بقلم: فرانسيس جورنوت*
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
نشرتُ مقالًا عام 2020م في لاتريبيون أفريك بعنوان “إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: يمكن للرأسمالية أن تنجح؛ حيث فشلت المساعدة الإنمائية الرسمية (ODA) لمدة 60 عامًا”. كما أن إنشاء صندوق استثماري، وهو أداة لتمويل وتنفيذ البرنامج، برأس مال قدره 1000 مليار يورو على مدى 20 عامًا، من الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية، سيجعل من الممكن تنفيذ المرحلة الطوعية الأولى بنجاح. وهو مشروع ذو مصداقية للتصنيع والتنمية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ويبدو توزيع احتياجات التمويل، على الرغم من تباينه، على مدار 20 عامًا كما يلي:
300 مليار يورو لتمويل إنشاء 100 منطقة للأنشطة الصناعية والتجارية الحديثة بأحجام مختلفة وقابلة للتطوير وآمنة، منتشرة في حوالي أربعين دولة؛ حيث سيدفع شاغلوها، سواء كانوا شركات أجنبية أو محلية، الإيجار والخدمات لصندوق الإدارة. ومن أجل إنشاء مساحات معيشية مستقلة وأقل استهلاكًا للطاقة، فإن الأنشطة الزراعية في مناطق لا تتجاوز مساحتها بضع عشرات من الكيلومترات ستكمل هذه النظم البيئية.
وسيتم تخصيص 400 مليار دولار لقروض الشركات المحلية والأجنبية، وكذلك للمشاركة في المشاريع ذات الإمكانات العالية. ومع ذلك، سنحتاج إلى دعم الصندوق باستثمارات خارجية وآليات تعويض لتلبية متطلبات الربحية والاستقرار.
300 مليار يورو لبناء 100 مدينة بيئية جديدة، على مسافات موضوعية من 100 منطقة نشاط صناعي وتجاري. وسوف تستوعب في نهاية المطاف 150/200 مليون نسمة، بما في ذلك الأسر العاملة التي ستستفيد من البنية التحتية للطاقة والنقل والتعليم والصحة، وما إلى ذلك.
إن تطوير الأنشطة الصناعية والتجارية التي ستكون أقل رسمية سيوفر موارد ضريبية جديدة، وقدرة الدولة على جمع الضرائب؛ هي أحد المعايير التي تعتمد عليها المؤسسات المالية. كما ستتمكن الدول من الاقتراض من البنوك، مع تقدم التنمية، لتحقيق البنية التحتية أو الاستثمار إلى جانب صندوقنا.
وليس من المؤكد أن لدى فرنسا خيارًا آخر؛ فمصيرها مرتبط بمصير البلدان الإفريقية الناطقة بالفرنسية. ومن دون التصنيع أو التنمية في المنطقة، وتحت وطأة التركيبة السكانية في جنوب الصحراء الكبرى؛ فمن المحتمل أن تطغى الهجرة المتسارعة للهروب من الفقر المدقع والجوع على فرنسا وتحطم نموذجها الاجتماعي.
وحذّر عمودي في صحيفة لوفيجارو من أنه “في حال عدم دعم أوروبا بلدان جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا على التحول إلى التصنيع، فمن المتوقع أن تتزايد معدلات الهجرة إلى حد كبير”؛ علمًا بأن المساعدة الإنمائية الرسمية الفرنسية ارتفعت من 16 مليار يورو للعالم في عام 2022م، مع احتمال تجاوزها إلى 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي، 20 مليار يورو في عام 2025م.
ومن المتوقع أن تتضاعف إلى ثلاث مرات حال حدوث فوضى إنسانية تؤثر على مليار إفريقي خلال العقد المقبل. كما يمكن لبرنامجنا أن ينقذ فرنسا، حال أخذنا في الاعتبار التكاليف المحتملة المرتبطة بالظواهر، المباشرة أو غير المباشرة، وكذلك الاقتصاد الناتج عن التخلي التدريجي عن سياسة المساعدة الإنمائية العامة، أكثر من 1500 مليار يورو في عام 2018م لمدة 20 سنة.
لماذا سيوافق الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية أيضًا على المساهمة في صندوقنا؟
ومن المؤكد أن إجمالي الاحتياجات التمويلية البالغة 1000 مليار يورو خلال عشرين عامًا قد يبدو ضخمًا. ورغم ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار أن المشروع يشمل حوالي أربعين دولة، ويتوقع أن تستفيد منه أيضًا القارة الإفريقية بأكملها. وحال مقارنتنا الاستثمار العالمي السنوي البالغ 50 مليار يورو بمبلغ 2400 مليار دولار سنويًّا الذي أوصت به الدورة السابعة والعشرون لمؤتمر الأطراف لمساعدة بلدان الجنوب و”تغيير المناخ”؛ أي ما يناهز أكثر من 50 ضعفًا أو 27000 مليار يورو بحلول عام 2030م؛ فإن ذلك هو المبلغ المطلوب من وجهة نظر منظمة أوكسفام غير الحكومية.
ويبدو من الواضح أن المستثمرين والدول المتقدمة والمؤسسات المتعددة الأطراف، الذين يهدفون إلى التمويل، يجب أن يفضلوا الاستثمار في برنامجنا الشفاف والجاد الذي سيخدم استثمار أموالهم أيضًا على المدى الطويل، وتوفير العائد على رأس المال المستثمر.
جدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي ينفق 80 مليار يورو في مساعدات التنمية الرسمية في عام 2023م، لكن الطريقة تبدو عشوائية. وفي عام 2016م، فكرت بروكسل في تمويل بقيمة 1000 مليار يورو، ولكن بسبب عدم وجود خطة منظمة، اضطرت إلى الاستسلام.
والأسواق المالية التي تكافح، في بيئة غير مستقرة، أحيانًا للعثور على استثمارات لإيواء تريليونات اليورو الموكلة إليها، ستكمل المساهمات. وفي وقت يجب أن يكون كل استثمار مصاحبًا بالمسؤولية الاجتماعية للشركات والشمولية، فمن المرجّح أن يؤدي برنامج التنمية وصندوقه الاستثماري إلى إنقاذ مئات الملايين من البشر في نهاية المطاف من سوء التغذية والفوضى الإنسانية والموت.
ولن تفلت القضية الجيوسياسية والجيواستراتيجية من الحكومة الأمريكية هي الأخرى، رغم مخاوفها من صعود الصين وسيطرتها على المعادن الأرضية النادرة.
وبالمثل، من الصعب أن نرى كيف يمكن للأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الإفريقي وبنك التنمية الإفريقي ومؤسسات أخرى -ما لم تكن راغبة في الحفاظ على وضعها في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لأسباب أيديولوجية- أن ترفض الانضمام إلى المجموعة الوحيدة الملموسة والمستقرة.
إن خطة التنمية الشاملة التي تمتد على مدى ستين عامًا من المرجح أن تنجح في الحد من الفقر المدقع والمجاعة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى. ولكن من دون حماية المواقع الصناعية والعاملين فيها، فضلاً عن أسرهم، فإن رؤوس الأموال والشركات لن تتدفق. ولذلك فإن الجانب الأمني يحتل مكانًا مهمًّا، وستقوم الدول الإفريقية الموقعة بتوفير الأيدي العاملة وإدراج تدريبها وأجورها في ميزانية البرنامج.
الالتزام ببناء الشركات المتخصّصة المحافظة على الحيوانات والنباتات بشكل أفضل:
ستجلب الشركات المتخصصة في مجال البيئة تميزها إلى هذا المشروع المبتكر الذي سيضع الحفاظ على الحيوانات والنباتات في صدارة اهتماماته؛ باعتبار تلوث الهواء المرتفع في المدن الإفريقية السبب الرئيسي الثاني للوفاة المبكرة بعد سوء التغذية.
وسنطلب أيضًا من مجموعات السيارات الكبرى أن تبني -بالشراكة مع شركات محلية جديدة، مما سيخلق العديد من فرص العمل- نماذج هجينة وكهربائية للحافلات والسيارات ميسورة التكلفة ومكيّفة وفعّالة في استهلاك الوقود. وسيتم استبدال الأسطول تدريجيًّا بالانبعاثات القاتلة. ويمكن للتصنيع والتجارة الجديدة في إفريقيا أن يساعدا في تنشيط اقتصاد فرنسا والدول الأخرى التي تعاني من النمو.
إن الشاب الإفريقي المغامر الذي يعيش في إفريقيا وفي الشتات، وغالبًا ما يكون مؤهلاً ومرتبطًا بثقافته المزدوجة، ويشعر بخيبة أمل بسبب السياسات السابقة، يُظهر اهتمامًا متزايدًا بـ”برنامجنا لتصنيع إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في أقل من 20 عامًا”.
ومن شأن إجراء استفتاء واسع النطاق على ذلك أن يسهل تحقيق ذلك؛ لأنه يتعين علينا أن نحاول معًا تحدي التوقعات التي تشير إلى تركيز 90% من الفقر المدقع على مستوى العالم في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في عام 2030م في سياق ديموغرافي يتسم بتضاعف عدد السكان واحتمال حدوث فوضى إنسانية غير مسبوقة. إن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا لديها الإمكانية والقوة اللازمة لتقدم لنفسها مصيرًا مغايرًا.
___________________________
الهامش:
* يتولى المستشار ورجل الأعمال فرانسيس جورنو إدارة برنامج التصنيع في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في أقل من 20 عامًا أو خطة الهيكلة الإقليمية بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا، بالإضافة إلى المحور الأطلسي الإفريقي. وهو أيضًا المبادر إلى الاتفاقية الدولية لمشروع الحد الأدنى العالمي للأجور.
رابط المقال: