مقدمة:
على الرغم من التوترات التي تشهدها منطقة غرب إفريقيا، في أعقاب الانقلاب العسكري في النيجر، في يوليو الماضي، والتطورات الجديدة في الجابون خلال الساعات الأخيرة؛ تواصل إسرائيل العمل من أجل العثور على المزيد من الشراكات في تلك المنطقة، ولا سيما مع دول تُبْدِي استعدادًا لتدشين منظومة علاقات دبلوماسية كاملة مع تل أبيب، والتي تسعى بدورها لتعزيز نفوذها وامتلاك موطئ قدم هناك، وحَشْد أكبر كتلة تصويتية إفريقية ممكنة، تدعم موقف تل أبيب الدبلوماسي في المحافل الدولية، ولا سيما بالأمم المتحدة، بشأن ملف الصراع في الشرق الأوسط، وغيره.
وتُعدّ سيراليون -الواقعة في غرب إفريقيا- الوجهة الإسرائيلية التالية، في أعقاب نجاح تل أبيب المبدئي في تعزيز منظومة العلاقات مع تشاد (وسط إفريقيا)، منذ زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى العاصمة إنجمينا في 20 يناير 2019م، وإعلان إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين، بلغت ذُروتها بإعلان الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو، خلال زيارته إلى إسرائيل في مستهل فبراير 2023م تدشين سفارة بلاده في مدينة “رامات غان” الإسرائيلية.
وعلى خلاف تشاد، التي دشّنت بالفعل سفارتها في مدينة تتبع قطاع تل أبيب؛ تناقلت وسائل إعلام عبرية خلال الأيام القليلة الماضية، أنباء عن عزم سيراليون تدشين سفارتها في الشطر الغربي من مدينة القدس، لتنضم بذلك إلى خمس دول على مستوى العالم أقدمت على هذه الخطوة، ليس من بينها بلد إفريقي، ما يعني أنه في حال أقدمت فريتاون على خطوة من هذا النوع ستصبح العاصمة الإفريقية الأولى التي تُدشِّن لها سفارة في القدس الغربية.
العلاقات بين إسرائيل وسيراليون كانت قد شهدت جمودًا في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بعد أن استمرت منذ عام 1961م، ليعلن الرئيس جوليوس مادا بيو، قبل أيام معدودة، عبر الحساب الرئاسي الرسمي على موقع X (العلامة التجارية الجديدة لموقع تويتر) أنه مُستعدّ لتدشين سفارة لدى إسرائيل في مدينة القدس، مشيدًا بالعلاقات “الدافئة” التي طالما جمعت بين بلاده وبين إسرائيل.
وبدَوْره أشاد وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين بتلك التغريدة، وكشف النقاب عن الاتصال الهاتفي بينه وبين مادا بيو، وكتب عبر حسابه على المنصة ذاتها: “سُررت حين سمعت من رئيس سيراليون عن نيته تدشين سفارة لبلاده في القدس. نُواصل وضع القدس -التي تُعدّ عاصمتنا الأبدية- على رأس جدول الأعمال الدبلوماسي لدولة إسرائيل”، على حد قوله[[1]].
أولاً: سيراليون وتدشين سفارة محتملة بالقدس
قبل أيام معدودة، وبالتحديد في 25 أغسطس 2023م، تناقلت وسائل إعلان إسرائيلية تقارير بشأن تطور لافت للأنظار على صعيد الوجود الإسرائيلي في منطقة غرب إفريقيا، مؤكدةً أن التطور الجديد يتعلق بسيراليون، والتي تُعدّ حاليًّا الوِجْهَة التي تُركِّز عليها تل أبيب، ضمن محاولات لبناء منظومة علاقات طبيعية، بعد انقطاع دام عقودًا طويلة.
موقع “تايمز أوف إسرائيل” ذكر أن رئيس سيراليون جوليوس مادا بيو، أبلغ وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، خلال اتصال هاتفي، أن بلاده على استعداد لتدشين سفارة لها بمدينة القدس، وهي الخطوة التي من المفترض أن تثير انتقادات حادة مِن قِبَل مُعارِضِي مسألة الاعتراف بالمدينة المحتلة عاصمةً لإسرائيل، وهي الخطوة التي استهلتها واشنطن، في ديسمبر 2017م، إبَّان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي أعلن نقل سفارة بلاده إلى القدس وسط انتقادات فلسطينية وإقليمية ودولية، تجلَّى مردودها في عدم إقدام الدول الفاعلة على نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس.
رئيس سيراليون تعهَّد لوزير خارجية إسرائيل بأنه ينوي تدشين سفارة لبلاده في القدس، وورد في البيان الصادر عن المكتب الرئاسي في سيراليون، أن الاتصال الهاتفي شهد حديثًا عن العلاقات الدافئة بين البلدين، والتي كانت قد بدأت في عام 1961م حين نالت سيراليون الاستقلال[[2]].
وبحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أيضًا؛ تشهد الفترة الحالية جهودًا لتعزيز علاقات البلدين مجددًا بعد القطيعة التي استمرت منذ عام 1973م، وأن عدم وجود سفارة لسيراليون في إسرائيل شارف على النهاية، في ظل عزم الرئيس جوليوس مادا بيو، الانضمام إلى الدول التي دشَّنت سفارتها بالقدس، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية وغواتيمالا، وهندوراس، وكوسوفو، وباراغواي، والأخيرة دشَّنت سفارتها في القدس في مايو 2018م، قبل إعادتها مجددًا إلى تل أبيب في سبتمبر من العام ذاته، وسط حديث عن قرب عودتها للقدس مرة أخرى خلال أيام.
وتجدر الإشارة إلى أن سيراليون لا تمتلك سفارة في إسرائيل على الإطلاق، بينما كان لإسرائيل سفارة في سيراليون أُغلقت في عام 1973م، وتُدَار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في الوقت الراهن عبر سفيرة إسرائيل في غانا، شلوميت صوفا، والتي تُدير العلاقات الدبلوماسية مع سيراليون من أكرا بدلًا من فريتاون[[3]].
وعدا عن الولايات المتحدة وغواتيمالا وهندوراس وكوسوفو، والوعد الذي قطعته باراغواي بإعادة السفارة إلى القدس؛ لا تحظى مسألة نقل سفارات دول العالم المختلفة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس بحماسة كبيرة، ولا تُبدي دول العالم اهتمامًا يُذْكَر بخطوة من هذا النوع، بما في ذلك أكبر شركاء إسرائيل في أوروبا وآسيا وغيرها؛ إذ يُنظَر إلى هذا الملف باعتباره من أكثر الملفات تعقيدًا، في وقتٍ سيعني فيه نقل السفارات إلى القدس اعترافًا بسيادة إسرائيل على المدينة، على الرغم من مطالبة المجتمع الدولي بأن تصبح القدس الشرقية بدورها عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية. وتجدر الإشارة إلى أن هناك احتمالًا بأن يُمهِّد قرار سيراليون (حال تطبيقه) الطريق أمام دول إفريقية أخرى لكي تحذو حذو البلد الواقع في غرب إفريقيا[[4]].
ثانيًا: هل تتَّجه أعين إسرائيل صوب الماس؟
في المجمل، تعاني جمهورية سيراليون تدهورًا حادًّا في البنى التحتية وقطاعات مثل الصحة والتعليم، شأنها شأن دول إفريقية عديدة؛ إذ يعيش قرابة 70% من سكان سيراليون البالغ عددهم نحو 8 ملايين نسمة في فقر مدقع؛ بعد أن تسبَّبت الحرب الأهلية (1991 -2002م) في تدمير الجانب الأكبر من المرافق والبنى التحتية في البلاد. وعلى الرغم من ذلك تمتلك سيراليون زخمًا استثماريًّا في مجالات مثل: الزراعة والتعدين وصناعة الأخشاب الخام والصيد والثروة السمكية والسياحة، وغيرها[[5]].
وتشتهر سيراليون بإنتاج الماس والذهب، وتضم أكبر مناجم العالم، فضلًا عن المعادن الأخرى ومِن ثَمَّ يُنظَر إليها على أنها “بلد عائم في بحر من المعادن الثمينة”، ومن ذلك أيضًا الحديد والبلاتين إضافةً إلى ثروتها النفطية[[6]].
ويُعدّ الألماس ثروة قومية مهمة بالنسبة لسيراليون، ويزدهر قطاع التنقيب عن الأحجار الكريمة في شرق البلاد، حتى وصلت قيمته إلى 113 مليون دولار حاليًّا، ونظرًا لأهميته الكبيرة كان له دور رئيس في اندلاع الحرب الأهلية، للحد الذي وصل إلى وصفه بـ “ألماس الدم”[[7]].
وفي إسرائيل، تزدهر صناعة الماس بشكل مستمر، حسبما أفاد تقرير رسمي لوزارة الاقتصاد والصناعة بشأن موقف صناعة الماس في إسرائيل لعام 2022م، والذي أشار إلى أن إجمالي واردات الماس المصقول إلى إسرائيل بلغت العام الماضي إجمالي 3,2 مليار دولار بزيادة قدرها 9% عن العام الذي سبقه. وفي الوقت نفسه بلغت صادرات الماس المصقول 3,85 مليار دولار بزيادة قدرها 5,5% مقارنة بعام 2021م. وبلغت واردات الماس الخام إلى إسرائيل في 2022م قرابة 1,82 مليار دولار، وبلغت الصادرات من الخام ذاته 1,52 مليار دولار[[8]].
وبناءً على المعطيات السابقة؛ يمكن القول: إن المصلحة الإسرائيلية تقضي ببناء علاقات واسعة مع سيراليون، وهو ما يُفسِّر الاهتمام منقطع النظير بهذا البلد الواقع في غرب إفريقيا، في وقتٍ تُشكِّل فيه صناعة الماس رقمًا مهمًّا في معادلة الاقتصاد الإسرائيلي. ومثلما اتجهت أعين تل أبيب صوب النيجر على خلفية ملف اليوارنيوم، كونه أكبر بلد مُنْتِج، يمكن النظر إلى رغبتها في الشراكة مع سيراليون من نفس المنطلق، أي الثروات الطبيعية لتلك البلدان التي تعاني ترديًا في البنى التحتية، وعدم القدرة على استغلال تلك الثروات بالشكل الأمثل.
تقدير الموقف:
1- تواصل إسرائيل وضع ملف نقل سفارات الدول الصديقة الأقل تأثيرًا على صعيد المجتمع الدولي إلى الشطر الغربي من مدينة القدس على رأس أولوياتها الدبلوماسية، في ظل إخفاقها في إقناع الدول الكبرى والفاعلة بالانضمام إلى الخطوة التي استهلتها واشنطن إبَّان الرئيس السابق دونالد ترامب.
2- سيعني إتمام خطوة من هذا النوع احتمال تشجيع المزيد من الدول الإفريقية على القيام بخطوة مماثلة في ظل المتغيرات التي تشهدها القارة الإفريقية والمحاولات المستميتة التي تباشرها الدبلوماسية الإسرائيلية لتحفيز دول بالقارة على انتهاج سياسات جديدة.
3- ستثير خطوة من هذا النوع حفيظة السلطة الفلسطينية وغيرها بشكل مؤكد؛ إذ أعلنت سيراليون مرارًا وتكرارًا أنها تدعم حقوق الفلسطينيين، وسيعني موقفها الجديد -حال ترجمته إلى واقع- انسحابها من هذا الموقف.
4- سيعني تدشين سفارة لسيراليون في القدس الغربية، والتي تبقى قضية عالقة وشائكة، اعترافًا ضمنيًّا بالمدينة كعاصمة لإسرائيل.
5- من المرجح أن رغبة فريتاون في التقارب مع إسرائيل تنبع من محاولة توظيف هذه العلاقات من النواحي الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية؛ أملًا في الحصول على حوافز اقتصادية غربية.
6- يبدو أن لدى إسرائيل رغبة في امتلاك موطئ قدم في سيراليون التي يعتمد اقتصادها على التعدين، وبخاصة الماس، وتُعدّ بين الدول العشر الأولى المنتجة للماس، في وقتٍ تُعدّ فيه صناعة الماس في إسرائيل من الصناعات الحيوية، وتُشكِّل قرابة 25% من الصادرات الإسرائيلية إجمالًا، وتشكل 12% من إجمالي الصناعة عالميًّا.
7- تريد إسرائيل البقاء على مقربة من التطورات في غرب إفريقيا، ولا سيما عقب الانقلاب الذي شهدته النيجر، البلد الذي يمتلك المخزون الأكبر من اليورانيوم على مستوى العالم.
8- أزالت الاتفاقات الإبراهيمية بعض الحرج عن العديد من دول العالم، بما في ذلك دول إفريقية، بشأن إمكانية التقارب مع إسرائيل، بعد أن كانت لديها مخاوف من تأثير هذا التقارب على علاقتها مع دول عربية، على خلفية قضية الصراع في الشرق الأوسط.
9- تعمل إسرائيل بشكل ممنهج على كسب نفوذ في غرب إفريقيا ومناطق أخرى في القارة من أجل مواجهة النفوذ الإيراني سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا.
10- على الرغم من جميع هذه التطورات من المحتمل أن تبقى التأكيدات التي أطلقها رئيس سيراليون بشأن تدشين سفارة لبلاده بالقدس الغربية مجرد وعود، سيصعب ترجمتها إلى واقع عملي.
________________
الهوامش
[1]. انظر: الحساب الرسمي لرئاسة سيراليون على منصة X (العلامة التجارية الجديدة لموقع تويتر) على الرابط: https://twitter.com/Presidency_SL/status/1694788621633478976
[2]. انظر:
“Sierra Leone to open embassy in Jerusalem”, The Times of Israel (Tel-Aviv), 25 August 2023: https://www.timesofisrael.com/sierra-leone-to-open-embassy-in-jerusalem
[3]. إيتامار آيخنر، “البلد السادس؟ سيراليون تعهدت بتدشين سفارة في القدس”، موقع يديعوت أحرونوت (بالعبرية) 25 أغسطس 2023م، على الرابط: https://www.ynet.co.il/news/article/hkcx0ns62
TOVAH LAZAROFF, “Sierra Leone ‘ready’ to open Jerusalem embassy”, The Jerusalem Post (Israel), AUGUST 26, 2023: https://www.jpost.com/international/article-756194
[5]. “بالماس.. منتجو إفريقيا يحاولون تغيير الواقع المرير”، موقع سكاي نيوز عربية (أبو ظبي)، 16 فبراير 2023م، على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/world/1597482
.[6] أمينة الدسوقي، “بلد الألماس: سيراليون الأغنى في العالم”، موقع صدى البلد (القاهرة)، 20 فبراير 2020م، على الرابط: https://www.elbalad.news/4182584
.[7] محمود عبد الوارث، “قصة الألماس في دولة سيراليون: كنز أشعل الحرب الأهلية ثم فتح باب التنمية”، المصري اليوم (القاهرة)، 7 ديسمبر 2017م، على الرابط: https://lite.almasryalyoum.com/extra/174372/
.[8] وزارة الاقتصاد والصناعة. حصاد عام 2022م في صناعة الماس في إسرائيل-عام جيد على الصناعة مصحوبًا بأداء متباين (تل أبيب: 4 يناير 2023م) (بالعبرية)، على الرابط: https://www.gov.il/he/departments/news/diamond_2022