء المترشحين, إلا أن أتيكو أبوبكر – الذي أكَّد ترشحه للانتخابات الرئاسية في 2019م, لا يزال المنافس الأقوى والأكثر شهرة بعد محمد بخاري.
كان أتيكو البالغ من العمر 71 عامًا نائبًا للرئيس السابق أولوسيغون أوباسانجو, وهو رجل أعمال ثري غادر حزب “مؤتمر كل التقدميين” الحاكم، متهمًا الحزب بفرض “قمع صارم على جميع أشكال الديمقراطية”, لينضم بعد بضعة أيام إلى “حزب الشعب الديمقراطي” المعارِض، الذي كان قد انسحب منه سابقًا مرتين لتجربة حظوظه الرئاسية في أماكن أخرى. ولا يزال يُوجَّه إلى أتيكو ادعاءات الفساد.
وهناك آخرون من المرشحين – غير أتيكو – داخل حزب الشعب الديمقراطي، منهم محافظ ولاية إيكيتي المثير للجدل، أيوديلي فايوسي، والمحافظان السابقان لولايتي كادونا وجيغاوا، أحمد مكارفي و سولي لاميدو – على التوالي.
وإلى جانب هذين الحزبين الكبيرين، فقد تشهد نيجيريا، للمرة الأولى، تصدُّر حزب ثالث قوي في عام 2019م. وهو ما يشار إليه حاليًا في الأوساط السياسية بالبلاد بـ”القوة الثالثة”؛ حيث تحاول مجموعات مختلفة استغلال الدعوات المتصاعدة بين سياسيين مخضرمين ومسئولين سابقين على إخراج الحزبين الكبيرين من المشهد وتبديلهما بحزب آخر.
ولتحقيق هذا, توافق 30 حزبًا معارضًا على الاتحاد والتكتل تحت راية “التحالف من أجل نيجيريا جديدة” (CNN), بينما ساعد الرئيس السابق أولوسيغون أوباسانجو – بعد رسالته الشهيرة – على تشكيل حركة “التحالف من أجل نيجيريا” (CNM). فضلاً عن حركات أخرى مثل: حركة التدخل النيجيري (Nigerian Intervention Movement)؛ إحياء نيجيريا (Revive Nigeria) و؛ قمة القادة الناشئين.
فرصة للشباب:
يُضاف إلى ما سبق أن مجموعات أخرى بدأت تؤثِّر في المشهد السياسي بعد إعلان قادتها أنهم سيتحدَّون مرشحي الأحزاب الرئيسية في الانتخابات الرئاسية. ويكمن جزءٌ من قاعدتها الجماهيرية في كون مرشحيها من المؤثرين والناشطين المعروفين بأدوارهم في المجتمع, كما أنهم يميلون إلى الشباب وأعمارهم أقل مما يُعتاد في الساحة السياسية النيجيرية.
ويتصدر هذه المجموعات كل من: المحاضر التحفيزي فيلا دوروتويي (Fela Durotoye) ، ونائب محافظ البنك المركزي النيجيري السابق كينغسلي موغالو (Kingsley Moghalu) ، وأوموييلي سووري (Omoyele Sowore) – مؤسس منصة التحقيق والإبلاغ الصحفي الشهير (Sahara Reporter).
ولكن, كيف يمكن تفسير هذا الظهور المفاجئ والحملات المكثَّفة مِن قِبَل هؤلاء الشباب؟
يرى البعض أن اليأس الذي يشعر به الشباب الأفارقة في قيادتهم وإدراك هؤلاء الشباب أن من يحكمونهم اليوم هم الحكام أنفسهم منذ الاستقلال أو عقود, وأن أساليب حكمهم قديمة قِدَم أعمارهم وتوجهاتهم التي لا تتناسب مع التغيير الموعود أو الذي يجب إحداثه لمواكبة تطورات القرن الحالي. وهذا ما شكَّل وعي عددٍ متزايد من الشباب “لانتزاع” مقاليد السلطة من “الجيل العجوز”.
وفي حالة نيجيريا, يبدو أن الشباب يتخلون عن ثقتهم الطويلة بالقادة السياسيين الحاليين في أنهم سينقذون الأمة من الأزمة الاقتصادية وانهيار البنى التحتية المتواصل. وعزز هذا التحول من الشباب مشروع قانون NotTooYoungtoRun (أي: إذا بلغتَ سن التصويت، فأنت لست صغيرًا للترشح للمناصب) في الجمعية الوطنية في يوليو الماضي، وهو قانون من شأنه أن يقلل من الحد الأدنى لسن المرشحين للرئاسة من 40 إلى 35، وسن المرشحين المحافظين من 35 إلى 30 ، وسن مجلس النواب ودوائر مجلس الدولة إلى 25 سنة.
كما حفَّز الشباب أيضًا ما يرونه في دول أخرى خارج إفريقيا. وعلى سبيل المثال: جوستين ترودو الذي أصبح رئيس الوزراء الكندي في عام 2015م في سن 44 ، وإيمانويل ماكرون الذي تحدَّى كل الصعاب ليصبح أصغر رئيس لفرنسا في سن الشباب 39 عامًا.
ورغم كل ذلك, فإن بعض المؤيدين للرئيس بخاري – الذين يُطلِق عليهم “البخاريون” (Buharists) – ينتقدون هؤلاء الشباب المترشحين أشد الانتقاد, ويرونهم “أطفالاً” بحاجة للتدريب والخبرة, أو أشخاصًا ليس لهم ناقة في السياسة والمنصب الرئاسي ولا جمل.
وفي حين يستدلُّ هؤلاء (البخاريون) على عدم صلاحية الشباب لتولي المنصب الرئاسي بكون الرئيس السابق غودلاك جوناثان “شابا” عندما تولى رئاسة نيجيريا، وأنه من أوصل البلاد إلى حالتها المزرية, إلا أنه من غير الواقعي استخدام شخص واحد فقط كعذر وحُجَّة – في دولة يُعدُّ حوالي 60% من سكانها من فئة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا. فضلاً عن أن جوناثان ليس شابًّا عندما تولى رئاسة البلاد عام 2010م وهو في سن 53 عامًا.
محمد بخاري .. وانتخابات 2019م:
سيسعى الرئيس محمد بخاري للحصول على تذكرة حزبه الرئاسية لخوض الانتخابات في فبراير 2019م, وذلك في إعلانه خلال اجتماع مُغْلَق للجنة التنفيذية الوطنية لحزبه. وبعد ساعات قليلة من الاجتماع, غادر البلاد متجهًا إلى لندن.
“إن إعلانه يُزيلُ قَلَق وجود سباق مفتوح كان من شأنه أن يُغَذِّي عدم اليقين”؛ هكذا قال محلل في مبيعات الأسهم في لاغوس بعد انخفاض الأسهم في السوق النيجيرية بنسبة 1.01 في المئة يوم الاثنين – أدنى مستواها في ثلاثة أشهر.
وقد تولَّى بخاري منصبه في مايو 2015م بعد أن تعهَّد بتحسين الأمن، والقضاء على الفساد المستشري، لكنَّ البلاد التي تعتبر أكبر منتج للنفط في إفريقيا عانت في عام 2016م أول ركودها منذ 25 عامًا، والذي يرجع السبب الأساسي إلى انخفاض أسعار النفط الخام وهجمات المتمردين في دلتا النيجر.
وبعد أن أمضى خمسة أشهر في بريطانيا العام الماضي عُولِجَ بخاري لمرض لم يكشف مكتبه عنه، وهو ما يقول عنه النقاد والمعارضون أنه لا يصلح لمنصب الرئاسة، وأن إدارته تعاني من الجمود والقصور الذاتي.
كان فوز بخاري في الانتخابات قبل ثلاث سنوات الماضية يرجع أساسًا إلى مؤهلاته العسكرية، وتعهُّده بإنهاء التطرف المسلح المتمثل في بوكو حرام. وبالفعل فقدتْ الجماعة معظم الأراضي التي سيطرت عليها في شمال شرق نيجيريا في أواخر عام 2014م، لكنها تواصل هجمات انتحارية وعمليات الاختطاف في شمال شرق البلاد. كما أن منتقديه يشيرون إلى أنه يسيئ إدارة ملف العنف الطائفي بين الرعاة الرُّحَّل والمزارعين، إضافة إلى تجدُّد المشاعر الانفصالية خلال فترة ولايته.
“الرئيس قال إنه يستجيب للمطالب التي أطلقها النيجيريون (بالترشح لانتخابات) عام 2019م”، مضيفا أنه يريد أن يمنح اللجنة التنفيذية لحزبه شرف إخطارها أولاً”؛ هكذا قال غاربا شيهو المتحدث باسم بخاري في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني.
بينما يرى أنطوني غولدمان من شركة بي إم الاستشارية المتمركزة في نيجيريا، فإن “ضعف سياسة حزب الشعب الديمقراطي (PDP)، وفقدانها للمصداقية، لا يزال عاملاً قويًّا لصالح (الرئيس) منتهي الولاية”، مضيفًا أنه “ستكون مفاجأة كبيرة إذا لم يكن (بخاري) مرشح حزب المؤتمر الشعبي والمرشح الفائز في عام 2019م”.
أما حزب الشعب الديمقراطي المعارض، فقد وصف في بيان، إعلان الرئيس بخاري بأنه شأن داخلي خاص بحزبه، و”إلى ذلك الوقت الذي يرشحه حزبه، فلن ننفق وقتًا ثمينًا على مجرد إظهاره لجذب الانتباهات”؛ هكذا قال المتحدث باسم الحزب كولا اولوغبونديان.
صحيحٌ أن السباق الحقيقي قد يكون بين الحزبين الكبيرين في هذه الانتخابات, لكنَّ المحللين السياسيين والمراقبين، يؤكدون أنه لا يمكن الاستهانة بالدفعة القوية والطريقة الجدية التي يتعامل بها المرشحون الرئاسيون الأصغر سنًّا؛ وذلك لأن العديد من النيجيريين قد أعربوا عن تفاؤلهم بالمبادرة الشبابية.
بل بدأ هؤلاء المرشحون (الأصغر سنًّا) يستغلّون وسائل الإعلام المحلية، وخصوصًا الإذاعات والتجمعات البلدية لتعبئة دعمهم، ونشر برامجهم وحلولهم للقضايا الوطنية القائمة.. ولعلَّ هذا ضمن الأسباب التي أجبرت الرئيس بخاري على أن يعلن ترشُّحه قبل المغادرة إلى بريطانيا.