بقلم: جوزيف ساني
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
يسارع الضباط المنقلبون لترسيخ السلطة التي استولوا عليها, في حين تسعى الحكومات المنتخبة في غرب إفريقيا والمؤسسات الإقليمية إلى إيجاد طرق لإنهاء سلسلة الانقلابات.
إن انقلاب النيجر يُمثِّل تراجعًا واضحًا للديمقراطية؛ حيث يكمل حزام الأنظمة العسكرية الممتدة عبر منطقة الساحل الإفريقي. وفي ظل هذه الصراعات غير المحسومة على السلطة، كيف يمكن للعالم أن يدعم المطالب الإفريقية الواضحة لحكم ديمقراطي مُنتَخب يُلبّي احتياجات الشعوب الإفريقية؟
في البداية، علينا الالتزام بعدة مبادئ أساسية؛ المبدأ الأول هو الحفاظ على أن تكون استجابتنا للانقلابات متَّسقة وليست موحدة. انقلاب النيجر فريد؛ ويجب أن تكون استجابتنا له أيضًا فريدة.
فقد ادعى رئيس الانقلاب أن مبرر الإطاحة بالحكومة المنتخبة في النيجر هو أنها “لم تُحقِّق الأمان” ضد المتمردين. وقمع المجلس العسكري الاحتجاجات المدنية، بينما روَّج لمظاهر الدعم العامة، متظاهرةً بأن تلويح الجماهير المحبطة من الشباب بالأعلام يُمثِّل شرعنةً لاستيلائهم على السلطة. لعدة أسباب يبدو انقلاب النيجر أكثر خطورة وأسوأ من الانقلابات السابقة التي ضربت منطقة الساحل الإفريقي منذ 2020م. مما يستوجب على الأفارقة وداعميهم الاستجابة والتعامل بعناية أكبر.
المشكلة الأصلية: الديمقراطيات الجوفاء
من أجل استجابة إفريقية ودولية أفضل؛ يجب التركيز جزئيًّا خارج نطاق النيجر ومنطقة الساحل؛ حيث يجب بشكل عاجل تقوية المؤسسات الديمقراطية شديدة الضعف في دول عديدة؛ حتى نقطع الطريق على انقلابات أخرى تلوح في الأفق.
في العديد من البلدان, أدَّت سنوات من الحكم الاستبدادي مِن قِبَل قادة منتخبين أو نُخَب صغيرة إلى إضعاف الأحزاب السياسية، وتجويف الأنظمة القضائية، ومُحاصَرة وسائل الإعلام المستقلة، وتقييد حرية عمل المجتمع المدني.
هذا الاستنزاف للديمقراطية أدَّى إلى (1) تآكل قدرات الحكومات على الاستجابة لاحتياجات واحتقان شعوبها، (2) قوَّض من مشروعية الدولة، (3) وللمفارقة قضى على الدفاعات الديمقراطية التي من المفترض أنها تحمي القادة المنتخبين. ممَّا أدَّى إلى ردّات فِعْل عنيفة إما من متطرفين, متمردين أو انقلابات عسكرية. كما تُواجه الحكومات المدنية والأنظمة العسكرية مخاطر الانقلاب على حدّ سواء.
بعض القادة السياسيين الأفارقة الذين يخشون من الانقلابات توجهوا إلى “الهجوم” لحماية أنفسهم، فغيَّروا القادة العسكريين أو القوات, لإبقائهم منقسمين إلى درجة لا تسمح لهم بالاستيلاء على السلطة.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن بعض المُحلِّلين ومساعد لرئيس النيجر محمد بازوم, قولهم: إن بازوم كان يَستخدم هذا النهج عندما أُطيح به.
يجب على القادة بدلاً من ذلك إعطاء الأولوية لبناء دفاعات عن الديمقراطية؛ مثل: الأحزاب السياسية، والقضاء المستقل، ووسائل الإعلام الموضوعية والشفافة، والمجتمع المدني الفعَّال. من خلال تعزيز هذه المؤسسات، وخلق بيئة من الاحترام والمساءلة وسيادة القانون، ويمكن للحكومات أن تجتذب المزيد من التجارة والاستثمارات الأجنبية.
ومن جانبهم، يجب على الولايات المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين زيادة الدعم التجاري والمالي للأفارقة. وبهذه الطريقة، يمكن للدول التي تُواجه مخاطر الانقلاب أن تبني فرصًا اقتصادية لشعوبها، وبالتالي معالجة الجذور السياسية والاقتصادية لعدم الاستقرار، بدلاً من معالجة أعراضها.
إلى جانب الإخفاقات المحلية للحكم الديمقراطي، أخطأت جهود تحقيق الاستقرار المدعومة دوليًّا في منطقة الساحل (وأماكن أخرى) أيضًا في معالجة أعراض المشكلة (على سبيل المثال: التركيز بشكل ضيّق للغاية على بناء قوات عسكرية أو شرطية لمحاربة المتطرفين أو المتمردين) دون معالجة الاضمحلال الكامن وراء الحكم الديمقراطي والمؤسسات. وبالتالي يجب على الولايات المتحدة وشركاء الأفارقة الدوليين إجراء تغييرات طويلة المدى في السياسات والبرامج؛ وهي حاجة أكّدها انقلاب النيجر.
ومن الممكن تعزيز مثل هذه التغييرات طويلة المدى لدعم التحوُّل الديمقراطي بشكل أفضل؛ من خلال تنفيذ “قانون الهشاشة العالمية” الأمريكي، والذي يُركّز بشكل كبير على إفريقيا (Global Fragility Act). وإلى جانب الإصلاحات طويلة المدى؛ تحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها إلى استجابة أكثر تركيزًا وتركيبًا مع التعامل مع الانقلابات ومجالسها العسكرية.
مخاطر الدراما النيجرية:
تعكس عناوين أخبار الدراما المضطربة في النيجر. ففي 3 أغسطس، تمكّن الرئيس بازوم، ومن مقر إقامته الجبرية، من نشر عمود في صحيفة الواشنطن بوست يدين الانقلاب، ويسرد تداعياته الكارثية على 25 مليون نيجري، بالإضافة إلى انعكاساته على المصالح الإفريقية والدولية في السلام والديمقراطية.
جمّدت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) المعاملات التجارية والمالية مع النيجر، ممَّا أدَّى إلى عرقلة تجارتها. وأعلنت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عن استعدادها لإجبار الجنرال عبدالرحمن تشياني ومجلسه العسكري على تسليم السلطة إلى بازوم.
توجّهت نائبة وزير الخارجية بالإنابة، فيكتوريا نولاند، إلى عاصمة النيجر، والتقت بضباط من المجلس العسكري (لم يكن من بينهم تشياني) لحثّهم على إعادة بازوم إلى السلطة. وقالت نولاند للصحفيين: إن الولايات المتحدة، التي لديها 1100 جندي في النيجر لعمليات مكافحة الإرهاب في الساحل “ستقدم مساعيها الحميدة إذا كانت هناك رغبة من جانب الأشخاص المسؤولين عن ذلك (الانقلاب) للعودة إلى النظام الدستوري”. وأضافت: “ولا أقول: إننا بأي حال من الأحوال تم قبول عرضنا هذا”.
وبعد ذلك بساعات، منع المجلس العسكري وفدًا من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من دخول النيجر، بدعوى أن “الغضب والتمرد بين المواطنين” ضد عقوبات الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا جعل من المستحيل ضمان سلامة المبعوثين.
وعلى نحوٍ فعَّال، يتسابق تشياني ومجلسه العسكري لتوطيد السلطة، مع إعاقة أي جهود وساطة من شأنها أن تدفعهم إلى التخلي عنها. لقد عيّنوا اقتصاديًّا نيجريًّا ووزير مالية سابقًا كرئيس وزراء مدني لحكومتهم وأعلنوا عن ترقيات لزملائهم من الضباط. والتزموا الصمت بشأن أيّ خطط للعودة إلى الحكم المدني.
في مواجهة الانقلابات:
أولاً: مبدأ “عدم إلحاق الضرر” ضروريّ حتى نتجنَّب كوارث التدخل العسكري, وهو تهديد أُثير مباشرةً بعد الانقلاب مِن قِبل “الإيكواس”. واستعادة الحكم المنتخب المدني في النيجر سيحتاج إلى استخدام ضغوط دبلوماسية واقتصادية وسياسية, والتي ستأخذ وقتًا حتى تحصل المطلوب. وبينما نعمل لتحقيق هذا الهدف، يجب على الأفارقة وشركائهم الضغط على قادة الانقلاب للالتزام فورًا باحترام حقوق الإنسان للنيجريين وتحرير الرئيس بازوم وعائلته بصحة وأمان.
كل الانقلابات يجب تغييرها عكسيًّا، ولكن ليست كلها بنفس الطريقة. وبرغم من أن أيّ انقلاب عسكري هو أمر غير مقبول؛ فإن الواقعية وحسن السياسة يتطلبان أن نُصمِّم استجاباتنا وفقًا لمعطيات كل حالة. وقد أثار انقلاب النيجر ردود فعل تتجاوز الإدانات والعقوبات المطبقة على الانقلابات الأخيرة في منطقة الساحل.
وأحد الأسباب هو ببساطة امتداد هذا النمط الخطير؛ إذ أطاح انقلاب النيجر بالحكومة المدنية الأكثر مشاركة دوليًّا في منطقة الساحل. مما يحوّل المنطقة لأكبر تجمُّع للأنظمة العسكرية في العالم، وهو ما أثبت مرارًا وتكرارًا أنه من المرجّح أن يؤدي إلى تفاقم الأسباب الكامنة وراء حركات التمرد والتطرف العنيف في المنطقة.
كما أن السياق أمر ضروري؛ فعلى الرغم من أن الحكم العسكري دائمًا ما يكون غير قانوني وغير واقعي، فهو ليس دائمًا على نفس القدر من الفساد. وبينما استولى الجنود في بوركينا فاسو على السلطة في محاولة غير قانونية لوقف الانتشار المستمر للعنف المتطرف والتمرد، فإن انقلاب الجنرال تشياني يعرقل التحسن التدريجي الأخير في الأمن والاقتصاد في النيجر. وبينما استشهد تشياني بانعدام الأمن القومي كمبرر لهجومه، أفادت تقارير إخبارية أن الرئيس بازوم كان يُخطِّط لإقالة تشياني من قيادته للحرس الرئاسي.
ويمكن للولايات المتحدة أن تكون عاملًا رئيسًا في التوصل إلى نتيجة من جراء التفاوض. ويبدو أن استعداد المجلس العسكري للتحدث مع مبعوث أمريكي كبير، ووجود القوات الأمريكية في النيجر (التي تقول وزارة الدفاع أنها “أوقفت” عملياتها لمكافحة الإرهاب)، من المرجح أن يوفر للولايات المتحدة فرصة لدعم المفاوضات بين المجلس العسكري والدول المجاورة والإيكواس. وبعد محادثاتها في نيامي، قالت نولاند: “إن الحكومة الأمريكية ستواصل جهودها لإنهاء المشكلة. وينبغي لمجهودات الوساطة أن تشمل الزعماء التقليديين والدينيين من جميع أنحاء منطقة الساحل، من الشخصيات المعتبَرة ومن الذين اتخذوا خطوات لمعالجة الأزمة.
وينبغي للشركاء أن يعملوا مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والاتحاد الإفريقي على اتخاذ خطوات فعَّالة يستطيع المجتمع الدولي من خلالها دعم القيادات الإفريقية بشكل كامل. ويشمل ذلك تجنُّب الأعمال العسكرية التي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة, وصياغة العقوبات بطرق تقلل من معاناة عامة السكان. كما يجب على الولايات المتحدة والشركاء الدوليين الحفاظ على استمرار المساعدات الإنسانية للمحتاجين، حتى مع احترامهم لعقوبات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي تُجمِّد أصول البنوك الحكومية النيجرية، وتوقف التجارة، وتمنع قادة الانقلاب وعائلاتهم من السفر.
كما ينبغي إشراك الحكومات المدنية والعسكرية على حدّ سواء لتهيئة الظروف اللازمة لاستعادة الحكم الديمقراطي, ويتعين على الدبلوماسية الإفريقية والدولية ممارسة الضغط والإقناع على الحكومات العسكرية في كلٍّ من مالي وبوركينا فاسو (الداعمين للانقلاب)؛ لكي تثبت لهم وللأنظمة العسكرية الأخرى أن دعم الانقلابات سيؤدي إلى تعميق تعقيداتهم وعُزْلتهم داخل مجتمعات غرب إفريقيا والمجتمعات الدولية.
في النيجر وأماكن أخرى؛ يجب دعم تطلُّع الأفارقة إلى ديمقراطيات ناجحة. يطالب الأفارقة باستمرار بمستقبل من الحكم الديمقراطي الفعّال (أي الحكم الذي يَستجيب للاحتياجات الشعبية) ــ وليس الحكم العسكري غير المُنتَخب. ويتعين على الأصوات الديمقراطية ذات المصداقية في النيجر ومنطقة الساحل وإفريقيا -وخاصة في إفريقيا الناطقة بالفرنسية- أن تعمل على تعزيز الإجماع العام على أن الحكم الديمقراطي يُشكِّل أهميةً بالغة للتنمية الاقتصادية والأمن. ويجب على نشطاء الديمقراطية في إفريقيا أن يبحثوا عن سُبُل إبداعية لاستدامة وبناء الإجماع الإفريقي المؤيد للديمقراطية.
تُظهر الحركات السابقة، مثل “لي بالاي” في بوركينا فاسو، و”ينا ماري” في السنغال قدرة النشاط الشعبي في دول الساحل على لعب أدوار مهمة في الدفاع عن النظام الدستوري في مواجهة التحديات. ولفاعلية أكبر يجب ألَّا يركز الدعم الدولي على تحركات المواطنين ضد المجالس العسكرية، بل ينبغي أن تعمل تحركاتهم على بناء حكم ديمقراطي. وكثيرًا ما يفوت الحكومات الغربية فارق دقيق ومهم، وهو أنه عندما تُعلن ما تؤيده، يصبح قبول رسالتها أسهل على الأفارقة، ويصعب على الأعداء إخراجها عن مسارها، في مقابل تركيز أدواتها على ما يعارضونها.
__________________________
المصدر المترجم منه: https://www. usip. org/publications/2023/08/how-respond-nigers-coup-and-prevent-next-one