بسام المسلماني (*)
على الرغم من احكام الحكومة الأثيوبية قبضتها على البلاد وعرقلة حركة المعارضة إلا أن البلاد شهدت خلال الشهور الأخيرة العديد من موجات الاحتجاجات شملت أقاليم عدة شمال غرب وجنوب البلاد ، سقط نتيجة لها عشرات الجرحى والقتلى ، وتزداد خطورة التطورات الأخيرة في البلاد نظرا لأن قوميتين من أكبر القوميات في البلاد هي التي تقود هذه الاحتجاجات وهما إثنية الأورومو والأمهرية ، الأمر الذي يدفع للتساؤل حول مآلات هذه الاحتجاجات وانعكاساتها على الاستقرار الذي كانت تتمتع إثيوبيا به منذ أكثر من عقدين.
دوافع الاحتجاجات الأخيرة

خلال العقد الماضي وصل معدل النمو الاقتصادي الإثيوبي لنسبة أعلى قليلا من 10 بالمئة. لقد كان التحول سريعا للغاية لدرجة أن بعض المراقبين المخضرمين وصل إعجابهم به إلى وصفه بالمعجزة الاقتصادية، بل ووصفوا إثيوبيا بـ”الأسد الأفريقي” الذي يذكر نجاحه بنجاح النمور الاقتصادية الآسيوية.
هذه النجاحات دفعت الحكومة والتي تسيطر عليها إثنية التيجراوي للاعتقاد بأنها تملك حق فرض السيطرة السياسية والاقتصادية على البلاد ومن ثم أمعنت في التهميش السياسي والاقتصادي لباقي الاثنيات مما أوجد حالة من الغضب والإحباط في نفوس الجماعات العرقية والتي لم تستفد بهذا النمو الاقتصادي ، بل على العكس عاد عليها بصورة سلبية حيث قامت الحكومة بـ”مصادرة الأراضي” في إقليم أوروميا لتأجيرها لصالح الشركات الزراعية الكبرى مما أطلق موجة من الاحتجاجات منذ شهر نوفمبر الماضي واستمرت على مدار الأشهر الماضية ، ثم انضمت إثنية الأمهرة للاحتجاجات .
وإثنية أورومية ( ( Oromo هي أكبر عرقية موجودة في البلاد حيث تمثل يمثل 34.5% من السكان، وتمثل الأمهرة ( Amara ) ثاني أكبر عرقية في البلاد بنسبة 26.9% ، و التيجراوي (Tigraway) 6.1% في حين أن معظم أعضاء الحكومة وقادة الجيش هم من التيجراوي.
ونتيجة لتصاعد الاحتجاجات ألغت الحكومة خطط الاستيلاء على الأراضي في يناير الماضي لكن الاحتجاجات اندلعت مجددا مطلع هذا الأسبوع بسبب استمرار احتجاز متظاهرين ينتمون للمعارضة.
تعاملت الحكومة بقسوة وبطش مع المتظاهرين حيث اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة قوات الأمن الإثيوبية بقتل أكثر من أربعمئة شخص أثناء احتجاجات التي اندلعت في نوفمبر الماضي وتعترض الحكومة الإثيوبية على هذه الحصيلة، وتقول إن الأرقام الرسمية لضحايا هذه المظاهرات هي 173 قتيلا بينهم 28 شرطيا ومسؤولا حكوميا. ، فيما يؤكد معارضون وشهود أن قتلى الاحتجاجات التي اندلعت مطلع الأسبوع الجاري تجاوزت 90 قتيلا ، وقالت منظمة العفو الدولية ان عدد القتلى بلغ 97 شخصا ، بينهم 67 قتلوا في أوروميا و 30 في أمهرة يومي السبت والأحد الماضيين. وقالت جماعة حقوقية ان اراقة الدماء في “بحر دار” قد تصل إلى “عمليات القتل خارج نطاق القضاء”. الأمر الذي يزيد من حدة الاحتقان .
تأثيرات الاحتجاجات
الإنجازات التي حققتها الحكومة في المجال الاقتصادي تواجه في الآونة الأخيرة بتهديدات حقيقية تتمثل في تصاعد الاحتجاجات ضد النظام الحاكم للبلاد والذي تهيمن عليه الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الأثيوبية التي تحكم البلاد بقبضة من حديد.
وهناك مخاطر أن تتحول هذه الاحتجاجات إلى صراع عرقي وتمرد ممسلح يصعب احتوائه في ظل تزايد عمليات القمع للمعارضة ، وفي ظل انسداد أفق العمل السياسي بسبب تأميم الديمقراطية في البلاد حيث لا تحتفظ المعارضة بأي مقعد بمجلس النواب الإثيوبي المتكون من 175 مقعدا. لذا فليس من المفاجئ أن تصنَّف إثيوبيا في المركز الأخير على مقياس البنك الدولي للوضوح والمساءلة، الاستقرار السياسي.
يقول الباحث رينيه لوفور الأخصائي في شؤون منطقة القرن الافريقي: “منذ وصول النظام الحالي إلى الحكم في 1991 لم يعرف وضعا بهذا السوء، فإثيوبيا باتت أشبه بطائرة دخلت منطقة اضطرابات بالغة”، مضيفا إنه بالرغم من حالة الحصار المفروضة على منطقة أورومو فإن التظاهرات لم تتوقف مطلقا.
واعتبر الباحث أن هذه الازمة منهجية لأنها تطرح تساؤلات حول أسس عمل الحكومة منذ 25 عاما، وهي متسلطة ومركزية؛ فالفيدرالية في إثيوبيا أمر خادع.
هذه الاحتجاجات في ظل تحولها إلى صراع عرقي مسلح سوف تهيأ الأجواء للمعارضة المسلحة من القوميات المختلفة والتي تختبأ في الجبال، لكي تتوسع في عملياتها الأمر الذي يهدد وجود الدولة الإثيوبية ويعرضها للتقسيم.
نزع فتيل الأزمة
الدولة الإثيوبية معرضة للخطر حال استمرار حالة الإحباط والاحتقان التي تعاني منها القوميات المختلفة ، والحكومة الإثيوبية هي السبب الرئيس لتدهور الأوضاع إلى هذا الحد ، نتيجة لاستغلالها التباينات الإثنية في تحقيق مكاسب سياسية واحكام سيطرتها على البلاد، لذلك يجب على حكومة “هايله مريم ديساليغنه” اتخاذ إجراءات ضرورية للتدخل قبل تدهور الأوضاع والخروج عن السيطرة بعامل النعرات القومية .
الدستور الإثيوبي يعطي مساحة للإثنيات المختلفة من خلال تقسيمه البلاد إلى تسع ولايات داخل أثيوبيا، رسمت حدودها طبقا للعرقيات. ولكل ولاية سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية وكل ولاية بها حكومة محلية صغيرة هي من تتولى إدارة الولاية ، لكن للأسف لا يتم تفعيل الدستور بشكل عادل يحفظ الحقوق والحريات، حيث تجور الحكومة المركزية في البلاد على الدستور وتتجاوز في حق الأقليات لصالح أقلية التيجراوي ، مما يفاقم المظالم الجماعية هو الذي أفرز ردود فعل غاضبة ظهرت خلال هذه الاحتجاجات .
إن الطريقة الوحيدة الفعالة للحفاظ على الدولة الإثيوبية هي وجود المؤسسات والإدارات الحكومية التي تعكس التعدد العرقي وتحترم الحقوق والتوزيع العادل للسلطة إضافة إلى وجود آلية فعالة للرصد والمتابعة، يحول دون غياب العدالة الاجتماعية والأمنية المؤدية إلى التعبئة العرقية.
(*) كاتب وباحث مصري ، مدير تحرير موقع قراءات إفريقية.