الرئيس المالي السابق “أمادو توماني توري” – (أمادو= محمد) – رفض السماح لأمريكا بإنشاء قاعدة أفريكوم – القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا- في مالي، فكانت النتيجة وقوع أغرب انقلاب عليه في 21 مارس 2012م قاده أحد قادة الجيش ممن تدرب في أمريكا سابقاً النقيب “أمادو سانوغو”؛ والذي جاء الانقلاب قبل أقل من شهر واحد من موعد الانتخابات الرئاسية في البلاد التي كان محددًا لها أبريل 2012م، والتي أعلن الرئيس عدم ترشحه فيها؛ لإتمامه المرحلة الثانية من الحكم، بموجب الدستور الذي لا يجيز له الترشح لفترة ثالثة، وهو له سابقة تحسب له في تسليم الحكم للمدنيين بعد إدارته البلاد لفترة انتقالية استمرت 14 شهرًا، بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس موسى تراوري، وقام بتسليم الحكم للرئيس ألفا عمر كوناري عقب انتخابات عام 1992م.
ومن المسلم به وجود تنافس بين أمريكا وفرنسا للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية، والغنية بالثروات الطبيعية (النفط واليورانيوم)، والتي هي في الأساس تابعة للنفوذ الفرنسي والتي احتلت معظم دول المنطقة، لكن دخول أمريكا بقوة تحت دعوى مكافحة الإرهاب زاد من الأمر اشتعالاً، وزاد من خوف فرنسا.
بعد ضغط فرنسا عن طريق دول الجوار قام الانقلابيون بتسليم السلطة إلى رئيس انتقالي بعد أسبوعين على الانقلاب هو “ديونكوندا تراوري” – رئيس البرلمان السابق الذي كان مرشحًا أصلًا لانتخابات الرئاسة المقررة في 29 أبريل 2012- الذي جرى تنصيبه في 12 أبريل 2012.
وتم اختيار “شيخ موديبو ديارا” رئيسًا للوزراء في أبريل الماضي، قبل أن يجبره العسكر على تقديم استقالته في ديسمبر الماضي، ثم تم تعيين “ديانغو سيسوكو” رئيسًا للحكومة يوم الثلاثاء 11 ديسمبر.
والرئيس ديونكوندا من المؤيدين للتدخل الفرنسي حيث أعلن مرارًا عن تأييده لتدخل قوة عسكرية فرنسية سريعة في شمال مالي.
نحن أمام تيارين في النظام المالي، تيار موالٍ لأمريكا يقوده النقيب “أمادو سانوغو”، وتيار موال لفرنسا على رأسه الرئيس الانتقالي ” ديونكوندا تراوري”، ورئيس الوزراء السابق “شيخ موديبو ديارا” الذي كان ينادي دائمًا بتدخل فرنسا؛ فاعتقله الانقلابيون وأجبروه على تقديم استقالته.
خوف فرنسا من زيادة نفوذ الانقلابيين وسعي أمريكا للتدخل تحت غطاء دولي عجل من تدخلها عسكريًا.
لم يكن لفرنسا أو أمريكا أن يتدخلا عسكريًا إلا لعلمهما أن الأرض ممهدة، وأن خطر الحركات الجهادية ليس بالكبير لاسيما وأن بعضها مخترق حتى مستويات قيادية عليا، وأن تعويلهما الرئيسي على الطوارق للقتال معهما جنبًا إلى جنب أمر لا تخطئه عين، فالطوارق مرتزقة هم يتبعون من يدفع أكثر، وما قتالهم بجانب القذافي ليس عنا ببعيد.
أمريكا هدفها السيطرة على المنطقة والعمل على إنشاء أفريكوم في هذه المنطقة التي تسعى لإقامتها فيها منذ 2007م، وفرنسا تحاول الحفاظ على منطقة نفوذها حتى لا تضيع سيطرتها فيها فهي منطقة غنية بالبترول والغاز واليورانيوم، والرهان الرئيسي للخروج من الأزمة هو حدوث خلاف بين فرنسا وأمريكا.
أما الحركات الجهادية فهي الشماعة التي يعلق عليها الجميع أسباب تدخله، والشعار المرفوع دائماً ” الحرب على الإرهاب”، والذي تسبقه غالباً الإعلان عن قيام إمارة إسلامية على أيدي من لا يملكون قوة ولا عدة ولا حتى أرضًا.
فمتى نفيق من غفلتنا وجهلنا، ونعى جيداً أن أمتنا في أضعف حالاتها، وتسعى لتخرج من شرنقة التبعية والتخلف بعد ثورات الربيع العربي ووصول بعض الأحزاب الإسلامية إلى سدة الحكم؟
(*)مدير تحرير مجلة قراءات إفريقية