قُتل ما لا يقل عن 48 مدنيا وشرطي واحد في مدينة غوما شرق الكونغو الديمقراطية خلال عملية عسكرية كان هدفها منع تظاهرة مناهضة للأمم المتحدة، بحسب تقرير داخلي للجيش.
ونصت الوثيقة الداخلية للقوات المسلحة الكونغولية التي أكدتها مصادر عسكرية واستخبارية، على أن حصيلة العملية لمنع تظاهرة مناهضة للأمم المتحدة في غوما بلغت “48 قتيلا” و”75 جريحا” من المتظاهرين فيما لقي شرطي مصرعه.
هذا، وأوضحت الوثيقة أنه “تمت مصادرة بضعة أسلحة بيضاء” وتوقيف 168 شخصا، بينهم إفرايمو بسيما، زعيم جماعة “الإيمان الطبيعي اليهودي والمسيحاني تجاه الأمم” التي نظمت التظاهرة.
ويذكر أن هذه الطائفة الدينية المحلية التي تمزج بين الشعائر المسيحية والروحانية، كانت قد دعت في نهاية أغسطس إلى التظاهر أمام مقر بعثة منظمة الأمم المتحدة لإرساء الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (مونوسكو).
ومن جانبهم، قال أعضاء الطائفة إنهم يعتزمون اقتحام قواعد القبعات الزرق لإرغامهم على الرحيل. وفيما يخص الحصيلة الرسمية السابقة التي أعلنها المتحدث باسم الجيش في غوما اللفتنانت كولونيل غيوم ندجيكي، فكانت قد بلغت ستة قتلى من المتظاهرين و”شرطي رجم حتى الموت” و158 موقوفا.
وفي مقطعي فيديو صُوّرا في منطقة غوما وتم تداولهما على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، يظهر جنود يرتدون زي وحدة النخبة وهم يلقون عشرات الجثث في الجزء الخلفي من مركبة عسكرية.
أما الحكومة فقالت في بيان جديد إن عدد القتلى بلغ 43 واعتُقل 158 شخصا. وأضافت أنه تم فتح تحقيق بشأن تدخل الجيش.
ومن جهتها، أعلنت حركة “الكفاح من أجل التغيير” (لوتشا) وهي حركة مؤيدة للديمقراطية نشأت في غوما أن “عدد ضحايا المذبحة التي نفذها الجيش ضد مدنيين عزل يطالبون برحيل بعثة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديموقراطية في غوما يبلغ نحو خمسين شخصا”. كما تحدثت الحركة عبر منصة “إكس” عن “جثث أخرى مخبأة خصوصا في المستشفى العسكري في معسكر كاتيندو” في وسط المدينة.
وقالت آن سيلفي ليندر رئيسة الفرع المحلي للصليب الأحمر الدولي في غوما إن عيادتها استقبلت عددا كبيرا من المصابين بجروح خطيرة جراء طعنات وأعيرة نارية بعد الاحتجاج. وأضافت “كان بعضهم ميتا عندما وصلوا”. وندد القيادي في حركة “لوتشا” بينفينو ماتومو بهذه “المذبحة” التي سقط ضحيتها “أكثر من 50 مدنيا”.
كما اتهم الناشط المؤيد للديمقراطية جاك سينزاهيرا عناصر الجيش بتنفيذ “هجوم على الراديو” التابع للطائفة حيث “قتلوا مقدّمة وضيوفها الخمسة”، ثم “توجهوا إلى الكنيسة حيث أطلقوا النار على 56 شخصا”. وطالب الناشطان بإجراء تحقيق مستقل في الواقعتين.
ومن جهتها، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن “قوات الأمن الكونغولية أطلقت النار وقتلت عشرات المتظاهرين وأصابت عشرات آخرين”، كما “اعتقلت عشرات الأشخاص”.
وقال توماس فيسي، كبير الباحثين في جمهورية الكونغو الديمقراطية في هذه المنظمة الأمريكية غير الحكومية، إن الجيش الكونغولي “يبدو أنه أطلق النار على الحشد لمنع تظاهرة، وهي طريقة وحشية للغاية وغير قانونية لفرض الحظر”.
هذا، وشدّدت هيومن رايتس ووتش على “ضرورة إيقاف كبار المسؤولين العسكريين الذين أمروا باستخدام القوة المميتة غير القانونية، عن العمل والتحقيق معهم ومحاسبتهم على أفعالهم في محاكمات علنية وعادلة”.
وتندرج أعمال العنف هذه في إطار سلسلة هجمات وتظاهرات مناهضة للبعثة الأممية المتهمة بعدم الفاعلية في حربها ضد الجماعات المسلحة في هذه المنطقة الغارقة في الاضطرابات.
وفي يوليو 2022، شهدت بلدات عدة في إقليمي شمال كيفو وجنوب كيفو، اقتحام متظاهرين منشآت تابعة “لمونوسكو”. ووفقا للسلطات، قُتل يومها 36 شخصا، بينهم أربعة من قوة حفظ السلام. وفي مطلع أغسطس، قال الأمين العام للأمم المتحدة في تقرير إلى مجلس الأمن إن بعثة المنظمة لإرساء الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية دخلت “مرحلتها النهائية” رغم الوضع “المتدهور بشكل كبير”.
واوضح أنطونيو غوتيريش أيضا أن “التوترات الإقليمية تفاقمت بشكل أكبر” و”تدهور الوضع الإنساني بشل كبير” و”تم تهجير مئات آلاف المدنيين قسراً”. وأكد أن البعثة الأممية “تظلّ أحد أهداف السخط والإحباط لدى السكان الذين يتهمونها بالتقاعس”.
وفي سبتمبر 2022، أثناء زيارته نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي في مقابلة مع قناة فرانس24 “أعتقد أنه لن يكون هناك أي سبب لبقاء بعثة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديموقراطية” بعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2023 التي سيترشح فيها لولاية جديدة.