جذبت التطورات التي تشهدها قارة إفريقيا في الآونة الأخيرة انتباه الخبراء وكُتّاب مقالات الرأي في إسرائيل، ولا سيما أن التطورات التي تشهدها القارة تُلْقِي بظلالها بشكلٍ أو بآخر على الدولة العبرية.
ورصدت بعض المقالات في الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية ملفات مختلفة؛ منها ما يتعلق بالتداعيات التي ستنجم عن أزمة المناخ فيما يتعلق بالبلدان الإفريقية، ورأت أن القادم يحمل بين طيّاته مخاطر كبيرة على القارة مقارنةً بمناطق أخرى من العالم، في ظل الظروف غير المُواتية والافتقار إلى البنية التحتية.
فيما كان انقلاب النيجر حاضرًا بشكل استثنائيّ، في وقتٍ كان هذا البلد على وشك التطبيع مع إسرائيل.
وأخيرًا تدلل قضية طالبي اللجوء الإريتريين في إسرائيل على مدى تأثير الأزمات الداخلية في بلد يقع في القرن الإفريقي على أقاليم أخرى؛ إذ حمل المهاجرون معهم إرثًا ثقيلًا، وتسللوا عبر الحدود، ليُصدِّروا هذا الإرث إلى مدينة تل أبيب، والتي شهدت بدَوْرها أعمال عنف وشَغب وخسائر في الممتلكات، جرَّاء الاشتباكات بين إريتريين مؤيدين ومعارضين للنظام في أسمرة.
يُلقي المقال الأول، للكاتب يوآف كارني، الضوء على قضية شائكة، وأزمات يعاني منها طالبو اللجوء الإريتريين في إسرائيل، ممَّن كانوا قد تسللوا خلال السنوات الأخيرة إلى إسرائيل؛ هربًا من النظام الحاكم في أسمرة، وكيف فشلت الدولة العبرية في دَمْجهم في المجتمع، ناهيك عن تعليق طلبات اللجوء منذ سنوات وعدم اتخاذ قرارات بشأنها، ليتفاقم الوضع، وتبدأ الحكومة التلويح بعصا الطرد والإبعاد القسري عقب التظاهرات العنيفة التي ضربت جنوب تل أبيب أخيرًا.
ويُلقي الكاتب باللوم على حكومة بلاده التي أَخفقت في التعاطي مع هذا الملف بشكل جادّ، في وقتٍ كان يتعيّن أن تضع فيه هذه الحكومة مسألة استقرار إفريقيا بوجهٍ عام، وإريتريا بوجه خاصّ، على رأس أولوياتها؛ نظرًا للتداعيات التي ستنجم عن زعزعة استقرار هذه القارة.
وفي المقال الثاني تُركّز الكاتبة إيلانا كورييل على تداعيات خطيرة لأزمة المناخ ستشهدها قارة إفريقيا بشكل خاص، وعلى الرغم من أن الحديث يجري عن أزمة عالمية؛ إلا أن افتقار القارة للبنية التحتية القوية والقدرة على الاستجابة أو التحسُّب لمواجهة أزمات من هذا النوع، يفاقم مخاطر تغيُّر المناخ في إفريقيا بشكل لا يُقارن بمنطقة أخرى.
واستدلت الكاتبة على ذلك الخطر بدراسةٍ أجراها باحثون من دول عديدة، منها إسرائيل، خلصت إلى أن سكان القارة الإفريقية سيواجهون مصيرهم المحتوم، جراء تداعيات أزمة المناخ، وستعد إسرائيل وقتئذٍ ممرًّا قاريًّا بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، لتجد نفسها أمام ظاهرة مُهاجِري المناخ الأفارقة.
ويركز المقال الثالث للكاتب تسيكي براندون على الانقلاب العسكري في النيجر وتداعيات خلع نظام الرئيس محمد بازوم، حليف الغرب، ليضع رؤية استشرافية للمستقبل القريب، متوقعًا أن تُشكِّل النيجر “حجر دومينو” سيعني سقوطه المزيد من الانقلابات، وهو ما حدث بالفعل (مع مراعاة تاريخ نشر المقال)؛ إذ لحقت الجابون بالنيجر بالفعل، لتصبح مخاوف الكاتب أقرب إلى التحقق، ولتتحول قارة إفريقيا إلى قنبلة موقوتة، في وقتٍ يُعدّ فيه الرابح الأكبر من وراء هذا الزخم هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من وجهة نظر الكاتب.
الإريتريون في تل أبيب: تعاطٍ سياسيّ وليس أمنيًّا فحسب[[i]]
الكاتب الإسرائيلي يوآف كارني تطرَّق عبر مقالته في صحيفة “غلوبس” العبرية يوم 7 سبتمبر 2023م إلى قضية شائكة، تتعلق بفشل عملية انصهار المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة، ولا سيما من إريتريا، في المجتمع الإسرائيلي، وعلى خلاف نجاح تجارب تاريخية عديدة، مثل تجربة الولايات المتحدة خلال المائتي عام الماضية، وكذلك نجاح دَمْج المجموعات العرقية في شرق القرن الإفريقي، بشكل أو بآخر، يعتقد أن إسرائيل في حاجة لدراسة تجارب التاريخ من أجل مواجهة ما أسماه بـ”الجنون الذي شهدته شوارع تل أبيب” يوم السبت الماضي.
وبحسب اعتقاده؛ فقد جلب اللاجئون البائسون من إريتريا حالة كراهية أَدْمَنُوها إلى مدن أجنبية، لجأوا إليها في نهاية المطاف، ليس فقط في إسرائيل، ولكنْ في أجزاء من أوروبا أيضًا، ووجد أنه ليس هناك فائدة من المبالغة في التفسيرات الاجتماعية المجردة بشكل مفرط، وأن السبب الأكثر احتمالًا هو عدم وجود الأُفُق، وتبدُّد فرص استيعابهم في بلدان الشتات، بينما يحوم خطر الترحيل فوق رؤوسهم، ورأى أن التلويح الإسرائيلي بالإعادة القسرية إلى إريتريا يتعارض مع بقاء حياتهم، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين يعارضون الدولة البوليسية في وطنهم الأصلي.
ويرصد الكاتب أسباب الأزمة التي ضربت أخيرًا المناطق الجنوبية لمدينة تل أبيب؛ حيث وقعت أعمال عنف دامية بين مؤيدين ومعارضين للنظام الحاكم في أسمرة، وسرعان ما تحوَّلت إلى صدام مع الشرطة الإسرائيلية، ورأى أن الإريتريين يفتقرون إلى قنوات اتصال حقيقية مع الإسرائيليين، ولا سيما ساسة إسرائيل، دون أن ينفي عن هؤلاء الساسة صفة المواقف العنصرية منذ زمن طويل، وقت أن أطلقت الوزيرة ميري ريغيف على أفارقة يقطنون جنوب تل أبيب اسم “السرطان”، كان ذلك قبل عشر سنوات.
آخر الأزمات الكبرى للاجئين من شرق إفريقيا حدثت في تل أبيب في عام 2012م، ويوضح الكاتب أنه اقترح حينذاك بشكل شخصي أن تتبنَّى إسرائيل سياسة إفريقية تعترف بالأمر الواقع، وأن هناك علاقة واضحة بين الهجرة غير الشرعية إلى إسرائيل من إفريقيا وبين أزمات الحكم في هذه القارة، مشيرًا إلى أن إسرائيل هي الدولة غير الإفريقية الوحيدة في العالم التي تمتلك حدودًا برية طويلة مع دولة إفريقية، وحتى الأسوار السلكية وأبراج المراقبة لن تَحميها من ظروف الجغرافيا.
إن الأزمة في إفريقيا هائلة، ففي كل عام يأتي آلاف الأفارقة ليضعوا حياتهم بين أيديهم، ويدفعوا ثروة للمهربين، ويُبْحِرُوا في قوارب إلى أوروبا، فيغرق المئات منهم. ويدعو الكاتب هنا للتدقيق في عدد الحروب المشتعلة في جميع أنحاء إفريقيا، من السودان، مرورًا بإثيوبيا، والصومال، ودول الساحل (جنوب الصحراء)، والكونغو، وموزمبيق. ويَلُوم حكومة إسرائيل على حالة عدم الاكتراث وغضّ الطرف عن واقع قائم بالفعل، ويرى أن إفريقيا قاب قوسين أو أدنى من إسرائيل، وأن زعزعة استقرارها ينبغي أن يأتي على رأس شواغل إسرائيل المُباشِرَة، متسائلًا: متى سيُنَاقَش ملف إفريقيا بجدية داخل أروقة الحكومة وفي الكنيست وفي وسائل الإعلام؟
ولكن ما هي “الجدية” المطلوبة في ذلك؟
أراد كارني تعريف التعاطي الجاد مع إفريقيا وشواغلها، وذكَر أن تلك الجدية تعني المشاركة في مناقشة دولية حول المشاكل الإفريقية، وبذل جهود دبلوماسية لصالح التنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان؛ لمحاولة التأثير على الأنظمة السياسية في القارة، التي يؤدي سلوكها إلى نتائج مأساوية، مثل موجات اللاجئين التي تصطدم بالشواطئ الأجنبية. وأشار إلى أن إريتريا تُعدّ مأساة فريدة من نوعها تَستحق المزيد من الاهتمام الإسرائيلي لسببٍ واحدٍ؛ هو أنها ناضلت من أجل حريتها ضد إثيوبيا لمدة 30 عامًا، وفي تلك السنوات (1961-1991م)، قدمت إسرائيل مساعدات عسكرية لإثيوبيا على افتراض أن إريتريا المستقلة ستُشكِّل تهديدًا عدائيًّا مؤيدًا للعرب أمام حرية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.
الكاتب ما يزال يستنكر دعم إسرائيل للديكتاتورية العسكرية شبه الشيوعية التي كانت قائمة في إثيوبيا في ذلك الوقت، ويُذكِّر القراء بأنه كان قد وجد نفسه بين كثير من المُحبَطين، بعد أن حوَّل قادة حرب الاستقلال أمجاد انتصارهم إلى دولة بوليسية شريرة تنافس غيرها، لتصبح من أسوأ الدول في العالم، للحد الذي أصبح من المعتاد مقارنة “الطاغية” أسياس أفورقي، القابع في الحكم منذ 30 عامًا بطغاة كوريا الشمالية؛ على حد وصف الكاتب الإسرائيلي.
وأسهب في سرد الملابسات المحيطة بالنظام السياسي في أسمرة، ومن وجهة نظره، أزال أفورقي كل تحفُّظاته بشأن إسرائيل، وطوَّر علاقة وثيقة معها، انطلاقًا من كونه شخصية انتهازية واضحة، لديه استعداد للتعامل مع أيّ حليف محتمل، بما في ذلك إيران. ويقول: إن إريتريا بدَوْرها كانت واحدة من الدول الخمس الوحيدة الأعضاء في الأمم المتحدة التي دعمت الغزو الروسي لأوكرانيا، على أمل أن يُؤْتِي هذا الدعم ثماره.
أخيرًا يتساءل كارني: ما مدى استعداد البلدان المضيفة للسماح بوجود معارضي نظام أفورقي؟
أجاب بأنه ليس هناك فائدة من التظاهر بأن الرد بسيط، ولكن هناك حاجة ملحَّة لرَفْع القضايا الإفريقية إلى مستوى أعلى من مستوى المشاورات الإدارية في وزارة الخارجية. ويقول: إنه سيكون بوسع وزير أو نائب وزير للشؤون الإفريقية، وربما سفير خاص لشؤون اللاجئين، المساهمة في التعليم العام، وكذلك منح إسرائيل حضورًا بنَّاءً في النقاش الدولي حول إفريقيا.
وعلى الرغم من أن من حق أي دولة تقييد الدخول إلى أراضيها؛ إلا أن ذلك لا يسمح لها بالمساس بحقوق الإنسان لأولئك الموجودين داخل حدودها، ويؤكد أن هذا هو الشيء الوحيد الذي لا تزال إسرائيل تفتقر إليه، وبينما تسعى جاهدةً لإزالة وَسْم الفصل العنصري؛ فإنها لا تستطيع التعامل بجدية مع اللاجئين السود، دون أن تفقد ما تبقَّى من حُسْن النية لدى العديد من أصدقائها..؛ هكذا ختم كارني مقالته.
القارة غير المستعدة لأزمة المناخ: “موجة المهاجرين ستزداد”[[ii]]
يحذر باحثون إسرائيليون من أن الفيضانات وحالات الجفاف ستُطْلِق العنان لكوارث لم يَسْبق لها مثيل على سكان القارة الإفريقية، أولئك الذين يفتقرون إلى الموارد، وإلى القدرة على الاستعداد لمواجهة أحداث مناخية متطرفة، والتي تتزايد بطبيعة الحال، في ظل أزمة المناخ العالمية.
هذا التحذير جذب أنظار الكاتبة الإسرائيلية إيلانا كورييل، والتي أشارت في مقالتها عبر صحيفة يديعوت أحرونوت، في 3 سبتمبر 2023م إلى أن الاحتباس الحراري الذي أدَّى في العقود الأخيرة إلى تغيُّر أنماط هطول الأمطار، فضلًا عن تسبُّبه في زيادة وتيرة الظواهر الجوية المتطرِّفة في جميع أنحاء العالم، سيرتدي ثوبًا أكثر تطرُّفًا في إفريقيا؛ حيث يتعرَّض السكان لكوارث مناخية بشكل لا يقارن مع السكان في المناطق الأخرى حول العالم.
ودلَّلت على ذلك بأنه في العامين الماضيين، ترك الجفاف في القرن الإفريقي، وهي منطقة تشمل إريتريا والصومال وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا وأوغندا وجمهورية السودان وجنوب السودان، أثرًا كارثيًّا على النظم الزراعية والأمن الغذائي الإقليمي، وعرَّضَ المحاصيل الزراعية للخطر، في وقتٍ يؤدي فيه انخفاض المحاصيل إلى خسائر فادحة، ناهيك عن معاناة قرابة 20 مليون نسمة من سوء التغذية المزمن والجوع، أضف إلى ذلك أنه في حالات الجفاف واسعة النطاق؛ سيتعرّض السكان في جميع أنحاء إفريقيا أيضًا للفيضانات المفاجئة.
وتقتبس كورييل في مقالتها عن الدكتور عساف تسحور، المدير الأكاديمي لبرنامج “أفيرام” للاستدامة والمناخ في جامعة “رايخمان” في إسرائيل، أنه في ظل غياب البنية التحتية والتدريب في مجالات علمية، سيُواجه سكان القارة الإفريقية مصيرهم المحتوم، مُحذِّرًا من أن إسرائيل التي تُشَكِّل ممرًّا قاريًّا بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، عليها أن تأخذ بعين الاعتبار ظاهرة أسماها “ظاهرة مُهاجِري المناخ الأفارقة”.
ومن زاوية علمية وخلاصات توصَّل إليها الباحثون الذين ترأسهم الدكتور تسحور؛ تستعرض كورييل ما يمكنه تسميته بالترجمة العملية لافتقار إفريقيا إلى البنية التحتية، ونقص التدريب في العلوم والمهارات الهندسية والتقنية، من زاوية أزمة المناخ؛ إذ ستكون النتيجة الحتمية هي أن مئات الملايين من سكان إفريقيا سيُترَكون لمصيرهم الناجم عن الأزمة، دون القدرة على مواجهة الكوارث المزمنة.
في العام الماضي؛ قام فريق بحث دولي يضم باحثين من إسرائيل وإنجلترا وكينيا وإثيوبيا والسنغال بتحليل حوالي 8000 كارثة جوية وهيدرولوجية (الأعاصير والفيضانات والانهيارات الطينية وموجات البرد وموجات الحر والجفاف)، وأكثر من 500 ألف حالة وفاة مُبكّرة، و2.7 ملايين حالة إصابة نتيجة الكوارث المناخية، خلال العشرين عامًا الماضية، في جميع أنحاء العالم، ووجدوا تباينًا هائلًا في الخسائر البشرية في إفريقيا مقارنةً بالمناطق الأخرى. وعلى سبيل المثال، وجد الباحثون أنه مع مرور الوقت، مقابل كل أوروبي لقي حَتْفه في فيضان مفاجئ، هناك قرابة 5 أفارقة قضوا نَحْبهم في فيضان مفاجئ، وفي مقابل كلّ آسيوي أهلكه الجفاف، زهقت روح نحو 50 إفريقيًّا.
وأحصت المقالة الأسباب التي خلص إليها الباحثون، ومنها: افتقار البلدان الإفريقية للقدرة على التوقع والاستعداد والاستجابة في الوقت الحقيقي للمخاطر المناخية والتغير المناخي الكارثي، وضعف البنية التحتية لرصد الطقس، وأنظمة التنبؤ بالطقس، بما في ذلك الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي (AI)، وأدوات الاستجابة في الوقت الفعلي لحالات الطوارئ المناخية، كل تلك الأدوات تبقى في أضعف حالاتها لو كان الحديث عن إفريقيا.
ومن بين صور الفجوات بين القارة الإفريقية وغيرها من القارات هي الافتقار إلى القدرة على التوقع والاستعداد والاستجابة في الوقت الحقيقي للكوارث المناخية، والتي تعتمد على الأنظمة المعروفة بالأنظمة الثلاثية للإدارة؛ إذ يوجد في أوروبا 345 نظام رادار متقدم لرصد الطقس، وفي أمريكا الشمالية 291، وفي آسيا 200، وأستراليا 135، وفي إفريقيا مجتمعة 37 فقط. وبتحليل المخاطر، اقترح الباحثون سلسلة من التقنيات وآليات التمويل التي قد تُسهِّل الأمر على سكان القارة في وقتٍ سيصبح فيه مليار إفريقي عُرْضَة لمخاطر المناخ.
وتعتقد كورييل أن الأمر سيؤثر على إسرائيل؛ لأن السكان الذين ستضربهم الكوارث المناخية في إفريقيا سيعمدون إلى الهجرة، فهناك دراسات تتنبَّأ بموجات من الهجرة خارج إفريقيا بسبب تغير المناخ، وتشكل إسرائيل ممرًّا قاريًا بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، وسيكون من الصعب التنبؤ بعدد المهاجرين المناخيين الذين سيطرقون أبواب إسرائيل، ومِن ثَم أوصت بضرورة أخذ هذه الظاهرة بعين الاعتبار.
وفي وقتٍ تعتمد إسرائيل على استيراد المواد الغذائية المزروعة في إفريقيا، مثل القهوة والكاكاو والفاكهة، فإنها ستتعرض لصدمات ومخاطر مناخية، بقدر ما ستتعرض المزارع والمحاصيل الزراعية في جميع أنحاء القارة لصدمات ومخاطر مناخية. ما يعني أن هناك صلة بين الظواهر الجوية المتطرفة والأمن الغذائي في إسرائيل..؛ هذا ما تقوله الكاتبة.
قنبلة موقوتة: إفريقيا في طريقها إلى “حرب عالمية”؟[[iii]]
يعتقد الكاتب الإسرائيلي تسيكي براندون، أن الانقلاب العسكري في النيجر، والذي وصفه بـ”القنبلة الموقوتة”، شكَّل، قبل كل شيء، مقدمة محتملة لتحوُّلات مهمة في العلاقات الداخلية بين دول القارة الإفريقية، وعكس ذلك في مقالته بموقع القناة الإسرائيلية السابعة في 7 أغسطس 2023م؛ إذ أشار إلى أنه على الرغم من أن الانقلابات عُدَّت أمرًا شائعًا في إفريقيا لفترة طويلة، ولكن يبدو هذه المرة أن انقلاب النيجر شكَّل نقطة تحوُّل مهمة في العلاقات الداخلية لبلدان إفريقيا ذاتها.
وسرد براندون تداعيات الانقلاب العسكري في النيجر على العلاقات مع الغرب، ولا سيما مع باريس وواشنطن، واللتين هددتا بقطع العلاقات مع النظام الجديد، في وقتٍ تحظى فيه النيجر بأهمية اقتصادية كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، وعدت مجموعة من الدول المجاورة بالتدخل، بعضها لصالح الحكومة الحالية، وبعضها لصالح الرئيس المخلوع محمد بازوم. ووضعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) إنذارًا هو الأكثر أهمية: سبعة أيام لإعادة الرئيس بازوم والنظام السابق، وإلا فإن الحكومة الجديدة ستواجه عواقب، بما في ذلك خيار التدخل العسكري.
وبحسب مقاربة الكاتب، لو كانت أستراليا على سبيل المثال، قد أعلنت أنها تواجه خطر الغزو من قبل الدول المجاورة، وأنها في خطر وجودي، ربما كان هذا الأمر سيحمل تأثيرًا كبيرًا، وسيصبح الشغل الشاغل للعالم بأَسْره، لكن ها هي النيجر، تعيش وضعًا مُعقَّدًا للغاية، وتواجه خطرًا وجوديًّا، وبخاصة على المستوى الاقتصادي.
وانتهت المهلة التي حددتها المجموعة الاقتصادية في غرب إفريقيا في 6 أغسطس 2023م، ليعلن النظام الجديد الذي يخشى الضربات الجوية في اليوم التالي إغلاق سماء البلاد. في المقابل، أعلنت دولتا الجوار مالي وبوركينا فاسو، أن أيّ غزو أو تدخُّل مِن قِبَل الإدارة الجديدة سيكون بالنسبة لهما تدخُّلًا في بلديهما، وبالتالي ستَهْرعان للمساعدة عسكريًّا.
وهنا يعتقد الكاتب أن النيجر “تُشكِّل حجر دومينو آخر يسقط في إفريقيا”، وهي الساحة التي تكتسب أهمية كبيرة؛ نظرًا للعلاقات سواء مع الولايات المتحدة أو الصين، وبالطبع علاقة الغرب بالصين. ويقول: إن النيجر في السنوات الأخيرة، كانت تُعدّ جزيرة الحكمة الديمقراطية في المنطقة إلى حدٍّ ما، وهو الأمر الذي كان من بين أسباب المفاجأة التي حلَّت بالبعض بحدوث انقلاب في هذا البلد أيضًا. وعلى مر السنين، أسهم تحالف الرئيس محمد بازوم مع الغرب في الحد من العنف الإسلامي، ومن ناحية أخرى، أدى الانحياز الواضح للغرب إلى حدوث اضطرابات داخل هرم القيادة بالجيش.
وختم الكاتب بأن المستفيد الأكبر من الصراع هو الرجل الذي خسر الكثير في الآونة الأخيرة، وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ إذ يمكن أن نجد دولة أخرى الآن تحت رحمة قوة فاغنر الروسية المنتشرة بشكل جيد في المنطقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[i] يوآف كارني، “الإريتريون في تل أبيب: تعاطٍ سياسي وليس أمنيًّا فحسب”، موقع غلوبس (بالعبرية)، 7 سبتمبر 2023م، على الرابط: https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001457087
[ii] إيلانا كورييل، “القارة غير المستعدة لأزمة المناخ، موجات الهجرة منها ستتزايد”، موقع صحيفة يديعوت أحرونوت (بالعبرية)، 3 سبتمبر 2023م، على الرابط: https://www.ynet.co.il/environment-science/article/bydd2o110n
[iii] تسيكي براندون، “قنبلة موقوتة: إفريقيا في طريقها إلى “حرب عالمية”؟”، موقع القناة السابعة (بالعبرية)، 7 أغسطس 2023م، على الرابط: https://www.inn.co.il/news/610166