تينداي مانجينا([1])
ترجمة قراءات إفريقية
في الثقافات الإفريقية، تلعب الأسماء التي تُطلَق على الأطفال حديثي الولادة دَورًا مهمًّا؛ لأنها غالبًا ما تكون مُحمَّلة بالمعاني. وقد أظهرنا كفريق من أساتذة الأدب واللغويات وعِلم التَّسميات (الدراسة العلمية للأسماء وممارسات التسمية) في بحثنا([2]) أن الأسماء التي يُطلقها الآباء على أطفالهم عند الولادة يمكن أن تساعدنا في فهم أشياء كثيرة، بما في ذلك تراث الأسرة وتأثرها بالأحداث عبر التاريخ.
وفي أحدث أوراقنا البحثية حلَّلنا ممارسات عملية تسمية المواليد في زيمبابوي؛ حيث أظهر البحث أن الزيمبابويين -تلك المستعمرة البريطانية السابقة في جنوب قارة إفريقيا- ما زالوا يختارون في كثير من الأحيان أسماء إنجليزية لأبنائهم؛ مثل: روبرت أو أوليفر، وربما يفضلونها على الأسماء التقليدية مثل فوليندليلا أو نتومبينهلي، بما يساعدنا على فَهْم طبيعة آثار الحقبة الاستعمارية وتداعياتها، بالإضافة إلى أهمية قضية إحياء التراث الإفريقي، وهي قضية باتت ذات اهتمام متزايد في السنوات الأخيرة. فإعادة تبنّي الممارسات التقليدية يُعطينا وسيلة للإبقاء على ثقافتنا حيَّة، ولكي يَستفيد الجيل الحالي من المعرفة التي تركها لنا الآباء.
الإرث الاستعماري:
اليوم باتت الأسماء الإنجليزية شائعة في زيمبابوي، قد يكون هذا أحد آثار إدخال اللغات الاستعمارية، وحلولها محل اللغات الأصلية، بما يوضّح صعوبة محو الأفكار الذهنية المُكتَسبة من آثار الحقبة الاستعمارية.
نحن نرى أن المنصرين والمستعمرين البريطانيين “غزوا” الفضاء “العقلي” للشعوب الأصلية، وغيَّروا الطريقة التي يَستخدم بها شعب زيمبابوي اللغة الإنجليزية واللغات الأصلية لتسمية الأطفال بشكل كبير.
واليوم لا تزال الأسماء الإنجليزية الشائعة تربطنا بالحقبة التي كان يُعطَى فيه تلاميذ المدارس في كثير من الأحيان أسماء إنجليزية جديدة لكي يندمجوا جيدًا في النظام الاجتماعي والتعليمي الذي كان سائدًا آنذاك.
الأسماء وعالم الأدب:
من ناحية أخرى؛ فإن الأعمال الأدبية يمكن أن تساعدنا على فهم الأسماء وأنماط التسمية بشكل أفضل. على سبيل المثال، تُظهر رواية المؤلفة الزيمبابوية الشهيرة إيفون فيرا ” Butterfly Burning” كيف تم التخلّي تدريجيًّا عن الأسماء في لغة نديبيلي في زيمبابوي، واستبدالها بالأسماء الإنجليزية.
وشهد هذا التغيير استخدام أسماء إنجليزية مجردة مثل جيلبرت بدلاً من الأسماء الأصلية ذات المعنى مثل فوليندليلا، وهو اسم صبي يعني “افتح الطريق” الذي يُعبّر عن أمل الوالدين في أن يجلب الطفل الحظ السعيد للأسرة.
ويمكن اعتبار هذا التحوّل الثقافي شكلاً من أشكال محو عنصر مهم من ثقافات السكان الأصليين؛ كما يُعدّ هذا المحو جزءًا من الخسائر واسعة النطاق التي تكبَّدتها البلاد خلال حقبة الاستعمار، وحتى اليوم فلم يتمّ تعويض هذه الخسارة الثقافية بالكامل حتى في العقود التي تلت استقلال زيمبابوي في عام 1980م.
ممارسات التسمية في زيمبابوي اليوم:
هناك أدلة على أنه خلال العقدين الماضيين، استخدم الآباء في زيمبابوي اللغتين الإنجليزية واللغة الأصلية لتسمية أطفالهم، في حين لا تزال ممارسات التسمية من العصور الاستعمارية مستمرة وفي تقدُّم؛ ففي زيمبابوي، تنقسم هذه الأسماء الإنجليزية إلى فئات مختلفة؛ فهناك أسماء إنجليزية تقليدية مثل أشلي وجان، في حين هناك أيضًا أسماء ذات دلالات دينية، مثل إسحاق وبطرس، في الوقت الذي نجد فيه أيضًا أسماء ذات دلالات دينية، ولكن بلهجة إفريقية مثل جويرو (جويل) وماتيو (متى).
ثم هناك أسماء “الإنجليزية الزيمبابوية” مثل “Decent” و”Choice”، وهي الأسماء الإنجليزية المُترجَمة من أسماء السكان الأصليين. وتعطينا هذه الأسماء الإنجليزية الزيمبابوية فرصة لفهم احتمالية اعتماد السكان على ثقافتهم من المعرفة الإفريقية التقليدية -حيث تسجل الأسماء التجارب والتطلعات الشخصية-؛ من خلال استخدام اللغة الإنجليزية، كما تكشف التشابكات الاستعمارية عن قدرة تكيف الأشكال الثقافية التقليدية.
ونلاحظ أيضًا أنَّ الأسماء “الدينية” مُترجَمة حرفيًّا من اللغة الإنجليزية مثل أسماء السكان الأصليين؛ مثل تاكومبوريروا (لقد تمت مباركتنا).
إن هذه التغيرات هي آثار واضحة للاستعمار، ناتجة عن تأسيس المسيحية وآثارها على السكان، كما تتضمن أمثلة هذه “الأسماء المسيحية العامية” أسماء لغة الشونا، مثل: “تابيواناشي” (لقد أعطانا الله)، تاوانانياشا (وجدنا نعمة الله)، وأنوتيدايش (الله يحبنا).
الأسماء الإنجليزية الإنجيلية والأسماء الدينية الإفريقية:
مثل اللغة الإنجليزية؛ كانت الديانة المسيحية في قلب الاستعمار في إفريقيا، وانتشرت من خلال المبشرين، وقد أدَّى هذا إلى زيادة شعبية الأسماء الإنجليزية “الكتابية” في زيمبابوي.
وترتبط الأسماء “الكتابية الإفريقية” بأسماء الكتاب المقدس المسيحية، والتي تم تكييفها مع قواعد اللغة الأصلية “المناسبة”.
وبما أن الكتاب المقدس المُترجَم يظل “كتابًا إنجليزيًّا”؛ فإن الأسماء الكتابية ذات الطابع الإفريقي لا تصبح أسماء أصلية، بل تظل أسماء إنجليزية كتابية. على سبيل المثال، اسم الشونا روكا مأخوذ من الاسم الكتابي لوقا، فـ “روكا” هي ببساطة نسخة شونا من لوك/لوقا.
أسماء زيمبابوي الإنجليزية:
إلى جانب الأسماء الإنجليزية النموذجية، والإنجليزية الكتابية، والأسماء الإنجيلية “المتأفرقة”؛ هناك فئة كبيرة من الأسماء الإنجليزية الزيمبابوية تحظى بشعبية كبيرة في الوقت الحاضر. وقد أُطلق عليها أيضًا أسماء إنجليزية “غير قياسية” لكسر هيمنة اللغة الإنجليزية البريطانية التي خلقت مجازات مثل “الأسماء المضحكة” المذكورة في بعض الروايات لإعطاء دلالات ساخرة؛ فمن الأمثلة على هذه الأسماء Bastard و Darling -المستخدمة في رواية الروائية الزيمبابوية NoViolet Bulawayo في روايتها الحائزة على جوائز والمعنونة: ” We Need New Names” : أي: “نحن بحاجة إلى أسماء جديدة”.
ومن ناحية أخرى؛ فإن غالبية الأسماء الإنجليزية الزيمبابوية هي ترجمات حرفية للأسماء الشخصية للسكان الأصليين، مما يوضّح القوة الدائمة والهيبة المفترضة للغة الإمبراطورية الاستعمارية، وفي الوقت نفسه، تُظهر ترجمة أسماء السكان الأصليين اهتمامًا واضحًا لدى الزيمبابويين بالحفاظ على قِيَم السكان الأصليين وأنماط التسمية، بالرغم من ترجمتها إلى الإنجليزية.
إعادة تشكيل الحطام الإمبراطوري:
في هذه الاستخدامات للأسماء الإنجليزية مع أو بدون مرادفاتها الأصلية، تظهر التأثيرات طويلة المدى للغة الاستعمار. لذا، فمن ناحية، تحكي هذه الأسماء كيفية نظر المستعمرين إلى أساليب حياة السكان الأصليين بازدراء، وكيف أن هذا الازدراء الاستعماري لا يزال يؤثر على اختيارات الناس في التسمية. قد يكون هذا نتيجة للعقلية الاستعمارية المحلية للسكان التي تستمر فيها اللغة الإنجليزية عنوانًا للقوة والهيبة التي اكتسبتها من خلال عنف الحقبة الاستعمارية.
ومن ناحية أخرى؛ نرى أن هذه الأسماء الإنجليزية الزيمبابوية تعتمد على تقاليد السكان الأصليين القديمة، وتستدعي اللغة الإنجليزية بشكلٍ إبداعي للأغراض المحلية. ومن هذا المنظور، نُفسِّر اتجاهات التسمية في زيمبابوي على أنها إعادة تشكيل إبداعية للحطام الإمبراطوري الذي يساعد في الحفاظ على الإرث التقليدي حيًّا.
…………………….
-[1] أستاذ الدراسات الإفريقية بجامعة ليدز، نُشرت المقالة يوم 21 سبتمبر 2023، على موقع “ذي كونفرسيشن”، على الرابط التالي: https://theconversation.com/zimbabwean-names-are-still-haunted-by-the-ghosts-of-colonialism-213370
[2]– على الرابط التالي: https://journals.sagepub.com/doi/full/10.1177/00219096221141345