أولاً: خريطة القوى المتداعية على إفريقيا وأسسها الفكرية والعقدية:
القوى الغربية والتداعي المستمر على القارة:
في الأول من يناير عام 2011م احتفلت معظم الدول الإفريقية، وبخاصة الفرانكفونية منها، بما يُسمى «الخمسينية الاستقلالية», أي مرور خمسين عاماً على استقلالها، مرّت السنون الخمسون وكثيرٌ من الدول الإفريقية ما زالت تتقدم خطوة وتتأخر خطوات, كما هي حال كل من الصومال وساحل العاج وغيرهما.
في عام 1961م أُعدم رئيس وزراء الكونغو المنتخب من قبل الشعب الكونغولي، بتواطؤ خمس دول أو أكثر, وهي «بلجيكا» المستعمر السابق لدولة الكونغـو، و «فرنسـا» المسـتعمر الجديد، و «بريطانيا», و «الولايات المتحدة الأمريكية» اللاعب الجديد على الساحة الدولية، والقوى المناهضة – حسب زعمها – للغرب أو الرأسمالية الغربية (الاتحاد السوفييتي)، و «الأمم المتحدة» ممثلة في أمينها العام آنذاك «داغ همرشلد».
وهناك لاعب آخر عمل من وراء الكواليس إلا أن دوره كان بارزاً، وهو «مجلس الكنائس العالمي»(1) الذي كان يراقب الوضع من كثب, ولم يحرك ساكناً لينهى حكام الغرب عن الجرم الذي يقترفونه ضد شعب أعزل, وضد رئيس وزراء ارتضى معظم الشعب الكونغولي انتخابه.
ولم يكن إعدامه لجريمة ارتكبها، ولكن لجرم آخر (في نظرهم) اقترفه، وهو المطالبة بحقوق الشعب الكونغولي! حيث قال: «لقد عرفنا السخرية والإهانات، وتحمّلنا الضربات صباحاً ومساءً لأننا (عبيد)، من سينسى أنَّ الإنسان الأسود كان يُخاطب بالكلمة المألوفة (أنت = tu)، ليس كصديق، بل لأن الكلمة المهذبة (أنتم = vous) للبيض فقط! لقد رأينا أراضينا تُنهب بحكم ما كان يُفترض أنه قانون الأراضي الذي لا يعترف إلا بقانون الأقوى، ورأينا أنَّ هذا القانون كان مختلفاً للبيض عمّا كان للسود، رفيقاً بالبيض، قاسياً وغير إنساني للسود، رأينا المعاناة الفظيعة لأولئك الذين طُردوا إلى مناطق بعيدة بسبب انتماءاتهم الدينية أو السياسية».
وذلك رداً على كلمة الملك ليبُولد الثاني ملك بلجيكا عشية الاستقلال, حيث جاء فيها: «لا ترضوا بتسوية المستقبل بإصلاحات سريعة، ولا تستبدلوا الإنشاءات التي سلّمتها لكم بلجيكا، حتى تتأكدوا من أنكم تستطيعون أن تفعلوا أفضل منها، لا تخافوا أن تأتوا إلينا فسنبقى إلى جانبكم، نعطيكم النصح, وندربكم مع الخبراء التقنيين ومديري الأعمال الذين تحتاجون إليهم»(2).
فقد تواطأت كل هذه القوى، وتداعت من كل حدب للحفاظ على المصالح الاقتصادية والسياسية للهيمنة على هذه الدولة التي تعد قارة وحدها.
وقد تكررت هذه المأساة في الكونغو في التسعينيات من القرن الماضي, عندما شاركت عشر دول في الحرب الأهلية في الكونغو، كل دولة تسعى للحفاظ على مكتسباتها في هذه الدولة.
خمسون عاماً وما زالت كل القوى تتداعى, سواء كانت غربية أو شرقية, لبسط هيمنتها أو نفوذها السياسي المصاحب بالاختراق الاقتصادي والاجتماعي على كل شبر من إفريقيا، ولعل الصورة التي مثلتها القوى المتداعية على الكونغو واغتيال رئيس وزرائها «باتريس لولومبا»؛ هي نفسها التي تتداعى مرة أخرى للهيمنة على القارة الإفريقية، ولكن بدخول عناصر أو لاعبين جدد، وهم الصين والهند وإيران وتركيا وغيرها، ولعل استعراض صور تداعي هذه القوى يبين لنا حجم كل قوة من هذه القوى، وموقف المسلمين تجاه هذه الصراعات!
لقد كان «باتريس لومومبا» يلخص الهدف الرئيس للتدافع الأوروبي نحو إفريقيا Scramble for Africa على النحو الآتي:
التداعي الديني:
تداعت كل الطوائف النصرانية على القارة الإفريقية، وكانت الكنيسة من أجل مصالحها المادية والاستعمارية ألعوبة بيد الساسة الغربيين، فقد اتخذت التديّن وسيلة للمآرب الشخصية والمكاسب المادية للقساوسة والشمّاسين، حيث كانت في بداية التمدد كنائس للبيض وكنائس للسود، لتعطي لك صورة أن الأمر كان فقط للاستهلاك الاقتصادي للشعوب الإفريقية، كما كانت الحالة في الكونغو ودول الجنوب الإفريقي وغيرها.
وإذا كان الأفارقة قد احتفلوا في عام 2011م بمرور خمسين عاماً على استقلال بلدانهم؛ فقد احتفل «مجلس الكنائس العالمي» بمرور مائتي عام على مؤتمر «كيب تاون» بجنوب إفريقيا عام 1810م لتنصير القارة، كما احتفل المجلس بمرور مائة عام على عقد المؤتمر التنصيري العالمي في مدينة أدينبورج بإنجلترا عام 1910م برئاسة الكردينال جون موت (J. Mott).
أما الكنسية الكاثلوكية؛ فقد جاءت الزيارات المكوكية للبابا الراحل والبابا الحالي (بنديكت السادس عشر) للقارة الإفريقية قفزة نوعية من حيث عدد الزيارات من راعي الكنيسة الكاثوليكية في العالم, وآخرها الزيارة المكوكية لعدد من الدول في القارة، خلال الفترة من (8 – 15) أبريل 2009م.
تضمن هذا النشاط البابوي تحقيق هدفين:
الأول: القضاء على المجموعات المتمردة في الكنيسة الكاثوليكية في عدد من الدول الإفريقية: وبخاصة الكاميرون، ولعل الباحث الكاميروني «فانسان سوستين فودا» يلخص لنا هذا التنازع بين أتباع الكنيسة الكاثوليكية في إفريقيا مع الكنيسة الأم في روما، وبين المذهب الكاثوليكي والإنجيلي في عدد من دول القارة وبخاصة الكاميرون، وذلك في كتابه الجدير بالقراءة: