إريك مورييه جينود[1] – ذي كونفرسيشن[2]
ترجمة:قراءات إفريقية
موزمبيق دولة جنوب إفريقية متعددة الأديان وتتمتع بعلاقات ممتازة بين معتنقيها، وكانت العلاقات بين المسلمين والدولة جيدة أيضًا، لكن الوضع أصبح أكثر تعقيدا في عام 2017 عندما اندلع تمرد دموي في الشمال. نشر إريك مورييه-جينود العديد من المنشورات حول السياسة والدين في موزمبيق، وفي كتابه الأخير “نحو الجهاد؟ المسلمون والسياسة في موزمبيق ما بعد الاستعمار”، يبحث فيه تلك العلاقة التاريخية بين الإسلام والسياسة في البلاد.
متى دخل الإسلام إلى موزمبيق؟
للإسلام وجود قديم جدًا في موزمبيق، ويقدر أنه وصل خلال القرن الأول من بداية الإيمان، مع التجار العرب والعثمانيين والفرس. ولقد استقر الدين الإسلامي خلال القرن الثامن وبعده، واختط لنفسه مكانًا بين الشبكات والثقافات والمجتمعات السواحيلية الجديدة التي تطورت على ساحل شرق إفريقيا بين الصومال وما يعرف اليوم بموزمبيق.
كان توسع العقيدة الإسلامية في الداخل بطيئًا ولم يحرز تقدمًا كبيرًا إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين؛ فقد كان هذا هو الوقت الذي احتلت فيه القوى الاستعمارية الأوروبية أفريقيا، حيث قامت ببناء بنية تحتية جديدة مثل الطرق والسكك الحديدية التي ساعدت على انتشار الأديان المختلفة. وعند الاستقلال عام 1975 ، كان المسلمون يمثلون 15% من سكان موزمبيق. ويشير آخر إحصاء إلى أنها بلغت 19% في عام 2017 . يعيش المسلمون اليوم في الغالب على الساحل وفي شمال البلاد. غالبية سكان مقاطعتي نياسا وكابو ديلجادو مسلمون، وكذلك 40٪ من سكان مقاطعة نامبولا.
ما هي التجربة السياسية للمسلمين منذ الاستقلال؟
غالبية المسلمين، مثل جميع المتدينين الآخرين في البلاد، كانوا يؤيدون الاستقلال، ولكن عندما وصلت حركة التحرير فريليمو Frelimo إلى السلطة عند الاستقلال في عام 1975، كانت سياستها ذات توجه اشتراكي وتحولت الحكومة ضد الدين؛ فقد نظرت الحركة للإيمان باعتباره خرافة وعائقًا لبرنامجه، فقد أغلقت الكنائس القريبة من المؤسسات الحكومية والتعليمية، وقيدت الممارسات الدينية، بل وأدارت حملات إلحادية بين عامي 1978 و1980.
في الثمانينيات، تحول حزب فريليمو نحو التسامح، مما يعني تخفيف سياسة القيود الدينية وكذلك النظر بمزيد من التسامح تجاه الفصل الصارم بين الدولة والكنيسة/المسجد، ولكن في الوقت ذاته مُنع أعضاء حزب فريليمو من أن يكونوا أعضاء في أي مؤسسة دينية، وعلى الجانب الآخر أمرت المؤسسات الدينية بالتركيز على الدين فقط.
أما في التسعينيات، وبعد نهاية الحرب الباردة والتخلي الرسمي عن الاشتراكية، تحركت حكومة فريليمو نحو نظام ديني أكثر حرية. ومع ذلك، فإن دستور ما بعد الاشتراكية لعام 1990 لم يسمح بالأحزاب السياسية على أساس المناطقية أو العرقية أو الدينية، لذا فإن هناك حدودًا لما يمكن أن يفعله المسلمون سياسيًا من أجل عقيدتهم. فقد منعت المحكمة العليا قانونًا يعترف بالأعياد الدينية الإسلامية في التسعينيات باسم العلمانية، وقال المسلمون إن هذا غير عادل لأن عيد الميلاد (المسيحي) هو عطلة رسمية، على الرغم من أنه يسمى “يوم الأسرة”. وبالمثل، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ناضل السياسيون المسلمون (المنظمون في لوبي رسمي مشترك بين الأحزاب في البرلمان) للتأثير على قانون جديد لتعريف الأسرة وحقوق الميراث وحقوق المرأة. ونتيجة لذلك، ابتعدت العديد من المنظمات الإسلامية والسياسيين عن السياسة في العقدين الماضيين، للتركيز على التعليم والعمل الاجتماعي ونشر الاسلام.
ما الذي أدى إلى التمرد الحالي؟
هناك الكثير من الجدل حول أسباب التمرد في شمال موزمبيق، وقد حدد الباحثون أسبابًا مثل الفقر وتهميش الشباب والانتماء العرقي والدين كعوامل دافعة، أما عامل الجذب فهو مشروع لمزيد من العدالة والمساواة من خلال الشريعة وإقامة الخلافة. فهو يقدم خطة بديلة للدولة والمجتمع، ويقدم طريقًا واحدًا إليها عبر العنف، ومن ثم تطور التمرد على المستوى الإقليمي (فيما يتعلق بالجماعات المسلحة من التنزانيين) وارتبط المتمردون رسميًا بتنظيم الدولة، الجماعة الإرهابية الدولية، في أوائل عام 2018.
ويقول المؤلف في كتابه أن الغالبية العظمى من المسلمين في موزمبيق لا يقبلون العنف المستخدم لتحقيق هذه الأهداف، ومع ذلك فقد استقر المتمردون عسكريا في أقصى الشمال، حيث أقاموا قواعد في الغابات الكثيفة في عمق البلاد، ويعتمدون على تنظيم الدولة في بعض الدعم الفني والعلاقات العامة.
ما هو الدعم، إن وجد، الذي يتمتع به المتمردون في موزمبيق؟
حسب المؤلف فإنه لا يكاد يتمتع المتمردون بأي دعم على المستوى الوطني. وعلى المستوى المحلي، يستمدون بعض الدعم من الشبكات التي أنشأوها، ومن المظالم المحلية التي طال أمدها، ومن الأخطاء التي ارتكبتها الدولة والجيش والشرطة منذ بداية الصراع. وقد لعبت ديناميكيات أخرى دورها، بما في ذلك النزوح والعنف وعدم اليقين والخوف. واليوم، ينشط متمردو “حركة الشباب” (كما يطلق عليهم في موزمبيق) في منطقة تبلغ مساحتها حوالي 30 ألف كيلومتر مربع، وهي تمثل أقل من نصف مقاطعة كابو ديلجادو (إحدى مقاطعات موزمبيق الـ 11).
هذه منطقة محدودة للغاية، ولكنها منطقة توجد بها مشاريع اقتصادية مهمة. ومن بين أمور أخرى، تتكشف بين الفينة والفينة الاستثمارات الخاصة لإنتاج غاز الغاز الطبيعي المسال البري والبحري، وقد طورت الشركات مشاريع الجرافيت التي حولت موزمبيق إلى ثاني أكبر منتج في العالم لهذا المعدن.
ولم يتوسع المتمردون كثيرًا منذ أن بدأوا تمردهم المسلح في أكتوبر 2017. وفي عام 2021، نفذوا هجمات في نياسا ونامبولا، لكنهم انسحبوا بسرعة. وليس من الواضح ما إذا كانوا قد اختاروا استراتيجية عدم التوسع، أو ما إذا كانت الحكومة وحلفاؤها الدوليون فعالين في احتوائهم. ومع ذلك، لا يزال النزاع المسلح مستمراً حتى اليوم، بعد مرور ست سنوات.
كيف يمكن استعادة السلام؟
هذا الموضوع لا يزال مفتوحًا للنقاش؛ حيث تنشط الحكومة عسكريًا في الغالب، مع تدخل دولي منذ عام 2021؛ حيث إنها تريد استئصال من تصفهم بـ “الإرهابيين” الدوليين. ولكن ومن ناحية أخرى يعتقد العديد من المعلقين وشركاء موزمبيق أنه لحل الصراع، يحتاج المرء أيضًا إلى معالجة الأسباب الجذرية: الفقر وتهميش الشباب والانتماء العرقي. وقد بدأ المانحون والحكومة الموزمبيقية تدشين برامج اجتماعية واقتصادية تركز على الشباب والتنمية الاقتصادية في شمال موزمبيق، وحتى الشركات الخاصة، مثل شركة TotalEnergie الفرنسية فترغب في المشاركة في مثل هذه البرامج.
ولكن أحد العناصر التي لم يتم التطرق إليها بعد فهو ذلك الذي يتعلق بعوامل الجذب؛ فهناك عدة احتمالات: منها أن تقوم الدولة والمجتمع المدني بتطوير التفكير والتشاور حول مستقبل البلاد وحول الإدماج والتمثيل. ومنها كذلك أنه يمكن أن تنظر الدولة إلى العناصر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية والثقافية والدينية، بهدف إنشاء “أجندة للأمة” متوسطة المدى، تكون مناسبة لمختلف أبناء الشعب بمختلف انتماءاتهم السياسية والدينية.
[1] قارئ في التاريخ الأفريقي، جامعة كوينز بلفاست، أيرلندا.
[2] نشر على الرابط التالي: https://bit.ly/3twQR9E