لسنواتٍ عديدةٍ، كان الاتحاد الإفريقي، يسعى جاهدًا للحصول على عضوية تجمُّع العشرين الاقتصادية “G20″؛ حيث تكرَّرت الدعوات والمطالبات التي تقدّم بها القادة الأفارقة للحصول على عضوية مجموعة العشرين، وكان آخرها بقمة الاتحاد الإفريقي في فبراير 2023م عندما وجَّهت القمة طلبًا رسميًّا لمجموعة العشرين بالموافقة على عضوية الاتحاد الإفريقي في المجموعة.
وتمَّت الموافقة على ذلك الطلب بعد النظر في اقتراح مُقدَّم من “ماكي سال”، رئيس السنغال ورئيس الاتحاد الإفريقي آنذاك، وأكدت القمة “حاجة إفريقيا إلى المشاركة بشكلٍ كاملٍ في عمليات صُنع القرار بداخل هذا التجمع”، ثم تكررت بعد ذلك في يوليو من العام نفسه.
ووافقت (12) دولة في “G20” على طلب الاتحاد الإفريقي، وذلك قبل انعقاد القمة في الهند؛ حيث أعربت كُلّ من: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والهند، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، البرازيل، وجنوب إفريقيا، وإندونيسيا، واليابان، عن دعمهم الكامل لعضوية الاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ليصل العدد إلى (13) دولة.
بينما تحفَّظت أو امتنعت أو عارضت عدة دول، شملت كلًا من: أستراليا، كندا، الأرجنتين، المكسيك، كوريا الجنوبية، المملكة العربية السعودية، وتركيا، عن القبول بعضوية الاتحاد الإفريقي، وكان ذلك في يوليو من العام 2023م.
وشهد انعقاد قمة العشرين الاقتصادية في مدينة نيوديلهي بالهند في يومي 9 و10 سبتمبر 2023م الإعلان بشكل رسمي عن قبول الاتحاد الإفريقي كعضو في تجمُّع مجموعة العشرين الاقتصادية.
ولذلك، تناقش هذه الورقة قرار قبول الاتحاد الإفريقي ضمن عضوية مجموعة العشرين الاقتصادية، والاستفادة المرجوة من وراء ذلك الانضمام، بالإضافة إلى استعراض أبرز الإشكاليات التي قد تقف أمام هذه الاستفادة.
أولًا: دلالات القبول:
يُنْظَر إلى قرار مجموعة العشرين بقبول عضوية الاتحاد الإفريقي على أنه خطوة في طريق الإقرار بضرورة العمل على تعزيز النمو الاقتصادي بين الدول المتقدمة والعالم النامي، وبخاصة فيما يتعلق باندماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي.
ويُستدل على ذلك من خلال ما رَفَعته القمة من شعارات بشأن توجيه المزيد من الاهتمام لمعالجة احتياجات العالم النامي؛ مما يعطي انطباعًا حول رغبة الدول الأعضاء في التحول تجاه النظرة للدول والشعوب الإفريقية، خاصةً بعد توالي الانقلابات العسكرية التي شهدتها القارة، خاصةً منذ عام 2020م حتى الآن؛ إذ تمتلك الدول الأعضاء في تجمُّع العشرين الاقتصادية، علاقات ومصالح مع الدول الإفريقية، بل إنها كانت من الدول المستعمرة لإفريقيا.
ويمكن الإشارة إلى دلالات قبول مجموعة العشرين الاقتصادية لعضوية الاتحاد الإفريقي على النحو التالي:
1- تصاعُد ظاهرة عدم الاستقرار السياسي في إفريقيا:
لقد أدَّت الانقلابات العسكرية التي شهدتها المستعمرات الفرنسية سابقًا في إفريقيا إلى التحوُّل في طريقة التعامل مع القارة؛ فقد بات من الواضح أنَّ هناك حالةً من الاستياء الإفريقي تجاه السياسات الغربية بشكلٍ عام، والفرنسية بصورة خاصة، ففي كافة حالات الانقلابات العسكرية في دول غرب إفريقيا منذ عام 2020م كانت الدوافع وراء الانقلاب التخلُّص من هذه السياسات، ولذلك اتخذت الحكومات الجديدة في هذه الدول مواقف معادية بشكل علني تجاه فرنسا؛ بحيث أصبح كل ما هو فرنسي غير مرغوب فيه في إفريقيا([1]).
2- توسيع النفوذ الروسي:
نتج عن الانقلابات العسكرية في إفريقيا، وحالة عدم الرضا عن السياسات الغربية، توسُّع النفوذ الروسي، وإن كان لا يزال محدودًا بالمقارنة بالدول الغربية الأخرى؛ إلا أن السياسات الروسية الأخيرة في القارة وحالة العداء للغرب التي خلقها الوجود الروسي في هذه الدول نتج عنها تهديد حقيقي للمصالح الغربية، في ظل تنامي الرغبة من النخب الجديدة في إفريقيا في الاعتماد على روسيا، الأمر الذي ربما قد يكون دفَع الدول الأعضاء في التجمع، وبخاصة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي للبحث عن طريقة أخرى للحفاظ على مصالحهم؛ مما دفَعهم إلى البحث عن إطارٍ جديدٍ للتعامل مع القارة، ولكن هذه المرة عبر إطار مؤسسي إقليمي.
3- تصاعد الأهمية المركزية للاتحاد الإفريقي ودوره في تحديد مستقبل القارة الاقتصادي:
يكشف السياق العام وراء قبول الاتحاد الإفريقي عضوًا في “G20” عن النظرة المستقبلية لقارة إفريقيا، والدور الذي يمكن أن يقوم به لتحديد مستقبل القارة؛ حيث تتصاعد الأهمية المركزية المتزايدة للاتحاد في الإدارة الاقتصادية للقارة، خاصةً مع قيام منطقة التجارة الحرة الإفريقية (AfCFTA) بدمج اقتصادات إفريقيا البالغ عددها (55) اقتصادًا في سوق واحدة منذ يناير 2021م؛ إذ يمثل الاتحاد الإفريقي الآن كتلة اقتصادية مُصنّفة على أنها ثامن أكبر كتلة اقتصادية في العالم. كما توفّر إفريقيا -على سبيل المثال- لدول الاتحاد الأوروبي 64% من وارداتها من البوكسيت تأتي من غينيا، و68% من الكوبالت، و36% من التنتالوم من جمهورية الكونغو الديمقراطية، و71% من البلاتين من جنوب إفريقيا، مما يعني أن غياب إفريقيا عن هذه الدول يُهدِّد مستقبل الصناعات الأوروبية والدولية بشكل عام([2]).
ثانيًا: ماذا ستضيف القارة الإفريقية لمجموعة العشرين الاقتصادية؟
تعتبر إفريقيا ثامن أكبر اقتصاد في العالم، وبحلول عام 2063م، تهدف القارة إلى أن تصبح ثالث أكبر اقتصاد عالمي، يؤدي هذا إلى وجود رغبة دولية في الاستفادة من القارة، ومن الأهداف التي تضعها مبادرة عام 2063م.
وبشكل عام يمكن الإشارة إلى أوجه الاستفادة التي يمكن أن تُحققها مجموعة العشرين الاقتصادية من جراء قبول عضوية الاتحاد الإفريقي على النحو التالي:
1- سوق واعدة للاستثمار:
تُمثل قارة إفريقيا سوقًا واعدة للاستثمار؛ حيث تمتاز القارة الإفريقية بالموارد الطبيعية المتعددة والثروات المتنوعة التي تحتاج إليها الدول الصناعية الكبرى، ومن المتوقع أن تستحوذ على أكثر من 25% من فرص العمل حول العالم بحلول عام 2050م، إلى جانب ذلك تمتاز إفريقيا بالعنصر البشري القادر على العمل فهي قارَّة شابة([3]).
تشير التقديرات إلى أن عدد مَن هم في سن الـ25 في إفريقيا قد يصل إلى نصف سكان القارة، مما يعني استفادة مجموعة العشرين من هذا التحول الديموغرافي المتوقع في إفريقيا لتحقيق: (زيادة الإنتاجية الاقتصادية، ونمو الاسواق الاستهلاكية، وتحسُّن مستوى الدخل)، هذا إلى جانب الموقع الاستراتيجي للقارة الذي يربطها بقارات العالم القديم يجعل منها محل اهتمام وسَعْي نحو إقامة مشروعات عملاقة خاصةً على الموانئ الإفريقية.
2- زيادة الثِّقل السياسي لمجموعة العشرين:
يعتبر انضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين بمثابة زيادة للثقل السياسي للمجموعة، خاصةً أن للاتحاد الإفريقي كتلة تصويتية كبيرة في الأمم المتحدة، كما يزيد أيضًا من الثقل النوعي لإفريقيا بين دول المجموعة؛ ويساعد في الدفع نحو إقامة علاقات بينية أوسع بين الدول الإفريقية من جهة ودول المجموعة من جهة أخرى، أيضًا يمكن للقارة الإفريقية أن تزيد من الثقل السياسي لمجموعة العشرين من خلال منظمة التجارة الحرة الإفريقية، والتي تضم في عضويتها 55 دولة؛ حيث من المتوقع أن تُوفِّر فرصًا استثمارية وتجارية تُقدّر بأكثر من 250 مليار دولار.
3- مصدر بديل للطاقة والغاز الروسي:
على الرغم من أن روسيا عضو في تجمُّع دول العشرين الاقتصادية الكبرى؛ إلا أن حربها مع أوكرانيا، وغياب الثقة بينها وبين الغرب، بسبب ما نتج عن هذه الحرب من تهديدٍ لمصادر الطاقة في أوروبا؛ وهذا ما دفَع الغرب إلى البحث عن مصادر أخرى بديلة للطاقة في أوروبا، وتُعتبر قارة إفريقيا قريبة نسبيًّا من جنوب أوروبا، وتمتلك مصادر متعددة من النفط والغاز الذي بات يُنظَر إليه على أنه بديل استراتيجي للغاز الروسي؛ مما يجعل إفريقيا تلعب دورًا في إحْدَاث قَدْر من التوازن في أسواق الطاقة تحسُّبًا لأي ضغوطات روسية.
ثالثًا: كيف يمكن أن يُحقِّق الاتحاد الإفريقي الاستفادة من عضوية G20″“:
دخول الاتحاد الإفريقي كعضو دائم في “G20” يعني الدفع نحو تعزيز العلاقات البينية بين الطرفين، وهو ما يمكن قراءته في البيان الختامي للقمة؛ حيث تمَّت الإشارة إلى أن تجمُّع “G20” يسعى لتعزيز العلاقات مع القارة الإفريقية التي لها “دور مُهمّ في الاقتصاد العالمي”، والالتزام بتعزيز العلاقات مع الاتحاد الإفريقي ودعمه في السعي لتحقيق أهداف أجندة 2063″؛ لذلك ثمة مجموعة من المزايا المتوقَّعة التي يمكن أن يضيفها انضمام الاتحاد الإفريقي لمجموعة “G20″، وهي:
1- تمثيل الجنوب العالمي وعرض مشكلات المجتمع النامي:
يؤدي وصول الاتحاد الإفريقي إلى عضوية “G20” إلى تمثيل القضايا والمشكلات التي تمسّ دول العالم النامي، مما يعني أن الاتحاد الإفريقي سيكون منصة شاملة ومُعبِّرة عن قضايا ومشكلات المجتمع النامي، وهو ما يساهم في تحقيق رؤية الاتحاد في أجندة “2063م”، حول جعل إفريقيا قارة ذات تأثير على الساحة الدولية.
من جهتها، ترى دول الاتحاد الإفريقي أن قرار الانضمام لمجموعة العشرين الاقتصادية قد يكون بداية حقيقية في حلّ القضايا الدولية، خاصةً أن القارة تشارك بقدر كبير في الإنتاج العالمي؛ من خلال توفيرها للمواد الخام، وبالتالي فهي عنصر مُهمّ في المنظومة الدولية، وتدعم الهند التَّوجُّه نحو الدفع بالقارة الإفريقية والشرق الأوسط في المشاركة الفعَّالة عالميًّا، خاصةً أنها تسعى إلى إطلاق مشروع “ممر السكك الحديدية والشحن”؛ ذلك المشروع الطموح الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات، والذي سيربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، لذلك تريد أن تؤكد على محورية القارة الإفريقية والشرق الأوسط في هذا المشروع مستقبلًا([4]).
2- زيادة الثقل السياسي للقارة:
يُنْظَر إلى انضمام الاتحاد الإفريقي لمجموعة العشرين باعتباره ممثلًا عن كافة الدول الأعضاء فيه بما يتيح له اتخاذ القرارات التي تصبّ في صالح دُوَله، وتزيد من ثِقَله السياسي خارجيًّا، وبخاصة أن مشاركته تتم كعضو دائم، بما يعني تمتُّعه بنفس الدرجة التي يتمتع بها الاتحاد الأوروبي، وأن مشاركته في تجمُّع العشرين يفرض على هذا التجمع السعي نحو الحدّ من المشكلات السياسية والأزمات التي تمر بها دول القارة، خاصةً تلك المتعلقة بالانقلابات العسكرية والصراعات على الموارد بين الدول الكبرى؛ نتيجة لأن هذا الانضمام قد يؤدي إلى دعم تحقيق الاستقرار السياسي في القارة وإدانة أيّ محاولات من دول المجموعة لدعم الانقلابات.
3- جذب الاستثمارات الخارجية:
تساهم مجموعة العشرين الاقتصادية بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم، و80% من التجارة العالمية، ويمثل عدد سكان دول المجموعة ثلثي سكان العالم، كما أن القيمة الاقتصادية لدول الاتحاد الإفريقي تمثل ثلاثة تريليونات دولار سنويًّا، ما يعني أن انضمام الاتحاد الإفريقي لهذا التكتل سيسهم في فتح استثمارات جديدة في دول القارة، ما يزيد من القيمة الاقتصادية للدول الإفريقية، خاصةً في ظل امتلاك القارة للكثير من الموارد التي تحتاج إليها مجموعة العشرين الاقتصادية.
لذلك، فإنَّ على القارة استغلال تلك الفرصة في تحقيق التنمية؛ لأن كافة الدول الأعضاء في هذا التكتل الاقتصادي ستسعى جاهدةً إلى الاستفادة من هذه الموارد؛ حيث تمتلك القارة الإفريقية 60% من أصول الطاقة المتجددة على مستوى العالم، وأكثر من 30% من المعادن الأساسية للتكنولوجيات المتجددة ومنخفضة الكربون.
رابعًا: إشكاليات معرقلة:
على الرغم من الاستفادة التي يمكن أن تتحقق للقارة الإفريقية من جرّاء قبول الاتحاد الإفريقي في عضوية “G20″؛ إلا أن هناك عددًا من الإشكاليات التي قد تعرقل تحقيق ذلك، وهي على النحو التالي:
1- غياب التنسيق حول دعم الاقتصاد الأخضر ومقايضة الديون بالمناخ:
تشير التقارير الأممية إلى أنه على الرغم من المشاركة الإفريقية المحدودة في الصناعات العالمية؛ إلا أن القارة تتحمّل جزءًا ليس بقليل من انبعاثات الكربون بنسبة تصل إلى 14%، وأمام الرغبة الدولية في الدفع نحو الاقتصاد الأخضر والتي تتبنَّى استراتيجيتها دُوَل مجموعة العشرين؛ فإن المجموعة عليها السعي نحو المساهمة في الدفع بشكل كبير نحو مساعدة الدول الإفريقية في التغلُّب على مشكلات التغير المناخي والتلوث البيئي؛ من خلال تعزيز التوجه نحو المشروعات الخضراء، وهو ما طالبت به جنوب إفريقيا في كلمتها بالقمة؛ حيث دعت إلى شراكة عالمية مُعزّزة ومُوسَّعة من أجل التنمية المستدامة والقضاء على مشكلات التغير المناخي، وقد اتخذت المجموعة قرارًا بـتخصيص ثلاثة مليارات دولار لمكافحة التغير المناخي على مدار الخمس سنوات القادمة، بدعوة من وزيرة الخارجية الإيطالية “جيورجيا ميلوني”.
من جهة أخرى، عرفت القارة الإفريقية الحديث عن استراتيجية مقايضة الديون بالمناخ في صدارة مؤتمر وزراء المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية، الذي عُقد في أديس أبابا في 15 مارس 2023م، وتم اعتبار أن مقايضة الديون بالمناخ طريقة لإعادة توجيه خدمات الديون نحو مشاريع التكيف المناخي، ممَّا يساعد الدول الإفريقية على تخفيف معدلات الديون([5])، لذلك فإن تبنّي مثل هذه الاستراتيجيات مِن قِبَل أعضاء المجموعة يساهم في تحسين الدور الذي قد يقوم به الاتحاد الإفريقي في مجموعة العشرين؛ حيث تشير التقديرات إلى أن القارة بحاجة إلى زيادة كبيرة في التمويل الدولي العام والخاص بقيمة تخطت 1,3 ترليون دولار سنويًّا للتخلص من أزماتها المالية.
2- إشكالية غياب التكامل المؤسسي الإفريقي:
عادةً ما تتم القرارات الخاصة بـمجموعة “GO20” الاقتصادية عبر ثلاثة مستويات؛ هي: (مستوى القادة، ومستوى وزراء المالية، ومستوى محافظي البنوك المركزية)([6])، وبالنظر إلى القارة الإفريقية فإن مستوى التنسيق بين وزراء المالية والمحافظين المركزيين غير مُفعَّل، ومن المتوقع أن يبدأ إنشاء البنك المركزي الإفريقي في الفترة ما بين عامي 2028م و2035م، ما يعني التأثير على قدرة الاتحاد الإفريقي في إصدار القرارات مع المشتركة مع “GO20″؛ بسبب غياب مستويات مهمة في مناقشة القضايا الدولية.
2- تراجع دور الأمم المتحدة وتصاعد دور التكتلات السياسية:
هناك حالة من عدم الرضا عن السياسات التي تقوم بها الأمم المتحدة في إفريقيا؛ حيث بات يُنظَر إلى هذه المؤسسة الدولية في أنها فشلت في التعامل مع القضايا الإفريقية ما دفع بالمنظمات الإقليمية والتكتلات الاقتصادية الكبرى كـ”البريكس”، ومجموعةG20″ ” إلى التدخل لحماية مصالحهم في القارة؛ إذ تسعى مجموعةG20″ ” بأن تصبح قوة دولية مهيمنة سياسيًّا واقتصاديًّا، ومن هذا المنطلق ستكونG20″ ” مؤسسة أقوى وأشمل في إفريقيا، وهو ما قد يؤدي إلى مخاوف شعبية من أن تتحول إلى صورة جديدة للسيطرة على مُقدَّرات القارة.
3- تضارب المصالح بين الدول الأعضاء فيG20″ “:
يوجد لدى الدول في تجمُّع العشرين عدد كبير من المصالح في قارة إفريقيا، ترتبط هذه المصالح بالتوجهات الأيديولوجية التي تدفعهم نحو كَسْب نفوذ ومصالح على الأرض؛ حيث هناك صراع روسي مع الولايات المتحدة والغرب، وهناك صراع غربي مع الصين، وهناك صراع آخر شِبْه خفيّ بين روسيا والصين حول المصالح في إفريقيا؛ فقد تمكَّنت روسيا من بسط نفوذ واسع في إفريقيا، بينما تحاول الولايات المتحدة والغرب أن تُعيد بناء نفوذها مرة أخرى، وبالتالي فإن هذا التضارب في المصالح قد ينعكس سلبًا على الجهود التي يمكن أن يقوم بها تكتُّل مجموعة العشرين ككل في إفريقيا.
4- مخاوف من عدم فعالية أيّ دور للاتحاد الإفريقي:
تعاني المؤسسات الإقليمية في إفريقيا بشكلٍ عامّ، ومن بينها الاتحاد الإفريقي، من عدم القدرة على التعامل مع مشكلات القارة، ويتضح ذلك من مواقفها من الانقلابات العسكرية التي لا تخرج عن الإدانة أو الشجب أو تعليق العضوية لفترة، ثم تعيد تفعيل عضويتها مرة أخرى، فغالبية المؤسسات الإفريقية ترتهن إلى المزاج السياسي في إدارتها؛ مما يؤثر على القرارات التي تقوم بها، بالإضافة إلى التأثير على مجالسها وهياكلها الإدارية والتنظيمية([7]).
ولذلك كثيرًا ما يُنْظَر إلى البلدان الإفريقية باعتبارها متلقِّيًا سلبيًّا وغير مؤثِّر في أيّ قرارات تخصّ القارة، أو على الأكثر، شريكة يمكن التشاور معه بشأن مسائل محددة، ففكرة أن الأفارقة قد يكون لديهم مصالح خارج منطقتهم، أو أن يكون لهم رأي في النظام العالمي، هي فكرة نادرة، ومِن ثَم فإن الهيئات الدولية التي يمكن أن تستفيد من الأصوات الإفريقية كثيرًا ما تستبعدها أو تُهمّشها، الأمر الذي يُعرقل الأهداف المرجوة من دخول الاتحاد الإفريقي لمجموعة “”G20، وقد يجعل القارة ترتهن للقرار السياسي والاقتصادي للدول المؤثرة في “G20”.
خامسا : كيف تُحقِّق القارة الإفريقية أقصى استفادة ممكنة من عضوية مجموعة العشرين؟
لكي تتمكن القارة الإفريقية من تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه العضوية لا بد من اعتماد مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تُحسِّن من المستوى السياسي للاتحاد وتُفعِّل خطواته، ومن أهمها ما يلي:
1- الاختيار بين الكفاءات الإفريقية للعمل داخل المجموعة:
يتوقَّف نجاح الاتحاد الإفريقي في تحقيق أقصى قَدْر من الاستفادة من عضوية مجموعة العشرين في اختيار الكفاءات الإفريقية القادرة على تمثيل مصالح القارة؛ بحيث يجب أن يكون الاختيار قائمًا على أساس الخبرات السابقة لمن يتولَّى مهمة التنسيق مع “G20″، ويمكن أن يتم إسناد هذه المهمة إلى مُفوّضية الاتحاد الإفريقي التي تكون على متابعة مستمرة للقارة وتطوراتها.
2- توحيد القرار الإفريقي:
إن الأساس في نجاح الاتحاد الإفريقي في تحقيق مصالح القارة يتوقف على تحديد احتياجات القارة ومتطلباتها من العضوية، وهذا الأمر يتطلب أن يكون لدى الأفارقة القدرة على التنسيق المشترك في القضايا والمواقف، وبناء وجهة النظر الإفريقية بشأن القضايا الإفريقية والدولية.
3- وضع أجندة عمل للتعامل مع المشكلات الإفريقية المزمنة:
خاصة المشكلات المتعلقة بالتغيُّر المناخي، وانعدام الأمن الغذائي، والطاقة، والتي تُواجه نقصًا كبيرًا في التمويل، بالإضافة إلى قضايا العنف والإرهاب؛ حيث لا يغطّي النظام المالي الدولي حاليًّا سوى حصة صغيرة من احتياجات التنمية المستدامة في إفريقيا، بقيمة لا تزيد عن 30 مليار دولار سنويًّا([8]).
وختامًا:
يمكن القول: إن القرار الذي اتخذته مجموعة العشرين الاقتصادية بضمّ الاتحاد الإفريقي يعكس النظرة الإيجابية إلى القارة الإفريقية؛ حيث سيصبح بذلك الاتحاد الإفريقي ثاني أكبر تجمُّع يتم قبوله في مجموعة العشرين بعد الاتحاد الأوروبي، كما يعكس قرار القبول حالة التوافق الدولي بين دول مجموعة العشرين حول ضرورة التعامل مع إفريقيا؛ مما يزيد من الأهمية الاقتصادية والسياسية للقارة، ولذلك فحتى يتمكن الاتحاد الإفريقي من تحقيق أهدافه والاستفادة من هذه العضوية؛ يتعين على الزعماء الأفارقة العمل على توحيد الرؤى والقضايا التي تتطلب العمل المشترك حتي يكون للقارة دَوْر فعَّال داخل “Go20″، بما ينعكس إيجابًا على رؤية أجندة الاتحاد لإفريقي لعام 2063م.
كما يجب وضع خطة واضحة لإصلاح البنية المالية في إفريقيا، ووضع قائمة بالممثلين المحتملين لإرسالهم إلى قمم مجموعة العشرين، وإلا فإنه سيكون من الصعب على البلدان الإفريقية أن تحقق أيّ نَجاح يُذْكَر على الساحة، إلى جانب ذلك فإن بناء التحالفات بين مجموعة دول العشرين مع الاتحاد الإفريقي سيساهم في تعزيز صُنع السياسات العامة الاقتصادية والأمنية والسياسية، والتي تخدم المجموعة ككل؛ بحيث يتم العمل على فتح كافة الآفاق أمام كل الأعضاء في التجمع للتباحث حول القضايا المهمة دون قَيْد أو شرط.
يجب أيضًا على الاتحاد الإفريقي السعي نحو صياغة أجندة تنموية تتماشى مع متطلبات المرحلة الجديدة في العالم، والتي تشهد تعبئة التمويل الخارجي للتكيُّف مع قضايا المناخ، بالإضافة إلى تطوير أجندة 2063م الإفريقية، ولا يمكن أن يتم ذلك دون تعزيز التعاون مع الشركاء التقليديين للقارة، ومعالجة أخطاء الماضي التي دفعت إلى التشاحن الشعبي داخل القارة تجاه السياسات التي قام بها هؤلاء الشركاء؛ فعلى مدار سنوات كان يُنْظَر إلى الغرب بشكل عام، وكافة التكتلات الاقتصادية والدولية التابعة له بشكل خاص، على أنه قلعة “ما بعد الاستعمار”.
ولذلك، تأمل مجموعة العشرين الاقتصادية أن يؤدي قرار ضم الاتحاد الإفريقي، إلى الحد من ظاهرة الانقلابات العسكرية، وحل المشكلات المزمنة التي باتت تُؤرِّق غالبية الدول الأعضاء في هذا التجمع الدولي؛ نظرًا لطبيعة المصالح والعلاقات التي تربط دول التجمع بالدول الإفريقية؛ حيث تؤثر الانقلابات العسكرية على الاستقرار السياسي والاقتصادي للدول بشكل عام، وفي إفريقيا بصورة خاصة؛ حيث تعاني من مشكلات كبيرة كالهشاشة السياسية والمشكلات العرقية وأزمات الاندماج الوطني، ما دفَع هذه الدول إلى التعهُّد بالتعامل بشكل جدّي مع مشكلات الجنوب والعالم النامي، خاصةً تلك المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تُعدّ عاملًا أساسيًّا في حدوث الانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار السياسي.
____________________________
[1] – حمدي عبد الرحمن حسن، انقلاب الجابون وموت رابطة فرانس/أفريك، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2023-8-31، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/kvCRY
[2] -Ovigwe Eguegu, Why the G20 needs African Union as a member, theafricareport, July 29, 2022,at: https://shorturl.at/rMS39
[3] -The African Union is joining the G20, a powerful acknowledgement of a continent of 1 billion people, The Associated Press, September 9, 2023,at: https://shorturl.at/cvBH5
[4] -Taniya Dutta, “G20 will push for greater role for African Union and Arab countries”, the national news, Sep 10, 2023, at: https://shorturl.at/aCMR1
[5] – محمد عادل عثمان، المعادلة الخضراء: مستقبل مقايضة الديون بالمناخ في القارة الإفريقية، (القاهرة: مركز السلام للدراسات الاستراتيجية، 2 أغسطس 2023م) ص8.
[6] -The African Union is set to join the G20: how can it make the most of it?, African.Business, August 17th, 2023,at: https://shorturl.at/wJR15
[7] – محمد عادل عثمان، انقلاب الجابون: ما التداعيات والسيناريوهات المحتملة؟، قراءات إفريقية، 7 سبتمبر 2023م، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/EW278
[8] -Ibrahim Assane Mayaki and Daouda Sembene, he African Union Should Prepare Now for G20 Membership, project-syndicate, Aug 7, 2023,at: https://shorturl.at/kKTW0