دينا فتحي جمعة عبد العظيم
باحثة ماجستير، متخصصة في الشأن الاستراتيجي والأمني
تقديم:
يمثل السلام أحد أهم الأهداف المنشودة التي تسعى الدول لتحقيقها؛ لأجل حماية استقرار شعوبها، وأمنهم وسلامهم، وبالتالي كسبيل للرفاه الاجتماعي، فالمجتمعات التي تَستهدف التقدم يجب أن يكون داخلها مستقرًّا، وتنأى بنفسها عن الصراعات والأزمات التي قد تُعطِّل سير عملية التنمية التي تسعى لها، لذا فالسلام هو ركيزة التقدم وأحد أبرز الخطوات لتحقيقه.
ويُعد أهم الملفات المعنية بالدراسة والتحليل، وهو ما ركَّز عليه مؤشر السلام العالمي من خلال عدد من المؤشرات الفرعية لقياسه، وتحليل توابعه وتأثيراته على النمو الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي للدول.
ولما كانت إفريقيا جنوب الصحراء هي إحدى أبرز البؤر المُؤجَّجة بالتصدعات العرقية والاجتماعية والسياسية المتسببة في الصراعات الداخلية والخارجية، والمؤثرة على عملية السلام بداخلها: فإنها موضع مهمّ للقياس والتحليل والرصد من جانب الباحثة، لذا سيتم التطرق لموضع إفريقيا جنوب الصحراء في هذا المؤشر؛ من خلال قراءة تقييمها وتصنيفها لهذا العام، ومقاربته بالعام الماضي، ثم بتحديد الميزات والعيوب لهذا المؤشر، وكيف يمكن الاستفادة منه لتحسين أوضاع الدول الإفريقية في عملية السلام، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي:
أولًا: مؤشر السلام العالمي “دراسة في المفهوم، الهدف، المنهجية، المصادر، الشركاء”:
يصدر مؤشر السلام العالمي عن معهد الاقتصاد والسلام العالمي؛ “المؤسسة الفكرية العالمية لأبحاث السلام وتطويره: مؤشرات فرعية له لأجل حصد تأثيراته الاقتصادية”.
وتسعى نحو تحقيق هدف بعينه، وهو لَفْت نظر العالم نحو السلام، ووضع مقاييس ومؤشرات لقياسه على النحو الإيجابي، بعيدًا عن المصالح والمزايدات العامة، لذا يأتي مؤشر السلام ليُحقِّق هذا الهدف من خلال وضع عدد من المقاييس والمؤشرات لقياس السلام، ورصد العلاقة الوثيقة بين العمل والتنمية وتحقيق السلام والرفاه الاجتماعي والازدهار العام.
كما يهدف -على نحو خاص- إلى دراسة العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية، التي لها دور بالغ الأهمية في تحقيق أهداف السلام وبنوده الفرعية، ويأتي ذلك من خلال تقديم تحليل وافٍ لكافة البيانات التي يتم جمعها من الدول والمناطق التي يغطيها، والتي تبلغ نحو 163 دولة وإقليمًا مستقلًا، والتي تمثل نحو 99,7% من سكان العالم، وذلك من خلال 23 مؤشرًا فرعيًّا، ويتم قياس السلام في الدولة وفقًا لثلاثة تقسيمات متباينة، منها: مستوى الأمن والسلامة داخل المجتمع، بالإضافة إلى درجة الصراع المحلي والدولي المستمر، وأخيرًا درجة التدخل العسكري سياسيًّا داخل الدولة. كما يقدم المؤشر تحليلات مُعمَّقة للصراعات العنيفة في مختلف أنحاء العالم.
منهجية مؤشر السلام العالمي:
تم تأسيس مؤشر السلام العالمي من خلال “ستيف كيليا”، وهو رجل أعمال أسترالي في مجال تكنولوجيا المعلومات عام 2007م؛ عن طريق لجنة خبراء تقوم بتقييم نتائج المؤشرات ومراجعتها بشكل سنوي، من خلال ثلاثة مؤشرات رئيسة تتمثل في: العسكرة، والأمن والسلامة المجتمعية، والصراع الداخلي والخارجي المستمر، وتجمع تلك المؤشرات الثلاثة الفرعية 23 مؤشرًا فرعيًّا، ويتم تقييم المؤشر الفرعي من خلال مجموع درجات تبدأ من 1 وحتى 5، وتتمثل في:
1- مؤشر العسكرة أو الإنفاق العسكري. ويشمل:
- الإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
- عدد أفراد القوات المسلحة لكل 100 ألف نسمة.
- حجم عمليات نقل الأسلحة لكل 100 ألف نسمة كمصدر لتوريد السلاح.
- المساهمة المالية في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
- قدرات الأسلحة النووية والثقيلة.
2- الأمن والسلامة المجتمعية. ويشمل:
- مستوى الجريمة في المجتمع.
- عدد اللاجئين والنازحين داخليًّا كنسبة من السكان.
- عدم الاستقرار السياسي.
- الإرهاب السياسي، وتأثيره.
- جرائم القتل لكل 100 ألف نسمة.
- مستوى جرائم العنف، والمظاهرات العنيفة.
- عدد السجناء لكل 100 ألف نسمة.
- عدد ضباط الأمن الداخلي لكل 100 ألف نسمة.
- إمكانية الحصول على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
3- الصراعات المحلية والخارجية المستمرة. ويشمل:
- عدد ومدة الصراعات الداخلية.
- عدد حالات القتلى الناجمة عن الصراعات الخارجية.
- عدد وفيات الصراعات الداخلية المنظمة.
- درجة شدة الصراعات الداخلية.
- العلاقات مع دول الجوار.
- مدة وتوقيت، ودور الصراعات الداخلية.
كيفية حساب تقييم الدول:
يتم تقييم كل مؤشر وفقًا درجة الأهمية النسبية له من 1 إلى 5، ثم يتم حساب قيمة مؤشرين فرعيين؛ هما: قياس السلام الداخلي للدولة، وقياس السلام الخارجي للدولة. ثم بعد ذلك يتم حساب النتيجة الشاملة؛ بحيث تكون 60% للسلام الداخلي، و40% لمجموعة مؤشرات السلام الخارجي، وكانت النسبة المرجحة للسلام الداخلي أعلى من الخارجي، على اعتبار أن حالة السلام الداخلية تؤثر على الصراعات الخارجية.
فتكمن عناصر السلام الداخلي في: تصورات الإجرام، وضبط الأمن والنظام، ومعدل جرائم القتل، ومعدل الاعتقالات، ووجود الأسلحة الصغيرة، ودرجة قوة الصراع الداخلي، ودرجة عنف المظاهرات، والجرائم العنيفة، وعدم الاستقرار السياسي، وتأثير الإرهاب، والوفيات الداخلية للصراع.
في حين تتمثل مؤشرات الصراع الخارجي في: الإنفاق العسكري، ومعدل أفراد القوات المسلحة، وتمويل عمليات حفظ السلام، وقدرات الأسلحة النووية والخفيفة، وصادرات الأسلحة، واللاجئين والنازحين، وعلاقات دول الجوار، والصراعات الخارجية، والوفيات الناجمة عن الصراع الخارجي.
- The expert panel:
- Professor Kevin P. Clements, chairperson, Foundation Chair of Peace and Conflict Studies and Director, National Centre for Peace and Conflict Studies, University of Otago, New Zealand.
- Dr Sabina Alkire, Director, Oxford Poverty, Human Development Initiative (OPHI), University of Oxford, United Kingdom.
- Dr Ian Anthony, Research Coordinator and Director of the Programme on Arms Control, Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Sweden.
- Dr Manuela Mesa, Director, Centre for Education and Peace Research (CEIPAZ) and President, Spanish Association for Peace Research (AIPAZ), Madrid, Spain.
- Dr Ekaterina Stepanova, Head, Unit on Peace and Conflict Studies, Institute of the World Economy and International Relations (IMEMO), Russian Academy of Sciences, Russia.
- Sources:
- The Military Balance, IISS, EIU Estimates.
- Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI) Arms Transfers Database.
- SIPRI Arms Transfers Database.
- United Nations Committee on Contributions.
- Armed Conflict Location and Event Data Project (ACLED).
- Qualitative assessment by EIU analysts.
- United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC) Surveys on Crime Trends and the Operations of Criminal Justice Systems (CTS).
- IEP Global Terrorism Index.
- Gallup World Poll.
- Office of the High Commissioner for Refugees (UNHCR) Mid-Year Trends; Internal Displacement Monitoring Centre (IDMC).
- Uppsala Conflict Data Program (UCDP) Battle-Related Deaths Dataset, Non-State Conflict Dataset and One-sided Violence Dataset.
- UCDP Georeferenced Event Dataset.
- UCDP Battle-Related Deaths Dataset.
ثانيًا: قراءة لموقع إفريقيا في مؤشر السلام العالمي 2023م:
يأتي هذا الموضع ليتم من خلاله رصد موقع دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر السلام العالمي لعام 2023م، ورصد معدل التغير في تقييمات السلام بين مؤشر هذا العام عن مؤشر العام الماضي، وذلك للوقوف على موقعها وتصنيفها بين الدول، وهل تشهد تقدمًا في هذا المؤشر أم تراجعًا، لا سيما في ظل المؤشرات الفرعية التي تقيسها والمرتبطة الصراعات الداخلية والخارجية، وقياس أثر الإرهاب، ومعدلات الوفيات، والإنفاق العسكري، والأمن والسلام المجتمعي، والإسهام في قوات حفظ السلام، ووفيات المظاهرات العنيفة، ويمكن تناولها من خلال تحليل ما جاء في الجداول الآتي ذكرها:
الجدول (1)
موقع إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر السلام العالمي 2023م
الدولة | مؤشر السلام العالمي 2023م | مؤشر السلام العالمي 2022 | مقدار التغير في التصنيف خلال العامين
2022/2023م |
درجة السلام 2023م
|
||
الرتبة | التقييم | الرتبة | التقييم | |||
موريشيوس | 23 | 1.546 | 28 | 1.57 | 5 up | مرتفع |
بوتسوانا | 42 | 1.762 | 48 | 1.801 | 6 up | مرتفع |
سيراليون | 47 | 1.792 | 50 | 1.803 | 3 up | مرتفع |
غانا | 51 | 1.799 | 40 | 1.759 | 11D | مرتفع |
السنغال | 52 | 1.827 | 70 | 1.916 | 18 UP | مرتفع |
مدغشقر | 55 | 1.846 | 84 | 1.995 | 19 UP | مرتفع |
ناميبيا | 56 | 1.859 | 68 | 1.908 | 12 UP | مرتفع |
غامبيا | 59 | 1.888 | 45 | 1.792 | 14 D | متوسط |
زامبيا | 63 | 1.898 | 56 | 1.841 | 7 D | مرتفع |
ليبيريا | 70 | 1.946 | 75 | 1.973 | 5 UP | متوسط |
مالاوي | 74 | 1.97 | 65 | 1.895 | 9 D | متوسط |
غينيا الاستوائية | 82 | 2.013 | 59 | 1.963 | 23 D | متوسط |
أنغولا | 84 | 2.02 | 78 | 1.982 | 6 D | متوسط |
غينيا بيساو | 87 | 2.045 | 110 | 2.156 | 33 UP | متوسط |
رواندا | 88 | 2.051 | 72 | 1.945 | 16 D | متوسط |
كوت ديفوار | 90 | 2.053 | 108 | 2.144 | 18 UP | متوسط |
تنزانيا | 91 | 2.058 | 86 | 2.001 | 5 D | متوسط |
الجابون | 93 | 2.068 | 75 | 1.973 | 18 D | متوسط |
توغو | 103 | 2.13 | 102 | 2.094 | 1 D | متوسط |
إيسواتيني | 109 | 2.168 | 93 | 2.033 | 16 D | متوسط |
بنين | 110 | 2.177 | 105 | 2.125 | 5 D | متوسط |
ليسوتو | 111 | 2.191 | 100 | 2.089 | 11 D | متوسط |
جيبوتي | 112 | 2.196 | 113 | 2.213 | 1 UP | متوسط |
الكونغو | 113 | 2.21 | 111 | 2.184 | 2 D | متوسط |
موريتانيا | 114 | 2.228 | 112 | 2.193 | 2 D | متوسط |
كينيا | 117 | 2.254 | 120 | 2.303 | 4 UP | متوسط |
موزمبيق | 118 | 2.259 | 122 | 2.316 | 4 UP | متوسط |
أوغندا | 124 | 2.3 | 121 | 2.309 | 3 D | متوسط |
زيمبابوي | 124 | 2.3 | 127 | 2.35 | 4 UP | متوسط |
غينيا | 127 | 2.359 | 123 | 2.332 | 4 D | منخفض |
بورندي | 128 | 2.393 | 131 | 2.47 | 3 UP | منخفض |
جنوب إفريقيا | 130 | 2.408 | 118 | 2.283 | 12D | منخفض |
إريتريا | 133 | 2.505 | 132 | 2.494 | 1 D | منخفض |
النيجر | 138 | 2.625 | 140 | 2.655 | 2 D | منخفض |
الكاميرون | 139 | 2.66 | 142 | 2.709 | 3 D | منخفض |
تشاد | 142 | 2.699 | 136 | 2.591 | 6 D | منخفض |
نيجيريا | 144 | 2.713 | 143 | 2.725 | 1 D | منخفض |
بوركينا فاسو | 150 | 2.868 | 146 | 2.786 | 4 D | منخفض |
إثيوبيا | 151 | 2.872 | 149 | 2.806 | 2 D | منخفض |
إفريقيا الوسطى | 152 | 2.934 | 155 | 3.021 | 3 UP | منخفض جدًّا |
مالي | 153 | 2.963 | 150 | 2.911 | 3 D | منخفض جدًّا |
السودان | 155 | 3.023 | 154 | 3.007 | 1 D | منخفض جدًّا |
الصومال | 156 | 3.036 | 156 | 3.125 | — | منخفض جدًّا |
الكونغو الديمقراطية | 159 | 3.214 | 158 | 3.166 | 1 D | منخفض جدًّا |
جنوب السودان | 160 | 3.221 | 159 | 3.184 | 1 D | منخفض جدًّا |
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر السلام العالمي 2023م
يوضح الجدول السابق، تصنيف دول إفريقي جنوب الصحراء في مؤشر السلام العالمي 2023م، حيث يمكن تقسيمها لمجموعة الدول في مقدمة الجدول، ومجموعة الدول المتوسطة، ومجموعة الدول المتذيلة للجدول، ويمكن تناولها كالتالي:
أولًا: الدول المتقدمة:
تأتي في مقدمتها موريشيوس، وبوتسوانا، وسيراليون، وغانا، والسنغال ومدغشقر، وناميبيا، وكان تقييم السلام وفقًا لمجموعة هذه الدول مرتفعًا باتجاه الاستقرار والهدوء بعيدًا عن الصراعات. ولكن المُلاحَظ أن دول المجموعة قد تقدمت في تصنيف هذا العام باستثناء دولة غانا؛ حيث تراجعت 11 مركزًا باتجاه الصراع والاضطراب لتحتل المرتبة 51، وعلى الجانب الآخر تعتبر السنغال ومدغشقر الدولتين الأكثر تحسنًا في هذا الملف ضمن دول المجموعة، فقد تقدمت الأولى نحو 18 مركزًا لتحتل المرتبة 52، والثانية تقدمت 19 مركزًا لتحتل المرتبة 55، وتليها دولة ناميبيا التي تقدمت نحو 12 مركزًا لتحتل المرتبة 56، وعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي أحرزته تلك الدول؛ إلا أن موريشيوس، وبوتسوانا، وسيراليون تقدمت، ولكن بمعدل أقل من النصف بالنسبة للسنغال، ومدغشقر، وناميبيا.
ثانيًا: الدول المتوسطة
وتمثل الدول التي يقع تقييمها ضمن مؤشر السلام العالمي في الوضع المتوسط والمنخفض للسلام، والملاحظ على دول تلك المنطقة أغلب دورها تراجع تصنيفها لهذا العام عن العام الماضي.
ولكن هناك عدد من الدول التي تقدّم تصنيفها، ولعل أبرزها: غينيا بيساو، فقد تقدمت 33 مرتبة لهذا العام لتحتل المرتبة 87، تليها دولة الكوت ديفوار التي تقدمت نحو 18 مرتبة لتحتل المرتبة 90، كما تقدمت ليبيريا خمس مراتب، و4 مراتب لكل من كينيا وموزمبيق، وزيمبابوي، في حين تقدمت بورندي 3 مراتب، وجيبوتي مرتبة واحدة. وعلى الجانب الآخر تعد غينيا الاستوائية صاحبة الأداء الأسوأ ضمن دول المجموعة بل وإفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث تراجعت 23 مرتبة لتحتل المرتبة 82، وتليها الجابون التي تراجعت نحو 18 مركزًا لتحتل المرتبة 93، ثم إيسواتيني التي تراجعت 16 مركزًا لتحتل المرتبة 109، وبنفس التراجع سجلت رواندا المرتبة 88، كما احتلت جنوب إفريقيا المرتبة 130 بإجمالي تراجع 12 مرتبة عن تصنيف العام الماضي.
ثالثًا: الدول المنخفضة
وتمثلها مجموعة الدول المتذيلة لجدول التصنيف، كجنوب إفريقيا، والكونغو الديمقراطية، ومالي، وإفريقيا الوسطى، والصومال، والسودان، وتعد تلك الدول الأقل سلامًا ليس على مستوى إفريقيا جنوب الصحراء فقط، بل على مستوى دول العالم؛ حيث سجّلت جنوب السودان المرتبة الأدنى باحتلالها المرتبة 160؛ وذلك بتراجعها مرتبة واحدة عن العام الماضي، وضمن الإنذار العالي لعدم الاستقرار والصراعات الداخلية المستمرة، تليها الكونغو الديمقراطية كثاني أسوأ أداء في المرتبة 159، وبتراجع مرتبة واحدة عن العام الماضي، في حين احتفظت الصومال بالمرتبة 156 من العام الماضي للحالي، هذا بالإضافة لإفريقيا الوسطى التي احتلت المرتبة 152، وذلك بالتقدم ثلاث مراتب لهذا العام عن العام الماضي، كما تراجعت مالي على النقيض ثلاث درجة لتحتل المرتبة 153.
وما يمكن ملاحظته فيما يخص مجموعة دول إفريقيا جنوب الصحراء، أن 21 دولة من إجمالي 44 دولة شهدت تحسنًا عامًّا في تقييم مؤشر السلام لهذا العام، مقارنةً بأدائها العام الماضي في ملفي الأمن والسلامة المجتمعية، بالإضافة للعسكرة أو الإنفاق العسكري، كما شهدت المنطقة تحسنًا طفيفًا في المؤشر العام للسلام، ولكن شهدت تدهورًا عامًّا في عدد من المؤشرات الفرعية، كملف الصراعات الداخلية والخارجية، والاستقرار السياسي.
وتطرق المؤشر لدولة موريشيوس؛ حيث عانت من عدم الاستقرار السياسي الناجم عن المخاطر الناجمة عن جائحة كورونا، والتي أعيدت للظهور مرة أخرى في منتصف عام 2022م، والاستياء العام من جانب المواطنين بسبب سوء إدارة الحكومة لمخاطر الجائحة.
كما تعتبر جنوب السودان الدولة الإفريقية الأسوأ من حيث السلام على مستوى العالم؛ حيث تدهور أداؤها في ملف الإرهاب، والصراعات الداخلية، ومؤشرات اللاجئين والنازحين، وعدم الاستقرار السياسي، وعلى النقيض جاءت بورندي لتمثل النموذج الأفضل ضمن تحسُّن السلام في إفريقيا جنوب الصحراء لهذا العام بنسبة 5,3%، وذلك نتيجة تقدم أدائها في ملف الصراع الداخلي والخارجي، وانحسار أعداد الوفيات الناجمة عن الصراع الداخلي.
وفي عام 2022م قرر الاتحاد الأوروبي إيقاف العقوبات المفروضة على الدولة، وإعادة استئناف المساعدات الاقتصادية لتحسين الأوضاع الاقتصادية للدولة، كما تناول المؤشر نموذجًا آخر للدول الإفريقية التي تعاني بسبب حدة الصراعات الداخلية، وتمثلت في مالي؛ حيث استمرار الصراع بين الحكومة والجماعات المسلحة، بالإضافة للصراعات العرقية والتي راح ضحيتها نحو 9000 حالة عام 2022م مقارنة بـ6000 لعام 2021م؛ وذلك بسبب سيطرة الجماعات المسلحة على العديد من الأراضي داخل مالي، واشتباكها مع القوات المسلحة المالية.
الجدول (2)
موقع إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الصراع المحلي والدولي المستمر/ مؤشر السلام 2023م
الدولة | تقييم الدول عام 2023م | تقييم الدول عام 2022م | مقدار التغير في أداء الدول خلال العامين |
موريشيوس | 1.000 | 1.000 | — |
بوتسوانا | 1.018 | 1.000 | 0.018 D |
ناميبيا | 1.201 | 1.201 | — |
ليبيريا | 1.448 | — | — |
سيراليون | 1.506 | 1.472 | 0.034 D |
السنغال | 1.540 | 1.436 | 0.104 D |
مدغشقر | 1.504 | 1.630 | 0.126 UP |
غامبيا | 1.540 | 1.436 | 0.104 D |
زامبيا | 1.577 | 1.424 | 0.153 D |
مالاوي | 1.815 | 1.937 | 0.122 UP |
غينيا الاستوائية | 1.604 | 1.604 | — |
أنغولا | 1.639 | 1.666 | 0.027 UP |
غينيا بيساو | 1.613 | 1.615 | 0.002 UP |
غانا | 1.616 | 1.472 | 0.144 D |
رواندا | 1.967 | 1.722 | 0.245 D |
كوت ديفوار | 1.760 | 1.694 | 0.066 D |
تنزانيا | 1.901 | 1.800 | 0.101 D |
الجابون | 1.696 | 1.604 | 0.092 D |
توغو | 1.961 | — | — |
إيسواتيني | 1.816 | 1.604 | 0.212 D |
بنين | 1.763 | 1.666 | 0.097 D |
ليسوتو | 1.824 | 1.805 | 0.019 D |
جيبوتي | 1.960 | 1.856 | 0.095 D |
الكونغو | 1.706 | 1.653 | 0.053 D |
موريتانيا | 1.742 | 1.638 | 0.104 D |
كينيا | 2.250 | 2.345 | 0.095 UP |
موزمبيق | 2.117 | 2.215 | 0.098 UP |
أوغندا | 1.844 | 1.747 | 0.097 UP |
زيمبابوي | 2.002 | 2.024 | 0.022 UP |
غينيا | 2.150 | 2.262 | 0.112 UP |
بورندي | 2.267 | 2.443 | 0.176 UP |
جنوب إفريقيا | 2.083 | 1.782 | 0.301 D |
إريتريا | 1.787 | 1.705 | 0.082 D |
النيجر | 2.947 | 2.938 | 0.009 D |
الكاميرون | 2.914 | 2.967 | 0.053 UP |
تشاد | 2.674 | 2.552 | 0.122 D |
نيجيريا | 2.882 | 2.806 | 0.006 D |
بوركينا فاسو | 3.005 | 3.023 | 0.018 UP |
إثيوبيا | 3.419 | 3.457 | 0.038 UP |
إفريقيا الوسطى | 2.831 | 2.874 | 0.043 UP |
مالي | 3.085 | 2.861 | 0.224 D |
السودان | 3.263 | 3.313 | 0.05 UP |
الصومال | 3.131 | 3.481 | 0.35 UP |
الكونغو الديمقراطية | 3.421 | 3.413 | 0.08 D |
جنوب السودان | 3.080 | 3.169 | 0.89 UP |
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر السلام العالمي 2022م/ 2023م
يوضح الجدول السابق، تقييم دول إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الصراع المحلي والدولي المستمر الفرعي، وحققت إجمالي 23 دولة نتائج سلبية، ولعل أبرزها: جنوب إفريقيا التي حققت أسوأ تقييم بمعدل 0.300، وحققت دولة رواندا أداءً متراجعًا، بمعدل 0.245، وتلتها دولة مالي بمعدل تراجع 0.224، ثم تأتي دولة إيسواتيني بمعدل 0.212، في حين حققت نحو 17 دولة أداءً جيدًا في هذا الملف، وكان أبرز هذه الدول: بورندي صاحبة الأداء الأفضل بتقييم 0.176، وتليها دولة مدغشقر بمعدل 0.126، ومالاوي بتقييم 0.122، والجدير بالملاحظة أن هناك ثلاث دول حققت أداءً ثابتًا من العام الماضي للحالي، وتمثلت في: موريشيوس، وناميبيا، وغينيا الاستوائية.
الجدول (3)
موقع إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الأمن والسلام الاجتماعي الفرعي/ مؤشر السلام 2023م
الدولة | تقييم الدول عام 2023م | تقييم الدول عام 2022م | مقدار التغير خلال العامين |
موريشيوس | 2.106 | 2.132 | 0.026 up |
بوتسوانا | 2.376 | 2.441 | 0.065 up |
ناميبيا | 2.504 | 2.569 | 0.065 up |
ليبيريا | 2.441 | 2.491 | 0.05 up |
سيراليون | 2.244 | 2.200 | 0.044 D |
السنغال | 2.174 | 2.388 | 0.214 D |
مدغشقر | 2.347 | 2.612 | 0.265 UP |
غامبيا | 2.272 | 2.142 | 0.13 D |
زامبيا | 2.380 | 2.368 | 0.012 D |
مالاوي | 2.250 | 2.144 | 0.106 D |
غينيا الاستوائية | 2.448 | 2.586 | 0.138 UP |
أنغولا | 2.423 | 2.413 | 0.01 D |
غينيا بيساو | 2.412 | 2.200 | 0.212 D |
غانا | 2.057 | 2.026 | 0.031 D |
رواندا | 2.407 | 2.347 | 0.06 D |
كوت ديفوار | 2.505 | 2.764 | 0.259 UP |
تنزانيا | 2.367 | 2.443 | 0.076 UP |
الجابون | 2.537 | 2.378 | 0.159 D |
توغو | 2.495 | 2.475 | 0.02 D |
إيسواتيني | 2.746 | 2.576 | 0.17 D |
بنين | 2.682 | 2.574 | 0.108 D |
ليسوتو | 2.700 | 2.528 | 0.172 D |
جيبوتي | 2.531 | 2.561 | 0.03 UP |
الكونغو | 2.788 | 2.650 | 0.138 D |
موريتانيا | 2.780 | 2.782 | 0.002 UP |
كينيا | 2.639 | 2.599 | 0.04 D |
موزمبيق | 2.789 | 2.803 | 0.014 UP |
أوغندا | 2.914 | 2.973 | 0.059 UP |
زيمبابوي | 2.781 | 2.777 | 0.004 D |
غينيا | 2.659 | 2.587 | 0.072 D |
بورندي | 2.878 | 3.024 | 0.146 UP |
جنوب إفريقيا | 3.112 | 3.024 | 0.088 D |
إريتريا | 3.428 | 3.359 | 0.069 D |
النيجر | 2.850 | 2.957 | 0.107 UP |
الكاميرون | 2.974 | 3.014 | 0.13 UP |
تشاد | 3.030 | 2.903 | 0.127 D |
نيجيريا | 3.057 | 3.107 | 0.05 UP |
بوركينا فاسو | 3.253 | 2.993 | 0.26 D |
إثيوبيا | 3.087 | 2.903 | 0.184 D |
إفريقيا الوسطى | 3.532 | 3.579 | 0.047 UP |
مالي | 3.539 | 3.589 | 0.05 UP |
السودان | 3.250 | 3.193 | 0.058 D |
الصومال | 3.641 | 3.455 | 0.186 D |
الكونغو الديمقراطية | 3.749 | 3.747 | 0.002 D |
جنوب السودان | 3.835 | 3.696 | 0.139 D |
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر السلام العالمي 2022م/2023م
من خلال الجدول السابق يتضح تراجع الأداء العام لمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الأمن والسلامة الاجتماعي المتفرع من مؤشر السلام العالمي لعام 2023م؛ حيث سجلت 27 دولة تراجعًا في تقييمات هذا العام مقارنةً بتقييمات العام الماضي.
وكان أبرز مثال لهذا التراجع: “السنغال”؛ حيث سجَّلت معدل تراجع مقارنة بالعام الماضي مقداره 0.212، تليها دولة “غينيا بيساو” بمعدل تراجع مقداره 0.214، هذا بالإضافة “للصومال” بتراجع مقدراه 0.186، و”إثيوبيا” بتراجع مقداره 0.184، وعلى الجانب الآخر سجلت 17 دولة تحسنًا في مؤشر الأمن والسلامة الاجتماعية لهذا العام مقارنة بالعام الماضي، فكان أبرز مثال لهذا التحسن دولة “مدغشقر” بمعدل تقدم مقداره 0.265 مقارنة بتقييم العام الماضي، تليها دولة “كوت ديفوار” بتقدم مقداره 0.259، حيث شهدت الدولة الاستقرار في عدد من الملفات ولا سيما في ظل تسجليها لصفر حالة وفاة جراء حوادث الإرهاب، ثم دولة “بورندي” بتقدم مقداره 0.146 مقارنة بأدائها للعام الماضي، وأخيرًا “غينيا الاستوائية بتقدم مقداره 0.138.
الجدول (4)
موقع إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشر العسكري الفرعي/ مؤشر السلام 2023م
الدولة | تقييم الدول لعام 2023م | تقييم الدول لعام 2022م | مقدار التغير خلال العامين |
موريشيوس | 1.319 | 1.373 | 0.054 UP |
بوتسوانا | 1.735 | 1.812 | 0.077 UP |
ناميبيا | 1.665 | 1.755 | 0.09 UP |
ليبيريا | 1.798 | 1.804 | 0.043 D |
سيراليون | 1.406 | 1.579 | 0.173 UP |
السنغال | 1.625 | 1.766 | 0.141 UP |
مدغشقر | 1.449 | 1.444 | 0.005 D |
غامبيا | 1.703 | 1.687 | 0.016 D |
زامبيا | 1.503 | 1.508 | 0.005 UP |
مالاوي | 1.734 | 1.723 | 0.011 D |
غينيا الاستوائية | 1.817 | — | — |
أنغولا | 1.847 | 1.706 | 0.141 D |
غينيا بيساو | 2.069 | 2.218 | 0.149 UP |
غانا | 1.625 | 1.726 | 0.101 UP |
رواندا | 1.504 | 1.531 | 0.027 UP |
كوت ديفوار | 1.704 | 1.724 | 0.02 UP |
تنزانيا | 1.741 | 1.531 | 0.21 D |
الجابون | 1.788 | 1.807 | 0.061 UP |
توغو | 1.749 | 1.849 | 0.1 UP |
إيسواتيني | 1.688 | 1.706 | 0.018 UP |
بنين | 1.901 | 2.022 | 0.121 UP |
ليسوتو | 1.838 | 1.748 | 0.09 D |
جيبوتي | 1.971 | 2.140 | 0.129 UP |
الكونغو | 1.911 | 2.132 | 0.221 UP |
موريتانيا | 1.966 | 1.969 | 0.003 UP |
كينيا | 1.633 | 1.794 | 0.161 UP |
موزمبيق | 1.592 | 1.677 | 0.085 UP |
أوغندا | 1.835 | 1.907 | 0.072 UP |
زيمبابوي | 1.912 | 2.090 | 0.18 UP |
غينيا | 2.183 | 2.069 | 0.114 D |
بورندي | 1.716 | 1.556 | 0.16 D |
جنوب إفريقيا | 1.648 | 1.711 | 0.063 UP |
إريتريا | 1.709 | 1.914 | 0.205 UP |
النيجر | 1.853 | 1.957 | 0.104 UP |
الكاميرون | 1.793 | 1.877 | 0.084 UP |
تشاد | 2.233 | 2.189 | 0.044 D |
نيجيريا | 1.990 | 2.059 | 0.069 UP |
بوركينا فاسو | 2.052 | 2.189 | 0.137 UP |
إثيوبيا | 1.826 | 1.809 | 0.017 D |
إفريقيا الوسطى | 2.052 | 2.273 | 0.221 D |
مالي | 1.872 | 1.873 | 0.001 UP |
السودان | 2.318 | 2.311 | 0.007 D |
الصومال | 1.857 | 2.073 | 0.216 UP |
الكونغو الديمقراطية | 2.063 | 1.881 | 0.182 D |
جنوب السودان | 2.347 | 2.328 | 0.019 D |
الجدول من تصميم الباحثة وفقًا للبيانات المدرجة في مؤشر السلام العالمي 2023م/ 2022م
من خلال الجدول السابق؛ يتضح أنَّ هناك تحسنًا ملحوظًا في تقييمات منطقة إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشر العسكري؛ حيث سجلت نحو 29 دولة تحسنًا عامًّا في تقييماتها ضمن هذا المؤشر، وكان أبرزها: دولة الصومال بتحقيق تقدم مقداره 0.216 مقارنةً بتقييمها للعام الماضي، وهو أمر مفاجئ في ظلّ ما تعانيه الصومال من أزمات داخلية، تليها دولة “إريتريا” بتحقيق تقدُّم بمعدل 0.205 مقارنة بالعام الماضي، ثم بوركينا فاسو بتقدم مقداره 0.137، وعلى الرغم من أن هذا التقدم طفيف، لكنه يسجّل تحسُّنًا عامًّا لدول المنطقة ضمن هذا المؤشر؛ مقارنةً بتقييم تلك الدول للعام الماضي.
في حين سجَّلت 15 دولة تراجعًا في مؤشر العسكرة لعام 2023م، ولكنَّه كان تراجعًا طفيفًا مقارنةً لحجم التحسن الذي شهدته غالبية دول المنطقة، وكان أبرزها دولة “إفريقيا الوسطى” صاحبة أسوأ أداء في هذا الملف، بتراجع مقداره 0.221 مقارنة بالعام الماضي، تليها دولة “تنزانيا” بتراجع مقداره 0.21، ثم “الكونغو الديمقراطية” بتراجع مقداره 0.182.
الشكل (1)
التغير في درجة الصراعات الخارجية وفقًا لمؤشر السلام العالمي 2023م
المصدر مؤشر السلام العالمي 2023م
يوضّح الشكل السابق التغير في نِسَب المؤشرات الفرعية لمؤشر السلام؛ حيث نتيجة لارتفاع درجة الصراع في أغلب المناطق المستهدفة، مما ترتَّب عليه ارتفاع النسب المئوية للصراعات الخارجية لتتجاوز حاجز 4%، كما ارتفعت نسبة الوفيات من الصراعات الخارجية لتصل نحو 4%، في حين سجَّل عدم الاستقرار السياسي نسبة 2%.
وعلى الجانب الآخر؛ شهد ملف تمويل عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تحسنًا، لا سيما مع تقدم 118 دولة في هذا الملف، وتحسين أدائها العام خلاله، فشهدت نسبة عمليات تمويل حفظ السلام نحو 10%، كما حسَّنت 92 دولة تقييمها في مؤشر الإنفاق العسكري الفرعي، فهناك 43 دولة حدَّت من الإنفاق العسكري لديها إلى أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي، هذا بالإضافة لتحسن أداء 59 دولة في ملف المظاهرات العنيفة، مقارنةً بـ43 دولة جاء أداؤها منخفضًا ضمن هذا الملف.
الشكل (2)
موقع إفريقيا جنوب الصحراء ضمن مناطق العالم من حيث السلام 2023م
المصدر: مؤشر السلام العالمي 2023م
سجَّلت ست مناطق من أصل تسع مناطق تراجعًا في مؤشر السلام العالمي، كانت أسوأها منطقة أوروبا وآسيا، وسجَّلت إفريقيا جنوب الصحراء رابع أسوأ تراجع في أدائها في ملف السلام، وهي لم تختلف عن العام الماضي؛ حيث إنها مازالت تسجل أداءً متراجعًا ضمن التصنيف والتقييم العام لها في هذا المؤشر، في حين سجلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأداء الأفضل ضمن مناطق العالم في تحسين تقييماتها ضمن مؤشر السلام، وذلك بسبب الجهود المبذولة لأجل تحقيق الاستقرار ومجابهة الصراعات المسلحة، من خلال الإنفاق على الصراع، والحد من تأثيرات الإرهاب المختلفة على المواطنين والأراضي من جانب آخر.
الشكل (3)
الدول الإفريقية الأكثر تحسنًا والأكثر تدهورًا وفقًا لمؤشر السلام العالمي 2023م
المصدر: مؤشر السلام العالمي 2023م
يوضّح هذا الشكل الدول الخمس الأكثر تقدمًا في مجال السلام في العالم لهذا العام، وعلى النقيض الدول الخمس الأقل تقدمًا في مؤشر السلام لهذا العام، وسجلت نحو ثلاث دولة من قارة إفريقيا مراتب متقدمة ضمن الدول الأفضل أداءً لهذا العام في احتواء الصراعات، وتبنّي السلام؛ وتمثلت في كلٍّ من ليبيا من شمال إفريقيا، وبورندي، والكوت ديفوار ضمن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، كما أنه على الجانب الآخر سجَّلت “مالي” مراتب متدنّية ضمن الدول الخمس صاحبة الأداء الأسوأ في هذا المؤشر.
وفيما يلي نتناول أبرز نتائج دول إفريقيا جنوب الصحراء وفقًا لما توصل إليه مؤشر السلام العالمي، على النحو الآتي:
أولًا: الدول المتقدمة:
تشمل كلًّا من بورندي، وكوت ديفوار: أما عن “بورندي” فهي تعد ثاني أكثر الدول تحسنًا في مجال السلام لهذا العام، وسجَّلت تحسُّنًا عامًّا في تصنيفها وتقييمها في هذا المؤشر بنحو 5.2%، فقد احتلت المرتبة 128 عالميًّا، وهي بذلك تقدمت نحو 3 مراتب عن ترتيب العام السابق، فقد حقَّقت تقدُّمًا في مجال الصراع المستمر بنسبة لا تقل عن 15% عن العام الماضي، بالإضافة لمجال السلامة والأمن.
أما عن “بوركينا فاسو“؛ فقد مثلت الدولة الرابعة ضمن الدول الخمس الأكثر تقدُّمًا في هذا المجال، حيث تقدمت 18 مركزًا ضمن تصنيفها لهذا العام لتصل للمرتبة 90 عالميًّا لهذا العام، وحقَّقت تقدُّمًا في مؤشر الأمن والسلامة الفرعي، ولكنَّ هناك انخفاضًا طفيفًا في مؤشر الصراع المستمر، وشهدت استقرارًا سياسيًّا جراء المصالحة السياسية بين الرئيس الحالي “أوتارا”، والرئيس السابق “جباجبو”؛ وذلك لاحتواء العنف الناتج عن الانقسامات العرقية والسياسية، وذلك لتداركها قبل الانتخابات القادمة 2025م، كما شهدت تحسُّنًا في مؤشر الإرهاب الفرعي، ولا سيما تأثير الإرهاب من خلال تسجيلها لصفر حالات وفيات جراء حوادث الإرهاب؛ مما يشير لانخفاض تأثير تلك الحوادث على الاستقرار العام والمواطنين من جانب آخر.
ثانيًا: الدول ذات الأداء السيئ:
وتمثلت في “مالي”: احتلت المرتبة الثالثة ضمن الدول الخمسة ذات الأداء الأسوأ في هذا الملف، حيث تراجعت 4 مراتب هذا العام لتحتل المرتبة 153، وحققت الدولة أداءً متراجعًا في ملف السلامة والأمن والصراع المستمر، ولكن تحسَّن أداؤها نسبيًّا في الملف العسكري؛ وذلك من خلال ارتفاع مساهمتها نسبيًّا في تمويل عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، كما تدهور أداؤها في ملف الإرهاب؛ حيث انخفضت سيطرة الدولة على أراضيها لتصل لنحو 20% من إجمالي أراضي الدولة، وارتفعت حالات الوفيات من جراء الحوادث الإرهابية إلى ما يزيد عن 400 حالة وفاة، بالإضافة لارتفاع أعداد اللاجئين والنازحين داخليًّا جراء انتشار الجماعات الإرهابية وارتفاع بؤرة الصراع وعدم الاستقرار الداخلي.
الشكل (4)
يوضح السلام الشامل لغرب الساحل الإفريقي وفقًا لمؤشر السلام العالمي 2023م
المصدر: مؤشر السلام العالمي 2023م
تأتي الخريطة السابقة لتوضح حجم السلام الذي تحقق في منطقة الساحل ضمن مؤشر السلام العالمي 2023م؛ حيث يشير اللون الأزرق إلى المناطقة التي تحسن فيها السلام واتسمت بالهدوء والاستقرار، وتتمثل في “كوت ديفوار”، و”السينغال”، و”سيراليون”، و”ليبيريا”، في حين يشير اللون الأحمر والبرتقالي إلى المناطق التي تتسم بالصراعات، وتنخفض فيها مؤشرات السلام بسبب الصراعات، كما أولى مؤشر السلام لهذا العام أهمية لتحسُّن نِسَب السلام في غرب الساحل الإفريقي؛ وذلك بسبب أن تلك المنطقة تتأجج بالصراعات على مدار الخمسين سنة الماضية، وفكرة أن هناك تحسنًا في المؤشر العام للسلام لهذا العام إنما يرجع للجهود التي بذلتها دول المنطقة لأجل تحسين وضعها، ولا سيما في المؤشر العسكري الفرعي؛ حيث تحسَّنت نِسَب الدول ضمن هذا المؤشر بمعدل 13.4%، وهو ما يعني أكثر من ضعف المتوسط العالمي للتحسن في هذا المؤشر 6.4%، وشهدت دولة سيراليون تحسُّنًا فيما يتعلق بانتشار الجماعات المسلحة داخل أراضيها، فقد انخفض عدد الأفراد المسلحين لديها بنسبة 48.8% عام 2023م؛ حيث أصبح عدد الأفراد المسلحين لكل 100 ألف مواطن نحو 99 فردًا مسلحًا، في حين أن تلك النسبة كانت عام 2008م نحو 193 فردًا مسلحًا لكل 100 ألف مواطن.
أما عن موريتانيا والسنغال فكانت نسبة الانخفاض في عدد المسلحين نحو ما يزيد عن 30%، أما عن عمليات حفظ السلام، فقد ازداد الإسهام المالي لسيراليون في تمويل تلك العمليات لنحو 75% عام 2023م، والسنغال بنحو 50%، كما أنه على مدار 15 عامًا تم التحسن في نطاق بؤرة الصراع وانخفضت بشكل ملحوظ؛ حيث لم يتم تسجيل صراع مسلح تزيد عدد وفياته عن 25 ضحية، لذا فقد شهدت منطقة الساحل تحسنًا عامًّا في مؤشر السلام لهذا العام مقارنة بعام 2008م.
الشكل (5)
يوضّح وفيات الإرهاب في غرب إفريقيا 2023م
المصدر: مؤشر السلام العالمي 2023م
توضِّح الخريطة السابقة وفيات الإرهاب في منطقة غرب الساحل الإفريقي خلال عام 2023م، والملاحظ أن منطقة الساحل من المغرب لغانا لم تسجل حالة وفاة واحدة جراء العمليات الإرهابية، مما يشير إلى انحصار العمليات الإرهابية خلال هذا العام، وانخفاض تأثيرها بسبب ضعفها؛ بحيث لم تتسبب في ضحايا؛ حيث مثَّل اللون الأخضر الدول الإفريقية التي لم تسجّل حالات وفاة جراء حوادث الإرهاب، وتمثلت في: “غانا”، و”كوت ديفوار”، و”ليبيريا”، و”سيراليون، و”غينيا بيساو”، وغامبيا”، و”موريتانيا”، و”السنغال”، و”غينيا”، في حين زاد عدد الوفيات عن 400 حالة وفاة خلال هذا العام في كل من “مالي”، و”بوركينا فاسو”، وتراوحت عدد الوفيات ما بين 100 -400 حالة في كل من “تشاد”، و”إفريقيا الوسطى”، و”بنين”، كما سجَّلت كل من “النيجر”، و”نيجيريا”، و”الكاميرون” حالات وفاة جراء حوادث الإرهاب أقل من 100 حالة، وبرغم تلك الإحصاءات لدول غرب إفريقيا، إلا أن دول غرب الساحل الإفريقي لم تسجّل أيّ وفيات لهذا العام، وهو ما يُعدّ تقدمًا لها في مؤشر السلام.
الشكل (6)
نصيب الفرد في إفريقيا جنوب الصحراء من الإنفاق على عملية احتواء الصراع 2023م
المصدر: مؤشر السلام العالمي 2023م
يوضح الشكل السابق معدل الإنفاق على عملية إنهاء الصراع، وكان الإسهام الأكبر في أمريكا الشمالية؛ حيث بلغ معدل نصيب الفرد من الإنفاق على إنهاء الصراع سنويًّا نحو 4500 دولار، وكانت إفريقيا جنوب الصحراء هي المنطقة الأقل في العالم؛ من حيث الإنفاق على الصراع؛ حيث بلغت النفقات للفرد ما بين صفر إلى 500 دولار سنويًّا، وعلى الجانب الآخر تُعدّ دولة “توغو” الدولة الإفريقية الأكبر من حيث الإنفاق العسكري لاحتواء الصراعات فبلغت نسبة الإنفاق نحو 6% من إجمالي الناتج القومي للدولة.
وختامًا، شهدت إفريقيا جنوب الصحراء تحسُّنًا نسبيًّا في تقييمها بشكل عام في مؤشر السلام العالمي لعام 2023م، وذلك من خلال عدد من النقاط المهمة، والتي يمكن تناولها كالتالي:
- سجّلت منطقة غرب الساحل الإفريقي صفر وفيات من الحوادث الإرهابية لأول مرة عام 2023م، وتمثلت في كل من: “غانا”، و”كوت ديفوار”، و”ليبيريا”، و”سيراليون، و”غينيا بيساو”، وغامبيا”، و”موريتانيا”، و”السنغال”، و”غينيا”.
- حققت كلّ من بوركينا فاسو، وبورندي نتائج قيمة في مؤشر السلام العالمي لهذا العام؛ حيث جاء تصنيف الدولتين ضمن أحد أفضل خمسة نماذج لهذا العام في تقييم وضع السلام بداخلها، في حين سجَّلت مالي أسوأ نموذج ضمن الدول الخمس الأسوأ في مؤشر السلام العالمي 2023م.
- ارتفع تمويل إفريقيا جنوب الصحراء لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لعام 2023م، وكانت سيراليون أبرز نموذج لتمويل هذه العمليات بنسبة 75%، وتليها غانا بنسبة 50%.
- شهدت دول إفريقيا جنوب الصحراء تحسنًا عامًّا في مؤشري الأمن والسلامة المجتمعية، والعسكرة أو الإنفاق العسكري، في حين تراجع أداؤها في ملف الصراعات الداخلية والخارجية المستمرة، وملف الاستقرار السياسي.
- سجلت موريشيوس النموذج الأسوأ في ملف عدم الاستقرار السياسي؛ وذلك بسبب الاضطرابات الداخلية والسخط العام بسبب سياسات الحكومة غير الملبية لاحتياجات المواطنين، في حين تحسن الوضع العام في بورندي وترتب عليه إزالة العقوبات المفروضة عليها من الاتحاد الأوروبي وإعادة استئناف المساعدات الاقتصادية لتحسين الأوضاع العامة للدولة.
- شهدت 21 دولة إفريقية من أصل 44 دولة تحسنًا عامًّا في مؤشر السلام العالمي لهذا العام مقارنة بالعام الماضي.
مزايا مؤشر السلام العالمي:
- يغطّي المؤشر قرابة 163 دولة؛ أي ما تمثل نسبة 99.7% من إجمالي سكان العالم، وهو ما يجعله يغطي أغلب الحالات المرتبطة بالسلام.
- يختص المؤشر برصد حالة السلام في الدول والأقاليم من خلال 23 مؤشرًا فرعيًّا تندرج تحت الأمن والسلامة المجتمعية، والاستقرار السياسي، والعسكرية، والصراعات الداخلية والخارجية المستمرة، والتكلفة الاقتصادية للسلام، وبالتالي يمتلك قاعدة بيانات كبيرة ودقيقة ومتنوعة للبحث في حالة السلام في كل دولة من مختلف الجوانب، فلا يُنظر له من خلال الحروب فقط، بل من خلال البحث في حالات العنف والإرهاب السياسي، ومنهجياتها المختلفة داخل كل دولة على حدة.
- يحدد أبرز النماذج الناجحة، ويسلط الضوء عليها للاستفادة منها، كما أنه يحدد النماذج السلبية للدول، ويركز عليها لتتفاداها الدول، وهو ما يعطي مرجعية للسلام والصراع في آنٍ واحدٍ.
عيوب مؤشر السلام العالمي:
- يَعتبر أن تمويل عمليات حفظ السلام أحد أهم المؤشرات الفرعية لقياس درجة السلام في الدولة، وهو أمر غير منطقي، فمن الممكن أن تعاني الدولة درجات متدنية في الاستقرار السياسي، والإرهاب السياسي، ولكنها من جانب آخر تلتزم بالمخصصات المالية المفروضة عليها من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، هذا من جانب، كما أن تمويل عمليات حفظ السلام يتفاوت من دولة لأخرى على حسب إمكانات وقدرات الدولة الاقتصادية، وبالتالي من غير العدل أن يتم حساب السلام في دولة متقدمة اقتصاديًّا ومخصصاتها المالية للسلام مرتفعة بدولة أخرى هشَّة وملتزمة بمخصصات مالية تتفق وإمكاناتها.
- اعتبار أن الأسلحة النووية هي مقياس على سلام الدولة من عدمه، في هذا المقام هذا المؤشر غير فعَّال؛ لأن السلاح النووي في حد ذاته مقتصر فقط على عدد من الدول المتقدمة الأجنبية الغربية منها والشرقية، وتلك الدول تتمتع بدرجات متقدمة في مؤشر السلام العالمي، في حين أن الدول التي لا تمتلك هذه الأسلحة لا تتمتع بنفس التقييم في هذا المؤشر، وبالتالي لا يتسم التقييم بالعدالة.
- هناك تفاوت في بعض المؤشرات في الدول في تقييم درجات السلام؛ لأنها تعتمد على حجم القدرات والإمكانات الاقتصادية، وهي غير متساوية لدى الجميع، وبالتالي للبحث عن تقييم عادي يجب قياسه من خلال مؤشر تتساوى فيه الدول كالاستقرار السياسي، وتأثير الإرهاب كما تطرق المؤشر، لكنَّ الإنفاق على السلام، والأسلحة النووية، وتمويل حفظ السلام هي درجات نسبية تختلف باختلاف موارد الدولة.
وفي سبيل الاستفادة من مؤشر السلام العالمي لتحسين أوضاع الدول الإفريقية؛ يتعين على الدول أن تنظر في نموذج دولة بورندي، وبوركينا فاسو فيما يتعلق بتسجيل تحسن في مؤشر السلام الداخلي والمرتبطة بوفيات الإرهاب، والصراعات الداخلية وتأثيراتها على الوضع داخل الدولة، وتنظر في تجربة مالي لتُنحّي خلافاتها السياسية والعرقية والاجتماعية جانبًا لأجل حماية الدولة واستقرارها؛ حتى لا ينفرط عقدها باتجاه الصراع الداخلي، وبالتالي السيولة، ومنه للهشاشة؛ ولذا يجب على القادة أن يُنَحُّوا مصالحهم وأهدافهم الخاصة لصالح أوطانهم واستقرار حدودها، وبدعم من الاتحاد الإفريقي للحفاظ على استقرار المنطقة ومستقبل دولها؛ لأن السلام المتحقق داخل المنطقة هو السلبي في أدنى مستوياته، وذلك بسبب أعمال العنف والصراعات الداخلية والخارجية، وبالتالي فالبحث عن سلام عادل، يتعين حل المسائل العالقة في دول المنطقة بشكل عادل، ويتضمن التوفيق والتوافق، والمساواة، والاحتواء، والاستفادة من النماذج الناجحة كمرجعية للبناء عليها.