بسمة سعد
باحثة متخصصة في الشأن الإفريقي والدراسات الأمنية والعسكرية – مركز الأهرام للدراسات
منذ العهد الأول لظهور نجم تنظيم داعش، برز بشكل كبير ما يتمتع به التنظيم من مرونة منَحته أفضلية وتميُّز مقارنةً بتنظيم القاعدة؛ مكَّنته من التوسُّع والانتشار خلال سنوات قليلة، بل ومنافسة تنظيم القاعدة على ريادة الساحة، وهو ما دفَع المتخصصين في الدراسات الأمنية للتحذير من مخاطر وتبعات الكمون الاستراتيجي للتنظيم، عقب ما واجهه من نكسة أسفرت عن سقوط دولته المعلنة على أراضي سوريا والعراق، والحثّ على متابعة نشاط وتحركات التنظيم في مختلف ربوع العالم؛ للرد على تساؤل رئيس؛ وهو: هل يخطط تنظيم داعش لاستعادة سيناريو إعلان دولته مرة أخرى؟ وما هي الخيارات الممكنة للتنظيم لتنفيذ ذلك؟
ونزولًا إلى الساحة الإفريقية؛ رصدت عدة تقارير دولية تحرُّكات نشطة وغير اعتيادية لعناصر تنظيم داعش في إفريقيا، كما تم رصد تصاعد نفوذ التنظيم في عدد من الدول الإفريقية، لا سيما في منطقة الساحل الإفريقي، التي تُعدّ المنطقة الأضعف والأكثر هشاشة في القارة، والتي تحمل العديد من المقومات/ المُحفّزات لإنشاء دولة تنظيم الدولة البديلة.
ومن هنا، اتجهت الأنظار نحو مالي التي تمكَّن التنظيم بالفعل من السيطرة على مساحة جغرافية شاسعة تُنذر باعتمادها مركزًا لدولته، وهو ما يدفع لطرح تساؤل رئيس مفاداه: هل يُخطط تنظيم داعش لإعلان دولته البديلة في إفريقيا، وتحديدًا في منطقة الساحل ومالي على وجه الخصوص؟
انطلاقًا مما سبق؛ تهدف المقالة لاستعراض خريطة انتشار تنظيم داعش في إفريقيا بشكل يكشف عن تنامي نفوذ عناصر التنظيم في القارة كأحد المؤشرات الدالة على المكانة الاستراتيجية لإفريقيا لدى تنظيم داعش، ثم الانتقال لمناقشة المؤشرات الدالة على قرب موعد إعلان التنظيم دولته البديلة في إفريقيا، انطلاقًا من منطقة الساحل الإفريقي، وتحديدًا دولة مالي.
أولًا: خريطة انتشار الأفرع الإقليمية لتنظيم داعش في إفريقيا
على الرغم من خسارة تنظيم داعش مكاسبه الميدانية في سوريا والعراق منذ سنوات؛ إلا أن التنظيم تمكَّن من الحفاظ على تنمية مشروعه العالمي المتمثل في التوسع أُفقيًّا عبر شبكة من الأفرع الإقليمية في مختلف ربوع العالم، لا سيما في مناطق ودول هشَّة تُعاني من صراعات واضطرابات سياسية وأمنية، إلى أن بلغ عدد أفرعه وشبكاته عشرين فرعًا وفقًا لتصريحات كريستين أبي زيد، مديرة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب (NCTC)، التي أكَّدت أن داعش في غرب إفريقيا من أقوى الأفرع الإقليمية للتنظيم؛ حيث تنشط الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم داعش بشكل واسع في دول مثل نيجيريا وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو وجنوب إفريقيا ومالي، والتي على إثرها تحوَّلت منطقة الساحل ووسط وجنوب وشرق وغرب إفريقيا إلى أكثر المناطق سخونة وعُنفًا حول العالم([1]).
فقد تمكن تنظيم داعش خلال الفترة (2015- 2019م) من كسب ولاء وتشكيل أربعة فروع في إفريقيا هم (تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى، ولاية غرب إفريقيا في نيجيريا، وتنظيم الدولة في الصومال (ISS)، وولاية إفريقيا الوسطى التابعة لتنظيم الدولة المنتشرة في جمهورية الكونجو الديمقراطية وموزمبيق، وهو ما كان بمثابة مفاجأة وتحدٍّ كبير لتنظيم القاعدة الذي يُعدّ منطقة الساحل الإفريقي منطقة نفوذ تقليدي له([2]).
وفي الآونة الأخيرة، سجَّلت الخريطة العملياتية للأفرع الإقليمية لتنظيم داعش في إفريقيا نشاطًا واسعًا ولافتًا يُشير إلى رغبة داعش في التمدُّد نحو السواحل الشرقية لإفريقيا من جانب، ونحو ساحل خليج غينيا من جانب آخر؛ فثمة تحركات لولاية موزمبيق من أجل التوسع في مناطق جديدة جنوب مقاطعة “كابو ديلجادو”، بالقرب من العاصمة الإقليمية بيمبا([3]) منذ الربع الثاني من عام 2022م.
وخلال شهر نوفمبر 2022م، أعلن فرع داعش تنفيذ هجومه الأول باتجاه جنوب غرب إقليم “كابو ديلجادو” بمنطقة “بالاما”، والتي توقف على إثرها أحد المناجم عن العمل، بل قد تتجه عناصر داعش لتوسيع نشاطها الاقتصادي؛ من أجل تعظيم مصادر تمويلها عبر استهداف الأنشطة الاقتصادية، والاتجاه لفرض “ضرائب” على الشركات، أو تعطيل تلك الأنشطة لزيادة الضغوط الاقتصادية على الدولة([4]).
ومن ثم، لم تعد تقتصر أهداف عناصر داعش في موزمبيق على استهداف محيط مدينة “بالما” الساحلية الواقعة شمال شرق كابو ديلجادو التي كانت تحت سيطرة التنظيم قبل طرد عناصره منها 2021م، وإنما يبدو أن عناصر داعش تتجه إلى محاصرة كل المناطق الساحلية([5])، والتمدد خارج إقليم كابوديلجادو وفقًا لما تتمتع به هذه المناطق من أهمية جيواستراتيجية؛ مثل احتوائها على مناطق تعدين أو شراكات اقتصادية توفّر لها مصادر تمويل جيدة.
ولا يُمكن تجاوز الوضع الأمني المضطرب في السودان إثر الاقتتال العسكري الدائر بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وكيف يُمكن استغلاله مِن قِبَل الجماعات الإرهابية، بما في ذلك التابعة لتنظيم داعش؛ من أجل التمدد في الساحة السودانية، وتوظيف كافة ما تتمتع به من مزايا استراتيجية من موقع استراتيجي وموارد طبيعية تكون على إثرها الخرطوم حلقة اتصال لعناصر التنظيم من خارج القارة إلى داخلها، ومن شرقها إلى غربها، وكذلك تكون قناة رئيسة لتمويل أنشطتها عبرها، وبالتالي باتت الخرطوم وساحتها إحدى ساحات التنافس المحتمل على المدى القريب بين الأفرع الإقليمية لتنظيمي داعش والقاعدة، وهو ما يفاقم من حجم المخاطر المحيطة بالسودان، وبدول الجوار، بل وبمنطقة الساحل الإفريقي بأكمله.
أما بالنسبة لنشاط داعش في وسط وجنوب إفريقيا؛ فقد ارتفع معدل الهجمات الإرهابية التابعة للتنظيم في وسط وجنوب إفريقيا بمعدل (50%) خلال عام 2022م، مقارنة بسنوات سابقة، وفي مناطق غرب إفريقيا بواقع (20%)، وهو ما جاء في إطار ارتفاع معدل النشاط الإرهابي في إفريقيا بواقع تنفيذ 550 عملية، لا سيما في منطقة الساحل الإفريقي، وتحديدًا في دول (مالي بوركينافاسو ونيجيريا)([6])؛ حيث زاد عدد قتلى الإرهاب في بوركينا فاسو ومالي بنسبة 50 و56% لتصل إلى 1135 و944 حالة وفاة على التوالي، كما احتلت بوركينا فاسو والصومال ومالي ونيجيريا والنيجر مراتب متقدمة في قائمة الدول العشر الأكثر تضررًا من الإرهاب لعام 2022م، بواقع الثانية والثالثة والرابعة والثامنة والتاسعة على التوالي([7]).
ومع تسجيل النشاط الإرهاب تحولًا ديناميكيًّا متسارعًا في منطقة الساحل من شمال شرق نيجيريا إلى منطقة الحدود الثلاثية مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر؛ تمدَّد النشاط الإرهابي إلى الدول المجاورة لمنطقة الساحل؛ حيث سجلت بنين وتوجو الواقعتان على الساحل الغربي لإفريقيا وقوع 10 وفيات لأول مرة في العام 2022م([8]).
خريطة (1)
مناطق انتشار تنظيم داعش في منطقة الساحل الإفريقي خلال الفترة ( سبتمبر 2016- ديسمبر 2022م)
Source: Actor Profile: The Islamic State Sahel Province, The Armed Conflict Location & Event Data Project (ACLED) , 13 January 2023. https://acleddata.com/2023/01/13/actor-profile-the-islamic-state-sahel-province/
يُضاف إلى ذلك؛ احتلال ولاية داعش في غرب إفريقيا المرتبة السادسة في قائمة أكثر 20 جماعة إرهابية سجلت وقوع أكبر عدد من القتلى في العام 2022م في تقرير مؤشر الإرهابي العالمي لعام 2023م، عقب تنفيذ الجماعة 65 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل 219 شخصًا وإصابة 118، كما لا تزال ولاية داعش في غرب إفريقيا الجماعة الإرهابية الأكثر دموية في نيجيريا للعام الثالث على التوالي، والأبرز في ولاية بورنو؛ حيث سجّلت 40 عملية إرهابية أسفرت عن 168 حالة وفاة في عام 2022م، مقارنةً بـ6 حوادث لجماعة بوكو حرام و63 حالة وفاة، كما ارتفع معدل فتك ولاية داعش للمرة الأولى منذ عامين، مما يزيد قليلًا عن ثلاث وفيات لكل هجوم في عام 2021م إلى 3,7 حالة وفاة لكل هجوم في عام 2022م([9]).
ثانيًا: ولاية ميناكا.. مؤشرات على اقتراب موعد إعلان دولة داعش في منطقة الساحل الإفريقي

تتعدد المؤشرات الدالة على اقتراب مخطط تنظيم داعش من إعلان دولته البديلة في إفريقيا على الأراضي المالية، انطلاقًا منها إلى باقي دول منطقة الساحل، ثم إلى دول غرب إفريقيا. ومن أهم هذه المؤشرات ما يلي:
1- اتساع الرقعة الجغرافية الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش في إفريقيا:
أفاد تقرير صادر عن خبراء الأمم المتحدة في أغسطس 2023م بأن متطرفي تنظيم داعش تمكّنوا من مضاعفة مساحة الأراضي الخاضعة تحت سيطرتهم في مالي في أقل من عام([10])، وأن تعثُّر تنفيذ اتفاق السلام الموقَّع بين الحكومة المالية والمليشيات الموالية لها مع تنسيقية الحركات الأزوادية في العام 2015م([11])، إلى جانب توالي الهجمات الإرهابية على المجتمع المالي؛ أتاح لعناصر داعش وكذلك للجماعات التابعة لتنظيم القاعدة فرصة ذهبية لإعادة سيناريو عام 2012م؛ حيث الفوضى العارمة، وخروج الوضع الأمني عن السيطرة للحد الذي دفع الحكومة المالية إلى طلب الدعم من القوات الفرنسية.
تخضع منطقة تبلغ مساحتها 80000 كيلو متر مربع لسيطرة عناصر تنظيم داعش؛ الذين تمكنوا مؤخرًا من تحقيق نجاحات ميدانية عبر السيطرة على منطقة جديدة في ولاية ميناكا تُدعى “تيدغمين” في يونيو 2023م([12]) الواقعة على بعد 75 كيلو مترًا تقريبًا شمال مدينة ميناكا، والتي بالسيطرة عليها فقَد سُكان مالي آخر طرق الوصول الآمنة إلى ولاية ميناكا؛ وذلك في محاولة لتطويق الولاية والسيطرة على المركز الحضري الوحيد في المنطقة، والذي يُمكن أن يُدِرّ لها مالًا وتَشنّ منه هجماتها، وبالتالي تُؤسّس قاعدة راسخة وصلبة تكون نواة لدولته([13]).
تتمتع ولاية ميناكا بأهمية جيوستراتيجية بالغة لتنظيم داعش ولكافة العناصر المتصارعة الرامية للسيطرة عليها؛ سواء عناصر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أو الحركات المسلحة، مما يُفسِّر سبب التنافس عليها؛ حيث تقع ولاية ميناكا في المنطقة الثلاثية بين مالي والنيجر وبوركينافاسو، والسيطرة عليها يعني التحكم في مناطق التهريب المتعددة الأنماط (مسلحون وسلاح ومخدرات ووقود ومهاجرون غير شرعيين)، بما يضمن ملء خزينة التنظيم بالأموال جراء العديد من الأنشطة غير القانونية، ناهيك عن كون المنطقة غنية بالنفط والغاز([14]).
كما أكدت مصادر مطلعة على تحركات تنظيم داعش، أن عناصره منتشرة في مناطق “فتلي” و”هورارا” الواقعة على الحدود مع بوركينافاسو، ومنطقة “تادنجدجورن” الواقعة في منطقة “تيسي” قرب الحدود مع النيجر، المعروف بـ”مثلث الموت”، وأن نشاط الجماعة تمدَّد حتى وصل إلى منطقة “انتدينيintadayne ” التي تبعد عن الحدود الجزائرية 207 كيلو مترات، كما ينتشر عناصر التنظيم بكثافة في عدة مناطق في دائرة آنسنغو منها بويا و جابرو وللهوي و تيسي وغيرها من مناطق أزواد([15]).
ومع تراجع دور الحكومة المالية، وضعف قدراتها على استعادة سيطرتها على كافة الأراضي السيادية للدولة؛ بات الوضع الأمني أكثر خطورة مع تحوُّل الساحة المالية لساحة للتنافس بين القوات المالية وعناصر تنظيمي داعش والقاعدة، وكذلك الحركات المالية المسلحة، لا سيما بعدما تمكَّن التنظيم من إخضاع زعماء القبائل الرئيسة فيها، بل ودفَعها لمبايعة التنظيم وتمويل عملياته([16]).
خريطة (2)
حجم تطوُّر نشاط الجماعات الإرهابية في مالي حتى 2023م
مصدر: أزمة مالي تتسارع في ظل حكم المجلس العسكري، مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، 1 أغسطس 2023م.
https://africacenter.org/ar/spotlight/ar-mali-catastrophe-accelerating-under-junta-rule/
وقد أوضح خبراء الأمم المتحدة أن تصاعد عنف تنظيم داعش كان يقابله اتجاه عناصر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة؛ لتقديم نفسها كجهة داعمة للمجتمع المالي، وقادرة على حمايته من عنف عناصر داعش([17])، مثلما أتاح كذلك للجماعات المسلحة الموقِّعة على اتفاق السلام مع الحكومة المالية كسب شعبية ومكانة لدى المجتمع المالي، عبر تقديم الحركة وعناصرها كدروع أمنية([18])؛ تعمل على حمايتهم من عنف عناصر تنظيمي داعش والقاعدة؛ أي: أن الوضع الأمني المتردي في مالي خلق حالة من التنافس الحاد في البلاد بين عناصر تنظيمي داعش والقاعدة وكذلك الجماعات المسلحة.
2- تفاهمات سرية محتملة بين حكومة مالي وقادة داعش في مالي
تتمثل ثاني المؤشرات في قيام الحكومة المالية بإطلاق سراح عدد من قادة تنظيم داعش في يوليو2023م، على رأسهم قائد العمليات العسكرية سابقًا في الشمال “يوسف ولد شعيب”، وأحد قادة التنظيم “ودادي ولد شوعب”، إلى جانب عدد من قادة ولاية “داعش في الصحراء الكبرى” الذين تم اعتقالهم من قبل القوات الفرنسية والقائد العسكري للتنظيم في إقليم غاو “أمية أغ البكاي”([19])، أحد قادة التنظيم في منطقتي جورما في مالي وأودالان في بوركينا فاسو، وكان يُنظَر إليه على أنه خليفة محتمَل لزعيم داعش السابق عدنان أبو وليد الصحراوي([20])؛ وذلك بدعوى أنه يأتي في إطار تبادل للأسرى، بينما أوضح مصدر أمني مالي أن الإفراج عن هؤلاء القادة يأتي كمحاولة لاحتواء التنظيم، أو ربما يأتي انطلاقًا من اتفاق سري للتهدئة، وظَّفه تنظيم داعش على أنه انتصار سياسي يُحسب لأفرعه النشطة في منطقة الساحل، على كافة الأطراف المتصارعة معها. وبِغضّ النظر عن السبب وراء إطلاق سراح هؤلاء القادة، كان من اللافت توافد عدد من قيادات تنظيم داعش في سوريا والعراق إلى مالي، وتوليهم تدريب عناصر التنظيم في البلاد([21]).
أي أن التحركات الداعشية في منطقة الساحل عمومًا، ومالي على وجه الخصوص تكشف عن تنفيذ التنظيم لمخطط استراتيجي يستهدف تحويل منطقة الساحل الإفريقي، لمركز تدريب ومحطة رئيسة لعناصره من خارج القارة، انطلاقًا من مالي، وهو ما يُستدل عليه بما أطلقه رئيس مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة فلاديمير فورونكوف، من تحذير خلال مشاركته في جلسة مجلس الأمن المنعقدة في يناير 2023م من أن توسُّع داعش في وسط إفريقيا وجنوبها ومنطقة الساحل “مقلق بشكل خاص”([22])، تبعها إطلاق الأمم المتحدة تحذيرًا في مايو 2023م من أن ما بُذِلَ من جهود إقليمية ووطنية لمكافحة الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة لم تكن كافية لتحجيم نشاط هذه الجماعات في منطقة الساحل، وأنه بدون دعم دولي أكبر وتعاون إقليمي، سيزداد عدم الاستقرار في دول غرب إفريقيا الساحلية([23]).
وفي إحاطته أمام مجلس الأمن في أغسطس 2023م، كرَّر رئيس مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة فلاديمير فورونكوف التأكيد على أن هناك أجزاء من إفريقيا، لا يزال التوسع المستمر لتنظيم داعش والجماعات التابعة له، فضلًا عن المستوى المتزايد للعنف والتهديد، يثير قلقًا عميقًا، كما أضاف أن فرع داعش في منطقة الساحل أصبح مستقلًا بشكل متزايد وتتزايد هجماته في مالي وبوركينا فاسو والنيجر([24]).
3- نشاط مجموعة التركيز الإفريقية التابعة للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش
أما بالنسبة لثالث المؤشرات الكاشفة للتحركات غير الاعتيادية لتنظيم داعش في منطقة الساحل، فتتمثل في اتجاه أنظار التحالف الدولي لمكافحة “داعش” إلى إفريقيا، عقب تلمُّس تنامي خلايا وأفرع التنظيم في القارة، مما دفع التحالف في مايو 2022م، إلى عقد اجتماعه الأول منذ تأسيسه عام 2014م في إفريقيا، وتأكيده على أن التنظيم لا يزال يمثل “تهديدًا مستمرًّا”، مع صعود فروعه في إفريقيا، خاصةً في منطقتي الساحل وغرب القارة([25]).
ومع سقوط نحو 48% من إجمالي قتلى العمليات الإرهابية في العالم في إفريقيا فقط، بعدما أسفرت الهجمات الإرهابية عن مقتل 7816 خلال العام 2022م في منطقة الساحل، وجنوب إفريقيا وبحيرة تشاد والصومال، وموزمبيق([26])، وتحول القارة إلى مركز عالمي للنشاط الإرهابي، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022م؛ أعلن وزراء خارجية الدول الـ85 الأعضاء في التحالف توجيه دعم خاص لمكافحة النشاط الإرهابي المتصاعد في إفريقيا، مع الإقرار بوقوف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصراعات بالقارة وراء صعود النشاط الإرهابي في المنطقة([27])، وهو ما يُعدّ بمثابة إقرار دولي بتوافر بيئة ساحلية جاذبة لنشأة دولة تنظيم الدولة البديلة عن نظيرتها في الشرق الأوسط في إفريقيا، انطلاقًا من منطقة الساحل الإفريقي التي تتَّسم بالهشاشة والضعف.
خلاصة القول:
تتفاقم المخاطر الأمنية من تنامي نشاط تنظيم داعش في الساحة الإفريقية، خاصةً في منطقة الساحل الإفريقي، التي تتعدد المؤشرات على تحوُّلها لنقطة تمركز وتدريب وانطلاق لعناصر التنظيم، منها إلى الدول المجاورة لها.
وتتعدد الدلائل المُشيرة إلى أن مالي قد تحتضن دولة داعش البديلة في إفريقيا، في خضمّ ما تعانيه البلاد من تحديات داخلية، متماهية مع التحديات الإقليمية المتعددة، التي أضعفت من قدرة قوات مالي ودول الإقليم الأمنية والعسكرية على التصدي لنشاط عناصر التنظيم، وهو ما يفرض على دول المنطقة وشركائها الدوليين البحث عن منهجية جديدة وشاملة، قادرة على التصدي للمخطط الداعشي بإنشاء دولته البديلة في إفريقيا.
[1] -Suleyman Ozeren, What Does ISIS’ Survival Tell Us About Countermeasures?, manara magazine , 18 May 2023.
https://manaramagazine.org/2023/05/isis-survival-tell-countermeasures/
[2] -Brenda Mugeci Githing’u, Tore Refslund Hamming , “The Arc of Jihad”: The Ecosystem of Militancy in East, Central and Southern Africa, 2021.
[3] –Sudarsan Raghavan ISIS fighters terrorize Mozambique, threaten gas supply amid Ukraine war
October 20, 2022
https://www.washingtonpost.com/world/2022/10/18/mozambique-isis-cabo-delgado-gas/
[4] – الحراك الجغرافي: الاتجاهات المتوقعة للنشاط الإرهابي في 2023م، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 19 يناير 2023م.
[5] – الحراك الجغرافي: الاتجاهات المتوقعة للنشاط الإرهابي في 2023م، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 19 يناير 2023م.
[6] – التطرف: خريطة الجماعات المتطرفة في إفريقيا وملامح التطرف، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 1 مايو 2023م.
[7] GLOBAL TERRORISM INDEX 2023, The Institute for Economics & Peace (IEP), March 2023.
https://www.economicsandpeace.org/wp-content/uploads/2023/03/GTI-2023-web-170423.pdf
[8] – المرجع السابق.
[9] -GLOBAL TERRORISM INDEX 2023, OP.CIT.
[10] – الأمم المتحدة: داعش ضاعف الأراضي الواقعة تحت سيطرته في مالي خلال أقل من عام، اليوم السابع، 26 أغسطس 2023م.
[11] – أيمن شبانة، اتفاق السلام والمصالحة في مالي: التحديات والسيناريوهات المحتملة، مركز الإمارات للسياسات، 1 يوليو 2020م.
[12] -David Doukhan, Islamic State is Expanding its Areas of Influence in Mali, International Institute for Counter-Terrorism, 2023. ,
https://ict.org.il/wp-content/uploads/2023/04/Doukhan_ISIS-is-expanding-influence-in-Mali.pdf
[13] – غياب الأمن يتفاقم مع تخلي مالي عن أرضها للجماعات المتطرفة، منبر الدفاع الإفريقي، 2 مايو 2023م.
https://adf-magazine.com/ar/2023/05/%D8%BA%D9%8A%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D9%8A%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%85-%D9%85%D8%B9-%D8%AA%D8%AE%D9%84%D9%8A-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%B9%D9%86-%D8%A3%D8%B1%D8%B6%D9%87%D8%A7/
[14] David Doukhan, OP.CIT.
[15] – لأول مرة.. تفاصيل داعش وعاصمته المرتقبة في الساحل الإفريقي، سكاي نيوز عربية، 8 يوليو 2023م:
[16] – المرجع السابق.
[17] -David Doukhan, OP.CIT.
[18] – المرجع السابق.
[19] -Speakers Warn Security Council Terrorism Spreading across Africa at Alarming Rate, Call for Greater Support, Enhanced International, Regional Cooperation
https://press.un.org/en/2023/sc15245.doc.htm
dawla-daeishia-fi-alsahil-alafriqi-wamakhatiruh” https://epc.ae/ar/details/brief/muashirat-qiam-dawla-daeishia-fi-alsahil-alafriqi-wamakhatiruh
[20] -Mali frees IS-linked jihadists in prisoner swap: Sources, Ahram Online ,8 Jul 2023.
[21] – وحدة الدراسات الإفريقية، مرجع سبق ذكره.
[22] -Sahel ‘at a crossroads’ as armed groups gain sway in Africa: UN
[23] -Sahel ‘at a crossroads’ as armed groups gain sway in Africa: UN, Aljazeera, 17 May 2023.
[24] -EDITH M. LEDERER , US warns military takeovers in Africa’s Sahel hamper fight against terrorism in the volatile region, abcnews, 25 August 2023
https://abcnews.go.com/US/wireStory/us-warns-military-takeovers-africas-sahel-hamper-fight-102575217
[25] – بهاء الدين عياد، ما دلالات الاجتماع “الإفريقي” الأول للتحالف ضد “داعش”؟، اندبندنت عربية، 12 مايو 2022م.
[26] -Speakers Warn Security Council Terrorism Spreading across Africa at Alarming Rate, Call for Greater Support, Enhanced International, Regional Cooperation
https://press.un.org/en/2023/sc15245.doc.htm
[27] – بهاء الدين عياد، مرجع سبق ذكره.