انتشر الإسلام في جنوب إفريقية قبل ثلاثمائة سنة عندما كانت مستعمرة هولندية، وكانت هولندا في ذلك الوقت تحتل ماليزيا وإندونيسيا، فانتقل العديد من المسلمين إلى جنوب إفريقية، وتمركزوا في “كيب تاون” التي تقع بين المحيطين الهادي والهندي، ثم تحولت جنوب إفريقية إلى مستعمرة إنجليزية، فسافر الكثير من المسلمين الهنود، وتمركزوا في مدينة “ديربن” الواقعة على المحيط الهندي، وكان لهؤلاء الدور الكبير والمؤثر في نشر الإسلام.
تشكل الأقلية المُسلمة،في جنوب إفريقيا،نحو2بالمئة، من إجمالي تعداد السكان،الذي يتجاوز الــ 48,5 مليون نسمة..وإلى جانب من أسلموا، من السود والبيض،فإن جل أفراد هذه الأقلية، من ذوي الأصول الملايوية والهندية،الذين وفدوا إلى البلاد منذ عام 1652م، واستقر كثيرًا منهم في إقليمي نتال و جوهنسبرج. ، أيضا نجد أن نسبة السود المسلمين لا تزيد على 3.5% من إجمالي عدد المسلمين في البلاد رغم أنهم يمثلون (أي السود) 79% من إجمالي السكان وهو أمر ساهمت فيه سياسات التفرقة العنصرية التي كانت سائدة حتى عام 1994م، والتي حالت دون انتشار الدعوة الإسلامية بفاعلية خارج نطاق الجماعات الإثنية المعتنقة للإسلام. ويتركز العرق الإندونيسي الماليزي في منطقة الكيب أما العـرق الهندي فيتركز في إقليم الناتاتل.
تُشير المصادر التاريخية، إلى أن رحلة دخول الإسلام، إلى جنوب إفريقيا، بدأت عندما تعمَّد الهولنديين، نقل أعداد من مُسلمي أرخبيل الملايو،للعمل بالسخرة،في مناطق الزراعة، بولاية الكاب، وازداد عددهم في أعقاب ثورة الملايو، ضد المُستعمر الهولندي, الذي قبض على زعماء الثورة من المسلمين، ونفاهم في بادئ الأمر إلى سريلانكا, عام 1682م،ولمـّا كان تأثيرهم في المجتمع الملايوي المُسلم مازال قويـًا, فقد أعاد نفيهم في عام 1694م, وكانت وجهتهم هذه المرَّة جنوب إفريقيا.
وفي عام 1882م، بدأت أفواج جديدة من المُسلمين الهنود، تتجه إلى جنوب إفريقيا، بعد الإغراءات التي قدَّمها البريطانيون لهم، التي تمثلت في نقل بحري مجاني لهم،وعقود عمل موسمية, والسماح لهم إما بالبقاء، أو العودة، بعد انتهاء العقد, وكان أكثرهم يفضِّلون البقاء، والعمل كمزارعين او تجار.
من مظاهر امتداد نفوذهم،إقامة المدارس والمساجد,حيث أُحصي لهم أكثر من 400 مسجد،ونحو 100 مدرسة ومعهد ديني، تم اعتمادها من قبل وزارة التعليم, وهي تنتشر في كافة ولايات الاتحاد, منها 96 مسجدًا، ونحو 60 مدرسة،في ولاية الكاب، وضواحيها، وفي ولاية ناتال مـا يُقـارب ذلك، وفي ولاية ترانسـفال مـا يزيد على 60 مسجدًا..أما أكبر مساجد جنوب إفريقيا، فقد أُقيم بمدينة دريان, ويُسمع الأذان في مواعيد الصلوات الخمس من خلال الميكرفون بدون اي تضييق
يقول خالد المشوح ملحق الديني السابق في سفارة المملكة : “والحقيقة أنني وجدت تجربة فريدة في العمل الإسلامي بين الأقليات في العالم، بل تجربة قلما نجدها بين أي جالية مسلمة، ومن بين هذه السمات الفريدة:
أولاً: عدم تأثر الجالية المسلمة في جنوب إفريقية بالفكر الحركي العربي على الإطلاق في نشأتها وتطورها، الأمر الذي جعل العمل الإسلامي هناك ينصب كلياً على الإطار الدعوي، من تشييد مساجد وجوامع ومدارس إسلامية ونشاط دعوي وكتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم وعمل تطوعي وإغاثي، وساهم في ذلك عدم وجود سياحة عربية أو إسلامية إلى جنوب إفريقية في ظل النظام العنصري، بل وبعد سقوطه، والسياحة العربية إلى هذه الدولة لم تبدأ إلا متأخرة جداً، ومازالت محدودة، وباستثناء تأثر بعض الشخصيات التي تُعدّ على أصابع اليد الواحدة بالفكر الحركي في مصر من جماعة الإخوان المسلمين بسبب دراستهم في الأزهر، أو قراءاتهم فإن هذا الفكر كان محدود جداً.
وكانت المرجعية الغالبة على المسلمين في جنوب إفريقية من الديوبندية أو البريلوية، نظراً لأن معظم المسلمين هناك ينحدرون من أصول هندية أو مالوية، وهذا أدى إلى عدم التأثر بالخصومات المذهبية أو الحركية أو القومية أو غيرها التي تعاني منها الجاليات المسلمة في أوروبا و الغرب بصفة عامة
ثانياً: إن الامتداد العربي الشرعي نحو الجالية وصل متأخراً، وعندما وصل للمسلمين في جنوب إفريقية وجد لديهم مؤسساتهم الدعوية وجوامعهم، ومراكزهم الإسلامية، ومدارسهم ومناهجهم وصحفهم ومجلاتهم، بل ومطابع المصحف هناك، حيث توجد مطبعتان للمصحف في جنوب إفريقية، ومن ثم كان تأثيره محدوداً بحدود العلم الشرعي دون وصاية أو تبعية أو محاولة التأثير على هذه الجالية
ثالثا: انخراط المسلمون في جنوب إفريقية في الحياة هناك، واندماجهم مع المجتمع سواء كانوا من السود ـ الأغلبية ـ أو من (البيض) الأمر الذي جعلهم جزءاً من نسيج المجتمع الجنوب إفريقي، عكس الجاليات المسلمة في أوروبا وأمريكا، التي ذاب بعضها تماماً في المجتمع، كما حدث للمهاجرين الأوائل، أو العزلة عن المجتمعات الأوروبية خوفاً من الذوبان، ولكن الجالية المسلمة في جنوب إفريقية والتي يصل تعدادها إلى المليون نسمة من أصل (48) مليون جميع سكان البلاد، منخرطة تماماً في الحياة، وتمارس دورها الاجتماعي و السياسي بفعالية، وتلعب مؤسساتهم دورها في التأثير على صناعة القرار
ولا تجد المسلمين في جنوب إفريقية يطلبون مساعدات أو معونات مادية من العالم الإسلامي بل هم يقدمون هذه المعونات.
رابعا: ويمارس المسلمون في جنوب إفريقية نشاطهم السياسي بفعالية، بل يمكن القول إنهم منخرطون في العملية السياسية، وفي الوزارة أكثر من أربعة وزراء من المسلمين، ويوجد عشرة سفراء يمثلون بلادهم في الخارج، وهناك عضوية ملموسة من المسلمين في حزب المؤتمر الوطني الحاكم والمسلمون محترمون في جنوب أفريقيا.
إشكالات … وقضايا
من المشكلات التي تواجه الجالية المسلمة :
– قضايا فقه الواقع، والنوازل وما يستجد من مستحدثات العصر، فمعظم مرجعيات الجالية من الأحناف الذين يفتقرون إلى الاجتهاد في قضايا النوازل، وهم من كبار السن ومن المتأثرين بالمدرسة الديبوندية ولديهم تعصبية لمنهجهم، وقد ظهر جيل من الشباب المسلم المتعلم والمتفتح على علماء الأمة.
– انتشار القبورية، أضرحة و غلاة المتصوفة.
– انتشار التشيع خلال السنوات الماضية(٢٠سنة) انتشارا واسعا.
– تعصب المذهبي و نظرة سلبية ل “السلفية/ وهابية/حنابلة” حتى منع إمام الحرم المكي من بعض مساجد الأحناف هذه السنة.
– تمزق و افتراق بين طوائف المسلمين.
– ومن الإشكاليات التي تواجه المسلمين في جنوب إفريقية قضايا “الربا”، و “التأمين على الحياة”، والقضايا الطبية، ومشكلات اجتماعية .
– المسلمون في جنوب إفريقية محل استهداف لطوائف ودول كثيرة بدأ ينعكس بشكل سلبي خلال الفترة القليلة الماضية من خلال إضعافهم وتفكيك وحدتهم.(1)
الهوامش:
(1) لمزيد من المعلومات عن جنوب افريقيا
http://saidkreidieh.com/said_kreidieh/gomhoreyet%20gnob%20efreqia%20wa%20mosalemeha%20.doc